حضرت اليوم اجتماعا للجنة الوطنية للمكاتب الاستشارية ، وهي مشاركتي
الأولى في هذه اللجنة بعد أن أكرمني أعضاؤها بدعوتي للانضمام إليهم . القطاع
الاستشاري في المملكة قطاع يتيم لا أب له ولا راع ، وأعضاء اللجنة اليوم تبارو في
بذل شكاواهم وعرض معاناتهم التي تمثل نماذج لبقية المكاتب الاستشارية في المملكة .
المشكلة أن الكثيرين لا يعلمون أهمية العمل الاستشاري ، وما يمكن أن يحدثه من أثر
في نجاح أو فشل المشاريع والاستثمارات وجهود التنمية بالمجمل . وأول الجاهلين
بأهمية القطاع هم المسئولون في القطاع الحكومي . والمضحك أن بعضا من هؤلاء
المسئولين يتحولون إلى مستشارين بعد أن تطالهم يد التقاعد فينتقلون إلى موقع
الشكوى من صلف وجهل وتعسف المسئولين في القطاع الحكومي ، وعلى الباغي تدور الدوائر
. وأحمد الله أنني لست من هؤلاء ، إذ أنني قررت أن أقطع صلتي بالعمل الحكومي في
وقت مبكر من حياتي العملية . ومع أن البديل لم يكن أكثر راحة ، إلا أنه بالتأكيد
كان أكثر متعة مع ما كل شابه من صدامات وإحباطات ومشاكل . أعضاء اللجنة في اجتماع
اليوم كانو في معظمهم من كبار السن بما جعلني أتوقع أنهم انخرطو في العمل
الاستشاري على سبيل التسلية بعد التقاعد ، وهو ما فسر لي ذلك البرود والتباطوء الذي
شاب عمل اللجنة ومثيلاتها من اللجان الفرعية على مستوى الغرف التجارية . ولأنني
جئت إلى هذا الاجتماع بشيء من الحماسة فقد وجدتني أندفع بالتعليق تارة والنقد تارة
والاقتراح تارة أخرى ، حتى شعرت أن الحضور كرهوني وندمو أشد الندم لدعوتي للانضمام
إلى لجنتهم ، فلم يجدو عقابا يكيلونه لي أفضل من تكليفي بالعمل على تلك الملفات
التي شاركت بالحديث عنها . لا أستطيع أن أشرح لزوجتي العزيزة وبعض الذين يرأفون
بحالي من مثل هذه الأعباء الإضافية في حياتي مقدار المتعة التي يحققها هذا النوع من
العمل العام . المتعة الحقيقية في العمل هي في إنجاز تغيير ما يحقق منفعة لجيل
كامل أو قطاع كامل أو بلد كامل ، وهو ما وجدته في مثل هذه اللجان التي انخطرت فيها
منذ فترة . المشكلة أن هذه المتعة لا تأتي إلا من رحم كثير من المعاناة والتعب
والجهد ، إذ أن التغيير هو أصعب ما يمكن تحقيقه في بلد ومجتمع يقاومان ثقافة
التغيير والتطوير . على أية حال ، حتى لو يتسن لي أن أحقق النجاح المأمول ، فإنني
على الأقل سأكون قد حركت المياه الآسنة علها تفلح في تحقيق التغيير الذي أرجوه ولو
على المدى البعيد .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق