اصطحبت زوجتي وأبنائي بعد صلاة عصر اليوم في جولة على بعض المعالم والمواقع التاريخية في المدينة المنورة زرنا فيها مسجد قباء ومسجد القبلتين وموقع غزوة أحد ومقابر شهدائها . مثل هذه الرحلة تمثل تحديا أمام أبنائي لاختبار كم المعلومات التي تختزنها ذاكرتي المزدحمة عن تاريخ هذه المواقع والأحداث في سيرة النبي المصطفى عليه الصلاة والسلام . وأحمد الله أني أحمل كما لا بأس به من المعلومات التي تلقفتها من والدتي رحمها الله وكتب السيرة النبوية ، وهو ما لا تضمه مناهج التعليم في مدارسنا . مشهد هذه المواقع بالعموم كان يفتقر إلى الحد الأدنى من التهيئة والتجهيز لمرتاديه ، فبخلاف المساجد المعروفة التي يرتادها الناس للصلاة فيها طلبا للأجر ، فإن المواقع التاريخية مهملة أيما إهمال ، ولا يستطيع زوارها أن يحصلو على أية معلومات عن تاريخ تلك المواقع سوى من بعض الأفراد غير الؤهلين أو المدربين على الإرشاد السياحي . موقع غزوة أحد على سبيل المثال كان مزدحما بالباعة الجائلين الذين يعرضون بضائعهم الرخيصة على زوار الموقع الذي يفتقر إلى أبسط متطلبات التهيئة السياحية . فلا ممرات مناسبة للمشاة ، ولا دورات مياه عامة ، والمرافق الوحيدة في الموقع كانت عددا من المكاتب لمقرات هيئة الأمر بالمغعروف والنهي عن المنكر وهيئات الإرشاد والتوعية الدينية . بحثت عن أية لوحات أو كتيبات إرشادية تشرح للزورا تاريخ المنطقة ، أو أسماء الصحابة الأجلاء الذين تضمهم تلك المقابر ، فلم أجد شيئا من هذا القبيل . بعض المجموعات من الزوار كان يرافقهم مرشدوهم الخاصين الذين أتو معهم ليروو لهم قصص تلك الأحداث الهامة في تاريخ الدولة الإسلامية . تساءلت حينها عن الدور الذي يفترض بهيئة السياحة أن تقوم به في هذا المجال ، وهي التي غابت تماما عن الموقع ، حتى من مكتب بسيط للإرشاد السياحي . أعلم أن هناك شيئا من الحرج من مصطلح السياحة الدينية نتيجة مقاومة بعض المؤسسات الدينية لهذا المصطلح ، ولكن ما كنت أبحث عنه هو شيء من أنشطة السياحة التاريخية ، خاصة في هذه المواقع التي تحمل مخزونا هائلا من الإرث التاريخي الذي يسجل نشاة الدولة الإسلامية في بداية عهدها . تذكرت حينها تلك الجولة التي زرت فيها مبنى الكولوسيوم في روما ، وتلك التجهيزات الرائعة التي كانت تتيح للزوار كثيرا من المعلومات عن هذا الموقع ، بما فيها أجهزة التسجيل التي تشرح تلك المعلومات بعدد كبير من اللغات . تساءلت حينها ، إلى متى ستبقى مواقعنا التاريخية تعاني هذا الإهمال ، في الوقت الذي لا زالت هيئة السياحة تغوص في دراساتها وأبحاثها طيلة عشر سنوات من عمرها دون أي أثر ملموس على أرض الواقع . وإلى أن تصحو هذه الهيئة من سباتها العميق ستظل هذه المواقع على حالها المزري ، وسيبقى زوارها محرومين من تجربة كان يمكن أن تحقق كثيرا من العوائد المجزية على كل المستويات .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق