يبدو أن فكرة ذبح أضحية العيد في المنزل وإعادة إحياء ذكريات الماضي لن تجد سبيلا للتنفيذ ، إذ أن البحث عن جزار يقوم بهذه العملية هو في الحقيقة أصعب مما تخيلت . ويبدو أن هذه المهنة قد اندثرت مع طغيان مظاهر المدنية الحديثة ، فالناس الآن إما أنهم يرسلون أضاحيهم للذبح في المسالخ البلدية ، أو لدى محلات اللحوم الخاصة ، وكثير منهم يريحون رؤوسهم بشراء كوبونات الأضاحي من الجمعيات الخيرية .تذكرت كيف كان الجزارون يتجولون في شوارع الحارات في المدينة المنورة يعرضون خدماتهم عندما كان كل الناس يذبحون أضاحيهم في منازلهم في حدث احتفالي جميل . وتذكرت أيضا كيف أن والدي رحمه الله كان يقوم بذبح الأضحية وسلخها بنفسه تأسيا بالسنة النبوية الشريفة ، وحتى عندما أنهكته السنون بقي يقوم بجزء الذبح ويترك السلخ للجزار ليكمل المهمة . ربما يكون أحد أسباب انحسار هذا المشهد هذا الغلاء الفاحش في أسعار الأضاحي ، إذ وجدت اليوم أنها تخطت سعر الألفي ريال للأضحية الواحدة ، أي أنها تستقطع جزء كبيرا من دخل الأسرة لدى شريحة كبيرة من الناس . ويكون بذلك اللجوء إلى الكوبونات بديلا مناسبا كون أسعارها لا زالت في متناول أيدي تلك الشريحة . المشكلة أن لا رقابة ولا متابعة من أية جهة لهذه الجمعيات الخيرية التي تبيع هذه الكوبونات ، ولا يعلم مشتري الكوبون ما إذا كانت أضحيته تذبح وتوزع بالفعل أم أن تلك الأموال تصرف في مصارف أخرى . على أية حال ، سأظل أسعى فيما بقي من اليوم ويوم غد لإيجاد من يقوم بهذه المهمة العسيرة ، وإلا فإنني سأضطر أنا أيضا للجوء إلى هذه الجمعيات الخيرية لأداء واجب الأضحية ، حتى ولو كان ذلك لا يعدو أن يكون وسيلة لأداء الواجب وإلقاء المسئولية على الغير ، وحتى لو لم أتمكن من إحياء ذكريات المظاهر الاحتفالية لهذا الحدث .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق