أنا الآن في البحرين التي وصلت إليها قبل قليل قادما من الأحساء التي غادرت إليها صباح اليوم أيضا لحضور اجتماع لإحدى اللجان التي أشارك في عضويتها محاولا بذل شيء من الجهد في بعض أشكال العمل العام . على طول الطريق بين الأحساء والبحرين كنت أتلقى رسائل متتابعة على هاتفي الجوال حول نتائج أعمال اللجنة التي شكلها ملك البحرين لتقصي الحقائق حول الأحداث الهوجاء التي شهدتها البحرين ضمن أجواء الربيع العربي ، وهو ما أصابني بشيء من الخوف من أثر هذه النتائج على الأجواء في هذا البلد الذي أتوجه إليه خشية أن أنتهي حبيسا في غرفة الفندق . عبرت الجسر لأجد أن مخاوفي لم يكن لها مبرر ، فكل شيء على مايرام ، ولا ملامح لأي توتر في الأجواء ، اللهم إلا من بعض سيارات الشرطة والأمن التي كانت تراقب الطرق . ربما يكون للنتائج التي أعلنت عنها اللجنة دور في هذا الهدوء ، وهي النتائج التي صيغت بعناية بغرض التهدئة ، فأشركت الجميع في المسئولية عما حصل ، حتى أنها اتهمت الأمن بالإفراط في استخدام القوة ضد المحتجين ، وبرأت إيران من تهمة التواطؤ كما برأت قوات درع الجزيرة من تهمة التورط في أعمال العنف . وإذا كان التقرير قد صيغ بهذه النتيجة بهدف تهدئة الأوضاع فهو أمر يحمد لأعضاء هذه اللجنة ، إذ أن أهل هذا البلد لا يستحقون هذه العاصفة التي كادت أن تدمر مقدرات بنوها على مدى سنوات طوال كانو فيها السباقين في الوسط الخليجي في مسيرة التمدن والتطور . عندما وصلت إلى الفندق أشعلت جهاز التلفاز لأجد أن اليمن أيضا قد خطا خطوة في طريق التهدئة بعد توقيع الرئيس اليمني على المبادرة الخليجية في الرياض بعد أشهر من الملاوعة والمماطلة التي مارسها ببراعة منقطعة النظير . ومع أن الرئيس اليمني ، الذي يمكن أن يقال عنه الآن أنه الرئيس السابق ، كاد أن يفسد هذا الحدث بكلمته التي ألقاها بعد التوقيع ، إلا أن الأمر انتهى على خير ، ويبقى الآن تنفيذ هذه المبادرة حتى يجد هذا البلد أيضا الأمان والتنمية التي يرومها . في الطريق إلى البحرين رافقني أحد الإخوة السعوديين من أعضاء إحدى اللجان الوطنية . وطيلة الطريق لاحظت أنه يتحدث عن دبي وقطر ومجمل دول الخليج بلغة مليئة بالتحامل والتبكيت ، ويصف حكامها ، وخاصة حاكم دبي ، بصفات مهينة ، وهي ذات اللغة التي نسمعها من بعض المسئولين الذين يجنحون إلى تشويه صورة منجزات دبي وبقية دول الخليج التنموية عبر إبراز مساوئها الاجتماعية والأخلاقية واتهامها بأنها قامت على تسويق الدعارة وغسيل الأموال . ومع أني آثرت الصمت على الدخول في جدل بيزنطي حول هذا الطرح ، إلا أنني لم أتمالك نفسي في النهاية ، وقلت له أنه بالرغم من احتمال صحة هذه الاتهامات ، إلا أن دبي على الأقل نجحت في إدارة ما تحقق لها من موارد مالية ، بغض النظر عن مصادرها ، لتحقق نجاحا مشهودا في بناء مدينة حديثة تتمتع ببنية تحتية وخدمية مميزة . وفي المقابل ، فإن المملكة التي تملك موارد جمة لا زالت تعاني الأمرين من سوء إدارة هذه الموارد وقصور حاد في تأسيس البنى التحتية للمدن ، خاصة في هذا الوقت الذي بتنا نسمع فيه عن كوارث هنا وهناك ، بما فيها حرائق المدارس وحوادث الطرق والسيول وغيرها الكثير . الغاية لا تبرر الوسيلة دائما ، ولكن التاريخ لن يذكر لدبي كيف حصلت على أموالها ، بل إنه سيذكر لها ما حققته على أرض الواقع . وهذا الأسلوب من تبرير الفشل عبر تحقير منجزات الآخرين لن يحقق لنا النجاح والرقي الذي نحلم به ونتطلع إليه .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق