في اللحظة التي بدأت أتهيأ لكتابة هذه السطور وردت إلى هاتفي الجوال رسالة تتضمن بعض الأخبار الصحفية العاجلة ، وكان أحدها يعلن صدور الموافقة الرسمية بتوظيف السعوديات في مراقبة الأسواق . لن أستبق بخيالي كيف ستكون تلك المراقبة ، وما إذا كانت ستتم ضمن مفهوم رقابة وزارة التجارة أم هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . ولكن هذا الخبر أحيا تلك المشاعر المليئة بالإحباط والغضب التي خرجت بها صباح اليوم من زيارة لمكتب سعادة وكيل وزارة العمل المساعد بهدف تسريع اتخاذ قرار في طلب إصدار تأشيرات عمل لعدد من المهندسات للانضمام إلى فريق العمل بالمكتب . هذا الطلب الذي بلغ عمره حتى الآن أكثر من خمسة أشهر ولا يريد أحد في الوزارة تحمل مسئولية قبوله أو رفضه أصبح حديث المجالس في الوزارة ، وأصبح الكل هناك يعرفنا بالمكتب صاحب طلب استقدام المهندسات . اللقاء مع وكيل الوزارة المساعد كان لقاء صداميا مليئا بالتشكيك والاتهامات ، فلماذا استقدام مهندسات ، وما حاجتكم بهن ، ولماذا لا توظف مهندسات سعوديات ، أو لماذا لا يكتفى بالرجال لأداء هذا النوع من الأعمال . وكيل الوزارة كان يلقي هذه الأسئلة لا للاستعلام والفهم الصحيح ، بل بحثا عن أية عثرات يرفض بها قبول الطلب ، خاصة وأنه وكما قال قد سبق رفض طلب مماثل أيام الوزير الفقيد غازي القصيبي رحمه الله . قلت للوكيل أن الزمن الآن غير ذلك الزمن ، والتغيرات التي تشهدها المملكة خير دليل على ذلك ، والمرأة الآن مقبلة على احتلال مقاعدها في مجلس الشورى والمجالس البلدية ، واحتلت قبل ذلك مقاعد في مجالس إدارات الشركات والغرف التجارية وكثير من الأعمال التجارية والاجتماعية . وإلى أن تقتنع جامعاتنا بضرورة فتح المجال للمرأة للتعليم في التخصصات الهندسية فإن تعيين مهندسات أجنبيات بشكل نظامي أصبح أمرا ملحا . وما تقديمنا لطلب رسمي للاستقدام إلا رغبة في الالتزام بالأنظمة والبعد عن التستر غير النظامي ، ورغبة في الالتزام بالتقاليد الشرعية التي تؤكد عليها الدولة دائما لحماية خصوصية عملائنا من السيدات . الوكيل لم يعدنا بشيء ، وألقى بالمسئولية على رؤسائه في القبول أو الرفض ، مع أني أعلم يقينا أنه يملك الصلاحية في اتخاذ قرار بخصوص هذا الطلب ، ولكنه الخوف من المسئولية الذي يجعل المسئولين يتهربون من أداء مهامهم كما يجب . بعد الظهر أتت إلى مكتبي مهندسة مصرية الجنسية وقدمت طلبا للتوظيف في المكتب . عندما قرأت سيرتها الذاتية رأيت أنها كانت تعمل مهندسة صيانة في جامعة الملك سعود لأكثر من سنتين ، عندها اقتنعت أن المثالية لا يمكن أن تحل المشكلة ، وأن انتظار تأشيرات الاستقدام التي صرت أحلم بها لن يجدي ، وإذا كان جهاز حكومي كجامعة الملك سعود يمارس التستر والتوظيف غير النظامي فلماذا لا نقتدي به ، ولنا في حكومتنا الرشيدة أسوة حسنة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق