وصلت إلى الرياض بعد أن كنت قد غادرتها في العام الماضي إلى جدة ، فاليوم هو أيام العام الميلادي الجديد . ورحلة الطائرة التي غادرت على متنها البارحة أقلعت في العام 2011 ووصلت إلى جدة في العام 2012 ، وهو ما جعلني أعيش صورة خيالية تصورت فيها أنني كنت في رحلة عبر الزمن ، وتخيلت فيها أنني سأجد جدة تستقبلني بمطارها الجديد ، وأنني سأجد طرقها وأحياءها أحسن حالا من تلك الصورة التي أحملها في ذاكرتي من كل رحلاتي الماضية إليها . استيقظت من هذا الحلم عندما هبطت الطائرة وركبنا باص المطار الذي انقرض من كل المطارات الحديثة والقديمة التي زرتها في السنوات الأخيرة ، وزدت استفاقة عندما وصلت إلى مبنى المطار فوجدته على حاله من التهالك الذي شابه شيء من الترميم والترقيع ، فأصبح كالعجوز الشمطاء التي ترتدي قناعا من مساحيق التجميل . عاد إلى ذهني وقتها ذلك الخبر الذي قض مضجعي قبل يومين ، والذي أكده جاري الذي رافقني في رحلة الطائرة إلى جدة . الخبر هو إلغاء عقد إنشاء مطار جدة ذي المليارات السبعة والعشرين الذي كان قد تم التوقيع عليه قبل عدة أشهر ، وأثار حينها كثيرا من التعليقات والتساؤلات حول ضخامة قيمة العقد . وأذكر أنني قلت حينها أن جدة أحوج ما تكون إلى إنشاء هذا المطار الجديد بأي ثمن ، وبذلك فإن غض البصر عن قيمة العقد قد يكون تصرفا من قبيل الحكمة والتنازل بعد طول انتظار . والآن ، وإن صح هذا الخبر ، فإن جدة ستضطر إلى الانتظار سنوات أخرى قبل أن يجد هذا المشروع طريقا للتنفيذ ، مع أن إلغاء هذا العقد المضخم يعد بلا جدال أمرا محمودا في هذا الوقت الذي ترفع فيه الدولة راية مكافحة الفساد . رحلة العودة إلى الرياض اليوم جددت لدي القناعة بحتمية تمرير هذا المشروع ونقله من الحلم إلى الحقيقة . ومع ذلك ، فإن الأمر لا يتعلق فقط بتنفيذ مشروع المطار ، بل بتطوير عقليات وثقافة الناس الذين يستخدمونه ويرتادونه ويسافرون على متن الطائرات التي تنطلق منه . رحلة العودة شهدت ذات الجدل والخلط والهوج الذي أراه دوما على متن رحلات الخطوط السعودية ، بما في ذلك تعامل المضيفين والمضيفات مع الركاب ، وخلافات الركاب التي تنشأ عندما يتصادف تخصيص مقعد لرجل بجوار امرأة ، فترفض المرأة جلوس الرجل الغريب بجوارها بالرغم من ازدحام الطائرة بالركاب ، فيضطر المضيفون إلى استجداء الركاب لتغيير مقاعدهم لحل هذا الخلاف . وأنا لا أدري ما الذي يمنع الخطوط من معالجة هذه المشكلة أثناء الحجز أو إصدار بطاقات صعود الطائرة استباقا لمثل هذه المواقف التي تؤدي دوما إلى تأخير الإقلاع وتضجر الركاب . بعد أن هبطت الطائرة وسارت على المدرج توقفت قليلا انتظارا لتجهيز بوابة الوصول ، فما كان من الركاب إلا أن سارعو بالوقوف والتزاحم وتسابقو على تناول حقائبهم قبل أن تصل الطائرة إلى البوابة في مشهد من العشوائية الهوجاء المزعجة ، فتساءلت حينها ، هل يستحق مثل هؤلاء الركاب مطارا جديدا سيكلف الدولة كل تلك المليارات .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق