وصلت قبل قليل إلى منزلي في الرياض متعبا منهك القوى بعد أن أنهيت رحلة برية طويلة حضرت فيها اجتماعا في مدينة الدمام صباح اليوم وآخر في الأحساء بعد الظهر . ومع أن مثل هذه الرحلات تبدو طويلة متعبة إلا أنني أعدها أكثر كفاءة وفعالية من تلك التي أستخدم فيها الطيران وسيلة للتنقل ، خاصة وأن الخطوط السعودية لم تستطع بعد أن تجد حلا لهذا الازدحام المتواصل على رحلاتها بين الرياض والدمام ، والتي يعجز المرء فيها أن يجد مقعدا قبل أسبوعين في المعدل العام . الجانب الذي يعجبني أيضا في هذه الرحلات البرية أنها تسمح لي أن أتجول في المدن التي أرتادها إن وجدت فسحة من الوقت ، وهو ما فعلته اليوم في الأحساء التي وصلت إليها قبل موعد الاجتماع المقرر ، فتجولت قليلا في مدينة الهفوف قبل أن أذهب إلى الاجتماع . ومنطقة الأحساء هي إحدى مناطق المملكة التي تملك رصيدا عريقا من التاريخ والحضارة ، وتضم كثيرا من الآثار لحضارات قديمة سكنت هذه المنطقة ، إضافة إلى كونها أحد أهم مواقع الزراعة في المملكة منذ القدم ، وتعد واحة نخيل وأشجار كبيرة كانت في الماضي مصدر الغذاء الرئيسي للدولة السعودية في بداية عهدها . ومع ذلك ، فإن معالم هذه المدينة لم تكن تدل على هذه المكانة المهمة ، وملامحها تعاني من إهمال وقصور كبيرين في جهود التنمية والتطوير ، وشوراعها ضيقة ومبانيها تعاني من القدم والتهالك وسوء الحال . الشيء الذي أتعجب له كثيرا في كل مرة أزور فيها إحدى مدن المملكة هو هذا التشابه الكبير في ملامح هذه المدن ، فلا أكاد أجد طابعا خاصا لأي منها مهما كان موقعها في سهل أو على جبل أو ذات واجهة بحرية . السبب الذي أجده مفسرا لهذا المشهد هو ذلك التعميم المطلق لأنظمة لبناء التي تبنتها وزارة الشئون البلدية والقروية ، والتي أغفلت خصوصية البيئة الطبيعية والمناخية المتباينة لمدن المملكة . فهذه الأنظمة تفرض ذات المعايير والشروط والارتفاعات والارتدادات والأنماط العمرانية بشكل موحد ، وهي لا تقدم أية مساحة أو محفزات للبناء وفق ملامح الهوية المحلية لكل منطقة ، ولا للبيئة الخاصة بها . وفي النتيجة ، فإن الزائر لهذه المدن يجد ذات الطابع المعماري وذات أشكال المباني في الرياض الصحراوية وجدة والدمام البحريتين وأبها الجبلية والأحساء الزراعية . وربما تكون مكة المكرمة والمدينة المنورة هما المدينتان الوحيدتان اللتان تحملان شيئا من الاختلاف في هذا النمط المعماري نتيجة لارتفاع قيمة الأراضي في المناطق المحيطة بالحرمين الشريفين ، مع أن هذا الاختلاف لا يعبر عن الهوية المحلية الخاصة في هاتين المدينتين مثلها في ذلك مثل بقية المدن . أنهيت جولتي في الأحساء وحضرت اجتماعي فيها ثم عدت إلى الرياض وأنا أفكر في الطريقة التي يمكن أن نقنع بها وزارة البلديات لتطوير أنظمة البناء المعمول بها حاليا ، والتي تكاد تحتل مكانة الكتب المقدسة ، حتى نحقق لمدننا ما تستحقه من تميز عمراني وهوية محلية خاصة لكل منها .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق