قالت العرب في المثل ، بلغ السيل الزبى . والزبى لمن لا يعرفها هي الحفر التي تحفر لاصطياد الأسود في مكان عال حتى لا تبلغها المياه فتطمرها ، وقيل هي الرابية العالية التي لا يرى أن يبلغها الماء . ويضرب هذا المثل في الأمر الذي يتفاقم حتى يبلغ مبلغا لا يطاق معه الصبر ، أو لا يمكن السكوت عنه . والانسان يرى ويعيش في حياته اليومية كثيرا من الأمور والأحداث التي يتناولها بالصبر ، إما لعجزه عن اتخاذ موقف من تلك الأمور ، أو لأنه يحمل كما من التقدير لمن تصدر منه تلك الأمور يفوق كم الضرر الفعلي أو النفسي الذي تحدثه ، أو لأنه يتمتع بكم من الصبر والحلم الذين يطبعهما الله في عباده بتفاوت يميز بعضهم عن بعض . وقديما قالت العرب أيضا ، اتق غضبة الحليم إذا غضب . هذان المثلان سيطرا على فكري اليوم وأنا أعيش حالة من تفاقم الضرر الذي كنت أحتمله من بعض الأمور والمواقف التي كنت أواجهها من شخص أكن له ذلك النوع المميز من التقدير . ولأن هذا اليوم كان عصيبا بحق ، شعرت فيه بأن كرامتي قد مست ، فقد أحسست فعلا بأن السيل قد بلغ الزبى ، وأنني لم أعد أطيق الصبر على مثل تلك المواقف . السؤال هنا ، كيف أضمن أن أي موقف أتخذه من ذلك الشخص لا يؤخذ على سبيل الانتقاص من مكانته أو تقديري وحبي له ، وكيف لي أن أوصل إلى قناعته أن ابتعادي عنه ما هو إلا وسيلة مني للحفاظ على شعرة معاوية بيني وبينه ، والسعي لتقليل الاحتكاك الذي يبدو أنه يوصل في بعض الأحيان إلى الاشتعال . أنا لا أدعي الكمال ، وكل ابن آدم خطاء ، وخير الخطائين التوابون . ولكن تصيد الأخطاء وتكديسها فوق بعضها البعض يجعل الحياة صعبة لكلا الطرفين . ولأنني قررت منذ فترة أن أبتعد عن كل ما يضيع وقتي في الحياة في كدر وسوء حال ، وأن أحاول أن أنظر إلى الأمور بعين التفاؤل ، وأن أحافظ على رصيد إيجابي من المشاعر الطيبة مع كل الناس ، وخاصة من أدين لهم بالحب والولاء ، فقد قررت اليوم أن أبتعد عن هذه المواجهة غير المتكافئة التي أحتل فيها الموقع الأدنى مقابل من يسمو بمكانته وعلمه وفضله في نظري على الأقل فوق كل من عرفت وسأعرف في قابل الأيام . كل ما أرجوه أن يكون في هذا القرار خلاصا له مما سببته له من غضب ، وأن تظل الذكرى الطيبة باقية في نفوسنا جميعا .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق