التجميل

الثلاثاء، 3 يناير 2012

اليوم 343

أكثر ما يضايقني في هذه الحياة أن أعيش شعور البهائم التي تساق قطعانا لا تلوي على شيء ولا تملك حق اختيار ما تريد أن تفعله أو لا تفعله . ونحن نعيش في عالمنا العربي في ظل سياسة الأمر الواقع التي لا يجدي معها الاعتراض ولا حتى الاستجداء . صباح اليوم كان على زوجتي العزيزة أن تنجز شيئا من شئونها في كتابة العدل الثانية ، وهي تلك التي تختص بأمور العقار والملكيات . زوجتي وصفت لي تلك التجربة بشعور مختلط من الأسى والغضب ، وشرحت لي كيف أن النساء حضرو مصحوبين بمعرفين حضوريين بناء على طلب فضيلة المشايخ ، وهم أفراد ذكور من الأقارب تؤخذ شهادتهم لتأكيد شخصية المرأة الحاضرة لإنجاز معاملتها . الغريب أن بعض النساء تعطلت إجراءاتهم واضطرو لتأجيل إنجازها لأنهن لم يكن يحملن بطاقات هوية شخصية ، مع أن إصدار بطاقة الهوية للنساء ليس أمرا إلزاميا ، وبطاقة العائلة تحل محلها في كل المواقف . ثم لماذا المعرف إن كانت بطاقة الهوية تؤكد شخصية حاملتها ، وإذا كان المشايخ يريدون غض البصر عن صور النساء في البطاقات فلماذا يصرون على إبرازها كشرط لإنجاز المعاملات . قالت زوجتي أن النساء حبسن في غرفة واحدة ، وفي كل مرة يأتي كاتب العدل لينادي على إحداهن ويسإلها من وراء حجاب عن اسمها وسبب حضورها وما إذا كانت تعلم ثمن البيع أو الشراء ثم يمد إليها الدفتر لتبصم عليه دون أن تقرأ ما كتب فيه .قلت لنفسي ، أين الأمان في هذا الإجراء الغريب الذي يفتح الباب على مصراعيه لانتحال الشخصيات ونهب الحقوق ، إذ أن كل ما يثبت شخصية البائعة أو المشترية هو شهادة ذلك المعرف . انتهى حديثنا وبدأت أستعد للمغادرة إلى المطار للسفر إلى جدة لحضور اللقاء التعريفي الثالث لمرشحي انتخابات هيئة المهندسين . وطوال الطريق إلى المطار كنت أتخيل صورة أولئك النسوة المحبوسات في غرفة ضيقة كالزريبة في انتظار إنجاز شئونهن ، وحمدت الله أن خلقني رجلا لكي لا أضطر إلى الوقوف في هذا الموقف . وعلى متن الطائرة ، وبعد أن ربطنا الأحزمة وأغلقت الأبواب وتحركت الطائرة وسارت على مدرج الإقلاع ، إذا بها تستدير فجأة عائدة إلى البوابة . بدا الركاب ينظرون إلى بعضهم البعض متسائلين عما يحصل ، وبدا لهم أن الطائرة أصابها خلل منعها من الطيران . وبين انتظار أن تقلع الطائرة أو أن ننزل منها أو أن نسمع كلمة واحدة من قائد الطائرة قضينا حوالي الساعة قبل أن يعلن القائد انطلاق الطائرة . وطوال هذه الساعة لمت نفسي على موقفي حول ما عانت منه زوجتي صباح اليوم ، فالعقاب الرباني جاءني عاجلا بأن جعلني وبقية الركاب نحبس كالبهائم في طائرة رابضة على البوابة دون أن يعيرنا قائدها وطاقمها أي اهتمام . وعندما انفعلت وطلبت من المضيفة بحزم أن تبلغ القائد أن يفهمنا ما يجري التفت إلي أحد الركاب قائلا ، يبدو أنها المرة الأولى التي تركب فيها إحدى طائرات الخطوط السعودية ، وكلها يا صديقي رحلات شحن وليست رحلات نقل ركاب من جنس البشر .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق