اتصل بي صباح اليوم شخص قدم
نفسه على أنه صحفي يعمل في إحدى شركات العلاقات العامة ، وطلب مني إجراء مقابلة
صحفية عن موضوع المباني المدرسية لنشره في إحدى الصحف المحلية . أجبته بالقبول ،
وطلبت منه أن يرسل لي أسئلة المقابلة عبر البريد الإلكتروني لأقوم بإعداد الإجابات
وإرسالها إليه . عندما وصلت الأسئلة وجدتها مجموعة مهلهلة من الأسئلة التي صيغت
وكأنها موجهة إلى مسئول في وزارة التربية والتعليم وليس إلى متخصص في العمارة
والتطوير العمراني . اتصلت به لأطلب منه تغيير الأسئلة فأجابني بأن هذه الأسئلة قد
تمت صياغتها ضمن برنامج تعاقدت عليه الشركة مع وكالة الوزارة للمباني والتجهيزات
المدرسية لإدارة حملة للعلاقات العامة بهدف تحسين صورتها في الإعلام والمجتمع . قلت
له إذا كان هذا الهدف من المقابلة فإنني آخر من يصلح لهذه المهمة ، فأنا لا أستطيع
أن أكون بوقا من الأبواق التي تشترى أو تفرح بظهور إعلامي لأطبل لأية جهة كانت ،
ونصحته بأن يبحث عن غيري للقيام بهذه المهمة . انتهى الحوار وأنا أتساءل عن هذا
الأسلوب الذي تسعى به الوزارة لتحسين صورتها أو بالأحرى تزييفها في الإعلام .
والحقيقة أن الوزارة تعلم مدى السوء الذي بلغته صورتها في الإعلام لتقوم بهذه
الحملة الرخيصة بهذا الهدف . كان الأحرى بالوزارة أن تبحث عن موطن الخلل الذي
جعلها صورتها تكون بهذا السوء عوضا عن أن تحاول تحسينها في أعين الناس . ومثل هذه
الصورة لجهاز يقوم على إدارة أحد أهم مسارات التنمية ، ويحمل الناس كلهم هما عظيما
تجاهه وتجاه المستوى المتدني الذي وصلت إليه ، لا يمكن أن تعالجها أو تجملها حملة
إعلامية أو إعلانية مهما استثمرت فيها من أموال تأتي في الأساس من خزينة الدولة
وموارد الوطن . ولكن يبدو أن الوزارة ووكالتها العتيدة قد علمت أنها لن تستطيع
أداء مهمتها كما يجب فأرادت أن تعمي أعين الناس عن هذا الفشل الذي تعيش فيه .
المباني المدرسية أحد نماذج الفشل في التنمية والتطوير في المملكة ، ومع كل
الأموال الضخمة التي يتم تخصيصها في ميزانية الدولة كل عام لهذا البند إلا أنها لم
ترق إلى الآن لتحقيق طموحات وتطلعات الناس ، ولا زالت كثير من المدارس تشغل مبان
مستأجرة ، وحتى المملوكة منها يتم تنفيذها وفق أدنى مستويات الكفاءة والاحترافية
المهنية . وإلى أن تعي وزارة التربية والتعليم وغيرها من اجهزة الدولة أن جودة
العمل وإتقانه هو السبيل الأوحد لرضا الله والناس وتحقيق النجاح المأمول في جهود
التنمية سيظل المجال مفتوحا لشركات العلاقات العامة لتحقق أرباحا طائلة من مثل
حملات التزييف والتطبيل هذه . أما عن الكتاب والمختصين فلا أدري كم يستطيع منهم
مقاومة إغراء المادة والظهور الإعلامي لكي لا يكونو أدوات رخيصة في مثل هذه
الحملات المغرضة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق