الليلة هي أولى ليالي شهر رمضان المبارك ، وأرجو أن يكتب الله لنا فيه الخير كله وأن يجزل للصائمين والقائمين أجرهم . ومنذ الصباح ، بل منذ أيام الأسبوع الماضي ، بدأت تتكاثر رسائل التهاني على الهاتف الجوال والبريد الإلكتروني بحلول الشهر الكريم . وأنا في الحقيقة أتأرجح في موقفي بين القبول والرفض لهذا النمط في التواصل والتهنئة بمثل هذه المناسبات . فمن جهة تمثل الرسائل حدا أدنى من وسائل التواصل أعده أقل القليل الذي يعد خيرا من عدمه . ومن جهة أخرى أعده شكلا من أشكال مادية الحياة التي طغت في هذا العصر ، وأصبحت خالية من المشاعر والأحاسيس الحميمة . وكنت قد عقدت العزم منذ أن عدت ليلة البارحة من الدوحة على أن أتخطى تلك الحواجز التقنية في التواصل ، وأن أحاول الاتصال بشكل مباشر على الأقل بالدائرة المباشرة من الإخوان والأقارب . واليوم ، وبعد أن أنهيت يوما طويلا من العمل كان الكثيرون فيه يسابقون الزمن في اليوم الأخير من العمل قبل الصيام ، بدأت محاولاتي للاتصال بأولئك الأقارب والأصدقاء ، بمن فيهم من شابت علاقتي معهم شوائب الزمن الغادر ، إذ آليت أن أبدأ صيامي بنفس صافية من أي غل أو حقد ، وأن أبادر بطلب الصفح حتى لو كنت صاحب حق في أي خلاف أو اختلاف . المؤسف أن تلك المحاولات لم تكن كلها محاولات ناجحة ، إذ أنه يبدو أن بعض الناس لم يتنسمو عبير هذا الشهر الكريم ، ولم يشعرو بفضله ، فرأو أن الخلاف لا يحل بمجرد السلام وإلقاء التهنئة ولو في مثل هذه المناسبة الخاصة . مثل هؤلاء لا أدري ما الذي يمكن أن يزيل الغضب من صدورهم ، وأرجو ألا يتطلب ذلك صدمة من صدمات الدهر التي لا يمكن ردها حين لا ينفع الندم . ولمن قبل مني الاعتذار وأجابني في مسعى نشر التسامح أبث شكري وخالص تقديري ، فهذه الدنيا لا تستحق أن نضيع وقتنا فيها في الغضب والخلافات والأحقاد . وعلى أي حال ، أرجو أن يكون حال أولئك الغضبى في عيد الفطر المبارك أفضل مما وجدته منهم هذه الليلة ، عل نفحات الشهر الكريم تفعل فعلها على مدى أيام صيامه وقيامه . وكل عام وأنتم جميعا بخير وعافية .
تجربة الكتابة الأسبوعية في الصحافة هي تجربة ثرية من ناحية ، ولكنها من ناحية أخرى تشكل معاناة للكاتب ، من جهة أنها تخلق لديه حسا لالتقاط الأحداث والأخبار لتشكل قائمة طويلة من العناوين والموضوعات ، وهو ما يجعل الكتابة الأسبوعية وسيلة غير كافية لتفريغ مخزون الذاكرة من الموضوعات والعناوين . هذه المدونة ستكون الملجأ الذي أسطر فيه أطروحات يومية من ذلك المخزون ، علها تكون وسيلة لتسجيل خواطري حول الوطن والتنمية والناس .
التجميل
الأحد، 31 يوليو 2011
السبت، 30 يوليو 2011
اليوم 186
وصلت اليوم إلى الرياض عائدا من دوحة قطر . وطيلة اليوم كنا نتحرى خبرا عن إعلان دخول شهر رمضان المبارك يوم غد أو بعد غد ، خاصة وأن موضوع رؤية الهلال بالوسائل والأجهزة العلمية لا زال محل خلاف . ولأننا لا زلنا نعاني من الخلل الذي نجم عن هروب السائقين والخادمات خلال الفترة الماضية ، فقد وجدت نفسي مضطرا للقيام برحلة شراء حاجيات الشهر الكريم برفقة زوجتي العزيزة . لم أتذمر من هذه الجولة ، فقد افتقدتها في الحقيقة بعد أن غبت عنها لسنوات طويلة كان فيها سائقي هو من يضطلع بهذه المهمة . الرحلة إلى السوبرماركت بالنسبة لي كانت صادمة ، فمع أني أسمع كثيرا عن ذلك الازدحام التي تشهده الأسواق والمراكز التجارية قبيل حلول الشهر الكريم ، إلا أن رأي العين كان أوقع أثرا وأشد إدهاشا . الجميل أن هذا النشاط ربما يكون النشاط الوحيد الذي تتم ممارسته بشكل عائلي ، فترى الرجل وزوجته وربما بعضا من أطفالهما يقودون عربات التسوق في مشهد عائلي حميم . سباق العربات كان على أشده ، والمعركة الأكبر كانت على شراب التوت الذي لا يجد له سوقا إلا في هذا الشهر الكريم . الغريب أن ماركة واحدة فقط من هذا الشراب هي التي تجد هذا الإقبال منقطع النظير ، حتى أن إدارة المركز قررت تخصيص زجاجتين لكل عميل ، وحتى أن بعض الناس اضطر للتحايل على فريق التوزيع للحصول على أكبر عدد ممكن من زجاجات هذا الشراب السحري . المشهد المؤلم فعلا كان عند ختام الرحلة عند صناديق الحسابات . فمشهد طوابير المتسوقين كان مزعجا بحق ، فكل عائلة كانت تقود أمامها عربتين أو ثلاثا كل منها ملأى بالمشتريات التي أجزم أنها تكفي لتمويل احتياجات هذه العائلة لعدة أشهر . وأنا في الحقيقة لا أدري لماذا يرتبط شهر رمضان المبارك بالطعام والشراب ، إلى جانب بقية العلامات البارزة فيها طبعا من مسلسلات ومسابقات وما في حكمهما . والمؤلم في هذه السنة بالذات أن هذا المشهد من الهدر والإسراف يأتي في الوقت الذي نشاهد فيه ونسمع عن المجاعة التي تجتاح القرن الأفريقي ، والغلاء الذي يجتاح أسواقنا ودعا الكثيرين إلى رفع راية المقاطعة لكثير من البضائع . ولكني أجزم أن ذلك الشراب السحري لا يمكن لأحد أن يقاطعه ، حتى لو وصل سعر الزجاجة منه إلى 100 ريال ، وحتى لو تدخلت وزارة المالية لتقدم له أحد برامج الدعم الحكومي التي نسمع عنها هذه الأيام .
الجمعة، 29 يوليو 2011
اليوم 185
التجارب التي يعيشها المرء مع الناس في بلد ما تخلق انطباعات عن أهل ذلك البلد . ومع ذلك فإن من الخطأ تعميم تلك الانطباعات على كل أهل ذلك البلد ، كون الناس تختلف مشاربهم وطباعهم وأخلاقهم في البلد الواحد . هذه الفكرة واتتني استنادا إلى تجربتين مختلفتين عشتهما مع شخصين مختلفين في دوحة قطر. الأولى كانت عندما وصلت إلى مطار الدوحة قبل يومين ، وتوقفت أمام جهاز صراف إلكتروني لسحب بعض النقود ، حيث غفلت عن سحب بطاقتي بعد أن استلمت النقود . وعندما خرجت من الصالة تذكرت البطاقة ، فعدت إلى صالة القدوم ، واستأذنت من أحد موظفي الصالة لأرى إن كان لي أن أسترد البطاقة من الجهاز . لم أجد البطاقة بالطبع بعد أن سحبها الجهاز ، فخرجت لأتم إجراءات إيجار السيارة . بعد قليل وجدت ذلك الموظف وهو يمد يده لي حاملأ بعض المال ظنا منه أنني لا أملك حلا آخر . شكرته بحرارة واعتذرت عن قبول المبلغ ، وأبلغته بأنني أحمل بطاقة أخرى لبنك آخر ، فغادر مبتعدا بعد أن رفض حتى أن يعرفني بنفسه . التجربة الثانية حدثت اليوم ، فبينما كنت في صالة الفندق الذي أقيم فيه بصحبة زوجتي مررت بشخص جالس مع عائلته ، ورنت في أذني تلك الكلمة النابية التي تصفأحدا ما بالحيوان . أحسست أن الكلمة كانت موجهة لي ، فالتفت إلى مصدرها ، فوجدته وعائلته يرمقونني بنظرة غاضبة . لم أعرف ما سبب تلك الهجمة ، ولم أطق السكوت وتمرير الموقف ، وانتهزت فرصة قيامه بعيدا عن عائلته وبادرته بالحديث سائلا عن ما دفعه إلى شتمي ، وما إذا كان قد وقع مني ما أزعجه دون قصد . الغريب أنه تمادى في الهجوم ، ورفض الحديث معي بحجة أنه لا يعرفني ، حتى أنه أدار ظهره بشكل زادني انزعاجا . سألته إن كان من أهل البلد فأجاب بالتأكيد ، فقلت له أنني ضيف من السعودية ، ولا أريد أن أكون قد أغضبت أحدا دون قصد إلى درجة الشتم والإهانة . نفي هذا السيد ما حصل ، وأكد أنه لا يعرف عما أتحدث . تركته ذاهبا إلى حيث كانت زوجتي تجلس في ردهة الفندق ، بينما كان هو وأسرته يرمقوننا بتلك النظرات الحارقة . وبين الموقفين ، شهدت كم التباين بين أخلاق الناس وتصرفاتهم في بلد واحد صغير مثل قطر . وهو تباين مفهوم وطبيعي في كل الشعوب ، إلا أنني وجدته تباينا صارخا ملأني بالحيرة حيال موقفي من أهل هذا البلد الذي كنا دوما نشعر بأنه يتعامل مع الشعب السعودي من منطلق المنافسة السياسية والاقتصادية التي رفعت حكومته رايتها في عهدها الجديد . وعلى أي حال ، فإنني سأظل ممتنا لذلك الأخ الكريم الذي صادفته في المطار ، والذي أرجو أن يكون نموذجا لكل أهل قطر والسعودية وكل البلاد العربية والإسلامية بذلك الخلق الكريم .
الخميس، 28 يوليو 2011
اليوم 184
أنهيت اليوم ما أتيت من أجله إلى الدوحة ، بعد أن لعبت العلاقات الشخصية دورها في التأثير على ذلك التعنت من موظف البلدية في إنهاء ما جئت لأجله . وبالرغم من أني أردت أن أنال قسطا من الراحة فيما بقي من إجازة نهاية الأسبوع ، إلا أن الأجواء الحارة خنقت تحركاتي واضطررت إلى البقاء حبيس غرفتي في الفندق الذي أقيم فيه . ومساء اليوم وصلت إلى هاتفي الجوال رسالة من أحد زملاء الدراسة في المرحلة الجامعية تحمل نبأ حصوله على درجة الدكتوراة في العمارة . اتصلت به لأجزل له التهاني ، ولكني لم أتمكن من الوصول إليه ربما مع تقاطر المهنئين الذين سبقوني إليه . بعثت إليه برسالة تهنئة ، انخرطت بعدها في ذكريات تلك المرحلة العمرية التي جمعتنا في جامعة الملك سعود . تذكرت كيف كانت توجهاتنا وخططنا وآمالنا في تلك الفترة ، وكيف كنت قد رسمت لنفسي خطة تتضمن الابتعاث للدراسات العليا لأعود بعدها للعمل في الجامعة . وكيف أن تلك الأحلام انهارت في تلك الفترة الاقتصادية العصيبة التي لم تتمكن الجامعة فيها من تعيين أي معيدين يتم ابتعاثهم . وكيف أني انخرطت في الحياة العملية لأنسى حلم الدراسات العليا وأتجاهله كل التجاهل ، حتى عندما سنحت لي فرص أخرى في مراحل أخرى من حياتي . واليوم ، عندما بلغني خبر حصول صديقي على درجة الدكتوراة ، وهو الذي لم يكن يخطر في باله في تلك الفترة أن يخطو أي خطوة بعد البكالوريوس ، علمت أن الحياة لا تقوم على الخطط المحكمة ، ولا على الأحلام الوردية ، وأن كل إنسان مقدر لما خلق له . ورأيت كم هي غريبة هي الحياة ، فلو تحقق ما كان كل منا يرومه في تلك الفترة ، لكنت أنا من حصل على تلك الدرجة ، ولكان هو موظفا في مرتبة ما في إحدى الوزارات الحكومية . ولكني بكل تأكيد أحمد الله على ما كتب لي في حياتي ، وأجزم أنني لن أسلك اي مسلك غير الذي سلكته لو قدر الله لي أن أعيد مسيرة هذه الحياة . ولصديقي الذي يعيش اليوم فرحته بتحصيل ثمرة جهد استمر على مدى سنوات من عمره أجزل له التهنئة الخالصة ، إذ أنه ربما يتسنى له أن يقرأ هذه السطور ، إن لم يسمح له كبرياؤه أن يرد على اتصالات مهندس مثلي من ذوي الدرجات العلمية الدنيا .
الأربعاء، 27 يوليو 2011
اليوم 183
غادرت اليوم إلى دوحة قطر في رحلة طارئة لإنهاء بعض الأمور المعلقة مع بلدية الدوحة منذ حوالي ثلاثة أشهر ، ويبدو أن البيروقراطية الحكومية هي سمة مشتركة في الثقافات الخليجية والعربية . وعلى متن رحلة الخطوط السعودية جلس بجانبي رجل سعودي من ذوي السحنة المريحة للنفس . وبعد إقلاع الطائرة وتناول الوجبة الطارئة التي تقدمها الخطوط السعودية بدأت وجاري نتجاذب أطراف الحديث ، فوجدته يحمل فكرا عميقا ونظرة موضوعية لكثير من الأمور والمشاهد التي نعيشها في المملكة ، وهو ما أثار في نفسي كثيرا من الاستغراب . محمل هذا الاستغراب هو أن هذا الرجل يعمل مديرا لإحدى الإدارات في إحدى أهم المؤسسات الحكومية في المملكة ، وهي مؤسسة يؤخذ عليها كثير من المآخذ في منهج عملها ، وتدور حول قيادتها كثير من التساؤلات ، خاصة وأن أداءها شهد كثيرا من التراجع في نظر الكثيرين . ولأن هذا الرجل أبهرني بحديثه ومنطقه العملي ، فقد تساءلت كيف أن هذا الجهاز يحمل مثل هذا النقص في أدائه إن كان كل العاملين فيه مثل هذا الرجل . وكم من الأجهزة الحكومية التي تضم كفاءات جيدة وقادرة على إحداث ثورة حقيقية في أدائها ، ومع ذلك فهي تخضع لتلك الأنماط من الممارسات الإدارية العقيمة من قادتها من وزراء ورؤساء . أما آن لأجهزتنا الحكومية أن تنفض عنها هذا الفكر القديم في الإدارة ، وتجدد دماء قياداتها ، وتتيح الفرصة لهولاء الشباب ليتولو القيادة في هذا الوقت الحرج ، خاصة وأن الدولة استثمرت الكثير من الأموال لابتعاثهم وتعليمهم وتأهيلهم ، لتضعهم في النهاية في الصفوف الخلفية وراء تلك القيادات التقليدية بفكرها الإداري الرجعي . أنظر دوما إلى مؤسسات الدولة بدء من مجلس الوزراء إلى مجلس الشورى إلى بقية الوزارات والهيئات فأجد على قمة الهرم فيها رجالا قد بلغو من العمر أرذله ، فيما الشباب المتعلمون المؤهلون يجلسون في المقاعد الخلفية وقد قيدت أيديهم بأنظمة وصلاحيات محدودة . عندما أرى هذا الواقع أحمد الله أن اتخذت قرارا مبكرا في حياتي العملية بالخروج من القطاع الحكومي والانخراط في العمل الخاص . فأنا بذلك على الأقل أعمل قدر استطاعتي على تحقيق تطلعاتي وأحلامي دون أن أنتظر رأيا من رئيس ، أو إذنا من وزير .
الثلاثاء، 26 يوليو 2011
اليوم 182
موضوع مشاكل الخادمات موضوع يكاد يمس كل عائلة في المملكة ، إذ يكاد لا يخلو بيت من خادمة واحدة على الأقل ، خاصة مع تزايد انخراط المرأة السعودية في العمل ، ما أعطاها عذرا جديدا لإلقاء مسئوليات المنزل وتربية الأبناء على الخادمات . ومنذ شهرين ، طلبت خادمتنا الفبينية السفر إلى بلادها في إجازة لقضاء بعض شئونها ، ووافقنا على ذلك شريطة أن تعود قبل حلول شهر رمضان المبارك ، وهي موافقة جاءت على مضض ، وبقناعة منا بحسن تخطيطنا الاستراتيجي ، على أساس أن غيابها في فترة الصيف أقل وطأة من غيابها في شهر رمضان وفترة المدارس التي ستتلوه . وقبل أسبوع اتصلت الخادمة المحترمة لتبلغنا بأن موعد عودتها قد حان ، فقمت بحجز مقعدها على رحلة الطيران ، ودفعت قيمة التذكرة . حاولنا الاتصال بها مرارا وتكرارا لإبلاغها بتفاصيل الرحلة والتذكرة دون رد ، علما بأن موعد الرحلة هو يوم غد الأربعاء . صباح اليوم تلقيت رسالة منها تبلغني فيها بأنها قررت عدم العودة ، إذ أنها تريد عرضا ماليا أفضل . أصابني شعور بالقهر على تلك المبالغ التي صرفتها على رحلة ذهابها وتذكرة عودتها التي لا يمكن استردادها بموجب نظام الخطوط السعودية الجديد ، إلى جانب شعور بالعطف على زوجتي التي ستكابد بمفردها مهام الشهر الكريم ، خاصة وأن سوق الخادمات الهاربات تصبح سوقا سوداء في هذه الفترة ، إذ يندر وجودهن وترتفع أسعارهن إلى أرقام فلكية . تمنيت أن لائحة شركات الاستقدام التي أعلنت قبل حوالي أسبوع كانت قد صدرت وبدأ العمل بها منذ وقت مبكر ، علنا نجد في تلك الشركات ملجأ ينقذنا من هذه الورطة . وتذكرت كيف أن مكاتب الاستقدام قاومت ولا زال كثير منها يقاوم تلك اللائحة ، مع أنها تعد بحق أحد أهم الإنجازات المحدودة لوزارة العمل . وكالعادة ، فإن هذه المقاومة تعني بالضرورة أن هناك شرائح مستفيدة من هذا الوضع ، وربما تكون هي ذات الشرائح التي تسهل عمل الخادمات الهاربات ، وتمنع أي جهد للحد من هذه الظاهرة الخطيرة . المهم الآن أن ترى هذه الشركات النور خلال المهلة التي منحتها لها وزارة العمل ، وأن يرزق الله زوجتي الصبر والعون والفرج إلى أن تبدأ هذه الشركات عملها ، وتسعفنا بخادمة تتولى مهام المنزل وخدمة الأبناء .
الاثنين، 25 يوليو 2011
اليوم 181
بينما كنا ننتظر ضيفا علينا في اجتماع كان يفترض أن ينعقد صباح اليوم ولم ينعقد إلا بعد صلاة الظهر بعد وصول ذلك الضيف ، قص علينا أحد الإخوة قصة من النوع المضحك المبكي . قال لنا أنه التقى يوما في مطار الرياض بأحد كبار رجال الأعمال المعروفين في المملكة . وبعد التعارف سأل صديقي رجل الأعمال عن وجهته فقال إنه متجه إلى دبي في رحلة عمل . فقال له صديقي أن قريبا له يشغل وظيفة عليا في سفارة المملكة بالإمارات ، وأنه يمكن أن يعينه على أي أمر قد يحتاج فيه إلى عون في ذلك البلد . رد عليه جل الأعمال قائلا ، في دبي المرء لا يحتاج إلى واسطة ، فكل الأمور واضحة ، وكل الأنظمة معلنة ومطبقة على الجميع . أما إن كنت تعرف أحدا يعينني على أموري هنا في بلدي فلك مني جزيل الشكر . ضحك الجميع وضحكنا كذلك ، وهو ما رأيته ضحكا على سوء الحال ، أو ما هو من قبيل شر البلية ما يضحك . بعد الاجتماع خرجت وتلك القصة عالقة في ذهني عندما وردني اتصال على هاتفي الجوال من مندوبنا السامي المسئول عن متابعة تحصيل مستحقاتنا المالية لدى العملاء . هذا المندوب موجود في تبوك لمتابعة مستحقاتنا لدى أمانتها عن مشروع تم تسليمه وإنهاؤه منذ أكثر من سبعة اشهر ، ولا زلنا نراوح ونداور بين إدارة المشاريع والإدارة المالية والممثل المالي للإفراج عن تلك المستحقات ، وفي كل مرة يطلب مستند جديد أو تبرز ملاحظة جديدة . هذه هي الرحلة الرابعة لذات الغرض دون جدوى ، إذ أبلغني المندوب أنه لم يجد أحدا من المسئولين الذي غادرو في إجازاتهم الصيفية ، واعتذر من ناب عنهم عن التدخل في الأمر . لا أدري كيف يمكن لأحد أن يغفل ضميره لهذا الحد ليذهب في إجازة يتمتع فيها بوقته بينما حقوق الناس حبيسة أدراج مكاتبهم . الأنكأ هو ذلك النوع من المسئولين الذين يعطلون مصالح الناس في شهر رمضان المبارك وهم يتمتعون بإجازاتهم يتعبدون ويدعون الله في رحاب الحرم المكي الشريف . وعطفا على ذلك التعليق الظريف من رجل الأعمال المحبط ، صرت أبحث عن من يعرف أحدا في تبوك ليعينني على ما بلاني الله به في أمانتها . فهل أجد معينا بين قراء هذه السطور الكرام ؟ .
الأحد، 24 يوليو 2011
اليوم 180
وسائل الإعلام تتناقل يوميا شيئا من الأخبار الغريبة والطريفة ، وبعضها ينحدر إلى درجة السخف والإسفاف كتلك الأخبار التي نراها أحيانا عن إنتاج أكبر حبة بطاطس في مزرعة بتبوك أو نفوق سلحفاة في شواطيء ساحل العاج . ولسبب ما ، تكاثرت أمام ناظري مثل هذه الأخبار هذا اليوم ، والتي شملت افتتاح أكبر مصنع للكافيار في العالم في دبي ، وأول منتجع في العالم للسيارات أيضا في دبي ، وبدأ تطبيق نظام التأمين الصحي على الحيوانات في أمريكا وبعض دول أوروبا ، وتنظيم مسابقة ملكة جمال الماعز في الأردن . والمرء يستمريء الأخبار الطريفة من منطلق الحاجة إلى ترويح النفس ساعة بعد ساعة . ولكن أخبار اليوم على وجه الخصوص جلبت لي الكآبة بعد يوم كانت أحداثه تدعو إلى التفاؤل بوجه عام . ودبي كانت على الدوام تسعى لأن تكون علامة بارزة في الإعلام العالمي ، وما تلك الطفرة العمرانية الهائلة التي أغرقت الإمارة في بحر من الديون ، ولا ذلك السباق والتطاول في البنيان الذي يذكرنا بقرب قيام الساعة إلا بعضا من أوجه تلك السياسة التي تبنتها حكومة الإمارة . ولكن أخبار اليوم كانت بحق إمعانا في الإسفاف والابتذال في هذا السباق المحموم . والأسوأ من ذلك خبر تنظيم مسابقة جمال الماعز في بلد مثل الأردن الذي لا يتمتع بتلك الثروات المالية الفائضة كما هو الحال في دبي . المضحك المبكي في آن واحد معا ، أن هذه الأخبار التي تبرز تفاهة الإنسان وقدرته على إهدار المال في مجالات لا تعدو أن تكون حتى من الكماليات جاءت تالية لتلك الأخبار التي عرضتها ذات وسائل الإعلام عن الأزمة الغذائية التي تضرب الصومال ، والتي أعادت إلى الذاكرة صور أطفال المجاعة وضحايا الحروب والكوارث في أماكن شتى من أصقاع العالم . صرت أتساءل حينها ، قيمة ترفيه سيارة فارهة في منتجع سيارات دبي التي تبلغ 35.000 درهم ، كم طفلا يمكن أن تنقذ من أطفال الصومال . وميزانية التأمين الصحي على حيوانات أمريكا التي تزيد على 350 مليون دولار ، كم عائلة يمكن أن تؤوي وتعيل من عوائل المشردين في مناطق الكوارث في أفريقيا وآسيا . الأكيد أن مثل هذه التناقضات في تصرفات البشر كانت تحدث على الدوام منذ قديم الأزل . ولكن الغريب أنها تحصل تحت أعين وكاميرات وسائل الإعلام بما يجعلها أكثر فظاعة وأشد وطأة . ولكن يبدو أن أولئك المترفين الذين يشكلون موضوعات أخبار مثل أخبار اليوم هم أكثر انشغالا بشئون حياتهم المترفة من أن يسمعو أو يتأثرو بذلك النوع الآخر من أخبار الكوارث ومصائب الناس ، وإلا لأصابهم على الأقل شيء من الخجل من استعراض هذا الترف المقيت عبر وسائل الإعلام .
السبت، 23 يوليو 2011
اليوم 179
أحد أسوأ المواقف التي يمكن أن يمر بها المرء أن يكون سببا في قطع عيش أحد من الناس ، ودائما أدعو الله ألا أضطر إلى أن أقف هذا الموقف . ولكن ظروف ومتطلبات العمل تفرض مثل هذا الموقف من وقت لآخر ، فاضطر لإنهاء عقد أحد من الموظفين إما لتقصيره أو لسوء أدائه أو ربما سوء خلقه . ولا يتم اتخاذ مثل هذا الإجراء بأي حال من الأحوال إلا وفق الأنظمة التي تحفظ حقوق الموظفين . ولأننا نعيش منذ فترة ضغطا متصاعدا على مواردنا المالية ، في ظل انحسار الدعم البنكي ، والعقبات البيروقراطية الحكومية التي تتسبب في تأخير صرف مستحقاتنا التعاقدية فقد وجدت نفسي مضطرا لتقليص طاقم العمل ، وجلست أراجع قوائم الموظفين لأحدد من سيقع عليه سهم القدر . المشكلة أن واقع الحال يقول أن بعض السعوديين من أولئك الموظفين هم الأقل إنتاجية والتزاما وحتى اتباعا لتعليمات العمل . ومع ذلك ، فإن فصل موظف سعودي يعد في عرف وزارة العمل أحد الكبائر ، خاصة في ظل برنامج نطاقاتها الجديد الذي وقعنا فيه في اللون الأصفر . ونحن بذلك ملزمون بتوظيف مزيد من السعوديين بدلا من فصل من هم على رأس العمل . وفي النتيجة ، فإنني إن أردت أن أتخلص من موظف سعودي كسول أصبح وجوده فرضا علي فإن علي أن أنهي مقابله خدمات أربع من الموظفين الوافدين لكي نحافظ على النسب المطلوبة . لعبة الأرقام هذه لا يمكن أن تخلق مناخا صحيا للعمل ، ويصبح التوظيف في النتيجة التزاما يهدف إلى تحقيق تلك الأرقام وليس إلى تطوير قدرات السعوديين المهنية والعملية . بنهاية اليوم حددت عددا من الموظفين الذين قاربت عقودهم على الانتهاء لكي نبلغهم بعدم قدرتنا على تجديدها . وبعد أن أنهيت هذه المهمة خرجت من المكتب ضائق الصدر ، إذ أن أولئك المساكين لا ذنب لهم فيما نعانيه من مشكلات تعود أساسا إلى ممارسات موظفي الإدارات المالية في الأجهزة الحكومية ، وعلى رأسهم ذلك الممثل المالي الذي ما أنزل الله به من سلطان . كل ما أرجوه أن يكتب الله لنا الفرج من هذه الضائقة ، والإفراج عن مستحقاتنا المتعثر تحصيلها قبل أن يحل موعد مغادرة أولئك المساكين ، علني أستطيع أن أبقيهم ضمن فريق العمل ، وأن أنجو من تأنيب الضمير الذي أصابني بالاختناق منذ الصباح .
الجمعة، 22 يوليو 2011
اليوم 178
قالت العرب في المثل ، بلغ السيل الزبى . والزبى لمن لا يعرفها هي الحفر التي تحفر لاصطياد الأسود في مكان عال حتى لا تبلغها المياه فتطمرها ، وقيل هي الرابية العالية التي لا يرى أن يبلغها الماء . ويضرب هذا المثل في الأمر الذي يتفاقم حتى يبلغ مبلغا لا يطاق معه الصبر ، أو لا يمكن السكوت عنه . والانسان يرى ويعيش في حياته اليومية كثيرا من الأمور والأحداث التي يتناولها بالصبر ، إما لعجزه عن اتخاذ موقف من تلك الأمور ، أو لأنه يحمل كما من التقدير لمن تصدر منه تلك الأمور يفوق كم الضرر الفعلي أو النفسي الذي تحدثه ، أو لأنه يتمتع بكم من الصبر والحلم الذين يطبعهما الله في عباده بتفاوت يميز بعضهم عن بعض . وقديما قالت العرب أيضا ، اتق غضبة الحليم إذا غضب . هذان المثلان سيطرا على فكري اليوم وأنا أعيش حالة من تفاقم الضرر الذي كنت أحتمله من بعض الأمور والمواقف التي كنت أواجهها من شخص أكن له ذلك النوع المميز من التقدير . ولأن هذا اليوم كان عصيبا بحق ، شعرت فيه بأن كرامتي قد مست ، فقد أحسست فعلا بأن السيل قد بلغ الزبى ، وأنني لم أعد أطيق الصبر على مثل تلك المواقف . السؤال هنا ، كيف أضمن أن أي موقف أتخذه من ذلك الشخص لا يؤخذ على سبيل الانتقاص من مكانته أو تقديري وحبي له ، وكيف لي أن أوصل إلى قناعته أن ابتعادي عنه ما هو إلا وسيلة مني للحفاظ على شعرة معاوية بيني وبينه ، والسعي لتقليل الاحتكاك الذي يبدو أنه يوصل في بعض الأحيان إلى الاشتعال . أنا لا أدعي الكمال ، وكل ابن آدم خطاء ، وخير الخطائين التوابون . ولكن تصيد الأخطاء وتكديسها فوق بعضها البعض يجعل الحياة صعبة لكلا الطرفين . ولأنني قررت منذ فترة أن أبتعد عن كل ما يضيع وقتي في الحياة في كدر وسوء حال ، وأن أحاول أن أنظر إلى الأمور بعين التفاؤل ، وأن أحافظ على رصيد إيجابي من المشاعر الطيبة مع كل الناس ، وخاصة من أدين لهم بالحب والولاء ، فقد قررت اليوم أن أبتعد عن هذه المواجهة غير المتكافئة التي أحتل فيها الموقع الأدنى مقابل من يسمو بمكانته وعلمه وفضله في نظري على الأقل فوق كل من عرفت وسأعرف في قابل الأيام . كل ما أرجوه أن يكون في هذا القرار خلاصا له مما سببته له من غضب ، وأن تظل الذكرى الطيبة باقية في نفوسنا جميعا .
الخميس، 21 يوليو 2011
اليوم 177
تتوالى الأنباء منذ فترة عن مساعي الحكومة للسيطرة على أزمة أسعار الأعلاف في المملكة ، وهي المساعي التي شملت تدخل وزارة الداخلية ببياناتها التحذيرية ، وكذلك وزارة التجارة ، وأيضا عدد من إمارات المناطق التي قادت حملات للبحث والتحري والتحقيق في حالات مخالفة بعض التجار للتوجيهات الصادرة بهذا الشأن . هذه الحملة وهذه المساعي أبرزت قدرة هائلة لدى أجهزة الدولة للوقوف بالمرصاد لأي ممارسات من قبل التجار لرفع الأسعار واستغلال ظروف السوق للفوز بمكاسب غير مشروعة من وجهة نظر الدولة . واليوم وردت إلى هاتفي الجوال عدد من الرسائل التي تتضمن أخبارا متنوعة عن هذا الموضوع ، بما فيها تلك الرسالة الأخيرة التي تضمنت خبر مبادرة الشيخ سليمان الراجحي رئيس مجلس إدارة شركة دواجن الوطنية بتخفيض أسعار منتجات الشركة كردة فعل على تخفيض أسعار الأعلاف ، ومناشدته رجال الأعمال الاقتداء به وإبراز وطنيتهم في هذا الموقف . الأمر الذي أثار لدي كثيرا من الاستغراب والتساؤلات هو مدى أهمية قضية الأعلاف بالمقارنة مع الكثير من القضايا التي نشهد فيها تلاعبا وممارسات احتكارية من التجار . وأول وربما أهم هذه القضايا هي تلك المتعلقة بسوق العقار وأسعار الأراضي التي يبدو أنها أصبحت مستعصية عن الحل . السؤال هو ، إن كانت أجهزة الدولة تملك هذه السطوة والقدرة لمواجهة هذا التلاعب في أسعار الأعلاف فأين هذه الجهود من أسعار الأراضي والعقارات التي يتم التلاعب بها دون رقيب ولا حسيب . أم أن صوت البهائم يعلو على صوت المواطنين الذين أضناهم حل مشكلة اقتناء مسكن ملائم يغنيهم عن ذل الإيجار وسطوة تجار العقار . أم أن مصالح متخذي القرار في أجهزة الدولة لا تتمثل في سوق الأعلاف والبهائم كما هي في سوق العقار . واليوم أيضا عرضت قناة الإخبارية برنامجا استضافت فيه رئيس لجنة الشئون المالية في مجلس الشورى ، وتضمنت مشاركة من أحد أعضاء مجلس إدارة غرفة الرياض ، وهو في ذات الوقت رئيس اللجنة التأسيسية لشركة التمويل العقاري التي لا زالت تحت التأسيس بالرغم من مرور أكثر من سبع سنوات على تشكيلها . البرنامج لم يتضمن أي جديد سوى تقديم عبارات الوعود التخديرية بحل المشكلة بعد صدور القرارات الملكية المعروفة . والمشكلة أن لا أحد يعلم حتى الآن كيف سيتم تنفيذ هذه الأوامر في ظل غياب رؤية جادة وإرادة مخلصة لتبني الموضوع بما يستحقه من احترافية وجدية ، وفي ظل هذا التنافر والتضاد بين أجهزة الدولة ذات العلاقة . وإلى أن تبحث البهائم عن سكن ، فإن المشكلة ستظل تراوح مكانها بعيدة عن الحل ، إذ يبدو أنه لا يجمع اهتمام أجهزة الدولة على قلب رجل واحد إلا البهائم .
الأربعاء، 20 يوليو 2011
اليوم 176
بدأت هذا اليوم بعد غيابي في رحلة عمان باستعراض تقارير المسئولين عن أقسام العمل بالمكتب ، التي كان من بينها تقرير مسئول العلاقات الحكومية الذي أفادني بأننا أصبحنا في النطاق الأصفر من نطاقات وزارة العمل ، وأن علينا أن نتوسع في تعيين السعوديين سريعا لننتقل إلى القطاع الأخضر ، وإلأ فإننا سنواجه قريبا عقوبات الوزارة القاصمة . تساءلت عن الكيفية التي يمكن بها استقطاب السعوديين في قطاع مثل قطاعنا . فالعدد الذي تخرجه الجامعات من المهندسين السعوديين لا يكفي لشغل الوظائف الهندسية التي يطرحها القطاع الحكومي . كما أن طبيعة العمل في مواقع المشاريع في مناطق المملكة المختلفة لا تشكل عامل جذب للمهندسين السعوديين ، خاصة ضمن تلك المعدلات المنخفضة من الأتعاب التي تفرضها الجهات الحكومية في عقودها . وفي المحصلة ، فإن إمكانات السعودة تنحصر في الأعمال الإدارية التي لا يمكن أن نحقق من خلالها النسب المطلوبة للانتقال إلى النطاق الأخضر . الحل الذي يتبادر إلى الأذهان هو ذلك الحل الذي يبدو أنه سيشكل ملجأ للكثيرين من أصحاب الأعمال ، وهو إدراج أسماء النساء في بيوتهن ضمن قوائم السعودة . المضحك أن الوزارة أعلنت قبل أيام قليلة عن لائحة التوظيف عن بعد فيما يبدو أنها تقدم من خلاله تشريعا وتنظيما لهذا الحل الذي يتناقض مع مفهوم برنامج التوطين . بعد الظهر وردت إلى هاتفي الجوال عدة رسائل تتضمن أخبارا عن صدور عدد من القرارات من مجلس الخدمة المدنية . استعرضت الأخبار لأرى إن كان هذا المجلس قد تبنى أخيرا مطالبات المهندسين حول كادرهم الهندسي الذي انتظروه طويلا ، والذي وعد وزير الخدمة المدنية بالتعاطي الجاد معه استجابة لمطالبهم التي أطلقوها في ذلك التجمع الذي عقدوه أمام مقر الوزارة ووصفهم فيه بالحريم . القرارت لم تتطرق البتة إلى هذا الموضوع ، بل إنها أمعنت في دعم الكادر الطبي بمزيد من المميزات وكأن المجلس يريد أن يحرق دم المهندسين أكثر وأكثر بهذا التمييز العنصري . ولأن مصائب قوم عند قوم فوائد ، فإنني أدعو المهندسين السعوديين للثورة على هذا الواقع ، وتقديم استقالاتهم من وظائفهم الحكومية ، والانخراط في القطاع الخاص بشقيه الاستشاري والتنفيذي . صحيح أنني أبحث بهذه الدعوة عن استقطاب مهندسين سعوديين لتحقيق نسب السعودة المطلوبة ، إلا أنني أطلقها من واقع قناعة حقيقية بأن المكان الحقيقي لاكتساب الخبرات وصقل المهارات هو في القطاع الخاص ، وليس في القطاع الحكومي الذي غدر بهم وتجاهل أبسط حقوقهم في ذلك الكادر المزعوم .
الثلاثاء، 19 يوليو 2011
اليوم 175
عدت مساء اليوم إلى الرياض التي لا زالت تعيش موجة الحر الملتهب . وفي الطائرة انتبهت في الصحف التي طالعتها إلى خبر الحملة التي تقودها وزارة الشئون البلدية والقروية لفرض استخدام مواد العزل في المباني الجديدة ، والتي أكدت فيها توجيهها لأمانات وبلديات المدن بعدم اعتماد أية مخططات لأية مباني دون تطبيق هذا الشرط . هذا التوجه يحمد للوزارة إن تمكنت من تطبيقه على أرض الواقع . ولكن المشكلة أن المشروعات السكنية التي يتم تنفيذها بشكل مباشر من الأهالي ، والتي لا تخضع لأي نوع من الإشراف أو المتابعة أثناء التنفيذ لا من الجهات البلدية ولا من مكاتب استشارية متخصصة ، هذه المشروعات لا يمكن التحقق من تنفيذ العزل بها ، ولا حتى التأكد من جودة التنفيذ في كافة مراحله . وبالتالي فإن هذا التوجه من الوزارة سيظل حبرا على ورق دون تفعيل آليات المتابعة المطلوبة على أرض الواقع ، خاصة وأن المخططات التي يتم تقديمها للحصول على تراخيص البناء تتعرض لكثير من التعديل والتحوير أثناء التنفيذ في ظل غياب هذه الرقابة . ويوم أمس كنت قد تناولت هذا الموضوع بالحديث مع أحد الإخوة في عمان . هذا الرجل يعمل في مجال تطبيقات وتجهيزات ترشيد الطاقة ، ويملك الكثير من الأفكار والطروحات التي يمكن أن تسهم إسهاما فعالا في تقليل استهلاك الطاقة في المباني . حديثنا تطرق إلى إمكانات تقديم تلك التقنيات والتطبيقات في المملكة ، سواء على مستوى المشروعات الفردية أو العامة . ومع أن تلك التقنيات تحمل كثيرا من الإمكانات الواعدة ، إلا أن تلك الثقافة الاستهلاكية المسيطرة على نمط الحياة عند الناس في المملكة تثير كثيرا من التساؤلات حول فرص نجاح هذا المشروع . المشكلة أن الناس تجنح إلى الاسترخاص في تنفيذ مشروعاتها الصغيرة والكبيرة ، وتغفل عن تلك الفرص الهائلة التي يمكن أن يحققها شيء بسيط من الاستثمار في مرحلة البناء لتطبيق تلك التقنيات والتطبيقات التي ترفع من كفاءة البناء وتسهم في تقليل المصروفات التشغيلية على المدى الطويل ، وهو ما ينجر على مواد العزل التي تريد الوزارة فرض تطبيقه . على أي حال ، الموضوع يتطلب كما قلت في مناسبات سابقة أن تقوم الدولة بجهد في هذا المجال تؤدي فيه دور القدوة الحسنة . ووزارة البلديات على سبيل المثال عليها أن تبدأ بنفسها في تطبيق مفهوم العزل في المباني التي تقوم بتنفيذها قبل أن تسعى لفرضها على الآخرين .
الاثنين، 18 يوليو 2011
اليوم 174
عمان الأردنية مزدحمة عن بكرة أبيها فيما يبدو أنه أثر مباشر لكونها إحدى المحطات القليلة التي لا زال بإمكانها استقطاب السياح في هذه المنطقة التي تغلي بتحركات الربيع العربي . عندما وصلت إلي هذه المدينة يوم أمس كنت محملا بشيء من المخاوف من تلك الأخبار التي تناولتها القنوات الفضائية المعروفة عن أحداث الاعتصامات التي شهدتها المدينة والمصادمات التي شهدتها مع الأجهزة الأمنية . بينما كنت أتجول اليوم في المدينة لم ألحظ فيها أية علامات لأي من تلك المصادمات والأحداث التي تناقلتها وسائل الإعلام . سألت سائق سيارة الأجرة التي أقلتني في تلك الجولة عن تلك الأخبار فقال ببساطة رجل الشارع أن لا شيء مما تحدثت عنه وسائل الإعلام وقع في الحقيقة ، وأن كل تلك الاعتصامات لم تتعد تجمعا لأكثر من مائتي شخص على الأكثر ، وانفض حالما تدخلت أجهزة الأمن دون كثير من الصخب . مساء اليوم ، وبعد أن قابلت عددا كبيرا من المهندسين المرشحين للانضمام إلى فريق العمل بالمكتب ، التقيت بسيدة كريمة تنتسب إلى إحدى عوائل الأردن العريقة ، وتملك رصيدا كبيرا من الخبرات المهنية في العمران والتنمية العقارية اكتسبتها من عملها في عدد من الشركات العقارية الإماراتية قبل أن تنهار أحلام تلك الشركات مع عواصف الأزمة المالية العالمية . هذه السيدة قدمت رؤيتها لأحداث الربيع العربي ، ورأت أنها تأتي بتوجيه وقيادة من جهات أمريكية الانتماء والولاء ، وتحقق بالضرورة مصالح صهيونية . لم أفهم كيف أن إسقاط الرئيس المصري السابق مثلا يحقق مصلحة صهيونية ، في الوقت الذي لا يمكن أن تجد الصهيونية مثله لحماية مصالحها ، وما يمكن أن يوقعه سقوطه من ضرر عليها . ولم أفهم كيف تستطيع أمريكا وإسرائيل تحريك تلك الشعوب بهذا الشكل . أعتقد أن هذه الرؤية تحمل شيئا من التحجيم لقدرات الشعوب العربية ، وتحولها إلى أداة في يد الأمريكان والصهاينة ، وهو ما أرى أنه يقلل من شأن هذه الشعوب وما حققوه من وجهة نظرهم من تغيير . تذكرت ذلك الحديث الذي أدلى به الأمير تركي الفيصل قبل عدة أيام في أحد المؤتمرات المنعقدة في بريطانيا ، والذي قال فيه أن الربيع العربي ما هو إلا حمام دم . وبين الموقفين وجدت أن الحكم على هذه الأحداث بأي من المنطقين لا يقارب الصواب . والأهم أن هذا التغيير إنما فرض نفسه من واقع معاناة الشعوب قبل أن يكون موجها من جهات أمريكية أو صهيونية الانتماء . وفي المقابل فإنه لن يكون بالضرورة حمام دم كما قال الأمير . وحتى لو كان كذلك فإن هذا الدم ربما يكون ضرورة لتحقيق هذا التغيير .
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)