أجزم أن الغالبية الساحقة من سكان المملكة انشغلو اليوم بالحديث عن القرارات التي تضمنها خطاب الملك يوم أمس في مجلس الشورى ، والتي أعلن فيها عن مشاركة المرأة في مجلس الشورى وانتخابات المجالس البلدية في دورتيهما القادمتين ، وأجزم أيضا أن مواقف الناس تباينت بين مؤيد ومعارض لهذه الخطوة التي عدها البعض حدثا تاريخيا وعدها البعض الآخر نكسة كبرى وهزيمة لدعاة الانغلاق والتحفظ والجمود . هذه القرارات كانت أيضا مادة لكل وسائل الإعلام المهتمة بواقع المملكة ، وقد شاهدت منذ ليلة البارحة على الأقل أربعة برامج حوارية مختلفة ناقش فيها الحضور على مختلف مشاربهم وتوجهاتهم هذا الحدث . أتعجب أحيانا كيف يمكن أن يكون بعض الناس متطرفين في حكمهم على الأمور ، سواء منهم من رأى في هذه القرارات حدثا تاريخيا وإنجازا غير مسبوق في مسيرة الإصلاح في المملكة ، ومن رأى أنها تشكل بوابة لانفلات النساء وخروجهن من بيوتهن ومزاحمة الرجال في شئونهم واختصاصاتهم ، ومن رأى منهم أنها لا تمثل سوى محاولة مكشوفة من الدولة لإلهاء الناس فيما لا يغني ولا يسمن من جوع وإشغالهم عن مطالب الإصلاح الحقيقية والتغيير الديموقراطي للمجتمع . وأنا في الحقيقة أجد نفسي متوسطا في موقفي من هذا الحدث ، فهو بحق حدث مهم يحقق اختراقا حقيقيا لجدار الصمت والجمود القائم في وجه المطالب بحقوق المرأة والمجتمع ، وهو أيضا يحمل شيئا من المخاطر من سوء تفسيره على أنه دعوة للانفلات وخروج المرأة بما يسيء إلى دورها في تنشئة الأسرة ، وهو أيضا قرار نخبوي لا يعود بكثير من النفع على الكادحات من نساء المجتمع ، كونه لا يفتح الباب إلا لعدد محدود من نخب نسائية لمشاركة محدودة في أجهزة ومؤسسات تعاني أصلا من قصور الأداء وضحالة دورها في تنمية المجتمع . إذن ، يجب أن لا نبالغ في الإشادة بهذه القرارات ، تماما مثلما يجب أن لا نقلل من شأنها إذا كان خطوة من بين خطوات عديدة يتطلع إليها الناس لتحقيق إصلاح حقيقي في المجتمع . أكثر من أغاظني من بين المحاورين الذين حللو هذا الحدث كان تلك الكاتبة السعودية التي أعتقد أنها تتخذ صفة المعارضة كونها تقيم وتتحدث من لندن عاصمة الضباب والمعارضة . هذه السيدة تحدثت يوم أمس لتحقر من شأن القرارات عندما قالت أن هناك الكثير من القضايا التي يجب على الدولة أن تمد إليها يد الإصلاح بدلا من هذه القضية الهامشية . ومع أن حديثها لا يخلو من الصحة ، إلا أننا لا يجب أن نرفض خطوة من خطوات الإصلاح بحجة موقعها في ترتيب سلم الأولويات الذي لا يوجد أساسا أي اتفاق حوله . المهم الآن ألا تكون هذه الخطوة غاية المنتهى ، وأن تتوقف عندها مسيرة الإصلاح ، بل إنها يجب أن تتبع بخطوات أخرى أكثر أهمية وأكبر أثرا في تنمية المجتمع استغلالا لحالة الصدمة التي أحدثتها . أرجو فقط أن لا يكون من بين هذه الخطوات مشروع لإعادة تأثيث مقر مجلس الشورى والمجالس البلدية لوضع فواصل بين مقاعد الرجال ومقاعد النساء فيها .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق