ليلة البارحة وطوال اليوم عشت أحداث الجزء الثاني من قصة السائقين والشرطة ، فبعد أن مر أسبوع على هرب السائق الذي أثار الذعر في أجواء منزلي بعد هربه وتهجمه على سائقي الآخر ، اختفى ليلة البارحة السائق الآخر بشكل مريب ، ولم يظهر حتى لحظة كتابة هذه السطور . بعد منتصف الليل فتحت باب غرفته لأجد جميع حاجياته في مكانها ، بما عني لي أنه لم يهرب كما هرب الأول . ساورتني الشكوك والمخاوف من أن يكون ذلك المجرم قد نفذ تهديده ، فذهبت مرة أخرى إلى مركز الشرطة لا ألوي على شيء . هناك استقبلني ضابط آخر ، ولكنه لم يختلف عن الأول البتة في كم البرود والبيروقراطية الذي تعامل به مع هذا الموقف . قال لي ، رسميا عليك أن تسجل بلاغا عن هروب السائق الآخر وهذا كل ما يمكن عمله . قلت له أنني واثق من أنه لم يهرب ، فلماذا يهرب الآن بعد عشر سنوات أمضاها في العمل لدي ، ولماذا يهرب تاركا كل حاجياته في غرفته . الموقف يبدو أنه حالة جنائية تتطلب تحركا سريعا من الشرطة ، ليس فقط للقبض على مجرم هارب ، بل لحماية أسرة يمكن أن يتهددها ذلك المجرم الطليق . لم تحرك كلماتي فيه ساكنا ، فقد كان بالكاد يقاوم النعاس أمام هذا المراجع ثقيل الظل القادم بعد منتصف الليل . خرجت أجر أذيال الخيبة ، عازما على أن أكرر المحاولة صباح اليوم . واليوم أرسلت نيابة عني وكيلي الشرعي ، إذ ربما يمكنه أن يتحدث معهم بذات اللغة التي يفهمونها ، أو على الأقل ليدرأ عني خطر فقدان السيطرة على أعصابي هذه المرة . عاد الوكيل بذات الإجابة ، كل ما يمكن عمله هو تسجيل بلاغ بالهروب لدى الجوازات ، والشرطة لا يمكنها أن تسجل حالة شبهة جنائية دون ثبوت الواقعة ، ولا يمكنها التعميم عن أجنبي لمجرد أنه يمكن أن يكون قد تعرض لأي خطر . إذن ، يبدو أن الأجنبي في بلادنا هو في درجة أدنى من البشرية ، ولا يستحق أن تتحرك أجهزة الأمن لمجرد أنه مهدد أو حتى أنه قتل وألقيت جثته في العراء . السؤال هنا ، هل ياترى هذا التصنيف في درجات البشرية يفصل فقط بين السعوديين وغيرهم ، أم أنه تصنيف يقوم على أساس الدرجات الوظيفية ، أم على أساس الفقر والغنى ، أم على أساس الحسب والنسب ، أم على أساس الفخذ والقبيلة . ولو أن هذه القصة وقعت لأجنبي من ذوي العيون الزرقاء والشعر الأشقر بدل هذا السائق الآسيوي ، فهل ياترى سيكون تعامل أجهزة الأمن بذات الاستخفاف ؟ .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق