في بلد لا زالت مسألة قيادة المرأة للسيارة بعيدة حتى عن البحث الجاد يصبح وجود سائق أو أكثر للعائلة أحد المتطلبات الحياتية الرئيسية ، خاصة عندما يكون رب العائلة محملا مثلي بالكثير من المسئوليات التي تفرض الانشغال وكثرة السفر والترحال . ومع أني حاولت الاكتفاء بسائق واحد لفترة طويلة ، إلا أن كم المشاوير وتعددها وتباعد أماكنها بين متطلبات الأبناء والزوجة والعمل والأقارب فرضت علي أن أستقدم سائقا آخر قبل حوالي خمسة أشهر . ويوم أمس عشت وجها من أوجه مشاكل هذه الفئة من العمالة المنزلية ، حيث تبين أن هذا السائق الجديد الذي ائتمنته على أبنائي وأسرتي لم يكن أهلا لهذه الثقة . واجهته بما فعل ، وصادرت تصريح إقامته ورخصة قيادته ومفتاح السيارة ، وتركته ليبيت ليلة البارحة لأتعامل معه في اليوم التالي . عند منتصف الليل أبلغني السائق الآخر أنه هرب من المنزل . ليس هذا فقط ، بل إنه جلب أقارب له من بني جلدته ، وحاول الاعتداء على السائق الآخر ، وخلق جوا من الخوف والذعر في المنزل ، إذ أن مثل هذا المجرم ربما يحاول التعدي على أي من أهل المنزل في أي وقت من الأوقات . لم أبت ليلة البارحة ، وبادرت بالاتصال بالشرطة أسألهم عما يجب علي فعله في هذه الحالة ، فأفادوني بأنه عليه الذهاب إلى مخفر شرطة الحي لتقديم بلاغ جنائي رسمي ضد المذكور . ذهبت إلى المخفر ، وقابلت الضابط المناوب الذي يبدو أنه لم يكن يعيش مزاجا يسمح له بحسن استقبال المواطنين ، فرفض تسجيل البلاغ ، وطلب مني أن أتوجه إلى الجوازات أولا لأسجل بلاغا بهروب العامل . ولأن ليلة البارحة كانت عاصفة ومطيرة ، فقد أجلت هذا المشوار إلى صباح اليوم ، لأصدم بموظف الجوازات يطلب مني أن أحضر في الساعة الخامسة من الصباح الباكر لأحصل على رقم في دور المتعاملين ، ما يعني أنه سيكون علي تأجيل هذا الإجراء لصباح الغد ، وأن نبيت هذه الليلة أيضا في خوف وجزع . وحتى يتم ذلك ، صرت أتساءل ، هل يجب أن تقع الجريمة حتى يتحرك رجال الشرطة ، وهل سنظل قابعين تحت رحمة مزاج رجال الشرطة في التعامل مع مثل هذه القضايا بما تستحقه من جدية ؟ .
تجربة الكتابة الأسبوعية في الصحافة هي تجربة ثرية من ناحية ، ولكنها من ناحية أخرى تشكل معاناة للكاتب ، من جهة أنها تخلق لديه حسا لالتقاط الأحداث والأخبار لتشكل قائمة طويلة من العناوين والموضوعات ، وهو ما يجعل الكتابة الأسبوعية وسيلة غير كافية لتفريغ مخزون الذاكرة من الموضوعات والعناوين . هذه المدونة ستكون الملجأ الذي أسطر فيه أطروحات يومية من ذلك المخزون ، علها تكون وسيلة لتسجيل خواطري حول الوطن والتنمية والناس .
التجميل
السبت، 30 أبريل 2011
الجمعة، 29 أبريل 2011
اليوم الرابع والتسعون
وصلت الرياض عائدا من عمان . عدت من هذه المدينة بانطباعات جميلة عن شعب يكن للسعوديين كثيرا من التقدير والاحترام ، علاوة على ما أحمله عنها من انطباعات تجاه مكنونها الثقافي والحضاري والعمراني . والأردن بلد يعاني من ضعف البنية الاقتصادية مقارنة بالكثير من الدول العربية ، ومع ذلك فهو يتمتع بقوة العنصر البشري الذي يتمتع بكثير من المهارات في مختلف مجالات العمل والمعرفة . كلنا يتذكر ذلك التميز الذي كان يطبع الأردنيين من المدرسين الذين عاصرناهم في مراحل الدراسة المختلفة من بين بقية الجنسيات العربية ، وكذلك الاحترافية التي ميزت المهندسين الأردنيين الذين عاصرتهم في مسيرتي العملية . رحلة العودة على الخطوط السعودية مرت بسلام ، خاصة وأنني قررت أن أغسل يدي من أي تطور أو تحسن في مستوى خدمة الخطوط السعودية ، بما في ذلك تلك الوجبات البلاستيكية التي يتم تقديمها على متن الرحلة ، أو تلك المبيعات الجوية التي لا تشهد أيا من التجديد أو التنويع ، وأجهزة البيع المعطلة على الدوام . ولأنني قررت أن أخفض سقف توقعاتي من الخطوط السعودية فقد أصبحت أكثر قبولا لهذا المستوى المتدني من الخدمة . مطار الملكة عالية في العاصمة الأردنية مطار بسيط يعاني الكثير من التهالك ، ومع أن هناك مشروعا يجري تنفيذه لبناء صالات جديدة في ذلك المطار ، إلا أن الواقع الراهن يجر الكثير من المعاناة على المسافرين إلى أن يتم إنجاز مشروع المباني الجديدة . ولكن المؤسف في هذه التجربة ، وأرجو أن لا يتهمني أحد بالمبالغة في هذه المقارنة ، أن حالة مطار الملك خالد الدولي تخلق كما أكبر من الإحباط . ليس لأنه أسوأ حالا من مطار عمان ، ولكن لأن الإمكانات المتاحة هنا تفوق بمراحل تلك الإمكانات البسيطة التي تملكها تلك الدولة المثقلة بالديون . لا أحد يستغرب ذلك الضعف في بنية مطار عمان ، ولكن حالة مطار الرياض هي بحق مثار استغراب كل من يزور هذا البلد ، ويصدم بهذا الواقع المتردي لمطار عاصمة أكبر دولة نفطية في العالم .
الخميس، 28 أبريل 2011
اليوم الثالث والتسعون
هذه هي المرة الرابعة التي أزور فيها عمان عاصمة المملكة الأردنية الهاشمية . وهي بحق مدينة جميلة ، حباها الله بطبيعة جبيلة أضافت لبنيتها العمرانية كثيرا من الميزات . عمان ربما تكون المدينة العربية الوحيدة التي تملك هوية عمرانية مميزة بطابع محلي موحد ، وربما يكون استخدام الحجر الأبيض في واجهات المباني هو ما أضفى عليها هذا الطابع . ومنذ اتفاقية السلام مع العدو الإسرائيلي ، المسماة اتفاقية وادي عربة ، تدفقت الاستثمارات الغربية والعربية على هذه المدينة حاملة معها مفاهيم العمارة الحديثة التي غزت بنيتها العمرانية المحافظة . زيارتي لعمان هذه المرة صدمت بمشهد المباني والأبراج الزجاجية الشاهقة التي شوهت سماء المدينة ، تلك المسوخ من المباني أصبحت علامات بارزة في بنية المدية العمرانية وخط سمائها . المشكلة أن كثيرا من هذه المباني لم يتم بناؤه بعد ، وتعثر استكمال بنائه كنتيجة لتعثر الشركات العقارية إبان الأزمة المالية العالمية . وفي النتيجة ، أصبحت هذه الأبراج مسوخا غير مكتملة البناء ، ليكون هذا التشويه تشويها غير مكتمل التنفيذ ، ليضيف كثيرا من الإحباط لحالة هذه المدينة الجميلة . هذا المشهد ذكرني بمشاهد الأبراج المتعثرة في كثير من المدن ، ومشاهد مشاريع المدن الاقتصادية الجديدة في المملكة التي لم تزل حبرا على ورق ، وكانت وسيلة لامتصاص أموال الناس البسطاء في شركات مساهمة بثت كذبة النجاح الوهمي لسرقة أموال الناس . السؤال الذي سيحمله التاريخ ، ما هو حجم الجريمة التي نفذتها تلك الشركات العقارية في سبيل الإضرار بمسيرة التنمية في المدن العربية ؟ . وإلى متى يكون العنصر العقاري هو القائد لمسيرة التنمية ؟ . وأين الحكومات والإدارات المعنية بقضية التنمية من السيطرة على هذا الزخم من السيطرة المالية والعقارية على مقدرات الشعوب ؟ . عمان إحدى ضحايا هذا الجشع العقاري ، وهذا الغزو الاستثماري الجشع الذي دمر هذه البنية العمرانية المميزة لهذه المدينة الجميلة . فهل سيأتي اليوم الذي تحاسب فيه الشعوب هؤلاء اللصوص الذين سرقو أموال الناس ودمرو مدنهم وبيئاتهم ؟.
الأربعاء، 27 أبريل 2011
اليوم الثاني والتسعون
عندما أسافر لحضور أي من المناسبات أو المؤتمرات التي يكتب لي أن أشارك فيها ، اعتدت أن أختار الإقامة في غير الفندق الذي يقام فيه الحدث الذي أحضره . ليس فقط هربا من تجمعات الحضور المشاركين في الحدث ، ولكن أيضا لأحظى بشيء من الاستقلالية ، ولأحظى بفرصة من الراحة بعيدا عن لقاءات المعارف من حضور اللقاءات . هذه المرة في رحلة عمان اخترت الإقامة في فندق يطل على البحر الميت . ومنذ الصباح ، وعندما غادرت الفندق إلى موقع المؤتمر ، كنت أتطلع إلى الضفة الأخرى من البحر الميت ، ذلك الجانب الذي يتبع للسطوة الإسرائيلية الصهيونية . ذلك المنظر لملامح بعيدة لمدينة القدس العتيقة ، ومدينة أريحا عاصمة السلطة الفلسطينية ، ومشهد المستوطنات الإسرائيلية المتناثرة على شاطيء البحر الميت ، كل تلك المناظر أشعلت في نفسي مجموعة من المشاعر الغريبة . مشاعر بالحسرة والقهر والظلم ، وأنا أرى تلك الأراضي المسلوبة على مرمى النظر . تذكرت ذلك المشهد الذي عشته قبل حوالي ثلاث سنوات ، عندما وقفت بمحاذاة سور الأسلاك الشائكة الفاصل بين مدينة العقبة الأردنية ومدينة إيلات الإسرائيلية . تملكني حينها شعور قاتل بالحسرة والإحباط ، وأنا أرى تلك الأرض التي سلبها المعتدون وهي تتلألأ ببنية عمرانية مبهرة ، في مقابل تلك المظاهر المهلهلة لبنية عمرانية متهالكة في الجانب الأردني . هذا المنظر ، والمنظر الذي شهدته اليوم ، رسخا في نفسي شعورا بالذل والضعف والقهر والإحباط . المشكلة أن هذا الشعور عشته وأنا لست إلا زائرا عابرا لهذه المنطقة ، فكيف هو شعور من هم مقيمون فيها ، وما هو نوع العواصف التي يعيشونها وهم يرون أرضهم المسلوبة على الضفة الأخرى من هذه البحيرة . ومع أن التجربة حملت هذه المشاعر المتناقضة من الراحة والسعادة من جهة ، والقهر والإحباط من جهة أخرى ، إلا أنني أجدها تجربة تستحق التكرار ، على الأقل حتى نظل نتذكر هذا الظلم ، وسأحضر أبنائي ذات يوم إلى ذات المكان ، لأريهم ولو من مبعدة أين هي القدس ، وكيف صارت مشهدا نراه من بعد ، دون أن يكتب لنا أن نراها رأي العين .
الثلاثاء، 26 أبريل 2011
اليوم الحادي والتسعون
وصلت اليوم إلى عمان عاصمة المملكة الأردنية الهاشمية لحضور ملتقى التعاون الهندسي السعودي الأردني . سأرى غدا ماهية هذا التعاون ، وكيف يمكن أن يدور حوله نقاش موضوعي ، بعيد عن أطماع اقتناص الفرص السانحة في السوق السعودي دون أي مبادرة لتأسيس أي مبادرات استثمارية . مللت خلال الفترة الماضية ، ومنذ أن انطفأت الجذوة المستعرة في دبي بعد الأزمة المالية العالمية ، من هجمة الشركات العالمية والإقليمية التي تسعى إلى اقتناص فرص العمل في السوق السعودي وفق نظرة محدودة قصيرة المدى . كنت دوما أتساءل عن السبب وراء هذه النظرة الانتهازية التي لا تريد أن تؤسس وجودا دائما في السوق السعودي ، وتنظر إليه كالفريسة التي ما أن ينتهي التهامها حتى يغادر مفترسوها أرض الجريمة . في انتظار الطائرة كنت أشاهد قناة العربية في مطار الملك خالد الدولي ، عندما أذاعت القناة خبرا لم يخل من الطرافة والإحباط . الجهات الأمنية قامت بالقبض على مواطن سعودي من ذوي البشرة الداكنة والملامح الأفريقية ، وحجزته في سجون الترحيل لمدة عشرة ايام ، ثم قامت بترحيله إلى نيجيريا . هذا المواطن كان يعاني من مشاكل في النطق وحالة نفسية لم تمكنه من التواصل مع جلاديه وشرح حالته . ومع ذلك ، فإن ذلك لا يبرر هذه الفعلة الشنيعة . فمن فعلو هذه الفعلة لم يكلفو أنفسهم عناء التقصي عنه في المستشفيات على سبيل المثال ، أو حتى تقديمه للفحص للتعرف على مشكلته قبل أن تتم معاملته بهذه الطريقة . ثم لماذا نيجريا بالتحديد وليست أي دولة أفريقية أخرى . بينما كان الرجل في سجن الترحيل كان أهله يبحثون عنه في كل مكان دون أن يجدو له أثرا ، ودون أن يبلغهم أي أحد في أي جهة أمنية عن مكان احتجازه . هذا النمط في التعامل مع مواطني هذا البلد ، والقائم على هذا المفهوم العنصري المتعسف ، هو أحد الأسباب التي تجعل الآخرين ينظرون إليه نظرة سلبية ، ويمتنعون عن الانخراط الحقيقي في عجلة الاستثمار فيه . فماذا نروم من الأجانب وهم يرون مثل هذا التعامل مع أهل البلد ناهيك عن الأجانب ، في خبر يبث عبر قناة يراها القاصي والداني ، ولا ننسى أنها قناة تعرض وجهة النظر السعودية ، فياترى كيف كانت الجزيرة ستعرض هذا الخبر ؟ .
الاثنين، 25 أبريل 2011
اليوم التسعون
الصورة النمطية للمسئولين الحكوميين في ذهني وفي أذهان الكثير من الناس هي صورة ذلك الشخص المتجهم الوجه الذي يتعامل مع المراجعين وأصحاب المصالح من المواطنين بأساليب لا تخلو من غلظة وسلطوية . ومع أني لا أميل إلى التعميم في العادة ، إلا أن هذا النمط بلغ من الانتشار حدا يجعله أقرب ما يكون إلى القاعدة التي تشمل العموم . وأنا في العادة أتحاشى القيام بمراجعة أي من الدوائر الحكومية لأي من شئوني العملية والخاصة ، وأوكل هذه المهمة إلى تلك الفئة من الموظفين التي فرضتها علينا هذه الحالة ، وهم المعقبون . ولكنني أضطر أحيانا إلى التنازل والقيام بإنهاء بعض الأمور بشكل شخصي ، إما لأن بعض الأمور تبلغ حدا من التعقيد الذي يتطلب تدخلا على مستوى مختلف ، أو لأن ذلك المسئول يلح على أن يقوم صاحب الشأن بملاحقة شئونه بنفسه ، في شكل من أشكال التعقيد وربما الإذلال لأولئك المتعالين من رجال الأعمال . اليوم رأيت أن أقوم بمراجعة أمانة منطقة الرياض لمتابعة بعض شئون العمل ، ولأجدد علاقاتي بعدد من المسئولين في الأمانة ، فالبعيد عن العين بعيد عن القلب كما يقال . زيارتي لوكيل الأمين الجديد المهندس محمد الضبعان أثلجت صدري وأحيت في نفسي الأمل في حالة المسئولين الحكوميين . عندما زرته في مكتبه استقبلني بكل ترحاب ، ولم يكن هذا الترحاب خاصا بشخصي المتواضع ، بل إنني لاحظت منه هذا النمط في التعامل مع كثير من المراجعين الذين كانو من مختلف فئات المجتمع . استمرت زيارتي حوالي الربع ساعة بقيت فيها جالسا بصمت أراقب طريقة تعامله مع هؤلاء المراجعين ، فوجدت رجلا يقابل الناس بكل بشاشة ، ويستمع إلي طلباتهم وشكاواهم بكل اهتمام . وجدته يبحث عن الحلول والمخارج لمساعدة الناس ، ويرفع سماعة الهاتف ليحدث مسئولا هنا وموظفا هناك للتوجيه بحلول وإجراءات فورية حول ما يتلقاه من طلبات . حتى عندما يكون الطلب غير قابل للتحقيق فإن يقدم الرفض مشفوعا بالاعتذار والشرح والتفسير وبوجه تعلوه ابتسامة تبعث الراحة في نفوس المراجعين . خرجت من هذه الزيارة وأنا أدعو لهذا الرجل بالتوفيق ، وأن يعينه على أداء هذه المهمة ، وأن يكتب لنا أن نرى هذا النموذج من المسئولين في كل الأجهزة الحكومية .
الأحد، 24 أبريل 2011
اليوم التاسع والثمانون
لم أتوقع هذا الكم من ردود الأفعال على ما كتبته في هذه المدونة عن رحلتي إلى قطر ، والانطباعات التي عدت بها من هناك . ويبدو أن ما كتبته عبر عما يختلج في نفوس الكثيرين حول هذا البلد ، خاصة وأن بعضهم عبر عن امتعاضه من الدور الذي تقوم به قناة الجزيرة في تغطية الثورات العربية ، والانحياز الذي انجرت إليه في تلك الثورات . واليوم كنت ضيفا لمقابلة صحفية لإحدى الصحف الأجنبية ، ومن أمريكا بالتحديد ، مع أن الحيرة اعترتني عن السبب الذي دعا تلك المراسلة لاختياري لهذه المقابلة ، خاصة وأنها بدت كما لو أنها كانت قد قامت بإجراء بعض البحث عني عندما عرضت بعض المعلومات التي جمعتها من مصادرها الاستخباراتية . ولأن هذه المراسلة قدمت نفسها كمسئولة عن تغطية أحداث السعودية وقطر فقد تطرق حديثنا قبل التسجيل الرسمي لعقد بعض المقارنات بين هذين البلدين ، ولاحظت أن الموقف الفعلي لمثل هذه المراسلة من تجربة قطر مماثل للانطباعات التي عدت بها من الرحلة ، عدا أنها لا تستطيع أن تعبر عن هذا الموقف في التقارير التي تكتبها ، وإلا لخسرت تلك الحملات الإعلانية الضخمة التي تمثل في حقيقتها الهدف الأهم لهذا الجهد الصحفي . هذه الحقيقة بدت جلية عندما انتهى اللقاء الصحفي ، وأخرجت المراسلة ملف التسويق الإعلاني في الجريدة التي تمثلها . وقدمت بالتالي عرضها لوضع صفحة إعلانية في تلك الجريدة ، مقدمة كل الإغراءات عن حجم الانتشار الذي تتمتع به الجريدة ، وموقعها المهم بين مصادر المعلومات في العالم المتقدم . ولأن قيمة الإعلان كانت مرتفعة جدا وبالعملة الصعبة في مقابل أي عائد تسويقي فعال لكياننا المتواضع ، فقد قدمت اعتذاري عن شراء ذلك الإعلان ، وجاء الرد مباشرا عندما انقلب سحنة المراسلة ، وأفادتني بأن نشر اللقاء لن يتم إن لم يتم الاتفاق على الإعلان في الجريدة . في النتيجة ، فإن كل ما تعرضه وسائل الإعلام ما هو إلا نقل مدفوع الثمن بشكل مباشر أو غير مباشر لآراء ومواقف المسئولين في المؤسسات والشركات التجارية ، وربما ايضا في القطاعات الحكومية . فهل لمثل هذا الإعلام من مصداقية ، وهل نستغرب من الجزيرة هذا الانحياز المفضوح ؟.
السبت، 23 أبريل 2011
اليوم الثامن والثمانون
أن يكون الإنسان مسئولا عن أداء مهمة معينة ذات طابع منفرد فهذا هو الحد الأدنى من المسئولية ، وأي تقصير في أداء هذه المهمة لا يعود بالضرر عادة إلا في حدود تلك المسئولية . ومع ذلك ، فإن هذا التقصير هو أحد نماذج الخلل في مناخ العمل في بلادي ، وخاصة بين الإخوة السعوديين . المشكلة أن هذا النوع من المسئولية المنفردة لم يعد موجودا ، إذ أن أي عمل أو مهمة يقوم بها الفرد هي ذات ارتباط وثيق بمجموعة أخرى من المهمام والأعمال التي يقوم بها أفراد آخرون . هذا المنطق ينطبق على كافة الأعمال مهما استحقرها البعض ، حتى مهمة عامل النظافة والسائق والسكرتير وأية أعمال مهما كانت بسيطة فهي ذات أثر قد يكون مدمرا في بعض الأحيان . اليوم مثلا تغيب اثنان من السائقين عن العمل ، وهو ما أوقع الكثير من الارتباك في سير العمل اليومي ، بدءا من التسبب في تأخير الموظفين الذين اعتادو إحضارهم عن مواعيد العمل اليومية ، ومرورا بتعطل كثير من مهام الإرساليات والتوصيل وغيرها ، وانتهاء بتعثر إعادة الموظفين إلى منازلهم . المشكلة أن هذين السائقين ، وهما سعوديان بالمناسبة ، مارسا ذلك النوع الخانق من التجاهل واللامبالاة . فالأول أغلق جواله طيلة اليوم ، والآخر اعتذر بمرضه بعد كثير من إلحاح الاتصالات المتتابعة . هذا النمط من التصرفات يمثل القاعدة الممارسة على كافة المستويات ، وربما تبرز بشكل أكثر جلاء في القطاع الحكومي . فالوقت لا قيمة له ، والإنجاز ليس مستعجلا ، وطالما أن الموظف يحصل على مرتبه الشهري دون أي استقطاع فلماذا نتعجل أمور العمل . شبابنا السعودي يحتاج إلى غسيل دماغ في هذا الجانب ، ولا أدري إن كانت برامج تطوير التعليم قد أخذت هذا الموضوع بعين الاعتبار . وإلى أن يفهم شبابنا أن ثقافة العمل تتطلب الإخلاص والتفاني ، وأن عمل كل فرد له كل الأهمية مهما كان نوعه أو درجته ، وأن العمل بروح الفريق هي السبيل الوحيد لتحقيق الرقي والكفاءة في العمل ، إلى أن نصل لهذا الفهم علينا أن نتأسى بالصبر وتوقيع الخصومات ، مع أنها لا تجدي البتة مع مثل هذا الحس المتبلد .
الجمعة، 22 أبريل 2011
اليوم السابع والثمانون
وصلت إلى الرياض عائدا من الدوحة ، بعد رحلة لا أستطيع وصفها بالناجحة في ظل ما عدت به من انطباعات عن هذا البلد رسخت قناعتي السابقة بعدم جدوى النظر إليه كسوق محتمل لأعمال مكتبنا المتواضع . عدت هذه المرة محملا بعزيمة أكبر على التركيز على فرص العمل الكبيرة في سوقنا السعودي ، وهو السوق الذي تنبع فرص العمل فيه من حاجة تنموية حقيقية وليست مفتعلة أو مزيفة كما هو الحال في قطر ودبي وكثير من الأسواق المحيطة . ولكن رحلة العودة من المطار أصابتني بشيء من الإحباط ، وهو ذات الشعور الذي ينتباني في كل مرة أعود فيها من السفر ، ويمر بي طريق العودة على مشروع جامعة الأميرة نورة بنت عبد الرحمن . والمشروع كما يبدو قارب على الانتهاء ، إذ أن وزارة المالية سخرت له كل طاقاتها وأخرجته من الهيكل المعتاد لنظام المشتريات الذي تمارس من خلاله سلطاتها المركزية ، وهو ما أتاح له أن يخرج من دوامة التعثر التي تشهدها كثير من المشروعات الحكومية ، والتي كانت محور الحديث في مؤتمر إدارة المشاريع الذي عقد في الرياض الأسبوع الماضي . مشروع جامعة الأميرة نورة نموذج لما يمكن أن تكون عليه بقية المشاريع الحكومية من سرعة وجودة في الإنجاز ، مع أنه مشروع يحمل كل صنوف المبالغة والتهويل الذي لا يستند إلى أية مؤشرات عن أية جدوى حقيقية من إنشائه . صورة المباني الضخمة ومسارات القطارات المعلقة والأسوار والبوابات التي تحيط موقع المشروع ذو المساحة الهائلة تثير الكثير من التساؤلات عن جدوى هذا الإنفاق المهول الذي بلغ حسب علمي أكثر من ستة وأربعين مليار ريال ، في الوقت الذي تشهد كثير من مشروعات التنمية الأخرى ممارسات متعددة من التقتير وشد الحزام . ثم كم يمكن أن تستوعب هذه الجامعة من أعداد الطالبات ، وأين هي فرص العمل لهذه الأعداد التي يمكن أن تتخرج منها ، خاصة في مجتمع يمارس كل أشكال الحصار والتحجيم لفرص العمل أمام المرأة السعودية . أكثر المشاهد التي تثير التعجب هي تلك المساجد الضخمة التي يضمها هذا الحرم الجامعي ، فأين هم المصلون الذين يمكن أن يشغلوها في هذا الموقع النائي ، وهل هي مخصصة لطالبات الجامعة أم لغيرهم من عامة الناس . كلما مررت بجوار هذا المشروع تغمرني الحسرة على هذه المليارات المهدرة ، فكم من الناس من هم بحاجة إليها ، وكم من أولويات التنمية تم تأجيلها حتى يتم تنفيذ هذا المشروع الخرافي .
الخميس، 21 أبريل 2011
اليوم السادس والثمانون
عانيت كثيرا طوال ليلة البارحة وطيلة اليوم في محاولة لإرسال أي بريد إلكتروني من الفندق الذي أقيم فيه في الدوحة ، بالرغم من أن استقبال البريد الإلكتروني يتم دون مشاكل . هذا الأمر أراح قراء هذه المدونة من استقبال الغزو اليومي لبريدي الإلكتروني ، وربما لن يصلهم هذا البريد لهذا اليوم أيضا . لا أدري إن كان السبب هو ما كتبته يوم أمس عن دوحة قطر ، وما تضمنه حديثي من نقد ، ولا أدري إن كانت تقنية الرقابة قد وصلت إلى هذا الحد . وعلى أي حال ، فإن يومي الثاني في الدوحة قد رسخ كثيرا من الانطباعات التي تكونت لدي يوم أمس ، وزدت قناعة بأن ما يحصل في هذا البلد الصغير من تنمية إنما هو يسير بخطى متثاقلة على ذات الخطى التي عاشتها دبي قبل أكثر من خمسة عشر عاما . فمظاهر المشروعات الكبرى والأبراج الشاهقة لا تعدو أن تكون صورة تجميلية لواقع متخلف على مستوى التنمية البشرية . وجل المشروعات التي يجري العمل عليها هي ذات طابع عقاري أو سياحي ، ولا تشهد هذه الورشة كثيرا من الذكر لمشروعات صناعية أو زراعية أو حتى تعليمية ، علاوة على غياب واضح لترسيخ الخبرة والمعرفة لدى شباب قطر ، حيث يتم إنجاز هذه المشروعات من شركات عالمية وفق كوتات منسقة لعلية القوم يحصل فيها كل منهم على نصيبه من تلك القسمة . عندما زرت اليوم الجهات الرسمية لمحاولة معرفة إجراءات تأسيس فرع لمكتبنا هنا وجدت شيئا من التنفير والتبكيت لهذا التوجه ، وكأنهم يقولون بشكل غير مباشر أن لا فرصة لنا في كعكة مشروعات كأس العالم ، وأن الطيور طارت بأرزاقها . ذات الانطباع أخذته من بعض الأصدقاء الذين شاورتهم في الأمر ، ولم أجد منهم أي تشجيع على تنفيذ هذا التوجه ، إلا إن كان لي أن أجد أحد الشيوخ من علية القوم ليكون شريكا نعتمد عليه لاقتطاع جزء من هذه الكعكة ، وفرض وجودنا في دائرة تقسيم المشروعات . إذن ، سأعود غدا إلى الرياض لأعاود التركيز على سوقنا السعودي المليء بالفرص والمشاكل ، عسى أن يكتب الله لنا فيها الكفاية والتوفيق .
الأربعاء، 20 أبريل 2011
اليوم الخامس والثمانون
وصلت إلى دوحة قطر ، وأول الانطباعات السلبية خلقه ذلك المطار المتواضع ، فلا ممرات أنبوبية تتصل بالطائرات ، بل باصات تنقل الركاب كما هي الحال في مطار جدة الذي نخجل من كونه بوابة الحرمين . الشيء الجميل الذي لفت نظري هو أسلوب القيادة في الطرق ، فبالرغم من الازدحام الملحوط إلا أن السيارات كانت تصطف بانتظام عند اشارات المرور ، فلا أحد يتجاوز صفوف السيارات من أقصى اليمين ليحشر سيارته أمام إشارة المرور ، وما من سائق يحشر سيارته بين صفوف السيارات ليصل إلى مقدمة الصف . هذا النمط المنتظم من صفوف السيارات تعودت عليه في دبي ، وكنت أتمنى أن أراه في شوارع الرياض وجدة وكافة المدن السعودية . الكل يقف موقف السواسية عند إشارة المرور . هذا الازدحام في المقابل كان يعطي انطباعا بأن المدينة تشهد حركة صاخبة من السكان والزوار ، وفي المقابل ، كانت مشاهد الأبراج التي أحاطت بكورنبش المدينة ، ومشروعاتها العقارية الجديدة ، وقد خوت من سكانها ، وغرقت في ظلمة قانمة ، تعطي انطباعا سلبيا عن ركود يطبق على المشروعات العقارية الضخة التي تشهدها المدينة . مشهد الأبراج المتكدسة في وسط المدينة يلفت النظر ، ولكنها أبراج خاوية لا يشغلها أحد ، ولا أدري ما هو العائد المتوقع من بنائها ، وهل هي مملوكة لجهات حكومية تتبارى في منافسة حامية مقياسها طول الأبراج ، أم شركات تروم عوائد حالمة في ظل ما تعد به الدولة من إقبال على السياحة في هذا البلد الذي لا يملك شيئا من مقوماتها . صورة اليوم الأول في قطر لا توحي بأي مناخ يمكن أن يكون واعدا لسوق مجدية ، وهي صورة تضم كثيرا من التزييف والتجميل الذي يعكس صورة الإعلام الذي تبثه قناة الجزيرة . من يرى الجزيرة وغيرها من مصادر المعلومات عن هذا البلد يصاب بالصدمة عند زيارتها والتعرف على واقعها عن قرب ، فهي لا تعدو أن تكون كذبة أخرى من أكاذيب عالمنا العربي المليء بالزيف والمعلومات المغلوطة .
الثلاثاء، 19 أبريل 2011
اليوم الرابع والثمانون
حب السفر هو أحد الصفات التي جبلني الله عليها ، وأنا في العادة أتخذ قرار السفر دون تردد ، حتى ولو كان الغرض من الرحلة غير ملح أو أنه يقبل التأجيل . ولا تمثل وسيلة السفر بالنسبة لي عائقا أمام تحقيق هذه الهواية ، فإن لم يتيسر لي السفر بالطائرة في ظل مصاعب الحجز التي نعانيها مع الخطوط السعودية فإنني أتخذ قرار السفر بالسيارة بلا تردد . ومع أن رحلتي المزمعة إلى قطر يوم غد تم الترتيب لها منذ فترة ليست بالقصيرة ، إلا أنني أعيش حالة غريبة من التردد لا أعرف لها سببا . ربما تكون هذه هي المرة الأولى في حياتي التي أبحث فيها عن سبب للهروب من هذه الرحلة أو على الأقل تأجيلها . ولكنني عجزت عن ذلك حتى لحظة كتابة هذه السطور ، وسأغادر ظهر الغد بمشيئة الله إلى قطر في رحلة ستدوم يومين اثنين . لم أزر قطر منذ فترة ، إذ أن آخر رحلة لي إليها كانت منذ حوالي الست سنوات . وأتوقع أن أجد هذا البلد وقد أصابه الكثير من التغيير ، إذ أن الصور التي أشاهدها من وقت لآخر تبرز كم العمران المتسارع فيها ، والأبراج الشاهقة التي أصبحت تطبع خط السماء فيها . كثير من الأصدقاء الذين اعتادو السفر إلى قطر ، وحتى بعضهم الذين استوطونوها بشكل دائم ، ينصحونني بتأسيس وجود لأعمالنا فيها ، في ظل ما تشهده من طفرة عمرانية يتوقع لها أن تبلغ ذروتها في إطار الاستعدادات لاستضافة كأس العالم في العام 2022 . في هذه الرحلة سأقوم باستطلاع الأوضاع هناك ، والتعرف على الفرص المتاحة لاتخاذ مثل هذا القرار . ولكنني في الحقيقة لا أجد في نفسي القناعة الكافية بجدوى هذا التوجه ، ولا بحقيقة الجهد التنموي في هذه الدولة الصغيرة على الخريطة الكبيرة بتواجدها على خريطة العمل السياسي والإعلامي في السنوات الأخيرة . المشكلة أن سوق المملكة يعد بحق السوق الوحيد في المنطقة الذي يعج بفرص العمل في هذه الفترة بالنظر إلى كم المشروعات التي نشهدها خاصة في القطاع الحكومي . ومع ذلك فإن كم المشاكل التي نعيشها في هذا السوق يثير بين الفينة والفينة الرغبة في التواجد في أسواق أخرى ، على الأقل بحثا عن مناخ أكثر احترافية في العمل ، وأكثر تقديرا لما نبذله في قطاع العمل الذي نختص به من جهود . على أي حال ، هي رحلة قصيرة إن لم تفد فلن تضر ، وعلى أقل تقدير سأعود منها أكثر فهما لما يحصل في هذا البلد الذي أصبح حديث العالم وشاغل الناس .
الاثنين، 18 أبريل 2011
اليوم الثالث والثمانون
أتجاوز في العادة الكلمات الافتتاحية الرسمية في المؤتمرات التي أحضرها ، إذ أن مثل تلك الأحاديث الرسمية من الوزراء والمسئولين لا تخرج عن خط ألفناه جميعا ، كما أن تلك الأحاديث يمكن أن أطلع عليها في وقت لاحق على صفحات الجرائد التي تتلقف عادة مثل تلك الأحاديث بالتغطية المركزة . ولكنني حرصت اليوم على أن أحضر الكلمة الافتتاحية لمؤتمر إدارة المشاريع الذي انعقد اليوم في مدينة الرياض ، وذلك لأنني أردت أن أستمع إلى ما سيقوله الأستاذ محمد الشريف رئيس هيئة مكافحة الفساد الوليدة . لم أكن أعرف هذا الرجل فيما سبق ، ولذلك أردت أن أعرف من هو هذا الذي تم تكليفه بهذا الملف الهام ، وما الذي سيطرحه من رؤى حول الفساد المتعلق بمشروعات التنمية وما تشهده من تعثر . وفي الحقيقة ، وجدت أن ذلك الحرص لم يكن في محله ، إذ أن ما سمعته من الرجل لم يقنعني بأن لديه معرفة وفهما حقيقيا لطبيعة المشكلات التي تواجه تلك المشاريع ، والأسباب الحقيقية وراء تعثرها . أو أن يكون الرجل قد فضل ألا يكسب عداءات من القائمين على الأجهزة المسئولة عن ذلك التعثر ، وعلى رأسها وزارة المالية ، فآثر أن يصمت حاليا عن الحديث حول هذا الموضوع . أو أنه لم يتسن له بعد أن يدرس حالة تلك المشاريع ليؤسس الفهم المطلوب للمشاكل المحيطة بها . ولكن المشهد الذي أصابني بشيء من الإحباط ، وزرع في نفسي المخاوف من قدرة الرجل على تناول الموضوع بما يستحقه من اهتمام واحترافية ، هو المشهد الذي تعودت عليه من غيره من المسئولين الحكوميين في مثل هذه المؤتمرات . فالرجل غادر قاعة المؤتمر فور إنهاء كلمته ، وخرج بخطر متسارعة كما لو كان يهرب من شيء يطارده . كنت أتمنى أن يكسر القاعدة ، وأن يجلس للاستماع لما سيقوله المتحدثون عن هذا الموضوع الهام ، أو على الأقل أن يفسح شيئا من المجال للنقاش مع الحضور الذين تكبدو عناء الحضور للاستماع إليه . نفس المشهد تكرر من وكيل وزارة التخطيط والاقتصاد الوطني الذي تحدث في الجلسة الأولى من جلسات المؤتمر ، وغادر قاعة المؤتمر فور إنهاء كلمته . لا أدري إلى متى سيظل هذا الأسلوب راسخا لدى المسئولين الحكوميين ، ولا أدري ما الذي يجعلهم يهربون أو يتهربون من الحديث والنقاش مع الحضور في مثل هذه المؤتمرات . ولا أدري إلى متى سيبقى هذا الانفصال بين مسئولي الدولة والمجتمع ، وكيف يمكن أن نصل إلى أية حلول لمشاكل التنمية في ظل هذا الشرخ الواسع في العلاقات .
الأحد، 17 أبريل 2011
اليوم الثاني والثمانون
أحد الإخوة الذين يشرفونني بقراءة هذه المدونة طلب مني أن أعلق على الأحداث الجارية في سوريا . وفي الحقيقة كنت أفضل أن أتورع عن الخوض في هذا الموضوع ، خاصة وأن زوجتي نصف سورية من ناحية الأم ، وأخشى أن يكون رأيي حول هذا الموضوع سببا لإغضابها . كما أنني في الحقيقة لا أعرف الكثير عن هذا البلد حتى يمكنني الكتابة عنه . كل ما أعرفه أنه يمثل أحد أشكال الجمهوريات الملكية التي تضحك على شعوبها بانتخابات واستفتاءات صورية تبرر استمرار رأس الحكم وفريقه المسيطر على زمام الأمور ، وأن الفئة الحاكمة تنتمي إلى حزب هو الوحيد والحاكم والمتفرد بكل شئون البلد من السياسة إلى الاقتصاد إلى التجارة إلى التعليم إلى الحكم المحلي وهلم جرا ، وأن قانون الطواريء هو الأداة التي وظفها على مدار خمسين عاما لقمع الشعب وإدارته ، وأن اقتصاد البلد تراجع على مدى هذه السنوات الخمسين ليصبح في ذيل قائمة الاقتصادات العربية بعد سيطرة الفكر الاشتراكي في أوائل تلك الفترة في الوقت الذي كانت دول الخليج وكثير من الدول لا زالت تحبو في مجال الاقتصاد والسياسية والعمل المؤسسي . ولأنني لا أعلم الكثير عن هذا البلد فقد وجدت لزاما علي ألا أكتب عنه ، وأن أحصر حديثي في ما أعلم وما شاهدته بأم عيني ، وأخص بحديثي تلكما الكلمتين الضافيتين اللتين ألقاهما الرئيس بشار الأسد ، ألأولى في مجلس الشعب الذي كان يقاطعه أعضاؤه أثناء الكلمة ليهتف بحياته وزعامته ، والثانية في مجلس الوزراء المعين حديثا ، والذي كان فيه كالأستاذ الذي يلقي على التلاميذ حصة في أصول الإدارة والعمل السياسي . أكثر ما أزعجني في كلتا الكلمتين ليس كم التجاهل لما يعلنه الشارع من مطالب ، ولا الإصرار على استمرار ذات النهج المتفرد الذي استمر على مدى السنوات الخمسين الماضية ، ولكن المزعج حقا هو كم السخرية والتنكيت والضحك الذي سيطر على أسلوب الحديث ، في الوقت الذي كان الكثيرون يبكون شهداءهم الذين تضرجت الشوارع بدمائهم ، ومعتقليهم الذين كانت تدهسهم اقدام رجال الأمن بأحذيتهم العسكرية . هذا كل ما أستطيع قوله عن هذا البلد ، وأرجو أن يكتب الله لهذا البلد وأهله في قابل الأيام ما يرجونه من حرية ورقي وازدهار .
السبت، 16 أبريل 2011
اليوم الحادي والثمانون
تفضل علينا هذه الليلة أخونا فهد القاسم ، أبو عمر ، باستضافة أعضاء نادي كتاب جريدة الاقتصادية . ضيف الشرف في لقاء الليلة كان سفير المملكة في اليابان وعدد من أعضاء الوفد الياباني المشارك في مهرجان الجنادرية ، واليابان ، لمن لم يعلم بعد ، هي ضيفة شرف المهرجان لهذا العام . تحدث السفير عن مجالات التعاون بين المملكة واليابان ، وتطلعاته ومساعيه إلى توسيع إطار هذا التعاون . فاجأني عندما قال أن اليابان تستورد 30% من استهلاكها من النفط من المملكة ، ومع ذلك فنحن لا نعلم عن اليابان شيئا أكثر من ألعاب بلاي ستيشن وأفلام غراندايزر وأنواع السيارات اليابانية ، فنحن لسنا إلا شعبا استهلاكيا لا نستطيع أن نوظف مثل هذه العلاقة لتطوير قدراتنا الإنتاجية . قدم أحد أعضاء الوفد اليابانيين ، وهو بالمناسبة اعتنق الإسلام منذ أكثر من أربعين عاما ، قدم عرضا عن الكارثة الأخيرة التي أصابت اليابان ، والصراع الذي أنتجته داخل المجتمع الياباني حول مخاطر استخدام الطاقة النووية . الفيلم الذي عرضه كان مؤثرا بحق ونحن نشاهد تلك الأمواج العاتية التي بلغ ارتفاعها 38 مترا وهي تجتاج مدن الساحل الياباني . أبرز ما شدني في حديث المتحدث هو طريقة تعامل المجتمع الياباني مع الكارثة . كل المجتمع الياباني تضامن مع المتضررين ، مع ملاحظة أن اليابانيين فيهم من الأنفة ما يجعلهم لا يقبلون مساعدة أحد . الحقيقة أن تلك الكارثة لو أصابت أي دولة غير اليابان لكانت الأضرار أفدح بمراحل . وتذكرت حينها معاناة جدة من السيول التي لم تنتج إلا عن كم بسيط من الأمطار مقارنة بذلك التسونامي المدمر . أما عن قضية الطاقة النووية ، فالمعلومات كانت محيرة بالفعل ، فإذا كانت دولة مثل اليابان تقوم بمراجعة استخدامها للطاقة النووية ، ونسمع أيضا أن ألمانيا تعمل على الاستغناء عن مصادر الطاقة النووية في السنوات القليلة القادمة ، فلماذا إذن نسعى في هذا الوقت المتأخر لبناء مفاعلات نووية في المملكة لإنتاج الطاقة ، وهل تم النظر في مثل تلك المخاطر التي تحملها ، أليست الطاقة الشمسية وأشكال الطاقة المتجددة الأخرى بديلا أفضل عن هذا الخيار ، مع العلم أن المملكة لم تكن يوما دولة نووية ، ولا تملك المعرفة التقنية في هذا المجال ، وبالتالي فإن ثمن هذه التقنية سوف يكون مرتفعا جدا مع كل ما تحمله من مخاطر . أليست هذه التساؤلات مشروعة ، وهل يا ترى كانت هذه التساؤلات واردة في أذهان المسئولين عن مشروع الطاقة النووية في المملكة ؟ .
الجمعة، 15 أبريل 2011
اليوم الثمانون
انتهى أسبوع إجازة منتصف العام ، وهو أسبوع مر بسرعة البرق كما هو حال كل الأوقات الحلوة . حلاوة الأسبوع لم تكن بسبب الإجازة ، إذ لا ناقة لي فيها ولا جمل ، ولكنها حلاوة أسبغها حضور ابنتي من الشارقة . اليوم ككل مرة تغادر فيها وبعد أن أتركها في المطار عشت لحظات من لوعة الفراق . وكأن هذه اللوعة لم تكن كافية حتى يضيف إليها مزيدا من تعكير المزاج أحد موظفي الجوازات في المطار . في كل مرة أوصل ابنتي إلى المطار أرافقها إلى طابور الجوازات ، وفي كل مرة يوقفني الحاجب ليمنعني من الدخول فأجادله بأن دخولي واجب بصفتي ولي أمرها الذي يمنحها الإذن بالسفر . وإلى أن يتغير هذا الحال وتخرج المرأة السعودية من هذه الحالة من التبعية فإنه سيكون لزاما علي أن أصاحبها إلى طابور الجوازات لأمنحها هذا الإذن بالسفر . بعد أن أنهت ابنتي ختم جواز السفر وتركتني وراءها متوجهة إلى صالة السفر حملت ابنتي الصغرى ذات الثلاث سنوات ، والتي رافقتني لوداع أختها الكبرى ، لتلوح لها بيدها وتودعها بابتسامتها البريئة . في خضم هذا الموقف الجياش سمعت صراخا خلفي لم ألق له بالا ليس من قبيل التجاهل ، ولكن لأن الصوت كان ينادي "يازول يا زول " فلم أتوقع بأنه كان موجها لي . فجأة وجدت يدا تمتد إلى كتفي وتهزني بقوة ، فالتفت لأجد أحد موظفي الجوازات ينهرني لوقوفي في هذا المكان ، ويأمرني بغلظة بالخروج . حاولت أن أسيطر على أعصابي ، فقلت له بكل هدوء ، أولا أنا سعودي ، وكوني أسمر البشرة لا يعني أنني زول حتى ولو اختلط عليك الأمر مع كل أولئك الأشقاء السودانيين المغادرين على رحلة الخرطوم . وثانيا لا داعي لهذه الغلظة والعنف في الخطاب ، فأنا لم أرتكب جرما أكثر من التلويح لابنتي المغادرة . لم أجد منه ردا على ما قلت إلا مزيدا من الغلظة ، فتركته وغادرت وأنا أتساءل ، إلى متى يتعامل مثل هؤلاء مع الناس بهذه الغلظة ، وإلى متى ستظل هذه المشاعر العنصرية مسيطرة على أسلوب مثل هذا الموظف ، وإلى متى سيظل هؤلاء واجهة سلبية لبلادنا في هذا الموقع الذي يتطلب منهم أن يقدمو صورة حسنة لضيوف البلد .
الخميس، 14 أبريل 2011
اليوم التاسع والسبعون
وزارة العدل أعلنت عن عزمها على اتخاذ إجراءات حاسمة لتحجيم ظاهرة طول مدد التقاضي ومنع مماطلة المدعى عليهم في حضور الجلسات ، وبدأت في هذا الإطار بالتنسيق مع إمارات المناطق لتطبيق فصل الخدمات عن مثل هؤلاء المماطلين . قرأت هذا الخبر صباح اليوم وانتابتني حينها موجة هستيرية من الضحك ، خاصة وأنني أحد من عانى الأمرين من مشكلة مماطلة الخصوم ، ولم أستطع أن أفهم كيف يمكن للوزارة أن تعالج هذه المشكلة بهذا الإجراء السطحي . ففصل الخدمات يتطلب أولا أن تكون تلك الخدمات ذات مرجعية موحدة وتحتوي معلومات حقيقية عن أصحابها حتى يمكن تتبعهم وفصل الخدمات عنهم ، وكلنا يعلم كم من السهل تغيير العناوين وإصدار أرقام الجوال دون تثبت من الهوية الشخصية . ويتطلب ثانيا أن تكون إجراءات التواصل والتراسل والتخاطب بين الوزارة وإمارات المناطق ذات فعالية كافية ، ونحن نعلم أن الخطاب يستغرق وقتا طويلا لينتقل من جهة إلى جهة في أروقة الحكومة والتعقيدات الروتينية لإدارات الصادر والوارد . ويتطلب أيضا قدرة من الجهات التنفيذية لتطبيق الفصل بسواسية على الجميع ، ولا أدري إن كانت الوزارة ستتمكن من طلب فصل الخدمات فيما إذا كان المدعى عليه أميرا أو وزيرا أو غفيرا . المشكلة أن هذا الإجراء يعبر عن حالة من اليأس والعجز لدى الوزارة في معالجة هذه المشكلة ، وتثير الكثير من التساؤلات حول فعالية برنامج تطوير القضاء . والسؤال الذي يزعجني دوما ، لماذا تبرز كل المهارات الاستخباراتية والمهنية لدى الأجهزة الأمنية عندما يتعلق الأمر بحالة تتعلق بالإرهاب والأمن الوطني ، فيما تغيب هذه المهارات عندما يتطلب الأمر اقتفاء أثر شخص مختف عن حضور جلسة أو أداء حق أو تنفيذ حكم ؟ . أذكر أن حكما صدر لصالحي ضد شخص يلزمه بدفع مبلغ من المال منذ أكثر من سنتين ، ولا زلت حتى الآن عاجزا عن الوصول لهذا الشخص وتسليمه إلى إدارة الحقوق المدنية لإلزامه بتنفيذ الحكم ، فهل يا ترى يمكن لوزارة العدل أن تفصل عن هذا الشخص أي خدمة تعيد حقي المسلوب ؟ .
الأربعاء، 13 أبريل 2011
اليوم الثامن والسبعون
انتشر خبر تظاهرة المهندسين اليوم أمام مقر وزارة الخدمة المدنية انتشار النار في الهشيم . منذ يوم أمس تناقل خبر الإعداد للتجمع مهندسو القطاع الحكومي في محاولة لرفع أصواتهم المطالبة بإقرار الكادر الهندسي . وفي الحقيقة ، فإن وزير الخدمة المدنية وقع تحت اختبار لم يتعرض له أي من المسئولين الحكوميين في المملكة ، خاصة في وقت أصبحت التظاهرات المليونية مشاهد مألوفة على القنوات الفضائية ، وبعد فشل محاولات تكرار هذه المشاهد في المملكة . ويبدو أن التجمعات الفئوية من مجموعات تطالب بمطالب محددة يمكن أن تكون أكثر قبولا من التظاهرات السياسية . تظاهرة المهندسين صباح اليوم دليل على أن اليأس يمكن أن يجر حتى أكثر فئات المجتمع تعليما وتأهيلا ومهنية إلى خوض غمار أساليب من التعبير والمطالبة ترفضها أعراف المجتمع ، ويحرمها أهل الخطابة والفتوى من رجال الدين . وردة فعل وزير الخدمة المدنية على هذه التظاهرة هي دليل على غياب ثقافة إدارة الأزمات في مفهوم قادة الأجهزة الحكومية ، حيث أن الوزير الموقر استخدم أسلوب التجريم والتسخيف بل وحتى الانزلاق في منحدر التعبيرات اللفظية المرفوضة وسيلة للرد على مطالب المحتشدين . تلك المواجهة التي فاجأت الوزير أمام مدخل الوزارة لم تدم أكثر من دقيقتين لم يجد الوزير مفرا بعدها إلا بالهرب إلى مصعده الخاص ليندس في مكتبه بعيدا عن الأعين . وحتى عندما انتدب المحتشدون ثلاثة منهم لمقابلة الوزير استخدم معهم أسلوب التسويف والمماطلة وإلقاء المسئولية على زملائه من الوزراء أعضاء مجلس الخدمة المدنية وسيلة للخروج من هذا المأزق . موضوع الكادر الهندسي مثال لمطلب سهل التحقيق ولكنه يواجه تعنتا غير مفهوم من قبل المسئولين ذوي العلاقة وعلى رأسهم وزير المالية . والغريب ، أن موضوعا بهذه الأهمية يحمل مخاطر جمة على جودة التنمية لا يجد الاهتمام المطلوب بالرغم من أنه لا يحمل ميزانية الدولة إلا نزرا يسيرا من الأعباء التي تحملها وزير المالية باسما بموجب قرارات الدعم والمنح الأخيرة . ربما يكون السبب أن الوزير وزملاؤه من أعضاء مجلس الخدمة المدنية ليسو من المهندسين حسب ما أعلم ، وبالتالي فما من عائد مباشر يعود عليهم من إقرارهذا الكادر ، وبالتالي ، فلا مانع من أن يظهرو بمظهر حماة المال العام من هؤلاء المهندسين المرتزقة .
الثلاثاء، 12 أبريل 2011
اليوم السابع والسبعون
أحيانا أود لو أنني أكسر القاعدة التي وضعتها لنفسي بعدم الحديث عن أحد بعينه في هذه المدونة ، وموضوع اليوم يمثل أحد هذه الحالات ، خاصة وأن القصة من النوع المضحك المبكي . على أي حال ، كنا قد رفعنا قضية لدى ديوان المظالم ضد إحدى أمانات المدن بعد أن أعيتنا الحيلة في معالجة خلافاتنا مع نلك الأمانة حول عقد أبرمناه معها منذ أكثر من ثلاث سنوات . في الفترة الأخيرة ، لاحظت أن أمير تلك المنطقة بدأ يتحدث في الصحف عن تزعمه لحملة تنظيف في تلك الأمانة وكافة الأجهزة الحكومية في المنطقة ، وأصبحنا نسمع بين الفينة والفينة أخبارا عن القبض على موظف من هناك والتقاط آخر من هناك . تعشمت أن يكون فيما سمعته عن هذا الأمير نموذجا لحل يسعفنا في معالجة مشكلتنا مع تلك الأمانة بعيدا عن أروقة القضاء التي أعلم مسبقا أنها ستطول لسنوات وسنوات قبل أن تجد طريقا إلى الحل . بادرت عندها بالكتابة إلى ذلك الأمير عارضا معاناتي أمام أنظاره ، وشارحا كل تفاصيل المشكلة مع كل المستندات الدالة على ما ندعيه . تم تسليم الخطاب ومرفقاته إلى مكتب سموه في الأمارة قبل حوالي الشهر ، ومنذ ذلك الحين ونحن ننظر ردا يثلج الصدر . أرسلت مندوبا هذا الأسبوع إلى تلك المدينة لمتابعة الموضوع ، ففاجأني بأن مكتب الأمير أبلغه بأن المعاملة أحيلت إلى الشرطة . ومع كل القلق من غرابة هذا الإجراء قام المندوب بمراجعة الشرطة ليجد أن المعاملة أحيلت إلى البحث الجنائي . يا ساتر يارب ، ما الذي يحدث ، هل ياترى أمر الأمير بالقبض على ذلك الأمين أم ماذا ؟ . اليوم اتصل بي المندوب وهو يكاد يخر ضاحكا . أبلغني بأنه بعد مراجعة إدارة البحث الجنائي علم بأن توجيه الأمير كان نصه " لإفهام المذكور ، أي أنا ، بالرجوع إلى جهة الاختصاص ، أي القضاء " . طيب ، لماذا كل هذا اللف والدوران لإبلاغ المذكور بهذا التوجيه الفارغ من محتواه ؟ ألم يكن من الممكن إفهام ذلك المذكور بخطاب من مكتب الأمير ؟ أم أن ما قام به المذكور من مخاطبة الأمير بلغ من الصفاقة منتهاها حتى يتم إفهامه رغبة الأمير عن طريق الشرطة والبحث الجنائي ؟ .
الاثنين، 11 أبريل 2011
اليوم السادس والسبعون
الصحف السعودية بدأت هذه الأيام بالحديث مرة أخرى عن قضية غلاء الأسعار ، مع الإشارة بالتصريح أحيانا وبالتلميح أحيانا إلى أن هذه الموجة من التضخم هي من آثار منحة راتب الشهرين الأخيرة . كثير من المتحدثين من المواطنين عبرو عن خيبة أمالهم من الاستفادة من هذا الدخل الإضافي الطاريء بعد أن صدمو بغلاء الأسعار التي التهمت المنحة والفرحة التي صاحبتها . ليس غريبا أن هؤلاء الناس غفلو عن هذه الآثار التضخمية الناجمة عن مثل هذه الإجراءات المالية ، ولكن الغريب هو أن الجهات الرسمية وخاصة وزير المالية ينفون أي أثر تضخمي لهذه القرارات ، بل إن معاليه يتوقع خفضا للتضخم على المدى المتوسط والبعيد . لست أدري إن كان الوزير يتحدث بشكل جاد قائم على قناعة شخصية ، أم أنه يستخف بعقول الناس ومشاعرهم .أنا لست من أهل الاقتصاد ، ولكنني أعلم على اليقين أن أي زيادات طارئة في الدخل ستؤدي إلى تضخم محتوم . والآن وقد انتهى أثر الفرح بالمنح المالية ستبدأ رحلة المعاناة الطويلة مع المستويات الجديدة من الأسعار ، وهي المعاناة التي ستكون مضاعفة على موظفي القطاع الخاص والمتسببين الذين لم يحصلو على نصيب من تلك المنحة ، ومع ذلك فهم يذوقون لظى آثارها التضخمية . لاحظو أن القرار الوحيد الذي تم تطبيقه من ضمن منظومة القرارات الأخيرة هو منحة راتب الشهرين ، ولا زلنا بانتظار تنفيذ بقية القرارات التي ستؤدي لا محالة إلى مزيد من التضخم في قطاعات أخرى من السوق . فرفع قرض صندوق التنمية العقاري سيؤدي إلى مزيد من التضخم في أسعار الأراضي والعقارات ، وبدء ضخ مليارات الإسكان سيؤدي إلى تضخم أسعار مواد وخدمات البناء ، وقس على ذلك فيما بقي من تلك القرارات ، ولا أنسى نظام الرهن العقاري الذي سيكون بمثابة الوقود لصاروخ التضخم في سوق العقار . فيالها من فرحة لم تتم ، وياله من مستقبل مشوب بالأعباء والهموم .
الأحد، 10 أبريل 2011
اليوم الخامس والسبعون
عقدة الخواجة لا زالت متجذرة في نفوس الشعب السعودي وخاصة قطاع الأعمال . أنا شخصيا مررت أثناء حياتي العملية بكثير من التجارب الذي ثبت لي فيها خطأ هذه النظرية بشكل عملي . أذكر أثناء عملي في الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض أن كنا نستقبل بين الفينة والفينة خبراؤ أجانب من ذوي العيون الزرقاء والشعر الأشقر ليفضو علينا بخبراتهم ومعارفهم الجمة . وكثيرا ما كنا نصدم بضحالة تلك الخبرات والمعارف مقارنة مع المبالغ الضخمة التي يتقاضونها في شكل أجر يومي بالعملة الصعبة . ومنذ ذلك الحين ، ترسخت لدي قناعة مناقضة ، إذ أصبحت أتحاشى التعامل مع تلك الفئة ، وأسعى دوما إلى استقطاب الإخوة العرب إن عجزت عن استقطاب مثلائهم من السعوديين الذين غالبا ما يبحثون عن استقرار الوظيفة الحكومية وما تشجع عليه من كسل . ومنذ بدأت الأزمة المالية العالمية ، اجتاحت المملكة أفواج من الخواجات الذين فقدو فرص عملهم في دبي والمدن الإقليمية الأخرى ، وأصبحت أتلقى سيولا من السير الذاتية لأجانب يطلبون العمل في المملكة ، علاوة على ممثلي الشركات الأوروبية والأمريكية الذين انهلو على السوق وهم يبحثون عن موطيء قدم لهم ولبضاعهم التي كسدت أسواقها في الدول المحيطة . أحد هؤلاء كان أمريكيا من أصل لبناني ، سيرته الذاتية مليئة بالإنجازات والخبرات . عرض هذا الأخ نفسه للعمل معنا ، وأغرتني الفكرة بعد أن وجدته يقبل عرضا ماليا يقل بكثير عن الأرقام التي اعتدت سماعها عن دخول مثل هذا الخبير الأجنبي . وبعد أن بدأ العمل معنا وجدتني أصب في معينه مجمل خبراتي في السوق العقاري السعودي ، وخرج بعد سنة كاملة بمحصلة خبرة مكثفة كانت ستكلفه الكثير لو أنه كان سيدفع مقابلها في أي جامعة أو معهد متخصص . بعد أن اكتفى من الخبرة والمعرفة استقال هذا الخبير دون أن نحصل منه على أي عائد يقابل كم المبلغ المهول الذي قبضه على مدار العام ، وعاد إلى بلاده لينضم إلى أسرته التي ما عاد يطيق فراقها كما قال . اليوم أرسل لي رسالة إلكترونية يقدم نفسه فيها كمدير لتطوير العقارات في إحدى الشركات الخليجية الكبرى في البحرين ، ويطلب اجتماعا معي لبحث سبل التعاون . لا أدري كم بلغت قيمة عقده مع تلك الشركة ، ولكنني أحسست بالغبن من هذا الموقف ، فلو أنني تقدمت شخصيا لتلك الشركة لما حصلت على جزء من قيمة عقد هذا الخبير المستحدث ، مع أنني أنا من زوده بما أصبح يملكه من معرفة ، وأنا من دفع له ليحصل على هذه الخبرة .
السبت، 9 أبريل 2011
اليوم الرابع والسبعون
كل شيء في هذه الدنيا له وجهان ، فلا خير مطلق ولا شر مطلق . أتعبتني الوعكة التي بدأت تجتاجني منذ يوم أمس ، وبلغت حدها اليوم فيما بدا أنه انهيار كامل لمقاومتي لعواصف الغبار التي غطت الرياض طوال الأسبوع الماضي . منذ استيقظت هذا الصباح وأنا في سعال متواصل أفقدني القدرة على الحديث نتيجة لضياع الصوت ، ووجدتني مضطرا لأخذ إجازة إجبارية مع أن يوم السبت عادة ما يكون مليئا بارتباطات العمل . هذه الراحة الإجبارية كانت أحد الجوانب الإيجابية لهذه الوعكة ، إذ أنني لا أذكر متى كانت آخر مرة بقيت فيها في المنزل ليوم كامل ، خاصة مع تمتع أبنائي بإجازة منتصف الفصل ، ووجود ابنتي التي وصلت من الشارقة يوم أمس لتنير منزلنا لأسبوع إجازة صادف أن يتزامن مع إجازة المدارس في السعودية . بعد الظهر اتصلت بأحد الإخوة من جدة لأستشيره في أمر من أمور العمل ، فاجأه وقع صوتي المكبوت ، وتمنى لي الشفاء العاجل وكأنما قد شاب نفسه شيء من الحسد على هذه الإجازة الإجبارية . سألني عما حل بي فقلت له أنها آثار غبار الرياض ، فرد ضاحكا ، أنتم لديكم الغبار في الرياض ونحن لدينا السيول في جدة . قلت له ضاحكا أن الفرق بين الحالتين أن مشكلة الغبار ليست قابلة للحل ، بينما مشكلة السيول يمكن حلها ولو تطلبت شركات استشارات عالمية ، ومشروعات كبرى تنفق عليها المليارات ، ولجان محاسبة وتحقيق لا تخرج بأي نتائج . أنهيت المكالمة وأنا أحس بالرثاء لجدة وأهلها ، لأصدم بعدها بخبر وفاة الكاتب الكبير محمد صادق دياب ليلة البارحة . لم أقابل هذا الرجل إلا مرة أو مرتين ، ولكني أعرفه من حديث الكثيرين عنه ومنهم إخوتي الذين يكبرونني في العمر . هاهي جدة تفقد أحد أبنائها الذين أحبوها وكتبو عنها ورفعو صوتهم عاليا بالشكوى مما تعانيه ، فأصبحت مشاعر الرثاء على جدة وأهلها أضعافا مضاعفة .
الجمعة، 8 أبريل 2011
اليوم الثالث والسبعون
أحد الإنجازات الكبرى لوزارة الثقافة والإعلام هو إصدار رخص القنوات الإذاعية المحلية التجارية الجديدة . حسب علمي بلغ عدد القنوات الجديدة حتى الآن أربع قنوات تضاف إلى ثلاث قنوات محلية رسمية كانت تعمل سابقا ، وقناتان تجاريتان كانتا تعملان منذ فترة طويلة لا أدري تحت أي قانون أو نظام بخلاف قانون المعاملة الخاصة . عندما أعلنت الوزارة عن هذا التوجه كنت أحد من أسعدهم هذا الأمر ، حيث أنني أفضل الاستماع إلى الإذاعة في السيارة خاصة مع طول الرحلات البرية التي أقضيها أحيانا في ازدحام طرق الرياض . ومنذ أن بدأت هذه القنوات بالبث أصبح أصبعي ملازما لمفتاح تبديل القنوات في السيارة أقفز بينها بشكل مستمر بحثا عن شيء يستحق الاستماع إليه . غريب كيف استطاعت هذه القنوات أن تخرج بهذا الاستنساخ المبتذل والتكرار الممجوج لبرامجها . كل هذه القنوات تتسابق في توظيف الميوعة والسخف والفرفشة لاستقطاب المستمعين ، ولم أجد بينها جميعا أي مضمون جاد ولو على سبيل التنويع والتوازن . اليوم بعد صلاة الجمعة تنقلت بين تلك القنوات ، فوجدتها جميعا تنقل صلاة الجمعة من مكة المكرمة . غريب أمر هذه القنوات ، لماذا إذن إضاعة الأموال في كل هذه التجهيزات الفنية والتوظيف بين فنيين ومذيعين إذا كانت النتيجة بهذا التكرار والاستنساخ . ألم يكن الأجدى توجيه الاستثمارات لقناة واحدة تقدم مضمونا يستحق الاستماع إليه . كل شيء في هذه القنوات مكرر ، الأغاني والأساليب والبرامج وكل شيء ، وحتى نقل صلاة الجمعة لم يخطر في بال أحد من مديري تلك القنوات أن يخرج فيه عن التقليد ويبادر بنقل صلاة الجمعة من المدينة المنورة مثلا ، أو من الرياض ، أو حتى من المسجد الأقصى أو الأزهر أو الجامع الأموي ، إلى درجة أنني أحس أحيانا أن كل البرامج لكل القنوات يتم وضعها وتصميمها في مكان واحد في الوزارة المعنية ، في مظهر آخر من مظاهر العدالة والمساواة .
الخميس، 7 أبريل 2011
اليوم الثاني والسبعون
قرأت اليوم مقالا للكاتب طلعت حافظ عن عمل المرأة ، ولا أحد فيما أعلم يختلف حول أهمية هذا الموضوع وانعكاساته على البنية الاجتماعية والاقتصادية في المملكة . بينما كنت أقرأ المقال قفزت إلى ذاكرتي صور المشاهد التي رأيتها يوم أمس عندما كنت في زيارة لطبيب العيون في مستشفى المملكة . بيئة العمل في المستشفى تتسم بالانفتاح بشكل يزيد حتى على بقية المرافق الطبية في المملكة ، إذ أن مشاهد السيدات العاملات من طبيبات وممرضات وإداريات كانت ملفتة للنظر ، خاصة وأن معظمهن لم يكن يرتدين العباءة ، وبعضهن كن يتجولن في الأماكن العامة في المستشفى وهن يرتدين ملابس عادية لبس منها الروب الطبي أو زي الممرضات . هذه الدرجة من الانفتاح ربما تحمل بعض المبالغة ، ولكنها تثير تساؤلا كان دوما يدور في ذهني . السؤال هو ، ما الذي يميز المرافق الطبية ليكون مثل هذا الاختلاط أمرا مسموحا فيها ، في الوقت الذي تمنع كافة المؤسسات الحكومية ذات العلاقة مثل هذا الاختلاط في كافة أماكن العمل الأخرى ؟ . العاملات في المستشفيات والمرافق الطبية لا ينحصر عملهن في المجال الطبي حتى يمكن القول بأن طبيعة العمل تتطلب مثل هذا الاختلاط ، وكثير من العاملات يعملن في الاستقبال والشئون الإدارية والخدمات المساندة ، وهو ما يجعلهن عرضة للتعامل المباشر مع الجمهور بجنسيه . وفي المقابل ، فإن كثيرا من الشركات والمؤسسات تسعى إلى فتح المجال لعمل المرأة في مجالات متعددة إدارية ومحاسبية وفنية وهندسية ، وتفرض الجهات المختصة على هذه الجهات تخصيص أماكن مستقلة تماما لعمل المرأة ، في تطبيق محكم لمنع الاختلاط . كثير من تلك المؤسسات لا يتطلب العمل فيها أي تعامل مع الجمهور ، ويكون بالتالي اتصال المرأة في العمل محصورا على بقية منسوبي تلك المؤسسات من الموظفين كل في إدارته . وبالتالي ، إذا كان ما يحصل في المستشفيات أمرا مقبولا فإنه يكون أكثر قبولا في تلك المؤسسات والشركات . إذن ، ما المطلوب عمله حتى يتم بحث هذا الموضوع بما يتطلبه من شفافية وحسم ، إما بمنع الاختلاط في المستشفيات ، أو بتطبيق ذات المباديء على كافة الشركات والمؤسسات الخاصة والعامة .
الأربعاء، 6 أبريل 2011
اليوم الحادي والسبعون
الأحاديث والمقالات والآراء المتداولة حول قطاع القضاء في بلادنا لا تنفك تدور بين كثير من الناس كل يوم ، وخاصة أولئك الذين يعيشون معاناة ملاحقة حقوقهم في أروقة المحاكم . أكثر ما يدمي القلب في هذه المعاناة هو حجم اللامبالاة من جانب القضاة ومساعديهم وكتابهم في اعتبار عامل الوقت في الحكم في القضايا المنظورة . صاحب الحق ، أو طالبه ، يلاحق مسار قضيته على مدى سنوات تطول على صبر الحليم ، وآكل الحق يتمتع بما أكل ، ولا يوقع عليه هذا القضاء العادل أي عقوبة بخلاف إعادة أصل الحق المسلوب . هذه الحالة أعيشها في أكثر من موضوع مع عدد من المحاكم في الرياض والخبر والمدينة المنورة . والمشكلة ، أن رفع القضايا في مدن خارج مدينة السكن الأصلي يتبعه كثير من عناء السفر الذي كثيرا ما يجابه بالتأجيل والتسويف واللامبالاة . القضية التي رفعتها في محكمة الخبر اختصمت فيها أحد رجال الأعمال المبرزين مطالبا بحق أدعيه في صفقة بيع عقار ، وهو حق واضح وضوح الشمس يعلمه كل من يعملون في سوق العقار . القاضي حكم برفض الدعوى بسرعة عجيبة ، تجاوزت سرعة إصدار صك ذلك الحكم . وعندما قدمت اعتراضي على الحكم امتعض القاضي وانتفخت أوداجه . ومنذ ذلك اليوم ، وعلى مدى شهرين كاملين ، كنت أحاول الاتصال هاتفيا بالمحكمة لأعرف مصير ذلك الاعتراض دون مجيب . اليوم أرسلت وكيلا شرعيا إلى الدمام ليسبر أغوار هذه المعاملة ، فاتصل بي من هناك ليبلغني أن المعاملة كانت مفقودة ، واضطر إلى الغوص في أكوام المعاملات بحثا عنها . ولما وجدها أبلغه الكاتب أن القضية ستحال إلى محكمة الدمام الكبرى لتنظر في لجنة الاستئناف . شهران كاملان مرا دون أن ينظرها فضيلة القاضي العادل ، ودون أن يتخذ أحد أي إجراء بخصوص معاملة تتعلق بحق مسلوب . فكم من الوقت ياترى سيستغرق هذا الاستئناف ؟ ، وهل من الحكمة أن اسلم أمري إلى الله وأفقد الأمل في عودة ما أطالب به من حق مسلوب ؟ .
الثلاثاء، 5 أبريل 2011
اليوم السبعون
أتعجب أحيانا كم أصبحت حياتنا محكومة بالمادة ، وكم أصبح المال طاغيا حتى على العلاقات الإنسانية . أتساءل أحيانا ، هل هي متطلبات الحياة التي تجعل الناس يحكمون المادة في كل شئون حياتهم ، أم أنه الطمع والجشع الذي جبل عليه الإنسان ، وقال فيه صلى الله عليه وسلم " ولا يملأ عين ابن آدم إلا التراب " . مظاهر الفساد التي استشرت في كل مناحي الحياة لا دافع وراءها إلا طلب مزيد من المال ، والسباق المحموم على العمل والكسب سواء كان مشروعا أو غير مشروعا أصبح ديدن الناس في هذا المجتمع . المشكلة ، أن هناك نوعا من العلاقات الإنسانية التي لا يمكن أن تكون طوعا للمال ، علاقات الأخوة والصداقة ومافي حكمهما تحكمها أسس إنسانية بحتة لا يمكن أن يكون المال عاملا مؤثرا فيها . صحيح أن القدرة المالية يمكن أن تستخدم لتوثيق العلاقات الإنسانية وكسب الود عبر الهدايا والعطايا والهبات ، ولكن أن تكون هذه العطايا هدفا في حد ذاتها ، وأن نكون هذه العلاقات عرضة للاهتزاز نتيجة نقص القدرات المالية فهذا لعمري مصيبة المصائب . المشكلة ، كما قلت سابقا ، أن هناك فئة من الناس يصعب إرضاؤها ، وكلما مددت يدك إليه بالمنح السخي النابع من إيمانك بأنه يستحق كل شيء ارتفع سقف مطالبه ، وتأصل لديه هذا الشعور بأن قيمته لديك هي بمقدار ما تعطيه . وبالتالي ، فإن أي قصور في قدرتك على الاستمرار في المنح نتيجة لظروف الحياة ومصاعبها يجعل تلك العلاقة وتلك المشاعر في مهب الريح . يصبح السؤال القائم ، إن كانت تلك العلاقة هي بهذا الضعف وهذه الهشاشة ، فلماذا تشترى بالمال ، ولماذا تصبح الخسارة مضاعفة في المال والمشاعر . المشكلة الأخرى ، أن بعض الناس يعتقد أن ما يأخذه منك إنما هو من قبيل التذاكي لذاته أو الاستغفال لك ، دون أن يعي أن ما قدمته وتقدمه له عن طيب خاطر إنما هو نابع من عمق المشاعر التي تحملها له ، وليس من قبيل الضعف والاستكانة والغفلة . أجارنا الله وإياكم من سطوة المال على المشاعر ، فالإنسان بلا مشاعر لا قيمة له ، والمال الذي يكون ثمنا لفقدان علاقة حميمة لا متعة وراءه ، وما هو لعمري إلا خسران مبين .
الاثنين، 4 أبريل 2011
اليوم التاسع والستون
مظاهر الهدر في مجتمعنا تمر أمام أنظارنا في كل وقت ، وكثير من الناس يمرون أمام هذه المشاهد دون أن يتحرك لهم جفن . خرجت من منزلي صباح اليوم متوجها لحضور جلسة اليوم الثاني من حلقة النقاش التي تنظمها وزارة الإسكان لمناقشة الاستراتيجية الوطنية للإسكان ، ومنذ البارحة وأنا أرتب أفكاري لأطرح وجهة نظري حول موضوع الجانب الهندسي والفني في عملية بناء المساكن ، وغياب الآليات والجهود الموجهة لإعادة النظر في أنظمة وطرق البناء في المملكة ، والسعي إلى ترشيد الهدر الناشيء عن غياب مفهوم التصميم الذكي للمباني . توقفت عن إحدى إشارات المرور المزدحمة في ذلك الصباح ، وحانت مني التفاتة إلى ذلك العامل المصري ذو اللحية البيضاء وهو يحمل في يده مفكا يستخدمه لفتح أنبوب المياه الممدود في أحد أحواض النباتات في جزيرة الشارع الوسطى . العامل استغرق وقتا وهو يحاول ضبط كمية المياه المتدفقة من الأنبوب في مشهد مضحك مبك . امتلأ الحوض حتى فاض على الرصيف ، فأغلق العامل الأنبوب ، وتركه متوجها للحوض التالي وذلك الأنبوب لا زال يقطر قطرات متسارعة من المياه الثمينة . اعتمل فكري وأنا أحسب كمية المياه المهدرة من هذا الأنبوب ، وكم من أحواض النباتات يتم ريها بهذه الطريقة البدائية ، وأين ذهبت وسائل الري الأوتوماتيكي وتقنيات التنقيط . تذكرت مشهدا آخر مررت به قبل حوالي الأسبوع في شارع موسى بن نصير ، إذ كان أنبوب مماثل يضخ المياه مندفعة لتنساب في ذلك الشارع كالسيل العرم ، ويبدو أن العامل الذي مر على ذلك الأنبوب كان قد بالغ في شده فحطم فوهته . هذه المشاهد من الهدر والإسراف تدمي القلب خاصة عندما يتعلق الأمر بالماء الذي هو مصدر الحياة . وإذا كانت مثل هذه الممارسات تصدر من الأجهزة البلدية التي يفترض أنها أكثر الجهات حرصا على الموارد الطبيعية ، فكيف لنا أن نعتب على أولئك الناس الذين يمارسون هواية هدر المياه على غسيل السيارات والأفنية ؟ . الظريف ، أن شركة المياه الوطنية تسارع إلى توقيع المخالفات عندما يرى أي من مراقبيها شيئا من الماء المنساب أمام أحد المنازل ، فهل تستطيع الشركة أن توقع مثل هذه المخالفات على الأمانة مقابل هذا الهدر الذي رأيت مثاله صباح اليوم ؟ .
الأحد، 3 أبريل 2011
اليوم الثامن والستون
اليوم بدأت أعمال ورشة العمل الثالثة لمناقشة استراتيجية الإسكان الوطنية التي تقوم على وضعها وزارة الإسكان الوليدة من رحم الهيئة العامة للإسكان . أحد الحضور غابت عنه هذه العلاقة فأشاد بقدرة هذه الوزارة على سرعة الإنجاز في مثل هذا العمل الهام مع أنها لم تبلغ من العمر سوى عشرة أيام فقط . هذه الورشة التي ستعقد على ثلاثة أيام حضرت أولها اليوم بعد أن تلقيت دعوة من الوزارة كانت محل استغرابي استنادا إلى سابق عهدي الناقد للهيئة والمتوجس خوفا من الوزارة التي ورثت ذات الجهاز وذات الفكر . أستطيع أن أقول أن نظرتي تجاه الوزارة يمكن أن تبدأ بالتغير إن أفلح من تحدث اليوم في تحقيق وعوده وتطلعاته وآماله . جلسة اليوم ، بعد أن تجاوزت البروتوكولات المعتادة ، تناولت أول محاور النقاش والذي اختص بموضوع التمويل ، إذ قام الخبير الألماني الذي عاش قدرا من حياته في الولايات المتحدة الأمريكية ، فأصبح بذلك مزدوج الخبرة ، قام بالحديث عن موضوع التمويل في قطاع الإسكان ، حديثا لاحظت أنه أثار الملل والتثاؤب لدى عدد من الحاضرين ، فهو في الحقيقة لم يأت بجديد ، وأعاد تكرار كل المعلومات والأفكار والمقترحات التي يتداولها الخبراء المحليون كل يوم ، ولكنها بالطبع تحمل قيمة مختلفة عندما تأتي من خبير أجنبي . أخذت المايكروفون كالعادة ، ووجهت نقدي اللاذع لصندوق التنمية العقارية ومنهج عمله ، وآليت على الوزارة أن توقع سياط التغيير على الصندوق بعد أن كلفها التعديل الجديد بالإشراف عليه ورئاسة مجلس إدارته . بعد الجلسة بادرني أحد الحضور باللوم على تكرار نقدي وهجومي على الصندوق ، وقال لي أن الصندوق يقوم بدور اجتماعي مهم ، إذ أن لا أحد يريد أن يوصم بالسكن في بيوت الحكومة ، ويفضل في المقابل أن يبني بيته بنفسه كما يشتهي . حاولت أن أثني فكره عن هذا الاتجاه ، فقلت له أنني أقمت في أحد بيوت الحكومة ، وهو شقة في إسكان المعذر ، لمدة بلغت أحد عشر عاما ، وكان من جيراني الطبيب والمهندس وموظف البنك وكثير من أصحاب المهن والوظائف المحترمة ، ولم نوصم بالعيب طيلة تلك الفترة ، فمن أين أتت هذه الفكرة ؟ . بالطبع لا يمكن أن نبني للناس بيوتا كيفما اتفق ثم نطلب منهم أن يقبلو العيش بها صامتين قانعين ، وهذا بالضبط هو أساس مطالباتي المتكررة بأن تتوقف الوزارة عن البناء المباشر ، وإيكال المهمة للقطاع الخاص .
السبت، 2 أبريل 2011
اليوم السابع والستون
كنت قد اطلعت على خبر في الصحف خلال الأسبوع الماضي عن عقد حلقة نقاش في غرفة الرياض التجارية بعنوان "توثيق المساهمات العقارية" . وموضوع المساهمات العقارية بالنسبة لأهل العقار أشبه ما يكون بالمسافر الذي طال غيابه وهم يتحرقون شوقا لعودته وهم لا يعلمون أنه انتقل إلى رحمة الله تعالى في مكان آخر من هذا العالم . مضى على وقف المساهمات العقارية من قبل وزارة التجارة أكثر من ست سنوات ، وأهل العقار لا زالو يكررون الحديث والنقاش والمناداة بعودتها إلى واقع التطبيق ، ومارس كثير منهم في سبيل تحقيق ذلك أسلوب التجاهل والطناش لنظام الصناديق العقارية الذي قدمته هيئة سوق المال بديلا عن المساهمات . والهيئة في المقابل كانت قد صاغت نظام المساهمات بناء على افتراض مسبق بأن كل العقاريين لصوص يجب حماية السوق منهم ، وبذلك جاء النظام مليئا بالتعقيدات والاشتراطات والإجراءات المكبلة . ولأني أتابع مثل هذه المحاولات من وقت لآخر ، مترقبا أن ينجح أي منها في تحقيق هذا الحلم ، فقد حضرت اليوم هذه الحلقة بفهم خاطيء لعنوانها ، إذ اعتقدت أن توثيق المساهمات العقارية يعني تسجيلها وتقنينها وصياغة إجراءاتها ، إلا أنني صدمت بأن كل الحديث هو عن التوثيق بمعنى الرصد والتسجيل ، بما بدا لي أنه شكل من أشكال البكاء على الأطلال . قلت للمجتمعين ما معناه ، أنه إذا كان الهدف من هذا التوثيق تأسيس حجة لدعم مطالبات العقاريين بعودة المساهمات فإن هذا أمر مقبول ، لكن أن ينحصر الهدف في الرصد والتسجيل فهو أمر غريب لا يحمل أي جدوى ، علاوة على أن أهل العقار أنفسهم سوف يضنون بما يملكونه من معلومات حول مساهماتهم السابقة وأرباحها وإنجازاتها وما شابها من نجاح وفشل . السؤال الذي طرحته على أحد الحاضرين بعد الحلقة ، لماذا انحصرت بدائل تمويل التنمية العقارية في الصناديق والمساهمات العقارية ، ولماذا انحسرت كل البدائل الأخرى ، وهل هناك من بديل فعال ينهي هذه المعركة المحتدمة بين أنصار كل من هذين البديلين الأوحدين ؟ .
الجمعة، 1 أبريل 2011
اليوم السادس والستون
لا يمر يوم إلا ونسمع عن حالات من صنوف المآسي في مجتمعنا ، بين قصص الفقر والبطالة والعنف الأسري وغير ذلك الكثير . ومع أن مجتمعنا يضم الكثيرين من أهل الخير ، إلا أن الكثيرين ممن يعيشون المعاناة تعف أنفسهم عن ذل السؤال أو طلب العون . مثل هؤلاء هم من يستحقون الوقوف إلى جانبهم أكثر من أولئك الذين يتسولون عند إشارات المرور أو أبواب القصور أو حتى في أروقة مكاتب الأجهزة الحكومية والشركات الخاصة . اليوم عشت مع إحدى هذه الحالات التي يندى لها الجبين وتدمع لها العين . سيدة في منتصف العمر ، لها من الأبناء ثلاثة ترعاهم بمفردها بعد أن طلقها زوجها الذي غرق في غياهب المخدرات . هذه السيدة لها من الإخوان أكثر من عشرة إخوة جلهم أنعم الله عليه بخير وافر . ولكن لأنها أختهم غير الشقيقة من أب مزواج فقد آثرو أن يرفعو أيديهم عن مد يد العون لها ، بل أنهم تخلو عنها حتى في أحلك الظروف . هي تعيش الآن في بيت أخيها الأكبر ، وهو الوحيد الذي سخره الله لها سندا في هذه الحياة بالرغم من بساطة حاله ، وهي تعاني صنوف العذاب من زوجته وبناتها وأبنائها ، حتى أنهم لم يتورعو عن مد أيديهم عليها بالضرب ناهيك عن الإهانة بالسباب والشتائم . كل هذا وهي صامتة عن إبلاغ أخيها بما تعانيه منهم خوفا عليه وعليهم . وهي طبعا لا تملك أي مورد رزق يعينها على سد حوائجها وحوائج أبنائها من طعام وشراب ، فكيف لها حتى أن تفكر في توفير المال اللازم للخروج إلى منزل آخر مستقل ولو من غرفة واحدة تؤويها هي وأبناءها بعيدا عن هذا الظلم . حاولت هذه السيدة أن تطرق أبواب الجمعيات الخيرية ، ولكن الرد كان دائما يأتي سلبيا عندما يعلم القائمون على تلك الجمعيات أن لها من الإخوة من هم قادرون على إعانتها . هذه السيدة ومثلها الكثيرون هم الأحوج لمد يد العون من أهل الخير ، وأنا أكتب عنها اليوم متطلعا لأن يصل صوت استجدائها من خلال هذه السطور لمن يمكن له أن يسهم في إنقاذها وأبناءها من معاناة العوز والظلم .
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)