التجميل

الاثنين، 31 أكتوبر 2011

اليوم 279

غادرت فجر اليوم إلى الدمام في رحلة برية لمسابقة الزمن في آخر يوم عمل من دوام الأجهزة الحكومية قبل إجازة عيد الأضحى المبارك لأنهي بعض الأعمال  مع اثنين من العملاء في هذا القطاع في تلك المنطقة . الرحلة كانت قصيرة وعاجلة عدت منها فور إنهاء اجتماعاتي هناك لأصل إلى الرياض عند الغروب متعبا منهك الجسد والعقل . أحسست بأثر السنين على جسدي ، وتذكرت تلك الأيام التي كنت أجوب فيها طرق المملكة ذهابا وجيئة في رحلات اليوم الواحد المكوكية . دوام الحال من المحال ، ولكن هذه الرحلات البرية ستظل البديل الوحيد لهذه الرحلات غير المجدولة في ظل عدم تمكن الخطوط الجوية السعودية من معالجة مشكلات الحجوزات على الرحلات الداخلية المحودة في جدولها . في طريق العودة وردت رسالة إلى هاتفي الجوال من موقع إخباري تفيد بمصادقة مجلس الوزراء السعودي على قرار السماح للشركات الخليجية بفتح فروع لها في المملكة وممارسة العمل مثلها مثل الكيانات الوطنية . القرار يمثل خطوة مهمة من خطوات التكامل الخليجي الذي طال انتظاره ، ولكنني رأيت فيها شيئا من الخلل الذي يجب الانتباه إليه على المستوى التطبيقي . فمن ناحية ، فإن تطور البنية القانونية لتأسيس الشركات والأعمال في بعض دول الخليج ، والتسهيلات التي تقدمها تلك الدول ، يمكن أن تشكل عنصر جذب لهجرة بعض رجال الأعمال والمهنيين السعوديين لتأسيس كيانات لهم في تلك الدول ومن ثم العودة إلى المملكة لفتح فروع لتلك الكيانات . هذا الخيار كان بديلا قائما وضعته كثيرا في اعتباري لمعالجة معاناتي من مشكلة نظام المؤسسات المهنية السعودي الذي يحمل كثيرا من المشاكل التي تمنع استمرارية تلك المؤسسات بعد وفاة أصحابها ، وتسقط بذلك قيمتها الاقتصادية ومخزونها الفكري والإبداعي . الشيء الآخر هو أن بعض دول الخليج كانت قد بادرت لتطبيع علاقاتها الاقتصادية مع الكيان الصهيوني ، وهو ما يمكن أن يكون منفذا لمؤسسات من ذلك الكيان للنفاذ إلى السوق السعودي عبر تأسيس كيانات أجنبية في بعض دول الخليج لتصبح كيانات خليجية يمكن لها أن تؤسس لها فروعا في المملكة . هذا الأمر مع كل ما يحمله من خطورة على الأمن الوطني يجب الانتباه إليه من قبل وزارة التجارة وهيئة الاستثمار . مع أني أظن أن الهيئة على وجه الخصوص لن تعي هذا الخطر ، إذ أنها ستركز على تضخيم أرقام الاستثمار الأجنبي في المملكة لتضيف إلى نجاحاتها المزعومة رصيدا جديدا حتى لو كان على حساب أمن الوطن وأمن أبنائه .

الأحد، 30 أكتوبر 2011

اليوم 278

غدا هو آخر أيام العمل في المدارس والدوائر الحكومية قبل إجازة عيد الأضحى المبارك . ومنذ بداية الأسبوع وأنا أتلقى عبارات الترجي والاستجداء من أبنائي للتغيب عن المدرسة في أيام الأسبوع الثلاثة المتبقية قبل الإجازة ، وذلك بحجة أن كل الطلاب مجمعون على عدم الحضور ، وأن المدرسين لن يقدمو أية حصص دراسية لعدد قليل من الطلاب الحضور . مع كثر الزن وتكرار الطلب أصبت بشيء من الانزعاج الذي أردت أن أكبته كي لا ينفجر عقوبة عليهم ، فجنحت إلى النقاش الموضوعي محاولا تبني سياسة الإقناع بدل الإجبار . قلت لابني الأكبر أنني أبحث عن إجابة لسؤال حيرني كثيرا ، وهو لماذا هذا الهوس بالبحث عن إجازات وعطل غير مستحقة ، وهو ما أصبح ظاهرة عامة بين الطلاب والموظفين . لم أجد عنده إجابة شافية لهذا السؤال ، وأثق أن لا أحد يملك الإجابة التي أبحث عنها . قلت له أن الذهاب إلى المدرسة هو إيفاء بالتزام على الطالب ، حتى ولو تغيب كل الطلاب وكل المعلمين . قلت له أيضا أنني لا أستطيع أن أسمح له بالغياب ، إذ أنني أجد من غير المنطق أن أسمح بمخالفة نظام سائد لمجرد الرغبة الشخصية ، بالضبط كما لو أنني لا أستطيع أن أسمح بالتقصير في أداء الصلاة أو بكسر إشارة مرور أو غير ذلك ، فالمخالفة لا يمكن أن تأتي بالسماح أو الاستئذان ، وإلا كان ذلك تشريعا للخطأ . في اليوم التالي اتصل بي ابني من المدرسة حوالي الظهيرة ليطلب مني العودة إلى المنزل إذ لم يبق أحد سواه في المدرسة . قررت أن أذهب إلى المدرسة لمواجهة الإدارة في هذه الحالة الغريبة . التقيت بمدير المدرسة وألقيت عليه ذات السؤال الذي طرحته على ابني في الليلة السابقة ، فأجابني بأن هذه ثقافة عامة لدى الشعوب العربية تنبع من حالة كسل وميل إلى التخلي عن المسئوليات . وافقته بالطبع في تحليله ، ولكنني لم أوافقه في موقف المدرسة من هذه الظاهرة . قلت له إن كانت هذه الظاهرة تنبع من ثقافة عامة كما يقول ، فهل يعني ذلك أن نخضع لها وننجرف معها كالقطعان ، وهل من المعقول أن تتخلى المدرسة عن دورها في تربية النشأ على الثقافة الصحيحة بدلا من الاستسلام لهذه الظاهرة ، ثم أليس من المفترض أن تمارس المدرسة دورا حازما في مقاومة هذه الظاهرة على الأقل عبر تمييز الطلاب الملتزمين بالحضور مقابل أولئك الذين يمنحون أنفسهم إجازات ما أنزل الله بها من سلطان . لم أجد لدى المدير تفاعلا يذكر ، ويبدو أنه تململ من حديثي المتلبس بالمثالية ، فخرجت بإبني من المدرسة وأنا أتحسر على مستوى التربية والتعليم في مدارس بلادي ، وهذه المدرسة هي من أفضلها ، فما هو ياترى حال بقية المدارس وخاصة الحكومية منها .

السبت، 29 أكتوبر 2011

اليوم 277

بعد ظهر اليوم أصبت بحالة من رعب هستيري عندما فتحت موقع هذه المدونة لأجد رسالة تبلغني بأن المدونة قد تمت إزالتها بالكامل ، وأن كلمة السر التي أستخدمها للدخول إلى صفحة التحكم تحتاج إلى إعادة تفعيل . تيقنت حينها أن الموقع تعرض لغزو إلكتروني ، وأن ذلك الغازي أقدم على محو كامل المدونة . وعلى مدى ساعتين من الضغط العصبي بقيت أحاول بكل الوسائل لاستعادة محتويات المدونة بعد أن تمكنت من استعادة كلمة السر واستبدالها بأخرى ، وهي الجهود التي باءت جميعا بالفشل ، فأغلقت الموقع حزينا على ما فقدته من خواطر سطرتها هنا على مدى 276 يوما ، وخرجت من المكتب وأنا أفكر وأتساءل عن ذلك الغازي الذي أضاع ذكرياتي وأفكاري في مهب الريح . خطر لي أن يكون أحد الشباب الفارغين الفاسدين الذي يوظفون قدراتهم التقنية للإضرار بالناس ، أو أن يكون رقيبا من جهة أمنية أساء فهم ما كتبته يوم أمس عن تعيين الأمير نايف بن عبد العزيز وليا للعهد فأراد أن يعاقبني ويحمي الناس من سموم الأفكار التي رأى أنني أبثها في فضاء الانترنت . كل تلك الاحتمالات وغيرها جعلتني أفقد الثقة في التقنية لوهلة ، وأشاعت في نفسي شعورا بالحزن والإحباط من انفتاح فكري وحرية رأي كنت أرجو أن يكونا حقيقة واقعة وليست حلما بعيد المنال . أكاد لا أستطيع وصف ذلك الشعور الذي اجتاحني كالعاصفة ، وكأنني فقدت ابنا من أبنائي أو عزيزا على قلبي . ذهبت إلى المنزل وتناولت طعام الغداء ، ثم بدأت أشاهد أحداث مبايعة ولي العهد على شاشة التلفاز . لا أدري من أين أتى ذلك الشعور بالأمان في تلك اللحظة ، وشعرت بأن كل شيء سيكون على ما يرام ، فخرجت من منزلي عائدا إلى المكتب ، وجلست أمام شاشة الحاسوب وأدخلت عنوان الموقع وأنا بين الرجاء والخوف ، فما كانت إلا أن فتحت صفحة المدونة ، ووجدت فيها كل ما كتبت دون أن ينقص حرفا واحدا ، واتضح أن الأمر لم يعد أن يكون خللا فنيا في الموقع ما لبث أن تم إصلاحه واستعادة محتوياته . شكرت الله وحمدته ، وكدت أن أقبل شاشة الحاسوب كما كنت سأقبل ابني الذي وجدته بعد فقده . عزمت حينها أن أظل مواظبا على مخاطبة هذه المدونة ، إذ شعرت أن ما حدث اليوم إنما كان جرس تنبيه من شيء من الشعور بالبلادة والملل من الكتابة بدأ يخالجني منذ فترة ، فكانت هزة اليوم إشارة نبهتني وشحذت همتي لمزيد من الكتابة والتواصل مع قراء أرجو ألا يكونو قد أصابهم الخمول الذي أصابني في الآونة الأخيرة .

الجمعة، 28 أكتوبر 2011

اليوم 276

تحقق ليلة البارحة ما كان يتمناه كل سعودي ، وهو الحسم العاجل لمسألة ولاية العهد بعد وفاة الأمير سلطان بن عبد العزيز رحمه الله . هذه المسألة كانت محل نقاش لوقت طويل ، وبالتحديد منذ أن تفاقم سوء الحالة الصحية للفقيد . والجدل كان يدور حول شائعات وجود خلاف داخل الأسرة المالكة حول مرشح ولاية العهد ، ضمن كثير من التساؤلات حول قضية الخلافة في المملكة . السرعة التي تم حسم هذه المسألة بها وإعلان تعيين الأمير نايف وليا للعهد أزاح كل تلك المخاوف وأثلج صدر الجميع في المملكة . والسبب هو أنه عرض تجربة حقيقية وفاعلة لدور هيئة البيعة في هذا الموضوع ، وهي التي ينظر إليها الجميع لتكون صمام الأمان في حل مسألة الخلافة في المستقبل . ومنذ إعلان الخبر بعد منتصف ليلة البارحة تسابقت القنوات التلفزيونية والإذاعية على استضافة مسئولين ومثقفين للحديث عن هذا الخبر والتعليق عليه ، وعلى بث تقارير صحفية ووثائقية عن تاريخ ولي العهد الجديد وسيرته وخبراته وقدراته . الأمر الذي لاحظته بين سطور بعض تلك التقارير وفي طيات بعض تلك الأحاديث كان التلميح للطبيعة المحافظة للأمير نايف ، وميله المعهود إلى مساندة المؤسسات الدينية والمحافظة في المملكة ، والخوف من إحتمال تأثير هذا الأمر إن كان صحيحا على طبيعة مسيرة الإصلاح والتغييرات الاجتماعية ، وخاصة ما يتصل منها بالمرأة وتفعيل دورها في المجتمع . والحقيقة أن هذا التساؤل يبقى تساؤلا مشروعا خاصة في ظل مطالبة الكثيرين بتسريع وتيرة الإصلاح . ولكنني أجزم أن أية مكتسبات تم تحقيقها لا يمكن التراجع عنها بسهولة ، خاصة وأن كل تلك المكتسبات سجلت في حضور ومشاركة الأمير نايف بصفته الرجل الثالث في الدولة في ذلك الوقت . حديث الإعلام اليوم كان كثيفا بشكل ملحوظ ، ووالمزعج أن بعضا منه تضمن شيئا من المبالغات الممجوجة التي لا أدري ما الذي يمكن أن تحققه لمطلقيها ، بمن فيهم ذلك المتحدث الذي قال أن المملكة تحظى بنعمة الأمن والاستقرار فيما العالم حولها يموج بالزلازل والكوارث والأزمات ، وهو ما جيره لحكمة رجالات الدولة وقيادتها الحكيمة ، إذ لم أعلم كيف يمكن لحكمة رجالات الدولة أن تمنع الزلازل والكوارث . ولو صح هذا الفهم فإن على السيد رجب طيب أردوغان أن يعلن مسئوليته ويقدم استقالته بعد وقوع زلزال تركيا الأخير . 

الخميس، 27 أكتوبر 2011

اليوم 275

بعد أن غاب ذلك السائق السعودي بسيارتي الخاصة قبل حوالي أسبوعين ، وبعد أن وجدنا السيارة مهشمة في إحدى ورش المنطقة الصناعية ، قمت بإبلاغ الشرطة والمرور بهذه الحادثة ، وحصلت على الأوراق النظامية لضمان إخلاء مسئوليتي عن أية مخاطر بالنظر إلى تلك الحالة التي وجدنا عليها السيارة . كلفت صاحب الورشة بإصلاح السيارة ، وقمت بإبلاغ شركة التأمين بالحادث لتغطية نفقات إصلاح السيارة فطلبت الشركة تقدير تكلفة الإصلاح معتمدا من إدارة المرور مصحوبا بقائمة مسعرة بقطع الغيار المطلوبة . ولأن حالة السيارة قد تم توثيقها بالصور تحت سمع وبصر إدارة المرور ، ولأنني لا أحتمل بقاء السيارة مدة طويلة في الورشة ، فقد آثرت أن أدفع قيمة الإصلاح إلى أن تتم إجراءات شركة التأمين وتصرف قيمته ، وهي الإجراءات التي تستغرق عادة ما لا يقل عن أسبوعين من الانتظار والمتابعة المملة . انتهى إصلاح السيارة ، واستلمتها لقضاء شئون أسرتي ، فيما بقيت أتابع إنهاء متطلبات شركة التأمين . المفاجأة كانت أن إدارة المرور رفضت تزويدنا بتقرير تقدير تكلفة الإصلاح تحت ذريعة أنها لا تستطيع الاعتماد على الصور ، وأنه كان علي أن أبقي السيارة على حالها لحين المعاينة البصرية . أما وقد تعجلت إصلاحها فإن علي أن أتحمل التكلفة . شركة التأمين بالطبع تنفست الصعداء ، إذ هي نجت من تحمل تكلفة الإصلاح التي زادت على العشرين ألف ريال . وها أنا اليوم أضرب كفا بكف من هذه الورطة ، فلا أنا حصلت على تغطية التأمين التي بقيت أدفع رسومها بانتظام ، ولا أنا أستطيع تحميل ذلك الموظف الهارب تلك التكلفة . هذا النمط من تعقيد الإجراءات يلحق كثيرا من الضرر بالناس ، ويدفعهم بالتالي إلى البحث عن أية واسطة لمعالجة مثل هذه المشاكل التي يقعون فيها . وأنا اليوم أبحث عن سبيل يمكن أن يقنع إدارة المرور لتجاوز هذا المطب ، حتى ولو اضطررت لتحمل شيء من التكاليف مقابل هذه الواسطة . فهل أنا أقع بذلك في حالة رشوة ، أم أن هذه إحدى حالات الضرورات التي تبيح المحظورات . 

الأربعاء، 26 أكتوبر 2011

اليوم 274

القدرة التي يملكها العقاريون على مقاومة ضغوط السوق ظاهرة عجيبة تدفع إلى التساؤل عن مصدر هذه القدرة . أبرز مثال على هذه الظاهرة ذلك الارتفاع المتواصل في أسعار الأراضي والعقارات ، والذي ينافي ويناقض كل الأسس المنطقية والعقلانية التي تدفع باتجاه نزول الأسعار نتيجة لانحسار الطلب الناجم عن قصور التمويل الذي أنتجته الأزمة المالية العالمية ، وتباطؤ أعمال التطوير والبناء في ظل توقف كثير من المطورين العقاريين عن العمل . ولكن المضاربة التي كانت ولا زالت الدافع الأكبر لتصاعد أسعار العقار ستظل تعوق مسيرة التنمية وحلحلة أزمة السكن طالما بقي المتنفعون مستفيدين من نواتج هذا الواقع الأليم . وعلى مدى السنتين الماضيتين كان الجميع يتوقعون انخفاض إيجارات العقارات المكتبية في الرياض على وجه الخصوص بالنظر إلى كم العرض الهائل الذي يلحظه الجميع في اللوحات المعلقة على الأبراج والمباني المكتبية في كل أنحاء المدينة ، والتي خلت من شاغليها بعد الأزمة المالية العالمية ، وهو العرض الذي سيواجه مزيدا من التضخم عند إنتهاء العمل في المشروعات العملاقة التي يجري إنشاؤها حاليا ، بما فيها مشروع مركز الملك عبد الله المالي والبوابة الاقتصادية وواحة غرناطة ومدينة التقنية والاتصالات ، والتي ستضخ في جانب العرض مئات الآلاف من الأمتار المعروضة للتأجير من العقارات المكتبية . وبالرغم من هذه الشواهد والمؤشرات تلقينا اليوم خطابا من مكتب التأجير الذي يدير العقار المكتبي الذي يحتل مكتبنا فيه مساحة ليست بالصغيرة . الخطاب تضمن إبلاغا رسميا بزيادة الإيجار بنسبة تبلغ 50% من القيمة الإيجارية الحالية ، وينذر بالإخلاء في نهاية العقد إن لم نوافق على هذه الزيادة . ومع أني أثق تماما من أن صاحب العقار لن يتمكن من تأجيره إن نحن لم نوافق على هذه الزيادة الجائرة وقمنا بإخلاء المكتب ، إلا أن الانتقال إلى موقع آخر سيكون أمرا مرهقا ومعطلا لسير العمل في المشروعات التي نعمل عليها ، وسيوقع بنا خسائر مالية لمبالغ ضخمة أنفقناها على تجهيز وتهيئة المكتب بوضعه الراهن . ولأن الرقابة على مثل هذا العقاري الجشع معدومة في سوق يحكمه قانون الغاب ، فإننا لن نجد أمامنا سبيلا إلا الخضوع لهذه الزيادة المجحفة ، ولن يكون أمامنا سوى بذل شيء من المفاوضة والاستعطاف على أمل أن تقليل نسبة هذه الزيادة ، وليس أمامنا أن نقول سوى لا حول ولا قوة إلا بالله ، وإنا لله وإنا إليه راجعون .

الثلاثاء، 25 أكتوبر 2011

اليوم 273

الهيئة السعودية للمهندسين كانت قد نجحت في وقت سابق في إقناع وزارة العمل في عهد وزيرها الفقيد الدكتور غازي القصيبي بأن متطلبات السعودية التي كانت تفرض يمنة ويسرة لا يمكن أن تنجح في حالة القطاع الهندسي لسبب بسيط هو أن عدد المهندسين السعوديين في المملكة لا يمكن أن يحقق تلك النسب الخيالية ، خاصة وأن مؤسسات الدولة هي الموظف الأكبر لتلك الحفنة من المهندسين . وكانت نتيجة ذلك الجهد أن قامت الوزارة بتخفيض نسبة السعودة لهذا القطاع حتى جاء برنامج نطاقات الجديد ليعلن إلغاء هذا التمييز ويقوم بدمج قطاع المكاتب الهندسية مع بقية المكاتب الاستشارية ويضاعف نسبة السعودة المفروضة عليها وإلا فإنها ستواجه عقوبات الوزارة الخانقة ، مع أن كل تلك المبررات التي كانت قد اقتنع بها فريق الوزارة السابق بها لم تتغير إلا إلى الأسوأ في ظل تزايد الطلب على المهندسين في الوظائف الحكومية نتيجة التوسع في المشاريع الحكومية بصفتها المطور الوحيد العامل في هذه الفترة إبان الأزمة المالية العالمية . واليوم حضرت مع فريق من هيئة المهندسين وعدد من أصحاب المكاتب الاستشارية الهندسية اجتماعا مع نائب وزير العمل لعرض ومناقشة هذه القضية ، عله يسعف أصحاب هذا القطاع من المعاناة التي يعيشونها والخطر الذي يتهدد مصالحهم . الاجتماع لم يخرج بنتيجة تذكر في ظل تمسك فريق الوزارة وعلى رأسه نائب الوزير بأن برنامجهم عادل ومنصف ومبني على دراسات إحصائية متعمقة تؤكد إمكانية تطبيق تلك النسب المحدد في البرنامج ، علاوة على التلويح بتهمة أن من وصفوهم بالتجار يركنون عادة إلى أية ممارسات تحقق لهم مزيدا من الربح وتخفيض النكلفة حتى ولو كان ذلك على حساب المصالح الوطنية . حاولت أن أوضح أن أصحاب المكاتب الهندسية ليسو تجارا بل هم مهنيون ، وأن هذه النظرة المزدوجة هي السبب في هذه المعاناة التي يعيشونها . فالدولة تنظر إليهم وتتعامل معهم على أنهم تجار ، فيما القطاع الخاص والمؤسسات البنكية والتمويلية تنظر إليهم على أنهم مؤسسات صغيرة لا يمكن دعمها وتمويلها لتتمكن من خلق بيئات عمل ملائمة لاستقطاب السعوديين . ما رأيته في الحقيقة أن مشكلة أصحاب القطاع الهندسي ليست عند وزارة العمل ، بل هي عند وزارة المالية والجهات التشريعية التي كان يجب عليها أن تعدل التشريعات المنظمة لتأسيس الكيانات المهنية والهندسية لتعالج كل المشكلات التي تحيط بها . ولكن المشكلة أن الوزارة عملت كمثل كل الوزارات بشكل مستقل منعزل ، ففرضت أنظمتها لتحقق رؤيتها وأجندتها الخاصة دون أن تعي أثر هذه الأنظمة على مجمل منظومة الاقتصاد الوطني ، ودون أن تعمل بجهد متضافر مع بقية أجهزة الدولة لتطوير البيئة الاقتصادية الكلية . وإلى أن تصحو وزارة التخطيط من سباتها العميق ستظل أجهزة الدولة تعمل بهذه الاستقلالية المخلة ، حتى ولو كان الضحية اقتصاد الوطن ومستقبل أجياله .

الاثنين، 24 أكتوبر 2011

اليوم 272

غبت اليوم عن موعد مشاركتي الأسبوعي في جريدة الاقتصادية . والسبب في ذلك أن الجريدة طلبت من كل الكتاب أن يخصصو مقالاتهم للكتاب عن الأمير سلطان بن عبد العزيز رحمه الله ، فلم أجد ما أضيفه فوق ما كتبه من سبقني بالكتابة منذ يوم السبت ، فأنا لم أعتد الكتابة في مجال التأبين ، علاوة على أني لا أحب أن أنشر مثل هذه المشاعر في مقالات صحفية فأتهم بالنفاق والتزلف . ولكنني أجد في هذه المدونة متسعا للحديث بعيدا عن مثل هذه التهم ، خاصة في هذا اليوم الذي بدا حزينا منذ صباحه الباكر ، إذ هو يوم وصول جثمان الفقيد إلى أرض الوطن ليوارى الثرى في مثواه الأخير . ومع كل مشاعر الحزن التي كانت تعلو سحنة الكثيرين ممن قابتهم هذا اليوم ، إلا أنني تعجبت من هذه العادة السخيفة التي أصبحت مسيطرة على تصرفات الناس في أي حدث ، وهي عادة نشر الإشاعات حول إعفاء الطلاب والموظفين من العمل في إجازة طارئة . منذ يوم أمس والناس يتبادلون الأخبار عن وقف العمل والدراسة لبقية أيام الأسبوع ، دون أن يكون لهذه الأخبار والإشاعات أي مصدر رسمي . وأنا لا أدي ما هذا النمط المتكاسل الذي أصبح مسيطرا على الناس ليجعلهم يتحينون أية فرصة للتوقف عن العمل ، حتى مثل هذا الحدث الحزين لم ينج من أن يكون هدفا لهذا النمط من الإشاعات المزعجة . مساء اليوم بلغت المشاعر أوجها عند وصول الجثمان إلى قاعدة الرياض الجوية ، وأكثر ما هيج المشاعر كان حضور الملك بنفسه لاستقبال الجثمان ، وهو الذي خرج لتوه من عملية جراحية خطيرة ، وغادر المستشفى قبل يوم واحد من وصول الجثمان . هذا الجمع الضخم الذي احتشد في قاعدة الرياض الجوية تعدى فيما رأيت حدود البروتوكولات الرسمية المعتادة ، ففي هذه المرة اجتمع الحشد لاستقبال جثمان لا يرجى منه الرضا ولا يخشى منه الغضب إن لم يحضر أحد . كان من الممكن أن يصل الجثمان في هدوء ودون صخب أو استقبال ، وأن يجتمع الحشد يوم غد عند الصلاة عليه ودفنه . ولكن تلك الحشود ، وعلى رأسها ملك البلاد ، الذين اعتادو استقبال أميرهم في حياته بالترحاب والقبلات والأحضان لم يغيبو عن استقباله ولو كان جثة في صندوق ، ولو لم يستطيعو أن يصافحوه ويقبلوه ويحظو برؤية ابتسامته التي تريح النفس . حضور الملك اليوم كان لمحة بريئة أكبرتها في هذا الرجل ، وأثق أنه كسب بها دون أن يقصد مزيدا من حب الناس في هذا البلد وسائر البلاد .

الأحد، 23 أكتوبر 2011

اليوم 271

حضرت اليوم اجتماعا للجنة الوطنية للمكاتب الاستشارية ، وهي مشاركتي الأولى في هذه اللجنة بعد أن أكرمني أعضاؤها بدعوتي للانضمام إليهم . القطاع الاستشاري في المملكة قطاع يتيم لا أب له ولا راع ، وأعضاء اللجنة اليوم تبارو في بذل شكاواهم وعرض معاناتهم التي تمثل نماذج لبقية المكاتب الاستشارية في المملكة . المشكلة أن الكثيرين لا يعلمون أهمية العمل الاستشاري ، وما يمكن أن يحدثه من أثر في نجاح أو فشل المشاريع والاستثمارات وجهود التنمية بالمجمل . وأول الجاهلين بأهمية القطاع هم المسئولون في القطاع الحكومي . والمضحك أن بعضا من هؤلاء المسئولين يتحولون إلى مستشارين بعد أن تطالهم يد التقاعد فينتقلون إلى موقع الشكوى من صلف وجهل وتعسف المسئولين في القطاع الحكومي ، وعلى الباغي تدور الدوائر . وأحمد الله أنني لست من هؤلاء ، إذ أنني قررت أن أقطع صلتي بالعمل الحكومي في وقت مبكر من حياتي العملية . ومع أن البديل لم يكن أكثر راحة ، إلا أنه بالتأكيد كان أكثر متعة مع ما كل شابه من صدامات وإحباطات ومشاكل . أعضاء اللجنة في اجتماع اليوم كانو في معظمهم من كبار السن بما جعلني أتوقع أنهم انخرطو في العمل الاستشاري على سبيل التسلية بعد التقاعد ، وهو ما فسر لي ذلك البرود والتباطوء الذي شاب عمل اللجنة ومثيلاتها من اللجان الفرعية على مستوى الغرف التجارية . ولأنني جئت إلى هذا الاجتماع بشيء من الحماسة فقد وجدتني أندفع بالتعليق تارة والنقد تارة والاقتراح تارة أخرى ، حتى شعرت أن الحضور كرهوني وندمو أشد الندم لدعوتي للانضمام إلى لجنتهم ، فلم يجدو عقابا يكيلونه لي أفضل من تكليفي بالعمل على تلك الملفات التي شاركت بالحديث عنها . لا أستطيع أن أشرح لزوجتي العزيزة وبعض الذين يرأفون بحالي من مثل هذه الأعباء الإضافية في حياتي مقدار المتعة التي يحققها هذا النوع من العمل العام . المتعة الحقيقية في العمل هي في إنجاز تغيير ما يحقق منفعة لجيل كامل أو قطاع كامل أو بلد كامل ، وهو ما وجدته في مثل هذه اللجان التي انخطرت فيها منذ فترة . المشكلة أن هذه المتعة لا تأتي إلا من رحم كثير من المعاناة والتعب والجهد ، إذ أن التغيير هو أصعب ما يمكن تحقيقه في بلد ومجتمع يقاومان ثقافة التغيير والتطوير . على أية حال ، حتى لو يتسن لي أن أحقق النجاح المأمول ، فإنني على الأقل سأكون قد حركت المياه الآسنة علها تفلح في تحقيق التغيير الذي أرجوه ولو على المدى البعيد .منية أو ستخباراتؤلللتتت

السبت، 22 أكتوبر 2011

اليوم 270

تعددت هذه الأيام أخبار الوفيات في أوساط المشاهير في محيطنا العربي ، وخلال اليومين الأخيرين برزت أخبار مقتل القذافي وابنه ووفاة الكاتب أنيس منصور والفنانة شريفة فاضل ، وختم هذه الأخبار نبأ وفاة الأمير سلطان بن عبدالعزيز صباح اليوم . أنا لا أتوقف عادة عند أخبار الأمراء والسلاطين ، ولا يتجاوز موقفي من أخبار وفياتهم واجب تقديم العزاء والدعاء لهم بالرحمة وللأمة بخلف يكون خيرا من سلفه . ولكن الشعور الشعبي الجارف الذي رأيته اليوم حيال خبر وفاة الأمير سلطان جيش مشاعري ، حتى ولو كان بعض هذه المشاهد استغلالا تمثيليا وتسويقيا على شاكلة الرسائل الواردة من بعض الشركات تعلن ترحمها على الأمير الفقيد . انعقدت في ذهني مقارنة بين اثنين من المشاهير الذين انتقلو إلى رحمة الله في هذين اليومين ، وهما القذافي والأمير سلطان ، وكلاهما قائد في بلده . فبعد شيوع خبر وفاة القذافي انطلقت مشاهد الأفراح والرقص في الشوارع والشكر لله على الخلاص من هذا الطاغية ، بينما أشاع خبر وفاة الأمير سلطان شعورا بالأسى والحزن على فراقه وفقده بين عامة الناس . شتان بين الحالتين ، وشتان بين الشخصين . ولكني اليوم رأيت بأم عيني كيف أن عمل الإنسان يبقى سيرة بين الناس بعد وفاته ، فإما سيرة كالحة كما في حالة القذافي ، وإما سيرة عطرة كما في حالة الأمير سلطان . لا أدري إن كان القذافي يتوقع ردة الفعل هذه من الناس لخبر مقتله ، أم أن جنون العظمة كان يصور له أن الناس يحبونه حقا وسيحزنون لفراقه . سلطان كان غائبا بفعل المرض منذ فترة ليست بالقصيرة ، ومع ذلك فإن الناس كانو دوما يتحرقون شوقا لعودته . وهكذا هو الموت ، حتى لو كان المرء مريضا بداء لا شفاء منه تبقى لحظة انقطاع الأمل بالعودة هي لحظة الوداع الحقيقي . كل ما أرجوه اليوم وأدعو الله به أن يكتب لسلطان الفقيد الرحمة والغفران ، ولأهله ومحبيه الصبر والسلوان ، وأن تتجاوز البلاد مخاوف اختيار خلفه في ولاية العهد بما يديم لها ما أسبغه عليها من أمن واستقرار .

الجمعة، 21 أكتوبر 2011

اليوم 269

خرجنا اليوم بحسب عادة الجمعة الأسبوعية لتناول طعام الغداء في أحد المطاعم ، فتوجهنا إلى أحد المراكز التجارية الكبرى في الرياض . بعد الغداء تجولنا في أرجاء المركز ، وقادتنا أقدامنا إلى السوبرماركت الكبير الذي يضمه المركز ، فلاحظت ازدحاما كبيرا وحركة لافتة ، ولاحظت أيضا أن كل الباعة أو موظفي الصناديق هم من الأجانب ، وغالبيتهم من جنسيات آسيوية . في هذه الأثناء وردت إلى هاتفي الجوال عدد من الرسائل الإخبارية تضمنت أخبارا وقرارات جديدة من وزارة العمل حول برنامج نطاقاتها الجديد ، فتساءلت عما إذا كانت أعين الوزارة قد طالت هذه الشركة المشغلة للسوبرماركت لترى كم الوجود الأجنبي في وظائف يمكن بسهولة شغلها من قبل السعوديين ، ولن أقول هنا السعوديات بعد أن ماتت مبادرة توظيف الكاشيرات في جدة بعد تلك الحملة الشعواء التي انطلقت ضدها . تساءلت بعدها عما حصل للقرار الملكي القاضي بتأنيث محلات المستلزمات النسائية ، وما إذا كانت المهلة المحددة لتنفيذه قد قاربت على الانتهاء ، إذ أنني لم ألحظ أن أيا من محلات بيع المستلزمات النسائية قد بدأ بتعديل تجهيزات محله لمواءمة متطلبات الوضع الجديد الذي يفرض إغلاق تلك المحلات في وجه الرجال . ويبدو أن أصحاب تلك المحلات ينتظرون بلوغ حد المهلة قبل أن يبدأو فعل شيء على أمل أن تموت هذه المبادرة في مهدها كما ماتت مثيلتها التي أطلقها وزير العمل السابق رحمه الله قبل أكثر من أربع سنوات . أجزم أن كثيرا من الرجال ينتظرون تطبيق هذا القرار على أحر من الجمر ليتخلصو من عبء شراء أية مستلزمات نسائية لزوجاتهم ، ولن يكون لأي رجل بعد ذلك أن يشتري لزوجته شيئا من مستلزماتها ولو على قبيل الهدية . أنا لا أدري ما الذي يميز خصوصية المجتمع السعودي في ما يتعلق بالعلاقة بين الرجل والمرأة في الأماكن العامة وأماكن العمل ، ولماذا نفترض دائما أن أي تعامل بين رجل وامرأة لابد أن يوصلهما إلى السرير . انعدام الثقة في هذه الظاهرة ناجم عن خلل في التربية ، فنحن نربي أبناءنا على أن الجنس الآخر سبب للانزلاق في منزلقات الجنس والعلاقات المحرمة ، ونرسخ في عقولهم ثقافة العيب والحرام وفقدان الثقة في الجنس الآخر . ونتيجة لذلك فإن كل الشباب وكل الشابات ينظرون إلى بعضهم البعض على أنهم شيء محرم ، لتنشأ بعد ذلك أشكال العلاقات تحت ستار يغطيها ليجعلها أقرب إلى الانزلاق في الحرام . العلاقات التي تنشأ في العلن لا ينشأ عنها أي خطر أو فساد ، بينما تقع كل المحظورات ونحن نحاصر أبناءنا وبناتنا حصارا لا طائل منه .

الخميس، 20 أكتوبر 2011

اليوم 268

قضيت معظم اليوم أمام شاشة التلفزيون متابعا الأحداث المتسارعة في ليبيا ، والتي أسفرت عن إبادة أفراد أسرة القذافي وزمرته الذين لم يتمكنو بعد من الهرب إلى خارج البلاد ، وعلى رأسهم العقيد الزعيم معمر القذافي نفسه . وبهذه الأحداث تكون ليبيا قد اجتازت حقبة عسيرة من تاريخها ، وفترة طويلة من القمع والاستبداد الذي خلفها في ذيل قائمة الدول العربية في مسيرة التنمية والتطور ، في الوقت الذي كانت تعد أحد أثرى الدول النفطية في المنطقة . مشاهد اليوم تمثل عبرة لقادة الدول العربية التي تشهد هي الأخرى ثورات مماثلة ، وخاصة في سوريا واليمن . الرئيس اليمني لا يبدو أنه ارتدع من محاولة اغتياله ، ومشكلة هذا الصنف من الناس أنه إن خرج ناجيا من هذه الأحداث فإنه يكون أكثر تعنتا وصلفا ، وكأنه أكبر من الموت ذاته . زوجتي سألتني عن ما ستؤول إليه الأمور في الدول التي نجحت الثورات فيها ، وما إذا كان حكامها المقبلون سيعتبرون من هذه الأحداث ، أم أنهم سيكررون ذات أخطاء أسلافهم في أسلوب الحكم المستبد . قلت لها أن أولئك الحكام وأنظمتهم البائدة لم يسمحو بأن تكون لدى الشعب أية ثقافة سياسية ، وهو ما لم يسمح بإنتاج وتأهيل أفراد قادرين على الحكم في هذه المرحلة الانتقالية . هذا الأمر يمكن أن يكون ذا أثر سلبي على تلك البلاد ، إذ أنه سيفسح المجال لكثير من الفوضى قبل أن تعود الأمور إلى مجاريها ، وهو ما نرى علاماته في مصر على سبيل المثال . بينما يمكن أن يكون ذا أثر إيجابي إن هو أفسح المجال لتنمية سياسية متكافئة ومنظمة ، وهو ما نرى علاماته في تونس مثلا . المهم أن الشعوب في كل هذه الحالات قد تمكنت من وضع بصمتها وتفعيل دورها في تصحيح أية أخطاء أو تعديات يمكن أن يبرزها قابل الأيام في تلك الدول ، وهو ما سيجعل الحكام في موقف خاضع للرقابة الدائمة بما لا يسمح له أن يعيد تلك التجارب الأليمة السابقة . الرئيس السوري يبدو أنه لا يطالع كثيرا من نشرات الأخبار ، فهو كمن يعيش في كوكب مستقل لا تصله أخبار الأحداث في الدول المجاورة . وهو ما يدل عليه استمرار أسلوب القمع الذي تعرضه نشرات الأخبار إلى جانب أخبار مقتل القذافي وزمرته . قتيل اليوم هو من علق ضاحكا على مقتل صدام حسين في أحد مؤتمرات القمة العربية عندما قال ، بكرة يجي الدور عليكم . فأتى الدور عليه ، وسيأتي على زملائه من الطغاة إن عاجلا أو آجلا .

الأربعاء، 19 أكتوبر 2011

اليوم 267

أحمد الله أن هذه المدونة لا تصل إلى أعين الكثيرين ، وإلا لكنت سأتعرض لهجمة شعواء حول سطور اليوم التي وجدت نفسي أملؤها بمشاعر غضب خانق من المقال الذي كتبه رئيس تحرير جريدة الرياض قبل عدة أيام بعنوان "إيران أولا وإسرائيل ثانيا" . المقال يخلص إلى أن إيران هي العدو الأول لدول المنطقة وخاصة دول الخليج العربي ، وأن خطرها يفوق في حقيقته خطر المعتدي الصهيوني . ومنذ أن أعلنت الولايات المتحدة قبل أيام عن المؤامرة الإيرانية لاغتيال السفير السعودي في واشنطن انبرت أقلام الكتاب وريش رسامي الكاريكاتير لتصب جام غضب إعلامي وشعبي على كل ماهو إيراني الصفة والانتماء . وبالرغم من قناعتي بدناءة هذه المؤامرة ، إن كانت حقيقة وليست دسيسة أمريكية جديدة ، إلا أنني أتعجب من هذا الموقف الذي حول العدو الأول الذي أفسد حياة كل الشعوب العربية على مدى أكثر من خمسين عاما إلى حمل وديع يؤمن شره مقابل هذه الهجمة الإيرانية الدنيئة . العجيب أن هذا المقال نشر تقريبا في ذات اليوم الذي أفرجت فيه إسرائيل عن 447 أسيرا من سجونها مقابل إطلاق سراح شاليطها الثمين ، علما بأن سجونها لا زالت تعج بأكثر من 4000 معتقل آخرين . هذه الغضبة على الدولة الإيرانية ومواقفها الهجومية لا يمكن أن تؤدي إلى نسيان قضيتنا الأم ، ولا يمكن أن تحول انتباهنا من عداء الكيان الصهيوني الأزلي إلى عداوة مفتعلة مع نظام إيراني فاسد . هل نسي الكاتب أن إيران دولة مسلمة حتى لو كانت شيعية المذهب ، أم أن الشيعة الآن أصبحو من غير المسلمين كما يرى الكثيرون من المتنطعين في الدين . أنا لا أنكر على أحد الاعتراض على ما يقوم به النظام الإيراني من أفعال غير مقبولة بأي حال من الأحوال ، ولكننا لا يجب أن ننخدع بمروءة الأمريكان المفاجئة وهي الداعم الأكبر للكيان الصهيوني المدسوس في خاصرة الأمة العربية . القول بأن إيران أكثر عداوة للعرب والأمة العربية هو قول مغلوط نابع من فورة لحظية لا يمكن أن تعد إلا سقطة من كاتب محترم . والأكيد أن هذا المقال لم يكن ليجد طريقه للنشر لو أنه جاء على يد كاتب آخر غير رئيس التحرير . وهو ما يجعلني أتساءل عن المقومات التي يتم بها تصنيف حرية الرأي في الصحافة ، وما إذا كانت حكرا على البعض من الكتاب دون غيرهم .

الثلاثاء، 18 أكتوبر 2011

اليوم 266

خضت اليوم في دبي نقاشا محتدما مع أحد الإخوة السوريين ، وهو فيما بدا لي من موقفه مساند للنظام الحاكم حتى النخاع ، علاوة على أنه مطلع على كثير من دواخل وخفايا الأمور بما أوحى لي أن له علاقة ما بجهة أمنية أو استخباراتية في ذلك البلد . هذا الرجل بذل كثير من الجهد في محاولة لشرح ما تقوم به الفئات المعارضة من مجازر وتعديات وقتل على الهوية ، مؤكدا أن ما يقوم به الجيش لا يعدو أن يكون ردا على العنف الذي تطلقه المجموعات المعارضة . الحماسة التي كان يتحدث بها هذا الرجل لفتت نظري ، خاصة وأنه كان يسجل من وقت لآخر حبه وإيمانه الكبير بالرئيس بشار الأسد . وفجأة وبلا سابق إنذار وردت في حديثه إشارة إلى والده الأسير ، فسألته مزيدا من الإيضاح ، فشرح لي أن والده أسير لدى قوات الاحتلال الإسرائيلي منذ حرب العام 1967 . سألته عما فعلت الحكومة السورية لإطلاق سراحه أسوة بإطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين من سجون الاحتلال هذا اليوم . قال لي أن كل الجهود لم تفلح في تأكيد أسره أو مقتله ، وأن الحكومة توقفت عن بذل أية محاولات منذ أمد طويل . قلت له غريب أمرك يا هذا ، كيف يمكن لك أن تقف هذا الموقف المدافع عن حكومة قصرت عن القيام بما يجب لمعرفة مصير والدك المفقود منذ أكثر من أربعين عاما . أجابني أنه وجد لزاما عليه أن يقف هذا الموقف أمام ما رآه من قتل وحرق تقوم به الفئات المعارضة . تعجبت من هذا الموقف ، وبادرته بالسؤال ، وهل أنت راض عما قامت به حكومة هذا النظام . أليست سوريا أقل الدول العربية نموا وتطورا مقارنة بما تملكه من إمكانات هائلة . اتفقنا على أن حال سوريا لا يرضي أحدا ، وأن الحكومة قصرت في أداء واجبها التنموي ، وأن عصابات رجال الأعمال المتنفذين شبعت من مص دماء الشعب . إذن ، هذه الحكومة لا تستحق أن يدافع عنها أحد ، وهي أجدر بأن تترك المجال لغيرها للقيام بمهمة القيادة . أما عن صاحبي هذا ، فقلت له أن الدنيا مليئة بألوان غير الأبيض والأسود ، وأن معارضة موقف طرف ما في هذه الأزمة لا تستلزم الوقوف مع الطرف الآخر ، فكلاهما يمسه شيء من الخطأ والخلل في التعاطي مع الأزمة . لا يمكن تبرير القتل في أي من الطرفين ، ولا يمكن الوقوف إلى جانب أي منهما في هكذا صراع . وإن لم يكن للمرء أن يقول كلمة الحق في الاعتراض على حكومة فاسدة ملها الناس ويأس منها الشعب فعلى الأقل عليه أن لا يطبل لها ويزمر كما لو كانت قد حررت القدس في هذه المعركة ضد شعبها الأعزل . منية أو ستخباراتؤلللتتت

الاثنين، 17 أكتوبر 2011

اليوم 265

صباح اليوم تصفحت بعض الصحف السعودية على الانترنت من غرفتي في الفندق الذي أقيم فيه في دبي فلفت نظري خبر يمر في العادة مرور الكرام دون أن ينال حظا من الاهتمام . الخبر كان عن إعادة انتخاب الشيخ عبد الرحمن فقيه لرئاسة مجلس إدارة شركة مكة للإنشاء والتعمير ، وأنا لا أعلم في الحقيقة عدد المرات التي أعيد فيها انتخابه لهذا المنصب ، ولكنني أعلم علم اليقين أنه كان وما زال يحتله منذ أن تأسست هذه الشركة التي أعتقد أن عمرها لا يقل عن عشرين عاما . هذا الخبر أثار انتباهي إلى ظاهرة سيطرة عدد من رجال الأعمال على مناصب الإدارة في شركات يفترض فيها أنها شركات مساهمة يتم تداول أسهمها في سوق الأسهم ، ويفترض أنها تطبق وبشكل عملي أحد أهم مباديء الإدارة والحوكمة ، وهو مبدأ فصل الإدارة عن الملكية . بدأت أسترجع من الذاكرة بعض الشركات المساهمة التي تبرز فيها هذه الظاهرة ، بما فيها مجموعة سامبا المالية التي يرأس مجلس إدارتها عيسى العيسى منذ زمن طويل ، وشركة المملكة التي يرأس مجلس إارتها الأمير الوليد بن طلال ، وشركة الحكير التي يرأس مجلس إدارتها فواز الحكير ، وشركة دار الأركان التي يرأس مجلس إدارتها يوسف الشلاش ، وغير هؤلاء الكثير . هذه الشركات كانت في الأصل شركات عائلية تخضع لسيطرة عائلة واحدة أو فرد واحد ، ثم تحولت بقدرة قادر إلى شركات مساهمة عبر طرح جزء يسير من أسهمها للاكتتاب ، فيما ظلت تحت سيطرة ذات العائلة أو ذات الفرد . ولأن هذا الفرد يملك الحصة الأكبر من أسهم الشركة ، فإنه سينتخب بكل تأكيد رئيسا لمجلس الإدارة دورة بعد دورة . لم أستطع أن أفهم هذه الظاهرة إلا على أن ما يحصل هو استغلال لحاجة الناس في تحقيق مكاسب استثمارية من اكتتابهم في هذه الشركات ، فيما تظل السيطرة والسطوة لذات القيادات القديمة . هذا الواقع لا يمكن أن يحقق لهذه الشركات أي تطور في رؤيتها وأدائها طالما بقيت تدار بذات الشخوص وذات العقليات . وحتى لو عانت الخسائر فإن قادتها قد خرجو بالمكسب الأهم من عوائد الاكتتاب التي دخلت جيوبهم منذ اليوم الأول للطرح . وما التدهور الذي نراه في قيمة أسهم شركة مثل شركة الحكير أو دار الأركان إلا نموذج لما أتحدث عنه . وبينما تبقى وزارة التجارة وهيئة سوق المال نائمتين في العسل عن هذا الواقع المخل ، ستظل هذه الشركات نموذجا لممارسات ملكية الطابع عائلية الممارسة في الواقع ، فيما تلبس قناع المؤسسية والاحتراف لامتصاص مدخرات الناس واللعب بها في سوق المال .

الأحد، 16 أكتوبر 2011

اليوم 264

وصلت صباح اليوم إلى الرياض عائدا من جدة ولم ألبث أن غادرتها بعد الظهر إلى دبي ، ويبدو أن الرحلات المتتابعة ستعود لملاحقتي في هذه الفترة المزدحمة من العام . يوم أمس قرأت مقالا عن الخطوط السعودية تضمن لغة هجومية لم أعدها من قبل في الصحافة ، فيما يبدو مؤشرا على تغيير يلوح في أفق إدارة هذه المؤسسة المتهالكة . بدأت أراجع في ذاكرتي مجالات التطور والتراجع في أداء هذه المؤسسة منذ تعيين رئيسها الجديد الذي لم يعد جديدا ويبدو أنه لم يعد يملك جديدا يقدمه لهذه المؤسسة . النتيجة التي توصلت إليها أن أهم ما لم يستطع رئيس الخطوط السعودية تطويره هو نفسيات موظفيها وأسلوبهم في التعامل مع الركاب ، إذ لا زال كثير منهم يظن أنه يتفضل عليهم بالخدمة بدلا من أن يسعى لكسب رضاهم بابتسامة وحسن خلق . في رحلة العودة من جدة جلس إلى جانبي مضيف غير عامل على الرحلة ، ولاحظت أنه يتحدث مع زميل آخر له ليتبادلا الشكاوى من حالهما في هذه المؤسسة ، ويتباحثان في بدائل فرص العمل الأخرى التي تتيحها شركات الطيران الأخرى ، وكيف أن المدير النيوزيلندي الجديد لتلك الشركة يشرح الصدر ، وأن الشركة الأخرى المتوقفة منذ فترة ستعود للعمل بشكل أفضل ، وأن الشركات الخليجية ستدخل السوق المحلي بما يبشر بفرص أفضل من الخطوط السعودية . قلت في نفسي ، إذا كان موظفو الخطوط السعودية بهذا الملل وهذا الإحباط وهذا التطلع للانتقال إلى مكان عمل أفضل ، فكيف لهم أن يقدمو الخدمة الملائمة للركاب ، وكيف لهم أن يرسمو ابتسامات مزيفة على وجوههم . في رحلة الثانية إلى دبي عشت تجربة أخرى من النوع السخيف ، إذ يبدو أن دخول دورات المياه على طائرات الخطوط السعودية يمثل نوعا من الطبقية . فبينما كانت المضيفات يوزعن وجبات الطعام في الطائرة التي كانت من النوع الضيق ذي الممر الواحد ، أردت الذهاب إلى دورة المياه ، ولاحظت انغلاق الممر إلى دورة مياه الدرجة السياحية في آخر الطائرة ، ورأيت عددا من الركاب ينتظرون أيضا لاستخدامها . سألأت المضيفة إن كان بإمكاني استخدام دورة المياه في مقدمة الطائرة فأجابت بالإيجاب . توجهت إلى الأمام ليواجهني مضيف درجة الأفق بالصد والردع طالبا مني الرجوع إلى مكاني . أوضحت له حاجتي لاستخدام دورة المياه فمنعني بحجة أنها مخصصة لركاب الدرجات العليا وطاقم الطائرة فقط . ولأنني لم أكن أملك القدرة على الجدل بعد يوم متعب من السفر المتتابع ، فقد عدت صاغرا إلى مقعدي أمام هذا الأسلوب السخيف في التعامل ، والتصنيف الطبقي حتى في قضاء الحاجة ، وحتى في هذه يتميز الناس عن بعضهم البعض صنوفا وطبقات  .

السبت، 15 أكتوبر 2011

اليوم 263

أنا اليوم في جدة لحضور حفل افتتاح مشروع مجمع إذاعة جدة الذي كنا قد أشرفنا على تنفيذه على مدى أربع سنوات مضت ، وكم تمر السنون سراعا ونحن لا نلوي على شيء . أذكر ذلك اليوم الذي بدأنا فيه العمل قبل أربع سنوات ، وذلك الاجتماع التمهيدي الذي عقدناه مع مقاول المشروع ، والذي حاولت فيه أن أغرس بذرة لنمط مختلف من علاقة تعاون وتآزر بين الاستشاري والمقاول عوضا عن ذلك النمط العدائي المعتاد في غالب المشاريع . واليوم ثبت صحة ما قلته في ذلك الاجتماع ، وهو أن نجاح المشروع هو نجاح لكل العاملين فيه ، وفشله يصمهم جميعا بالخزي والعار . ومع كل المشاكل والعثرات التي واجهها المشروع طيلة تلك الفترة ، إلا أنه جاء بحق مفخرة لكل من عملو فيه . جميل هذا الشعور الذي نعيشه في كل مرة نتم فيها مشروعا من المشروعات ، وهو شعور لا يماثله شعور . عندما يبدأ العمل على المشروع تكون صفحته بيضاء خالية ، يبدأ فيها المصمم وضع خطوط وأفكار لا تلبث أن تتحول إلى مبنى شامخ يحكي قصة نجاح خلق شيء من العدم . حفل الافتتاح كان على شرف أمير المنطقة ووزير الثقافة والإعلام ، الذين قاما بتكريم كل العاملين في المشروع من منسوبي الوزارة والمقاول والاستشاري . وأنا في العادة لا أحب مثل هذه الاحتفالات البروتوكولية ، خاصة وأن مثل هذا التكريم يأتي عادة في عجالة ، فلا يطالنا منه إلا ما يوصف بشرف السلام على راعي الحفل واستلام درع التكريم ، حتى أن الدروع تختلط فنستلم درعا مخصصا لشخص آخر ، وهو ما حصل اليوم على سبيل العادة . هذه المرة رأيت أن أفعل شيئا يميزنا عن الآخرين ، فأعددنا هديتين رمزيتين لأقدمهما لراعيي الحفل . عندما صعدت إلى المنصة واستلمت درع التكريم قمت بالفعل بتقديم تلكما الهديتين ، فكان كل ما كسبته عشرة ثوان إضافية من التواجد بقرب راعيي الحفل ، وبعض الصور الإضافية معهما ، ثم انتهى كل شيء ، ولا أدري إن كان الراعيان سيذكران من قدم لهما تلك الهدايا التذكارية ، أو ما قام به من جهد في إنجاز هذا المشروع . الشعور الحقيقي بالتكريم أتى من إشادات بقية الحضور بالمشروع ، وأهمهم المستخدمون الحقيقيون له . والأهم من ذلك هو ذلك الشعور بفرحة الإنجاز عندما وصلت إلى الموقع مساء اليوم لأرى المبنى وقد أنجز بنجاح . وها نحن نقلب صفحة أخرى من صفحات إنجازات العمل أضيف بها بندا جديدا إلى سجل حافل بنيته وزملائي على مدى سبعة عشر عاما ، فالحمد لله على نعمته ، والحمد لله على رضا النفس قبل رضا الناس .

الجمعة، 14 أكتوبر 2011

اليوم 262

أتممنا في الأسبوع الماضي تصميم مشروع منزل صغير ضمن مجمع سكني يقطنه واحد من علية القوم في البلاد ، وبدأ على الفور تنفيذ المشروع على جزء من أرض المجمع . المالك أرسل مندوبه إلى شركة الكهرباء لتقديم طلب لزيادة طاقة العداد الحالي في المجمع الذي شهد ويشهد كثيرا من التوسعات الإنشائية ، فجاء رد الشركة بأن عليه أن يدفع المبالغ المتأخرة عليه قبل تنفيذ هذا الطلب . أصابتني رعشة عندما علمت الرقم الذي يمثل هذه المبالغ المتأخرة ، والذي بلغ 12 مليون ريال مقابل فواتير لم تسدد من العام 2006 ، أي على مدى خمس سنوات . أحمد الله أن هذه المعلومات جاءتني اليوم في مكالمة هاتفية مع هذا الرجل ، إذ أنني حتى لو تمكنت من كتم تلك الصرخة التي كانت ستنطلق من صدمتي بهذا الرقم فإنني لم أتمكن من إخفاء معالم الدهشة المختلطة بالغضب التي علت وجهي . وأنا في الحقيقة شعرت بشيء من الغضب من هذا الرجل الذي استمرأ عدم سداد مستحقات الشركة طيلة تلك الفترة ، في الوقت الذي يعيش عيشة رغدة ينفق فيها كمن لا يخشى الفقر . ولكنني عندما أمعنت التفكير في الأمر عذرته في ذلك ، فالمال السائب كما يقولون يعلم السرقة . وإذا كانت الشركة قد صمتت عن هذا الواقع طيلة تلك السنين فهي الأولى باللوم والغضب من هذه السلبية . ولكني عدت أيضا وعذرت الشركة فيما فعلت ، فهي في مقابل هذا الحال من عدم السداد من أناس محسوبين على الدولة ، فإنها تحصل على مليارات ومليارات من الدعم المباشر وغير المباشر في شكل قروض حسنة وبراميل نفط زهيدة السعر . وهي بذلك تحصل من الدولة على شكل من أشكال التعويض عن تلك الموارد المعدومة . أكثر ما أزعجني وكدر خاطري أن الشركة أرسلت إلي يوم أمس إنذارا بفصل التيار بعد أن كنت قد نسيت سداد فاتورة الشهر الماضي قبل الموعد المحدد ، مع أن قيمة الفاتورة لم تتجاوز مبلغ 3000 ريال فقط لا غير . قررت أمام هذه التجربة أن أشجع أبنائي على استهلاك الكهرباء بأي شكل ، وأن أتوقف عن إطفاء مصابيح الإضاءة في غرف المنزل . إذ أنه لربما يكون لي أن أدرج في قائمة العملاء الذين تسكت عنهم الشركة إن ارتفعت قيمة فاتورة الكهرباء في منزلي المتواضع لتبلغ حد الملايين ، فالشركة كما يبدو تهتم أكثر بجمع الفواتير الصغيرة ، وتسكت عن الفواتير الكبيرة وأصحابها من كبار العملاء .

الخميس، 13 أكتوبر 2011

اليوم 261

تلقيت اليوم رسالة إلكترونية تضمنت مجموعة من الصور لمشروع وزارة الإسكان الجاري تنفيذه حاليا في محافظة القريات ، وهو أحد مشروعاتها التي بدأت بتنفيذها في عدد من المواقع في مختلف أنحاء المملكة . الصور التي رأيتها كانت تبرز بجلاء الحالة المتردية للأعمال الإنشائية للمشروع ، والمستوى المتدني الذي يجري به تنفيذه  . وفي الحقيقة ، لم تكن هذه الصور مفاجئة لي شخصيا ، إذ أنني كنت أتوقع هذا المستوى المتردي لمشاريع يتم تنفيذها وفق نظام المشتريات البالي ، ويقوم على تنفيذها عدد من مقاولي الباطن الذين اشترو المشروع من مقاول المشروع الرئيس ذي التصنيف من الدرجة الأولى ، والذي قام بتوقيع العقد الأصلي مع الوزارة الفتية . المشكلة أن هذه الباقة من المشروعات على وجه الخصوص تمثل أهمية خاصة بالنظر إلى التزايد المضطرد في الطلب على الوحدات السكنية ، والتضخم الذي نشهده في هذه الأزمة التي أصبحت مستعصية على الحل . وإذا كان هذا هو مستوى التنفيذ في مشروع صغير لا تزيد عدد وحداته على 300 وحدة فكيف ستتمكن الوزارة من بناء 500 ألف وحدة سكنية أمر بإنشائها ملك البلاد . وإذا كانت الوزارة لا زالت تتخبط في إنشاء 10000 وحدة سكنية منذ تأسيسها قبل 3 سنوات فكم سيستغرق بناء ذلك العدد الضخم من الوحدات السكنية . قلنا للوزارة كثيرا أن السبيل الوحيد لتحقيق حلم تملك المسكن للمواطنين ومعالجة هذه الأزمة يتم عبر أداء مهمة التنظيم والتشريع والتنظيم ، وليس عبر الغوص في البناء المباشر للوحدات السكنية ، خاصة وأنها محكومة بنظام المشتريات الحكومية الذي كان سببا مباشرا في تعثر كثير من المشروعات الحكومية . وأنا لا أدري في الحقيقة ما إذا كانت هذه الصور قد وصلت لمرأى معالي الوزير ، أم أنه منشغل ببروتوكولات الوزارة عن زيارة مثل هذا الموقع ليرى بأم عينيه فداحة هذا الواقع المرير .

الأربعاء، 12 أكتوبر 2011

اليوم 260

أعجز أحيانا عن فهم مواقف بعض الناس من بعض الأمور أو الأحداث ، خاصة عندما تتسم هذه المواقف بالتطرف والتعصب وانغلاق الفهم أو أحيانا رفض الفهم لحقيقة الأمور . وأكثر ما يزعجني أن أشعر بأن أحدا ما يحمل نحوي ضغينة من أمر أو موقف نتيجة لسوء فهمه لحقيقة ذلك الموقف . وأنا اليوم أعيش حالة من الراحة النفسية بعد أن تمكنت من معالجة خلاف كان قد نشأ مع أحد الإخوة منذ عدة سنوات وجدت منه خلالها كثيرا من التهجم وظن السوء ، حتى عندما كنت أبادره برسالة تهنئة في أحد الأعياد مثلا أجده يرد برسالة يدعو فيها علي بالويل والثبور والطاعون المميت . ملخص القصة أن هذا الأخ عرض المساعدة في إنجاز أمر ما من أمور العمل مقابل مبلغ من المال ، وهو الأمر الذي لم يتم كما يجب وكما كان يعتقد بما رأيت أنه لا يستحق تلك الأتعاب ، فاتهمني بأكل الحقوق والظلم البواح ، وعاقبني بما آلمني على مدى تلك السنوات . وقبل حوالي الشهرين اتصلت به على إثر ورود إحدى رسائله القاسية طالبا منه التوقف عن هذا الأسلوب والتصرف برجولة لمعالجة هذا الخلاف ، وعرضت عليه أن نلجأ إلى تحكيم شخص من أهل الرأي والحكمة يكون موضع ثقة كلينا . أعجبه هذا العرض ، واتفقنا على ذلك ، فعرضت عليه أن نلتقي لاستعراض أوجه الخلاف تمهيدا لعملية التحكيم ، وهو ما وافق عليه أيضا . واليوم التقيت به في مكتبي لقاء بدأ مشوبا بمشاعر الحذر والترصد . بدأت بعرض وجهة نظري حول موضوع الخلاف ، وشرح ما شابه من ملابسات تثبت وجهة نظري ، وهي أمور تبين أنه لم يكن يعلم عنها شيئا فيما سبق ، وكان حديثي عنها سبيلا لتصحيح فهمه حول هذا الخلاف . انتهى اللقاء بعناق حار عبر فيه كلانا عن الأسف لما آلت إليه الأمور ، واتفقنا على معالجة تلك المهمة بما يخوله حق الحصول على ما اتفقنا عليه من أتعاب . خرجت من المكتب ممتلئا بشعور غامر من الراحة والسعادة ، وحمدت الله أن مكننا من تجاوز وساوس شيطانية كان يمكن أن تتطور إلى خلاف مرير . مثل هذا الخلاف وربما أقل منه شأنا كثيرا ما يشتت أسرا بأسرها أو يفرق أصدقاء قاربت بينهم الحياة . وكل هذا يقع نتيجة لسوء الفهم أحيانا ، أو غياب الرغبة في الفهم أحيانا أخرى ، والنزعة إلى الاستنتاج المتسرع المحمل بسوء الظن والتجريم المسبق . كم ستصبح حياة الناس أكثر سعادة وراحة إن هم استطاعو أن يبحثو خلافاتهم بشكل مباشر ، وإن هم استطاعو أن يجعلو حسن الظن مبدأ يشيعونه ويتبعونه في تعاملاتهم مع الآخرين . فالحياة أقصر من أن نضيعها في مثل هذه الخلافات والصراعات ، والهموم أكبر من أن نحصرها في خلافات شخصية يمكن حلها وتجاوزها بقليل من الحوار .

الثلاثاء، 11 أكتوبر 2011

اليوم 259

أحمد الله أن حضور مؤتمر الإسكان اليوم كان أفضل منه يوم أمس ، إذ أنني كنت قد عقدت العزم على الاعتذار عن الحديث فيه لو لم يكن الأمر كذلك . أفرحني وفاجأني أيضا وجود عدد من الشباب السعوديين الذين أوفدتهم وزارة الإسكان لحضور المؤتمر فيما رأيت فيه بادرة حسنة من الوزارة على الأقل للاستماع لما يقال في السوق حول هذه القضية . وأنا في الحقيقة تحاشيت في حديثي أي نقد مباشر لما تقوم به الوزارة على الأقل من قبيل التغيير ، إذ خشيت أن يظن البعض أنني أستهدفها دوما بسهام النقد ، أو أن بيني وبين وزيرها شيئا من الخلاف أو الاختلاف . ومع ذلك ، فإن سؤالا من أحد الحضور أجبرني على أن أخالف ما عزمت عليه ، إذ أن الجواب عليه لم يكن يحتمل أية مواربة أو تزييف . هذا السائل بنى سؤاله على ما عرضته من واقع مرير في أزمة الإسكان ، والجذور التاريخية لهذه المشكلة ، والتي رسمت ثقافة لا تخلو من خصوصية محلية جعلت المشكلة عصية على الحل . السؤال كان ، من الذي يمكن أن يعلق الجرس ويقود مسيرة الحل ، وهو سؤال ليس له إلا جواب واحد لا غير ، وزارة الإسكان . وفي ظل غياب أية جهة منظمة لقطاع العقار في المملكة ، وفي ظل تناثر الصلاحيات والمسئوليات بين عدد من الجهات الحكومية وغير الحكومية ، فإن وزارة الإسكان هي الوحيدة التي تملك القدرة على صياغة وإدارة وقيادة مسيرة حل هذه الأزمة ، انطلاقا من فهم عميق لجذورها ومسبباتها ، وهو ما لم يلمسه أحد من الوزارة حتى الآن . بل على العكس ، فإن الوزارة قد اختطت لنفسها منهجا لن يسهم إلا في تعميق المشكلة ، ولن ينتج إلا مزيدا من هدر الموارد وإضاعة الوقت والجهد في محاولات بائسة تمت تجربتها في السابق وثبت فشلها الذريع . منهج الوزارة في البناء المباشر للمساكن خطأ لا يمكن أن يغتفر إن هي أصرت عليه ، ولا يمكن أن يبرره أي ضغط سياسي أو إعلامي أو شعبي يطالب بالحسم في حل المشكلة . أحد الإخوة الحضور الذين أوفدتهم الوزارة انبرى للدفاع عنها بعد أن قلت ما قلت ، وطفق يكرر ذات العبارات المليئة بالوعود والتطمينات التي نسمعها دوما من مسئولي الوزارة ، علاوة على التلويح المسبق بمبررات الفشل التي تشير إلى أن الوزارة لا تملك عصا سحرية ولا تملك الصلاحيات الكافية لأداء المهمة . السؤال إذن ، إذا كان الوزير وفريقه يشتكون من نقص الأراضي وقصور الصلاحيات وغير ذلك من المبررات التي توحي بالفشل قبل وقوعه ، فلماذا إذن لا يتمتعون بالأمانة الكافية للرجوع إلى من كلفهم بهذه المهمة والاعتذار عنها ، أم أن الفرصة في إدارة هذه المحفظة المالية الضخمة أكبر من أن يفوتها أحد فيصبح في عداد المغفلين الأمناء .

الاثنين، 10 أكتوبر 2011

اليوم 258

هذه الفترة الممتدة بين العيدين السعيدين هي أكثر فترات العام نشاطا في عالم الأعمال ، وربما أيضا في القطاع الحكومي . وفي الآونة الأخيرة أصبحت هذه الفترة أيضا تزدحم بجداول المؤتمرات والندوات والمعارض بمختلف أشكالها وألوانها . ومنذ أن أصيبت دبي بحمى الأزمة المالية العالمية أصبحت المملكة قبلة لعدد من شركات تنظيم المؤتمرات والمعارض العالمية ، وأصبح جدول الأنشطة السنوي يزخر بعدد كبير من تلك المحافل . المشكلة أن هذه الشركات هي شركات تجارية في معظمها ، وتعمل وفق ذات النموذج الي كانت تعمل به في دبي في عصرها الذهبي . معظم هذه الشركات لم تلحظ الفارق الكبير بين ظروف العمل بين الموقعين ، ووقعت بذلك في فخ الفشل الموضوعي وليس الربحي في كثير من تلك المؤتمرات والمعارض . واليوم حضرت أحد هذه المؤتمرات الذي تنظمه إحدى الشركات التي تتخذ من دبي مقرا لها ، وهو أحد خمسة مؤتمرات يتم تنظيمها في ذات الفترة حول موضوع الإسكان الميسر . اليوم الأول من أيام المؤتمر كان فقيرا في محتواه وفي عدد حضوره الذين لم يتجاوز الثلاثين بمن فيهم المتحدثون في المؤتمر ، حتى أنني أصبحت أفكر في الانسحاب من مشاركتي المجدولة كمتحدث في المؤتمر صباح الغد . الفارق الذي لم يلحظه القائمون على الشركات المنظمة في هذه المعارض أنهم كانو دوما يعتمدون على دعوة متحدثين أجانب من جهات عالمية ، وهو ما يواجه كثيرا من العقبات ومفاجآت اللحظة الأخيرة في المملكة من قبيل مشاكل التأشيرات وغير ذلك ،  وهو ما حدث تماما اليوم عندما فوجيء الحضور بتغيب عدد من المتحدثين المسجلين في المؤتمر . المشكلة الأهم في هذه المؤتمرات أنها غالبا ما تتم بمعزل عن تواجد وحضور أي مسئولين من الجهات الحكومية ذات العلاقة بمواضيعها ، وهو ما حدث اليوم أيضا بغياب تام لأي مسئول من وزارة الإسكان أو وزارة لشئون البلدية والقروية أو صندوق التنمية العقاري . مثل هذه المؤتمرات تصبح في النتيجة مكانا للدردشة بين عدد من المختصين والأكاديميين دون أن تحدث أي أثر حقيقي في تقديم حلول لمعالجة المشاكل التي تطرقها . ولكن هذا الواقع لم يكن ليمنع تلك الشركات من التوسع في تنظيم هذه المؤتمرات طالما هي تحقق أرباحا مجزية من الرعاية الإعلامية ومصادر الدخل الأخرى بغض النظر عن المحتوى العلمي والجدوى الحقيقية من ورائها . أفضل تسمية يمكن إطلاقها على مثل هذه المؤتمرات هي أنها مؤتمرات حوار الطرشان ، وإلى أن تتنازل الجهات الحكومية وتقتنع بجدوى الحضور والمشاركة والتفاعل والاستماع للطروحات التي تقدمها سيبقى الوضع على ما هو عليه ، وبتقى هذه المؤتمرات وسيلة لاستنزاف الموارد دون أي جدوى أو عائد حقيقي على معالجة الموضوعات التي تتناولها بالطرح .