الأحداث في سوريا تتسارع بشكل خطير في ظل تزايد أعداد الضحايا من أناس كل جرمهم أنهم خرجو يطالبون بالحرية والعدالة في بلد يمثل أحد أكبر مواطن القمع والاستبداد الذي يمارسه النظام الحاكم تجاه شعبه . واليوم كان أحد أيام الجمعة التي يخرج فيها المتظاهرون بأعداد غفيرة ليواجهو آلة القمع التي تحصدهم دون هوادة ، فإذا بأرقام الضحايا تزيد ساعة عن ساعة بين كل نشرة وأخرى من نشرات الأخبار . وبينما كنت أشاهد هذه المشاهد بعد عصر هذا اليوم تذكرت حلقة الأمس من برنامج إضاءات التي استضاف فيها تركي الدخيل شخصا لا أذكر اسمه وقدمه بصفته داعية في وزارة الشئون الإسلامية والأوقاف . وأنا لا أفهم كيف يمكن أن يكون الداعية موظفا في وزارة ، وكيف يمكن أن تكون الدعوة إلى سبيل الله وظيفة بأجر . هذا الداعية عبر عن رأيه في الثورات التي تجتاح دول العالم العربي ، وسجل اعتراضه عليها من ناحية المبدأ ، من ناحية أن المطالبة بالتغيير تصبح حراما إن كان من المعلوم أنها ستقود إلى إهلاك النفس أو الإضرار بالمجتمع ، وأن استبداد الحكام لا يجوز أن يواجه بالثورات وإنما بالمناصحة والحوار والمجادلة . لم أستطع أن أفهم هذا المنطق أو أهضمه وأنا أشاهد الصور والمشاهد التي نراها كل يوم في نشرات الأخبار ، فكيف يمكن أن يجتمع الحوار والاستبداد معا . إذا كان الحاكم مستبدا فهو لن يسمح بالحوار ولن يقبل المناصحة . وأي حديث عن الحوار الذي يطلقه مثل هذا الحاكم لن يعدو أن يكون مسرحية يضحك بها على شعبه ويخدر مشاعرهم . أما إن لم يكن مستبدا فلا حاجة للثورة من الأساس ، فالشعب هنا سيكون قد نال بالفعل ما يريد إن هو طالب وناصح وجادل . هذا النموذج من الشعوب في رأيي لا وجود له في العالم العربي كله الذي يعج بالمطالب والتطلعات ويعاني حالة من التخلف متفاوتة المستوى بين دوله . فهو إما أن يكون شعبا يعاني الاستبداد الذي يكتم أفواه أبنائه حتى يأتي يوم يثورون فيه كما هو الحال الذي نراه الآن ، وإما أن يكون شعبا ضعيفا في ذاته قاصرا في تطلعاته يعيش قانعا في كنف حكم أكثر عدلا من غيره ، ولكنه يفتقر إلى عناصر تحقق له النجاح كالكفاءة أحيانا والموارد أحيانا أخرى . الشعب السوري عانى من القمع والاستبداد على مدى 50 عاما ، وأنا لا أدري إلى متى يجب عليه أن يصبر ويناصح ويحاور دون أي جدوى لكي لا يقع في حكم التحريم الذي رآه داعية الأمس . المشكلة أن مثل أولئك المنظرين بعيدون عن معاناة الناس ولم يحسو يوما بما يشعر به هذا الشعب المغلوب على أمره ، فهل لمثل هذا الداعية أن يقول خيرا أو ليصمت .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق