منذ أن وصلت إلى بلدة بنتوتا الساحلية الصغيرة في
سريلانكا وأنا منقطع تقريبا عن العالم ، ويبدو أن إدارة الفندق الذي أقيم فيه
تتعمد إضعاف إرسال شبكات الهاتف الجوال حتى توفر لنزلائه انقطاعا قسريا عن منغصات
العمل وأخبار الدنيا . واليوم تسربت إلى هاتفي الجوال إشارة ضعيفة أعادت إليه
الحياة فانسابت إليه مجموعة من الرسائل التي تضمنت أخبارا متنوعة وبعض الاتصالات
المفقودة . تصفحت هذه الرسائل في عجالة ، واستوقفني من بينها رسالة واردة من أحد
منسوبي المكتب يبلغني فيها بأن فريقا من مفتشي مكتب العمل قد قام بزيارة مفاجئة
اليوم إلى مقر المكتب ، وهو ما أحدث ربكة كبيرة بين الموظفين ، واضطر بعضا منهم
إلى التخفي والهرب ، وهم أولئك الذين لم نتم بعد إجراءات نقل كفالتهم . مثل هؤلاء
نتعاقد معهم بشرط إنهاء فترة تجربة يتيحها نظام العمل مدتها ثلاثة أشهر ، ومن
الطبيعي عدم إنهاء إجراءات نقل الكفالة إلا بعد نجاح التجربة . ولكن مفتشي مكتب
العمل لا يفهمون هذا التسلسل ، وهم يوقعون سياط العقوبة والغرامات على أية حالة من
مثل هذه الحالات لموظفين ينتظر إنهاء نقل كفالتهم بعد إنهاء فترات التجربة
النظامية . شعرت للحظة أنني أقرأ خبرا عن وفد مفتشي الجامعة العربية في دمشق ، فهو
تماما كمفتشي مكتب العمل ، يراقب دون أن يفهم ، ويعاقب دون أن يعدل . هذا النمط من
التفتيش من قبل مكتب العمل هو إجراء مطلوب لمتابعة تطبيق الأنظمة والالتزام بها ،
ولكن المشكلة هي في كيفية تطبيقه ، وتلك الحرفية الانتقائية في التطبيق ، تماما
كتلك الانتقائية في اختيار المؤسسات التي تشن عليها غارات التفتيش هذه . ومكاتب
العمل في هذه الحالات هي الخصم والحكم ، والقاضي والجلاد في آن معا . فهي تسن
الأنظمة ، وهي تراقب تطبيقها ، وهي تحدد الغرامات والعقوبات ، وهي أيضا من يحكم
بإيقاعها وتطبيقها ، وهي من يملك إيقاف الحاسب الآلي ، وهي من يهدد ويتوعد . شعرت
أن دمي بدأ يفور ، وأنني افتقدت لحظات الراحة التي عشتها منذ أن وصلت إلى هنا ،
فكتبت رسالة رد إلى المكتب تتضمن بعض التوجيهات للتعامل مع الأمر ، ولكنني لم
أتمكن من إرسالها إذ عاود الإرسال الانقطاع ، وعاد هاتفي الجوال إلى الصمت المطبق
، فأغلقته ووضعته في خزينة الغرفة ، وخرجت لأتمشى على شاطيء البحر ، علني أنسى هم
مكتب العمل وغيره ممن يخنقوننا بهذه الممارسات .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق