غدا هو آخر أيام العمل في المدارس والدوائر الحكومية قبل إجازة عيد الأضحى المبارك . ومنذ بداية الأسبوع وأنا أتلقى عبارات الترجي والاستجداء من أبنائي للتغيب عن المدرسة في أيام الأسبوع الثلاثة المتبقية قبل الإجازة ، وذلك بحجة أن كل الطلاب مجمعون على عدم الحضور ، وأن المدرسين لن يقدمو أية حصص دراسية لعدد قليل من الطلاب الحضور . مع كثر الزن وتكرار الطلب أصبت بشيء من الانزعاج الذي أردت أن أكبته كي لا ينفجر عقوبة عليهم ، فجنحت إلى النقاش الموضوعي محاولا تبني سياسة الإقناع بدل الإجبار . قلت لابني الأكبر أنني أبحث عن إجابة لسؤال حيرني كثيرا ، وهو لماذا هذا الهوس بالبحث عن إجازات وعطل غير مستحقة ، وهو ما أصبح ظاهرة عامة بين الطلاب والموظفين . لم أجد عنده إجابة شافية لهذا السؤال ، وأثق أن لا أحد يملك الإجابة التي أبحث عنها . قلت له أن الذهاب إلى المدرسة هو إيفاء بالتزام على الطالب ، حتى ولو تغيب كل الطلاب وكل المعلمين . قلت له أيضا أنني لا أستطيع أن أسمح له بالغياب ، إذ أنني أجد من غير المنطق أن أسمح بمخالفة نظام سائد لمجرد الرغبة الشخصية ، بالضبط كما لو أنني لا أستطيع أن أسمح بالتقصير في أداء الصلاة أو بكسر إشارة مرور أو غير ذلك ، فالمخالفة لا يمكن أن تأتي بالسماح أو الاستئذان ، وإلا كان ذلك تشريعا للخطأ . في اليوم التالي اتصل بي ابني من المدرسة حوالي الظهيرة ليطلب مني العودة إلى المنزل إذ لم يبق أحد سواه في المدرسة . قررت أن أذهب إلى المدرسة لمواجهة الإدارة في هذه الحالة الغريبة . التقيت بمدير المدرسة وألقيت عليه ذات السؤال الذي طرحته على ابني في الليلة السابقة ، فأجابني بأن هذه ثقافة عامة لدى الشعوب العربية تنبع من حالة كسل وميل إلى التخلي عن المسئوليات . وافقته بالطبع في تحليله ، ولكنني لم أوافقه في موقف المدرسة من هذه الظاهرة . قلت له إن كانت هذه الظاهرة تنبع من ثقافة عامة كما يقول ، فهل يعني ذلك أن نخضع لها وننجرف معها كالقطعان ، وهل من المعقول أن تتخلى المدرسة عن دورها في تربية النشأ على الثقافة الصحيحة بدلا من الاستسلام لهذه الظاهرة ، ثم أليس من المفترض أن تمارس المدرسة دورا حازما في مقاومة هذه الظاهرة على الأقل عبر تمييز الطلاب الملتزمين بالحضور مقابل أولئك الذين يمنحون أنفسهم إجازات ما أنزل الله بها من سلطان . لم أجد لدى المدير تفاعلا يذكر ، ويبدو أنه تململ من حديثي المتلبس بالمثالية ، فخرجت بإبني من المدرسة وأنا أتحسر على مستوى التربية والتعليم في مدارس بلادي ، وهذه المدرسة هي من أفضلها ، فما هو ياترى حال بقية المدارس وخاصة الحكومية منها .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق