في هذا الوقت من كل عام ترد إلى مكتبي عشرات الرسائل عبر البريد من جمعيات خيرية من المدن والقرى من شتى أنحاء المملكة ، وكثير من هذه القرى لم أسمع عنها من قبل وربما لا تظهر حتى على الخريطة . ولأن شهر رمضان المبارك شهر تضاعف فيه الحسنات ، فإن هذا النمط من الاستجداء وطلب التبرعات يصبح ظاهرة على كل المستويات ، بدءا من تلك الرسائل إلى تكاثر أعداد المتسولين في الأسواق وعند إشارات المرور ، بمن فيهم أولئك المتسولون الجوالون الذين يرتادون المكاتب في المباني الحكومية والشركات الخاصة . أتعجب بشكل خاص من سيدات وفتيات يحضرن إلى المكتب بحثا عن الشيخ خالد ، ولا أدري هل صفة الشيخ هذه هي من قبيل مشيخة الدين أم مشيخة المال ، وأجزم أنني لا أنتمي إالى أي منهما . قبل أسبوع تقريبا قرأت مقالا للكاتب علي الموسى في جريدة الوطن يتعجب فيها من تلك الرسائل النصية التي كانت تدعو إلى التبرع لضحايا مجاعة الصومال ، والتي تفيد بأن ثمن الوجبة في الصومال لا يزيد على 16 هللة . الكاتب تعجب من إرسال هذه الرسائل التي تفوق تكلفة الواحدة منها تكلفة الوجبة المزعومة . الأمر ذاته وجدته ينطبق على ظاهرة الرسائل التي ترسلها تلك الجمعيات الخيرية ، وهي التي تتكبد مبالغ مقدرة لإرسال رسائل إلى كل من هب ودب ، وأجزم أن كثيرا منها ينتهي إلى أجهزة تمزيق الورق هذا إن لم يكن مصيرها سلة المهملات . وأنا لا أدري في الحقيقة كيف تدار حملات جمع التبرعات في الجمعيات الخيرية هذه ، ولماذا هي أصلا بهذا العدد الذي أصبحت فيه تملأ كل زاوية في كل مدينة وقرية . وهل تأسيس هذه الجمعيات كان أساسا يستهدف الحصول على مخصصات وزارة الشئون الاجتماعية ، ولماذا لا تجمعها جميعا مظلة واحدة تنظم جمع التبرعات وتوزيعها على المستحقين وفق منهج مؤسسي منظم . الحقيقة أن هذه الفوضى في إدارة الأموال تحت مظلة العمل الخيري هي السبب وراء الحملة الشعواء ضدها بدعوى تجفيف منابع الإرهاب من جهة ، وأيضا وراء امتناع رجال الأعمال عن مد يد العون والتبرع لها جراء فقدان المصداقية في كثير منها ، وهي التي لا نسمع عنها إلا عند جمع التبرعات ، وتمتنع تماما عن إصدار أية تقارير أو معلومات عن كيفية توزيع تلك الموارد ، والإنجازات التي حققتها في مساعدة الأسر المحتاجة ، والأهم من ذلك في تأمين فرص العمل والعيش الكريم لهذه الأسر . المشكلة أن الصندوق الخيري الوطني ، أو ما كان يسمى بصندوق معالجة الفقر ، والذي كان يفترض فيه أن يقوم بدور حيوي في هذا المجال ، لا زال يراوح مكانه دون أن نسمع شيئا عن إنجازاته . وبذلك ، يظل المجال مفتوحا لهذه الجمعيات الخيرية لتقوم بهذا الدور الغائب ، حتى ولو شابته بعض الشوائب وأحاطت به كثير من الشكوك .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق