في مثل هذا اليوم قبل عشرة أعوام ، وبحسب التقويم الميلادي ، كنت جالسا في مكتبي السابق المطل على شارع الضباب مواجها لمدينة الملك فهد الطبية . كنت كعادتي منشغلا في أمور متعلقة بأعمال ومشروعات المكتب وإجراء بعض المكالمات الهاتفية وذلك قبل أن يصبح البريد الإلكتروني وسيلة الاتصال الأشمل في عالم الأعمال . فجأة اهتز المكتب بصراخ ملؤه الفرح مصحوبا بصيحات التكبير والتهليل ، ووجدت عددا من الموظفين في المكتب وهم يعدون في أروقته وهم يقفزون ويرقصون فرحا وطربا . خرجت من المكتب سائلا عن سبب هذا التكبير وهذه الفرحة العارمة ، وما إذا كان قد وصل خبر يبرر حجم هذا الفرح كتحرير القدس مثلا أو إلغاء نظام الكفالة أو شيئا من هذا القبيل ، فجاءني الجواب بأن أمريكا قد ضربت ، وأن عددا من الطائرات أصابت عددا من الأبراج والمواقع الهامة فيها في غزوة لم يعلم أحد حينها من الذي قام بها ولا السبب الذي دفعه إلى فعل تلك الفعلة . خرجت من المكتب عائدا إلى المنزل لألاحق الأخبار المصورة على القنوات الفضائية التي لم تكن حينها بهذا الانتشار . رأيت صور الطائرات وهي تصطدم بالأبراج ، ورأيت الناس يتساقطون منها هربا من النيران التي حاصرتهم فيها ، ورأيت الناس رجالا ونساء وأطفالا وقد اعترتهم صدمة الحدث وهول الخسارة . لم يخطر في بالي أبدا حينها أن يكون وراء هذا الحدث شخص ينتمي إلى الدين الإسلامي ، بل ويتخذه مشرعا ومبررا لهذه الجريمة النكراء ، ولم أفهم حينها ما هو وجه الفرح في هذه المصيبة ، ولماذا كل ذلك التكبير والتهليل مع أن كل ما حدث لم يتجاوز قتل عدد هائل من الأبرياء المدنيين الآمنين في هجوم غادر أصاب صورة الإسلام والمسلمين في مقتل في العالم كله . بعد حين فهمت أن ذلك الفرح كان سببه ذلك الإحساس الجارف في المجتمعات العربية ومثيلاتها من المجتمعات المنكسرة من السطوة والنرجسية والاستعلاء التي وصمت السياسة الأمريكية ، فعم الفرح بالحدث من قبيل الشماتة والحبور بمصيبة العدو ، خاصة عندما رأيت مثل تلك الاحتفالات والرقص في الشوارع في دول لا تدين بالإسلام كرومانيا وكوبا وفنزويلا وغيرها . ومنذ ذلك الحين وحتى هذا اليوم ، فإنني أزداد قناعة كل يوم أن الهجوم لم يكن على مواقع أمريكية فقط ، بل إنه كان هجوما على الإسلام باسم الإسلام ، فهو لم يعد عليه وعلى دوله إلا بالحصار والتنكيل والحروب التي أهلكت الحرث والنسل ، ولم يخرج المسلمون منها إلا بوصمة عار الإرهاب الذي أصبح سمة ملتصقة بهم ، وأصبحت كل الدول الإسلامية تقدم التنازلات تلو التنازلات لتكفر عن جرمها بأنها فرخت وصدرت ذلك الإرهاب . واليوم ، وبعد مقتل قائد تلك الغزوة بشكل أثار كثيرا من ردود الأفعال المتضاربة ، وبكل ذلك الشعور المر بالانتصار الأمريكي ، فإنني لا أدري إن كان أولئك الذين فرحو في تلك اللحظة بذلك الحدث لا زالو يحملون ذات الشعور ، أم أنهم علمو أنهم لم يكونو سوى ضحية لمؤامرة محبوكة أضرت بهم أضعاف الضرر الذي أصاب هدفها الأساسي .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق