كم هي مقيتة لعبة السياسة ، خاصة عندما تدور مناوراتها ومداوارتها على بحور من الدماء وأشلاء الأجساد المقطعة وحقوق الشعوب الضائعة . ومنذ يوم أمس والجميع ، وخاصة السوريون ، يتحرقون شوقا لما سوف تسفر عنه جلسة اجتماع مجلس الأمن الذي كان من المفترض أن يجري تصويتا على قرار رئاسي يدين النظام السوري على ما يمارسه من قمع وقتل تجاه شعبه الثائر على الظلم والطغيان . وصباح اليوم أعلنت نتيجة التصويت التي أسفرت عن سقوط القرار أمام فيتو مزدوج من روسيا والصين . أنا لم أكن أتوقع أصلا أن يمرر هذا القرار ، إذ أن لعبة المصالح لم تكن لتسمح بذلك حتى الوقت الحاضر على الأقل . ولكنني لم أكن أتوقع هذا الفيتو المزدوج ، إذن أنه كان يكفي فيتو واحد فقط لإسقاط القرار . حاولت أن أفهم سبب ما حدث ، وقادني تفكيري إلى نظرية لا تخلو من المؤامرة ، مع أني لست من أنظار فرضية المؤامرة على الدوام . وفي رأيي فإن هذا الفيتو المزدوج جاء نتيجة لتنسيق مسبق مع الولايات المتحدة وربما تابعتيها المخلصتين بريطانيا وفرنسا أيضا تمهيدا لفيتو آخر متوقع من طرف الولايات المتحدة الأمريكية ضد قرار قبول عضوية دولة فلسطين في الأمم المتحدة . والفيتو المزدوج جاء لتحييد موقف روسيا والصين في وقت واحد من الموقف المتوقع من الولايات المتحدة . هذا الرأي جاء مبنيا على تساؤل حول التوقيت الذي طرح فيه القرار للتصويت ، كونه جاء متأخرا أكثر من سبعة أشهر مرت منذ بدء ثورة الشعب السوري ، وقبل أن يطرح طلب انضمام دولة فلسطين للتصويت بالرغم من جاهزيته للتصويت . ربما يثبت الزمن خطأ هذه النظرية ، ولكنه سيثبت بأي شكل من الأشكال صحة المقولة بأن لعبة المصالح بين الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن هي لعبة حقيقية ، وأن كل هذا التعاطف الذي يظهره البعض منهم مع معاناة الشعوب العربية البائسة ليس إلا قناعا يلبسونه ضمن متطلبات هذه اللعبة التي تتطلب تبادل الأدوار . وعلى أية حال ، فإن الأيام القلية القادمة ستظهر صحة هذه النظرية ، وأتوقع أن يقدم مشروع القرار المتعلق بطلب انضمام دولة فلسطين إلى الأمم المتحدة في غضون الأسابيع القليلة القادمة . الغريب أن حالة الثورة السورية لا زالت تواجه صمتا عربيا مطبقا لا يمكن فهمه ولا تفسيره . وحتى كلمة الملك عبد الله التي أطلقها قبل حوالي الأسبوعين ما لبثت أن انذوت جذوتها وانطفأ لهيبها ليعود الصمت السلبي سيد الموقف . وفي خضم كل هذه المشاهد يبرز الموقف التركي ناصعا بارزا ليجدد إعجابي وإعجاب الكثيرين ، وليرسم نموذجا للعرب لم يتسن لهم بعد أن يستوعبوه .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق