أحد الإخوة الكرام قراء هذه المدونة علق على ما
كتبته قبل يومين عن الإخوة السعوديين في بنتوتا ، وسألني مستهجنا إن كنت أدعو بما
كتبت السيدات السعوديات إلى نزع عباءاتهن . وأنا لا أدري في الحقيقة من أين أتى
هذا القاريء بهذا الاستنتاج ، خصوصا وأنني قلت أنني مقتنع بمبدأ الحرية الشخصية .
ولكنني تساءلت عن مدى ملائمة اختيار من هم يحملون قناعات محافظة لمثل هذه الأماكن
التي تشهد كثيرا من الممارسات التي تتعارض مع تلك القناعات . ثم أنني لم أستطع
أبدا أن أفهم لماذا تعد العباءة السوداء الوسيلة الوحيدة للحجاب ، وهل أن كل النساء
في البلدان الإسلامية مخطئات باختيار أردية أخرى تحقق شروط الحجاب والحشمة غير
العباءة . المسألة هنا في رأيي هي مسألة أعراف وتقاليد وليست مسألة قيود دينية ،
وبعضنا يتنطع في تطبيق الأعراف التي أحيانا ما تكون أكثر تقييدا من ديننا الإسلامي
الذي هو دين اليسر والسماحة . واليوم رأيت دليلا عمليا على ما أقول ، فنساء إحدى
الأسر السعودية المقيمة في فندقنا في بنتوتا كن محافظات على الحجاب الكامل
بالعباءة وغطاء الوجه منذ وصولهن قبل يومين . واليوم رأيت بعضهن جالسات على جانب
حمام السباحة وقد كشفن عن وجوههن .
والأغرب أنني لاحظت أنهن كن يغطين وجوههن كلما مر بالقرب منهن رجل يبدو لهن أنه
سعودي ، بينما لا يحركن ساكنا إن مر أحد من أية جنسية أخرى . تعجبت من هذا الموقف
، وقررت أن أتحرى الأمر أكثر ، فمررت بقربهن وأنا أتحدث في هاتفي الجوال باللغة
الانجليزية فلم يحركن ساكنا بالرغم من وقوفي مواجها لهن ، وعندما تحدثت بلهجتي
السعودية انتبهن وانقلب حالهن ، وبادرن بتغطية وجوههن وتفقد عباءاتهن بشكل مرتبك .
عندها أيقنت أن مسألة الحجاب إنما هي مسألة شكلية مرتبطة بالأعراف الخاصة
بالسعوديين دون غيرهم ، وإلا فإن كشف الوجه إن كان محرما في قناعة أولئك النسوة
فإنه يبقى محرما على كل الرجال وليس السعوديين منهم فحسب . على أية حال ، لا أعتقد
أنه بخاف على أحد أننا شعب متعدد الأقنعة والأمزجة ، وربما أكون أنا أيضا على هذه
الشاكلة رغما عني أو دون انتباه مني . وأنا الآن قد غادرت هذه البلدة الجميلة في
طريق العودة إلى الرياض التي سأصلها بإذن الله مساء الغد ، وأرجو أن أكون قد تعلمت
درسا في كيفية العيش ببساطة ودون أقنعة ، على الأقل لأرفع عن نفسي وعن غيري عناء
التكلف وعبء تعدد الشخصيات .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق