أحيانا يصادف المرء أشخاصا في الحياة يعلقون في الذاكرة لفترة طويلة . اليوم صادفت أحد هؤلاء ، مراسل لقناة الإخبارية السعودية في دبي كان يغطي أحداث المؤتمر الذي حضرته . هو عراقي الجنسية ، ولاحظت في مشيته شيئا من العرج ، فسألته عما أصابه ، وكأنما كان ينتظر أن يفتح أحد له باب الحديث ليسرد قصة حياته وينفس عما به . أخبرني أنه أصيب في رجله أثناء حرب العراق وإيران ، وأنه خسر ابنه في مواجهات بين السنة والشيعة ، وانطلق يتحدث عن سبب مجيئه إلى دبي ، وكيف أنه تخلى عن كل مبادئه الوطنية والقومية بعدما انقلب الحال في العراق وبدأت تطغى ملامح الطائفية والصراع بين السنة والشيعة بعدما كان كل الناس يتعايشون في سلام دون فرقة . بعدما انتهى الحديث انتبهت إلى هذه الحالة من الصراع التي أصبحت طاغية في علاقات الناس في عالمنا العربي ، الطائفية في دول كلبنان والبحرين ، والقبلية في دول أخرى كليبيا واليمن ، وأشياء أخرى في دول أخرى . من الذي زرع كل أسباب الفرقة بين شعوب أوطان العرب ، وبين أفراد الشعب الواحد ؟ . تذكرت أنني ترعرت في المدينة المنورة ، ولم أعرف أن النخاولة هم من الشيعة إلا بعد أن غادرت المدينة إلى الرياض عقب الثانوية العامة . لم نشعر يوما بأن هناك فرقا بيننا ، وإن كان لهم معتقداتهم الدينية فلهم دينهم ولي دين . ولكننا كنا نتعايش جيرانا وأصدقاء وزملاء دراسة دون أي فرقة أو عداء . اليوم نشهد تصعيدا غريبا في الصراع بين الطوائف ، مع أن الطائفية لم تكن في العادة ظاهرة في حالة المملكة ، ولكن التأجيج المتعمد من إيران أصبح واضح التأثير في المملكة والبحرين كما استطاعت أن تقلب حال العراق كما روى أخونا العراقي . نحن نتحرى غدا خطاب الملك وما سيتلوه من قرارات ، ولا أظن أحدا سينام الليلة إلا بعد أن يكون قد استنفد احتمالات التخمين حول ذلك الخطاب المنتظر . كل ما أرجوه أن يؤسس ذلك الخطاب لتجديد حالة التعايش بين أفراد المجتمع ، أن يلغي القبلية والعنصرية والتمييز بكل أشكاله ، فالطائفية ليست إلا واحدا من أسباب الفرقة ، وفي بلادنا منها الكثير بكل أسف .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق