تأخرت اليوم عن كتابة هذه السطور إذ لم أصل إلى المنزل إلا الآن بعد قضاء عدد من المشاوير في ازدحام الرياض الرهيب في ليالي رمضان . ومع أني كنت أحمل بعض الأفكار التي كنت أود الكتابة عنها ، إلا أنني فوجئت بالأخبار التي كانت تعرضها قناة الجزيرة حول بدء ملامح سقوط طرابلس . الأخبار في هذه اللحظة تتحدث عن دخول الثوار معظم أحياء طرابلس ، واعتقال اثنين من أبناء القذافي ، وإلقاء معظم الكتائب أسلحتهم مستسلمين للثوار، بما فيها الكتيبة المسئولة عن حماية القذافي . هذه الحرب بين أبناء الشعب الواحد كانت على مدى الأشهر الخمسة الماضية مدعاة للحزن والأسى على دماء بريئة سالت هباء بسبب الطغيان والتمسك بالسلطة . وفي ذات الوقت كانت محطات أخرى تعرض مقتطفات من حديث متلفز للرئيس السوري يتحدث فيه عن مبادرات إصلاحية هامة ستتم على مدى الأسابيع القلية القادمة . لا أدري إن كان الحدثان مرتبطان ، وإن كان الرئيس السوري قد رأى بأم عينيه مآل الطاغية الآخر في ليبيا فخشي على نفسه ذات المصير وقرر تقديم مبادرات أكثر جدية وأكثر قربا من مطالبات شعبه . ولا أدري أيضا إن كانت هذه المبادرات ستجد القبول من شعبه الجريح بعد كل تلك الدماء التي سالت على شوارع وطرقات المدن السورية . و لا أدري كيف يمكن أن يستمر هو ونظامه في الحكم حتى في ظل التشريعات والأنظمة الجديدة التي أعلن عنها . على أية حال ، اليوم هو يوم نقلة جديدة في تاريخ إحدى الدول العربية ، وهي دولة عانت الأمرين من القمع والكبت الذي جرها إلى موقع سحيق من التخلف ، وباتت تقبع في موقع خلفي وراء بقية الدول العربية المتخلفة أساسا عن ركب العالم المتقدم . لو أن الثوار انتظرو عشرة أيام فقط حتى بداية شهر سبتمبر لكانو قد حققو نجاح ثورتهم في ذات التاريخ الذي نجح فيه ذلك الانقلاب الذي قاده هذا الطاغية قبل اثنين وأربعين عاما . المهم الآن أن يكون هذا التاريخ بداية لعصر جديد من نهضة هذا البلد ، وأرجو الله أن يكتب لهم حالا أفضل من الحال التي أراها في مصر ، والتي أخشى عليها من هذا الصراع السياسي الذي يجتاح أبناءها ولا أدري إلى أين سيؤول بها وبهم . نجاح الثورة التونسية والمصرية والآن الليبية ليس مقياسه إسقاط الأنظمة وحسب ، ولكن الأهم من ذلك هو بناء مستقبل زاهر يعيد تاريخ العروبة الذي بات ذكرى في كتب التاريخ .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق