غبت اليوم عن موعد مشاركتي الأسبوعي في جريدة الاقتصادية . والسبب في ذلك أن الجريدة طلبت من كل الكتاب أن يخصصو مقالاتهم للكتاب عن الأمير سلطان بن عبد العزيز رحمه الله ، فلم أجد ما أضيفه فوق ما كتبه من سبقني بالكتابة منذ يوم السبت ، فأنا لم أعتد الكتابة في مجال التأبين ، علاوة على أني لا أحب أن أنشر مثل هذه المشاعر في مقالات صحفية فأتهم بالنفاق والتزلف . ولكنني أجد في هذه المدونة متسعا للحديث بعيدا عن مثل هذه التهم ، خاصة في هذا اليوم الذي بدا حزينا منذ صباحه الباكر ، إذ هو يوم وصول جثمان الفقيد إلى أرض الوطن ليوارى الثرى في مثواه الأخير . ومع كل مشاعر الحزن التي كانت تعلو سحنة الكثيرين ممن قابتهم هذا اليوم ، إلا أنني تعجبت من هذه العادة السخيفة التي أصبحت مسيطرة على تصرفات الناس في أي حدث ، وهي عادة نشر الإشاعات حول إعفاء الطلاب والموظفين من العمل في إجازة طارئة . منذ يوم أمس والناس يتبادلون الأخبار عن وقف العمل والدراسة لبقية أيام الأسبوع ، دون أن يكون لهذه الأخبار والإشاعات أي مصدر رسمي . وأنا لا أدي ما هذا النمط المتكاسل الذي أصبح مسيطرا على الناس ليجعلهم يتحينون أية فرصة للتوقف عن العمل ، حتى مثل هذا الحدث الحزين لم ينج من أن يكون هدفا لهذا النمط من الإشاعات المزعجة . مساء اليوم بلغت المشاعر أوجها عند وصول الجثمان إلى قاعدة الرياض الجوية ، وأكثر ما هيج المشاعر كان حضور الملك بنفسه لاستقبال الجثمان ، وهو الذي خرج لتوه من عملية جراحية خطيرة ، وغادر المستشفى قبل يوم واحد من وصول الجثمان . هذا الجمع الضخم الذي احتشد في قاعدة الرياض الجوية تعدى فيما رأيت حدود البروتوكولات الرسمية المعتادة ، ففي هذه المرة اجتمع الحشد لاستقبال جثمان لا يرجى منه الرضا ولا يخشى منه الغضب إن لم يحضر أحد . كان من الممكن أن يصل الجثمان في هدوء ودون صخب أو استقبال ، وأن يجتمع الحشد يوم غد عند الصلاة عليه ودفنه . ولكن تلك الحشود ، وعلى رأسها ملك البلاد ، الذين اعتادو استقبال أميرهم في حياته بالترحاب والقبلات والأحضان لم يغيبو عن استقباله ولو كان جثة في صندوق ، ولو لم يستطيعو أن يصافحوه ويقبلوه ويحظو برؤية ابتسامته التي تريح النفس . حضور الملك اليوم كان لمحة بريئة أكبرتها في هذا الرجل ، وأثق أنه كسب بها دون أن يقصد مزيدا من حب الناس في هذا البلد وسائر البلاد .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق