تم اليوم إنجاز الانتخابات البلدية دون أن أتمكن من المشاركة فيها حيث استيقظت متأخرا بعد ليلة من ليالي الأرق المزعج التي فارقني فيها النوم حتى أن لاح ضوء النهار . بعد أن تناولت كوب القهوة المعتاد جلست لمشاهدة الأخبار على قناة العربية فإذا بها تورد تقريرا عن الانتخابات البلدية ومجمل أحداثها هذا اليوم . المشهد العام كان يؤكد عزوفا شعبيا عارما عن المشاركة في الانتخابات ، وكانت معظم الصور تبرز المراكز الانتخابية وهي خالية إلا من أعضاء اللجان الانتخابية . هذا العزوف أكد توقعاتي السابقة بعد تجربة أولى سلبية من عمر المجالس الانتخابية لم ير الناس منها أي جدوى على مدى ست سنوات من عمر التجربة . الغريب أن عملية الانتخاب كانت تتم بوسائل بدائية تستخدم البطاقات الورقية وصناديق جمع الأصوات ، وكأن اللجنة الانتخابية لم تكن تملك الوقت الكافي لتوظيف وسائل تقنية كتلك التي نراها في الأفلام ، إلا إن كانت تتوقع مسبقا هذا العزوف عن المشاركة في الانتخابات فلم تر أي جدوى من استثمار أية مبالغ في مثل تلك الأنظمة . تقرير قناة العربية أبرز أيضا ظاهرة التأثير القبلي في اختيار المرشحين خاصة في القرى والمدن الصغيرة . وأنا أضيف إلى ذلك أيضا أشكالا أخرى من التحزبات بما فيها التحزبات الدينية والعائلية ، وهو ما رأيته من تلك الرسائل التي كانت ترد إلى هاتفي الجوال على مدى الأيام الماضية تطلب اختيار مرشحين معينيين لشغل مقاعد المجالس البلدية . وعلى أية حال ، فإن المشكلة ليست في الانتخابات فحسب ، وأنا أحمل قناعة بأن الممارسات الديموقراطية لا تنتج على الدوام تشكيلات فاعلة خاصة في بلد مثل بلدنا لا يملك أهله أية ثقافة ديموقراطية . وأنا أتذكر دوما تجارب الانتخابات في هيئة المهندسين والغرف التجارية وتشكيلة المجالس التي أنتجتها بما يجعلني أشكك في هذا المسار من أساسه . المشكلة إذن هي في الصلاحيات الممنوحة للمجالس البلدية ، والتي تحجم من دورها الحقيقي كمؤسسات مدنية تفعل دور الشعب في الرقابة والمحاسبة والتفاعل الإيجابي . ولأن الناس كانو قد عاشو تجربة سلبية في الدورة الأولى من عمر المجالس البلدية ، فإنهم كانو سيعزفون بالتأكيد عن المشاركة في انتخابات الدورة الثانية إن هم لم يرو تطويرا جادا لاختصاصاتها والصلاحيات الممنوحة لها . وبعد أيام ستعلن أسماء الفائزين في هذه الانتخابات ، وستمر أربعة سنوات أخرى دون أن نلمس أثرا لوجود هذه المجالس على أرض الواقع . والأمل الآن هو أن تكون مشاركة المرأة في الدورة القادمة حافزا لبذل جهد ما لترتيب أوضاع هذه المجالس ، حتى ولو كان الدافع لذلك تحجيم دورها ووضعها وراء حواجز من جدران المباني والممارسات البيروقراطية .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق