شوارع الرياض اليوم خالية بشكل غريب حتى في هذا الوقت من المساء على غير العادة في مدينة زاد عدد سكانها على الخمسة ملايين نسمة ، ويبلغ عدد السيارات فيها ما يزيد على هذا الرقم . يمكنني أن أتنبأ بناء على ذلك أن يوم غد الذي يفترض أن يكون اليوم الأول للعودة إلى دوام المدارس والأعمال سوف يشهد كثيرا من حالات الغياب الجماعي جريا على العادة التي استشرت في نمط حياة الناس على نطاق واسع . موجة البرد التي تجتاح الرياض الآن ، والتي تنبيء ببوادر فصل شتاء قارس ، يمكن أن تكون ذريعة ومصدرا لحجج مرضية لعدد من حالات الغياب تلك . المشكلة أن هذه الفترة هي إحدى أعسر الفترات بالنسبة إلى قرب حلول نهاية السنة المالية للدولة ، وإغلاق دفاتر الموازنات والمخصصات المالية للمشاريع . وهي بالتالي فترة نسابق ويسابق مثلنا الكثيرون فيها الزمن لإنهاء صرف المستخلصات المالية عن الأعمال المنجزة في هذا العام قبل أن تغلق الخزينة ويوقف الصرف لمدة تبلغ حوالي الشهر تجف فيها الموارد وتنقطع فيها السبل . هذا السباق لا يخص بالطبع كبار المقاولين الذين يملكون منافذ خاصة إلى مخصصات وزارة المالية ، وأخرى إلى خزائن البنوك التي تمنحها تسهيلات لا تنقطع كما هي عقود التكليف المباشر للمشروعات الحكومية ذات الطبيعة الخاصة . مثل تلك المشاريع يتم التعاطي معها خارج إطار نظام المشروعات الحكومية ، وهو أمر يمكن أن يكون مفهوما للبعض بالنظر إلى خصوصية مثل تلك المشروعات . ولكنني أرى كل يوما موقعا قريبا من منزلي لأرض صغيرة المساحة وقد نصبت أمامها لوحة تعلن قرب بدء تنفيذ مشروع مقر لشرطة الحي ، وهو مشروع صغير بكل المقاييس بالنسبة إلى تلك المشروعات ذات الطبيعة الخاصة . لوحة هذا المشروع تحمل اسم مكتب دار الرياض كاستشاري للمشروع وهو أحد أكبر المكاتب الاستشارية التي تتمتع بتلك المعاملة الخاصة في ترسية العقود التي كان آخرها مشروع الخمسمائة ألف وحدة سكنية الذي تمت ترسيته دون منافسة معلنة . اللوحة تحمل أيضا اسم مجموعة بن لادن كمقاول للمشروع ، وهي بالطبع غنية عن التعريف بما تقوم به من مشروعات خاصة وبمبالغ هائلة . هاتان الشركتان مشبعتان بالأعمال والعقود ذات الطبيعة الخاصة ، وتتمتعان بكل أشكال المعاملة الخاصة في التمويل والتسهيل والتبجيل . ومع ذلك فإن تلك المشروعات لم تشبع نهمهما للمنافسة والفوز بمثل هذا المشروع التافه ، مع أن كثيرا من الشركات الأصغر هي أحوج ما تكون للفوز بشيء من هذه المشاريع لتطوير قدراتها وخبراتها ومصادر الكسب فيها ، فماذا عليها ياترى أن تفعل لكي تجد لها مكانا في خضم هذه المنافسة المحتدمة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق