التجميل

الأربعاء، 31 أغسطس 2011

اليوم 218

اليوم هو ثاني أيام عيد الفطر المبارك ، وقد اختفت تماما أية مظاهر للعيد في الشوارع ، ويبدو أن العيد قد انتهى فعلا يوم أمس . لم أجد ما أفعله اليوم سوى الجلوس أمام شاشة التلفزيون أستعرض حال الدنيا بعد أن غبت عنه طيلة شهر رمضان المبارك . لا زالت مشاهد العنف والمظاهرات في سوريا تحتل مساحة رئيسية في نشرات الأخبار حتى في أيام العيد ، بل إنه يبدو أن العيد كان حافزا للتصعيد على الطرفين . بعض المشاهد التي رأيتها أثارت اشمئزازي بما احتوته من صور تعرض التعدي العنيف وغير الأخلاقي لرجال يرتدون زي الأمن على أناس عراة ممددين على الأرض . مثل هذه المشاهد تثير التعاطف مع المعارضين الثائرين ، ولكنها أيضا تثير التساؤلات حول مدى صحتها ودور الإعلام المحتمل في فبركتها . تذكرت حديثا دار وبيني وبين أحد الإخوة السوريين قبل عدة أيام عندما أكد لي أن الأوضاع هناك ليست كما يعرضها الإعلام الذي وصفه بالمتحيز ، وأن الوضع الآن يعد أكثر أمنا بعد أن اتسعت سيطرة رجال الأمن وتمكنو من القبض على الكثيرين من أولئك المجرمين الزعران كما وصفهم . حاولت يومها أن أكون موضوعيا في نقاشي معه ، فقلت له أن المشكلة تكمن في طريقة إدارة النظام لهذه الأزمة ، فهو لا زال يتجاهل الدور المؤثر للإعلام ، ولا زال حتى الآن يرفض دخول الإعلام الخارجي لغطية الأحداث على أرض الواقع ، ومع ذلك يطلب من الناس ألا يصدقو سوى الإعلام المحلي الذي يسيطر عليه . طريقة مخاطبة الجماهير بهذه الطريقة الاستعلائية لا يمكن أن تخلق أية مصداقية للنظام ، خاصة وأن الرئيس نفسه لم يتحدث حتى الآن إلى الناس بشكل مباشر ، ولم يظهر إلا مخاطبا مجلس شعبه الخاص ، أو مذيعين يعملون تحت إمرة نظامه في التلفزيون المحلي . وبدون هذه المصداقية فإن كل وعود الإصلاح التي يعلنها بين الفينة والفينة لن يصدقها أحد ، ولن تخمد هذه الثورة المتصاعدة في شوارع المدن السورية . في المساء اكتفيت من هذه الأخبار التي تتكرر يوما بعد يوم ، وذهبت أبحث عما يمكن أن نفعله أنا وأبنائي لننعش فرحة العيد في بيتنا على الأقل .

الثلاثاء، 30 أغسطس 2011

اليوم 217

سعيت منذ ليلة البارحة إلى كبت مشاعر الحزن التي أصابتني بعد ذلك الموقف الذي وقع من شخص رد على اتصالي به للتهنئة بالعيد بالصد والشتم ، إذ لم أرد أن أنقل ذلك التشويه الذي أصاب فرحة العيد في نفسي إلى أبنائي وأفراد أسرتي . أحد الإخوة قال لي كلمة كانت بردا وسلاما على نفسي ، حيث قال أنني قمت بالأمر الصواب بغض النظر عن رد الفعل الذي واجهته ، وأنني ربما سأكون محملا بتأنيب الضمير بقية حياتي لو لم أقم بهذه المبادرة ، أما الآن وبعد ما حصل فسأكون مرتاح الضمير واثقا من أنني فعلت كل ما يمكن فعله لتجاوز هذا الخلاف . في الصباح اصطحبت أبنائي لأداء صلاة العيد في أحد مساجد الرياض ، فاكتملت راحة نفسي حينها عندما رأيت فرحة الناس وبهجة الأطفال . في المسجد كان المشهد غريبا بعض الشيء بالنسبة لي ، خاصة بالمقارنة مع ذلك المشهد الذي اعتدت عليه في المسجد النبوي الشريف . لا شيء يجمع المصلين سوى المناسبة والقبلة التي استقبلوها ، فالكل يكبرون كل بمفرده ، بدلا من تلك التكبيرات الجماعية الجميلة التي تذاع في الحرم النبوي . الكل كانو يأتون ليأدو الصلاة وينسلو إلى بيوتهم ، بدلا من ذلك الجو من التآخي وتبادل التهاني وزيارة البقيع التي كنت أعيشها في الحرم النبوي . في انتظار الصلاة عشت رحلة من الذكريات في أجواء العيد أيام الطفولة ، بما فيها مشاهد صلاة العيد بمشاعرها الروحانية الخاصة ، والزيارات المتبادلة بين الأهل والجيران ، والألعاب والمراجيح التي كانت تنصب في الحواري والشوارع ، وموائد الإفطار التي كانت تمد بعد الصلاة بعد أن نتوقف في طريق العودة من الحرم لشراء خبز التميس الحار . قضينا الصلاة وعدنا إلى المنزل وتبادلنا التهاني فيما بيننا ، ثم أوى كل منا إلى فراشه وكأن العيد قد انقضى . مر اليوم ولم يطرق بابنا زائر ، ولم نزر أحدا في المقابل ، ويبدو أن رسائل الجوال قد أوفت بالمهمة وأراحتنا من عناء الزيارات . كل ما بقي من العيد هو اجتماع المصلين لأداء الصلاة وشيء من البهجة التي نراها على وجوه الأطفال بلبسهم الجديد عندما يتلقون المعايدات والهدايا ، فبهم يبقى العيد عيدا بعد أن اختفت مظاهره وراء أسوار المنازل والاستراحات .

الاثنين، 29 أغسطس 2011

اليوم 216

أعلن التلفزيون قبل قليل حلول عيد الفطر المبارك يوم غد الثلاثاء ختاما لشهر رمضان المبارك . وفي آخر يوم من أيام هذا الشهر اجتمع أفراد الأسرة من طرف زوجتي العزيزة لتناول آخر طعام إفطار فيه . أبهجتني هذه المشاعر الأسرية الجميلة التي رأيتها بين أفراد هذه الأسرة ، خاصة عندما أعلن حلول العيد فشاعت البهجة بيننا جميعا وتبادلو جميعا التهاني وسط جو من الفرح والحبور . تناولت هاتفي الجوال وبدأت بالاتصال بإخوتي وأقاربي وعدد من المعارف والأصدقاء لأبارك لهم حلول العيد السعيد . ولأن العيد مصدر للسعادة وسط كل منغصات الحياة الكثيرة ، فقد بادرت بالاتصال حتى بمن شابت علاقتي معهم شيء من الفتور نتيجة خلافات لم أرد أبدا لها هذا التصعيد . ولأن فرحة العيد يفترض بها أن تغسل النفوس وتزيل الأحقاد ، ولأن هذه المناسبة تعد فرصة لتجاوز مثل هذه الخلافات ، فإنني لم أتوقع أبدا أن أواجه بمثل هذا الموقف الذي أحرق فرحتي وخنق بهجتي في صدري . هذا الشخص الذي كنت وسأبقى أكن له دوما كل تقدير رد على اتصال التهنئة بسيل من الشتائم والسباب لم أكن أحسب له حسابا . أقفلت الهاتف وهربت إلى حديقة المنزل بعيدا عن أبنائي وأفراد أسرتي وانخرطت في نوبة هستيرية من البكاء المرير . لا أدري ما الجرم الذي ارتكبته حتى يعاملني بهذه المعاملة ، ولا أدري ما الذي يمكن أن أفعله أكثر من مبادرة حسنة في مثل هذه المناسبة التي يفترض بها أن تكون مناسبة سعيدة . كل ما أستطيع قوله حسبنا الله ونعم الوكيل ، فموقفه هذا لن أنساه له ما حييت ، مع أنه لا يمكن أن يجرح تقديري وحبي له ، إلا أنه قطع ذلك الخيط الرفيع الذي أردت أن أبقي عليه بيننا . لا أدري كيف يمكن أن يعيش إنسان بكل هذا الكم من الغل في صدره ، مع أني أقسم بالله أنني لم أفعل تجاهه شيئا يستحق كل هذا الغل وهذه المعاملة . على أية حال ، حسبي من الله أنني بادرت هذه المبادرة ، وأرجو أن يكتب الله لي بها الأجر والمثوبة . أما بقية أخواني وأصدقائي وخلاني فأقول لهم من صميم قلبي كل عام وأنتم بخير ، وأرجو أن لا يريكم في أعيادكم ما رأيت في عيدي هذا من حزن وقلة حيلة .

الأحد، 28 أغسطس 2011

اليوم 215

اختتمنا اليوم آخر أيام العمل قبل إجازة عيد الفطر المبارك ، ومع ذلك فإن بعض العملاء لا يعترفون بحق الناس في التمتع بمثل هذه الإجازات ، حتى أن الاتصالات استمرت تلاحقني طيلة اليوم وبعد ساعات العمل لمتابعة شئون أعمالهم ومشاريعهم . أكثر ما أدهشني اليوم اتصال وردني من أحد المهندسين في إحدى الجهات الحكومية ، إذ استغربت أن يكون مثله عاملا في الوقت الذي كانت قد بدأت إجازة الدولة الرسمية منذ نهاية الأسبوع الماضي ، ثم زال استغرابي عندما تذكرت أن خارج الدوام في إجازات الأعياد يتم احتسابه مضاعفا لمثل أولئك الموظفين . بعد الإفطار اضطررت للذهاب بوالد زوجتي إلى أحد المستشفيات الخاصة بعد أن بدت عليه بعض العوارض الصحية الطارئة . وبالطبع فإن خيار المستشفيات الخاصة يظل خيارا أفضل من المستشفيات الحكومية التي يمكن للمريض أن يقضي في الانتظار في غرفة الطواريء فيها ساعات طوالا قبل أن يحين دوره في الفحص . نتيجة التشخيص أفادت بأن مريضنا يعاني من عرض في القلب يتطلب تنويمه في المستشفى تحت الملاحظة ، وهو ما أربك أبناءه وبناته بين خيار تنويمه في ذلك المستشفى الخاص وتحمل تكاليف باهظة غير منظورة ، وبين نقله إلى مستشفى حكومي مع كل ما يستتبعه ذلك من معاناة ليس أقلها مشاركة عدد آخر من المرضى في غرفة واحدة . استقر القرار على إيقائه في المستشفى الخاص ، وأتممنا إجراءات الدخول إلى المستشفى ، وبدأ تنفيذ  الخطة العلاجية ، وكلنا أمل في أن يتم علاجه ويتمكن من الخروج من المستشفى قبل حلول العيد . المشهد الذي لفت نظري في هذا المستشفى الخاص هو الغياب المطلق لأي وجود سعودي في كادر الأطباء والممرضين ، اللهم إلا من بعض الإداريين والإداريات الذين كانو يعدون على أصابع اليد الواحدة . هذا المستشفى الذي يعد أحد أفضل مستشفيات العاصمة كنت أتوقع أن يكون مكانا لتأهيل وتوظيف طواقم طبية من السعوديين ، ولست أدري أين يقع في نطاقات وزارة العمل بما رأيته اليوم من واقع غلب فيه الوجود الأجنبي بشكل صارخ . بعد أن اطمأن الجميع على بدء تنفيذ البرنامج العلاجي عدت إلى المنزل لكتابة هذه السطور ، ورأيت أن أسجل هذا الحدث فيها راجيا أن يتجاوب قراءها معي بالدعاء لمريضنا بالشفاء العاجل لتكتمل فرحة العيد بخروجه وتواجده وسط أبنائه وأحفاده .

السبت، 27 أغسطس 2011

اليوم 214

جاءتني ابنتي ليلة البارحة بعدد من النشرات التي كان يتم توزيعها في أحد المراكز التجارية . تلك النشرات تضمنت مجموعة من الفتاوى التي تناولت بعضا من الموضوعات التي يدور حولها كثير من الجدل ، بما في ذلك موضوع قيادة المرأة للسيارة ، وموضوع الاختلاط في أماكن العمل والتعليم . ملامح ابنتي علتها تعبيرات الصدمة من تلك اللغة التي تضمنتها تلك النشرات ، والتي سردت عددا مما سمته المفاسد التي يمكن أن تنشأ عن تلك القضايا ، والتي يمكن أن تشكل أساسا يبرر الفتوى بتحريمها استنادا إلى مبدأ درء المفاسد . قلت لابنتي أن كل ما جاء في تلك النشرات معلوم سابقا من مضمون الحوار والجدل الذي شهدته صفحات الجرائد بين الداعين والمعارضين لهذه القضايا . وموقف المعارضين معلوم تفصيلا ، ومبرراتهم معلومة حتى ولو لم يتفق معها الكثيرون ، فلماذا هذا الاستغراب . أجابتني أن صدمتها ليست من مضمون تلك النشرات ، وإنما من اللغة التي كتبت بها ، وما حملته من تجريم واتهام بالتغريب والتسفيه لكل من وقف موقفا معارضا منهم في هذه القضايا . لم أملك إلا أن أتفق معها فيما قالته ، والمشكلة أننا مجتمع يفتقر في الغالب إلى مباديء أدب الحوار وثقافة احترام الآخر ، وكثيرا ما نلجأ إلى اتهام الآخر وتخوينه في دينه ووطنيته وأخلاقه إن لم يتفق معنا فيما نقول . هذه الحالة لا يمكن أن تؤسس لمجتمع متكاتف يضع أفراده أيديهم سوية لبنائه والرقي به ، بل إنه سينتج بالضرورة مجتمعا مفككا تتنازعه الأهواء والرؤى والقناعات الدينية والوطنية والأخلاقية وغيرها الكثير . وفي النتيجة ، يصبح المجتمع على ما نراه في حال مجتمعنا ، يعيش أفراده متلبسين بأقنعة شتى ، حتى أنك ترى الفرد في مجلس يقول ويفعل ما لا يقول ولا يفعل في مجلس آخر . هذا النمط من النفاق الاجتماعي ماهو في نظري إلا وسيلة من وسائل الدفاع عن الذات من تلك الهجمات التخوينية والعدائية التي يمكن أن يبادرك بها الطرف الآخر إن لم يتفق معك في الرأي . ووسط هذه المعمعة تصبح محاولة تنشئة جيل جديد من الأبناء بعيدا عن هذا المفهوم أمرا عسيرا ، خاصة وأن مثل تلك النشرات تطالهم قسرا حتى وإن كانو بعيدين عن خضم النقاش في تلك القضايا . وتأتي مثل تلك النشرات لا فقط لتخلق حالة من البلبة الفكرية في عقول هذا الجيل ، بل لتزيد من عمق المشكلة عبر تخريب وتشويه وسائل الحوار البناء الذي أسعى لتربيتهم عليه .

الجمعة، 26 أغسطس 2011

اليوم 213

غريب حال الناس في هذا الشهر الكريم ، فعندما أرى ازدحام الناس في المراكز التجارية وهم يدفعون أمامهم عربات محملة بأصناف الطعام والشراب أجزم أن لا أحد منهم يخرج من بيته وقت الإفطار ، وعندما أرى ازدحامهم في المطاعم أجزم أن لا أحد يفطر في بيته . وحال المطاعم في رمضان يخلق كثيرا من الاستغراب ، ففي الوقت الذي يشتكي فيه الناس من ضيق ذات اليد وتأثيرات الأزمات المالية والتضخم ، أجد المطاعم وقد امتلأت بمرتاديها فيما أسعار وجبات الإفطار فيها تزداد غلاء عاما بعد عام . لا أتصور عائلة بحجمها التقليدي تنفق على وجبة إفطار رمضاني مبلغا يزيد على 2000 ريال في الوقت الذي يمثل هذا الرقم مجمل الدخل الشهري لعائلة أخرى في ذات المدينة . صحيح أن قدرات الناس تتفاوت تبعا لمداخيلها ، وصحيح أن الله تعالى قال في كتابه العزيز " وأما بنعمة ربك فحدث " ، ولكن هذا التفاوت الكبير والإسراف المخل أمر يثير الاستغراب والامتعاض . والغريب أن هناك أسرا ترتاد مثل هذه المطاعم مرات عديدة في الأسبوع ، فيما هم تركو الأطعمة التي اشتروها في بداية الشهر لتتعفن في مخازن وثلاجات منازلهم . عندما أنظر إلى السمات التي أصبح يحملها هذا الشهر أجدها اختصرت في أنماط اجتماعية دخيلة ما أنزل الله بها من سلطان . وأنا أتذكر تلك الأوقات الجميلة التي كنا نقضيها أيام الطفولة ، وحتى زمن قريب ، عندما كانت أسرتنا تجتمع حول مائدة الإفطار ، في مظهر اجتماعي جميل ، تتأصل فيه مشاهد صلة الرحم ، وتتوطد فيه الصلات الاجتماعية بين الأسر بأجيالها المختلفة . المشهد الذي نراه الآن في المطاعم هو أحد ضرائب المدنية الحديثة التي طغت مظاهرها على حياة الناس ، فأصبحو يعيشون حياة مليئة بالاتكالية والكسل والإنفاق المبتذل ، حتى ولو كان هذا الإنفاق سببا في تضخيم ما يشتكون منه من ضغوط مالية . زوجتي العزيزة سألتني اليوم عن أفضل استثمار يمكن أن نؤسسه كوسيلة لتحسين أحوالنا المالية فأجبتها دون تردد بأن أي نشاط في مجال الأغذية والمطاعم والمقاهي يعد استثمارا ناجحا في مثل هذا المجتمع الاتكالي المتكاسل . وربما نبدأ بداية جادة في دراسة هذه الفكرة في قابل الأيام ، إلا أن يبلغ سوء الحظ مبلغه لتتغير أهواء الناس ويعدلون عن ارتياد المطاعم .

الخميس، 25 أغسطس 2011

اليوم 212

هل يصدق أحد أن تتدخل الشرطة لإخلاء فرع بنك من أناس كل ما كانو يطالبون به هو صرف رواتبهم قبل إجازة عيد الفطر المبارك ؟ . هذا ما حصل اليوم في فروع أحد البنوك العاملة يوم الخميس بعد أن بدأت البنوك إجازتها باكرا قبل أن يتمكن الناس من ترتيب أمورهم وصرف ما يحتاجون إليه من أموال أو تحويلها إلى أسرهم قبل العيد . وبعد أن يإسنا يوم أمس من حل مشكلة صرف رواتب موظفي المكتب أبلغنا أحد موظفي الفرع بأن أحد الفروع سيعمل يوم الخميس ، فما كان منا إلا أن انتظمنا في طابور الانتظار أمام هذا الفرع في صباح هذا اليوم الرمضاني الحار . فتح الفرع أبوابه فتقاطر الناس أمام نوافذ الخدمة ، فأعلن مدير الفرع أن الفرع لن يتمكن من صرف كل المبالغ المطلوبة . استغرب الجميع نقص السيولة في هذا الفرع ، مع علم مسئوليه المسبق بحاجة الناس إلى الأموال قبل العيد . ومع أذان الظهر أغلق الفرع أبوابه ، في الوقت الذي كان مزيد من الناس يتجمعون أمامه في انتظار فتح أبوابه بعد الصلاة . المفاجأة كانت أن الفرع لم يفتح أبوابه بعد الصلاة ، وتعالت الأصوات مطالبة بتمكينهم من الدخول ، وموظف الأمن يبلغهم بأن دوام الفرع قد انتهى . ماذا كانت ستفعل تلك الساعتان أمام تلك الحشود من العملاء ، حتى ولو يتمكنو من صرف كل الأموال التي يريدونها مع نقص السيولة في الفرع . بعد قليل وصلت الشرطة ، ويبدو أن مدير الفرع هو من قام باستدعائهم . بدأ تفريق الحشود من أمام الفرع ، بل إن أفراد الشرطة دخلو إلى الفرع وبدأو بإخراج الناس منه حتى قبل أن يحصلو على الخدمة التي انتظروها منذ الصباح . ذهبنا عندها إلى فرع آخر لبنك آخر فوجدناه مفتوحا فدخلنا إليه لنجد حشودا أخرى من الناس أمام موظف واحد فقط كل ما كان يفعله هو إبلاغ الناس أنه لا يستطيع خدمتهم لأن النظام معطل . سبحان الله ، فرع يفتح أبوابه يوم الخميس وموظف وحيد يأتي ليبلغ الناس بتعطل النظام . كان الأجدى توفير مصروف خارج الدوام لهذا الموظف وتكلفة تشغيل وحدات التكييف بدل هذا الإحباط الذي أصابو به الناس . الأسوأ في كل هذا هو ذلك الأسلوب الفج الذي كان يتعامل به موظفو البنكين مع الناس ، وكأن هؤاء الناس كانو يطلبون إحسانا منهم وليس حقا مشروعا تزيده شرعية طبيعة الظرف الذي يعيشونه في هذا التوقيت . تراودني نفسي بأن أتناول هذا الواقع المرير بالحديث في مقالي الأسبوعي بجريدة الاقتصادية ، ولكني أشك أن يجد طريقه للنشر ، خاصة في ظل تلك السطوة التي تملكها البنوك على أجهزة الإعلام والصحافة .

الأربعاء، 24 أغسطس 2011

اليوم 211

لا أدري إلى متى يتوجب علينا أن نتعامل ونتقبل مزاجية الموظفين في مؤسسات يفترض بها أن تكون مؤسسات خدمية تحصل على عوائد مقابل تقديم هذه الخدمات . أسوأ أنواع المزاجية هي تلك التي تؤثر على حسن تعامل الموظفين مع العملاء ، وتدفعهم إلى التزمت والتعنت في أداء الخدمات دون تقدير الظروف الخاصة والحالات الطارئة . ولأن اليوم هو آخر يوم عمل في دوام البنوك فقد شهدت فروع البنوك ازدحاما خانقا من موظفين يريدون تحصيل رواتبهم أو تحويل أموال لأسرهم في بلدانهم قبل عيد الفطر . ومنذ الصباح ونحن في حالة استنفار لإنهاء صرف رواتب الموظفين قبل نهاية اليوم الذي حشرنا فيه بتوقيت غريب لإجازة البنوك استبق المواعيد المعتادة في كل عام . مندوبنا انتظم في الطابور لتحويل بعض الأموال من حساب بنكي إلى آخر تصرف منه الرواتب ، فإذا به يتصل بي عند الظهيرة ليبلغني أن موظف البنك أبلغه بضرورة استبدال نموذج التفويض بنموذج جديد ، مع أنه استخدم ذات النموذج قبل يومين فقط . عاد المندوب إلى المكتب وقمت بتوقيع النموذج الجديد وعاد لينتظم من جديد في طابور جديد . وعند الساعة الثانية تقريبا اتصل بي مرة أخرى ليبلغني أن الموظف أبلغه أن التوقيع على نموذج الحوالة غير مطابق للتوقيع المسجل في البنك . ذهبت إلى البنك وقابلت الموظف وسألته عما يحصل ، فأراني على الشاشة توقيعي المسجل فإذا به نفس التوقيع مع اختلاف بسيط لا يكاد يلاحظه أحد . وقعت أمامه مرة أخرى على النموذج بحضوره ، فرفض تنفيذ العملية إلا باستبدال النموذج . قلت له أننا نتم العديد من العمليات البنكية بذات التوقيع بما فيها المرة الأخيرة قبل يومين ، فكيف اكتشف هذا الاختلاف في التوقيع في هذا التوقيت بالذات ، ولماذا هذا التعنت في الوقت الذي يفترض إبداء شيء من المرونة في هذا الظرف الخانق . لم أجد جوابا غير المقولة المعتادة ، هذا هو النظام . استسلمت لأمر الله ، وقمت بملأ نموذج جديد ، وأنهيت عملية التحويل بالكاد عند نهاية الدوام ، وتعذر بذلك على الموظفين صرف رواتبهم ، وسادت حالة من الامتعاض والملل بينهم . ذلك الموظف الذي تسبب في هذا الضرر لم يطله شيء من هذا الضرر ، فهو قد حصل على راتبه بالفعل ، وله أن يذهب إلى بيته لينام قرير العين دون أن يلقي بالا لأناس حرمهم من التمتع بهذا العيد نتيجة تعنته ومزاجيته التي ربما تعكرت لأنه حرم من التدخين أثناء الصيام . في النتيجة ، وبين تكاسل موظفي الدولة ومزاجية موظفي القطاع الخاص نكون كمن وقع بين رحى الطاحون ليسحق أفراحنا ومسراتنا بعيد سيمر علينا كئيبا قاتما ، فحسبنا الله ونعم الوكيل .

الثلاثاء، 23 أغسطس 2011

اليوم 210

بلغت من التعب والإحباط منتهاه من تعقيدات البيروقراطية الحكومية . كل الناس فرحة بأن غدا هو اليوم الأخير في عمل الأجهزة الحكومية قبل إجازة عيد الفطر المبارك إلا أنا ومن على شاكلتي ممن يلاحقون حقوقهم . أتعجب أحيانا كيف تصاغ الإجراءات الحكومية بهذا التعقيد ، وأتذكر عندها مقولة ذلك المندوب عن وزارة المالية الذي فسر ذلك بأن الوزارة هي حامية المال العام ، وكأن الكل بعد الوزارة لصوص تحيط بهم الشبهات ، بمن فيهم الموظفون في الأجهزة الحكومية الأخرى . زوجتي العزيزة رأت مابي اليوم من إحباط فسألتني عما بي ، فأجبتها بما عبرت به عن هذا الملل والقرف . قالت لي أنني أتحدث وكأنني لا أريد العيش في هذا البلد ، قلت من صميم قلبي ، ياليت . ضربت لها مثالا وحيدا من مسببات هذه الحالة من القرف ، وهو مثال على سخفه فقد كان له أن يصيبني بالاختناق . قلت لها أننا نراجع أحد عملائنا من الجهات الحكومية في القصيم منذ أكثر من ثلاثة أشهر للإفراج عن مستخلص مالي عن مشروع أنجزناه منذ فترة . وفي الأسبوع الماضي تمخضت جهودنا عن التوصل لإصدار أمر الصرف النهائي ، وإحالته إلى وزارة المالية بالرياض لإصدار الشيك . وحسب الإجراءات النظامية ، فإن الشيك بعد أن يصدر عليه أن يقبع في أحد الأدراج في انتظار قدوم مندوب عن تلك الجهة من القصيم لاستلام الشيك والذهاب به إلى هناك ليتبعه بعد ذلك مندوبنا من الرياض إلى القصيم لاستلام الشيك من هناك . وبرغم سخف هذا الإجراء ، إلا أننا خضعنا له وأبلغنا الجهة بجهوز الشيك في انتظار وصول مندوبها لاستلامه منذ الأسبوع الماضي . ومنذ ذلك الحين ونحن في انتظار وصوله يوما بعد يوم ، ونحن نغلي من لهيب الانتظار على أمل استلام الشيك وصرفه قبل موعد الإجازة . اليوم علمنا أن المندوب تحرك من القصيم إلى الرياض ، فأرسلنا مندوبنا لمقابلته في وزارة المالية على أمل إقناعه باختصار الرحلة واستلام الشيك هنا . سعادة المندوب لم يصل حتى نهاية الدوام ، بالرغم من تأكيد المدير المالي في تلك الجهة بانطلاقه في الرحلة . انتهى الدوام وصرت أضرب أخماسا بأسداس ، فالشيك ذهب في مهب الريح ، ولن يكتب لنا أن نتسلمه فنفرج عن أنفسنا به . لا أدري ماذا أقول لموظفي المكتب الذين ينتظرون صرف رواتبهم ليسعدو بعيد الفطر ، فإذا بهم وبي نعاني الأمرين لإنهاء الشهر دون أن نمد أيدينا لطلب سلفة من أحد يتعطف علينا . لا أستطيع أن أقول سوى لاحول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، وأن أدعو على هذا المندوب البليد وعلى مديره ووزيره بأن يكتب لهم عيدا قاتما كما جعلو عيدنا قاتما كئيبا مليئا بالهموم .

الاثنين، 22 أغسطس 2011

اليوم 209

الموضوع الذي تطرقت إليه يوم أمس الأول يبدو أنه أسيء فهمه من بعض الإخوة قراء هذه المدونة ، فقد وضع أحدهم تعليقا لا زال منشورا عليها يلومني فيه على المقارنة التي أسست لها بين الحرم المكي الشريف والفاتيكان ، وقال أن هذه المقارنة لا تجوز لأنها تنحدر بمكانة حرم المسلمين إلى ذلك المبنى الذي ينتشر فيه العهر والفسق والفجور . لست أدري من أين جاء هذا الأخ بهذا الفهم مما كتبت ، فأنا لم أعقد المقارنة بين الحرم والفاتيكان استنادا إلى مكانة وقدسية كل منهما ، بل إنني قلت أن الحرم عندنا نحن المسلمين يحتل مكانة القدسية العظمى ، فيما نحن لا نحمل للفاتيكان أي شعور مماثل . كل ما أردت قوله هو أن الفاتيكان الذي يحمل قدسيته لدى المسيحين يلقى منهم الاحترام والتبجيل والتعبير العملي عن تلك القدسية التي يحملونها له ، فيما نحن المسلمون نجرح قدسية حرمنا الشريف بذلك الطغيان المادي الذي تعبر عنه تلك الأبراج الشاهقة التي تطل على ساحة الحرم وتجرح المشاعر الروحانية التي تملأ صدور المصلين والطائفين فيه . تعليق القاريء الكريم حمل في طياته شيئا من المشاعر العدوانية للمسيحيين ، خاصة عندما قال أنه لا يرى وصفهم بالإخوة ، مع أني لم أسبغ عليهم هذا الوصف فيما كتبت . ومع ذلك ، فإنني أرى أن كل البشر إخوة في الإنسانية ، وخلافة الأرض وعمارتها مسئولية مشتركة حملنا الله إيانا جميعا بغض النظر عن ديانة ومعتقد كل منا . لا أعتقد أن مثل هذه المشاعر العدوانية يمكن أن تكون سبيلا للتعاون والتسامح ، ولا تقدم حقيقة الصورة المشرقة التي تحملها رسالة الإسلام السمحة . أنا لم أعرف هذا القاريء ، فهو لم يضع اسمه على التعليق . ومع ذلك فإنني أرجو أن أفتح معه نقاشا جادا حول هذا الموضوع ، وحول رؤيتي للطابع المادي الذي أصبح طاغيا على عمارة الحرمين الشريفين ، وهو الشعور الذي تأصل في نفسي عندما رأيت صور مشروع توسعة الحرم المكي الشريف التي أعلن عنها قبل يومين ، والتي رصدت لها ميزانية تبلغ 80 مليار ريال . فأنا لم أجد في تلك الصور تلك اللمحة الروحانية التي يحملها المبنى القديم ، وخاصة وأن عقده قد تمت ترسيته بالتكليف المباشر لمقاول احتكر كل مشاريع الحرمين الشريفين ، ، وخاصة وأن استشاري المشروع يعمل تحت حماية وزارة المالية دون ترخيص رسمي بالعمل في هذه المهنة ، وخاصة وأن تلك المليارات تجاهلت تطوير المحيط المتهالك للبنية العمرانية والطرق والساحات المحيطة بالحرم . أنا لا أشكك هنا في النوايا ، ولكنني أعترض على الأسلوب الذي لن يؤدي إلى النتيجة التي نرومها في الحفاظ على قدسية المكان وروحانية الموقف .

الأحد، 21 أغسطس 2011

اليوم 208

تأخرت اليوم عن كتابة هذه السطور إذ لم أصل إلى المنزل إلا الآن بعد قضاء عدد من المشاوير في ازدحام الرياض الرهيب في ليالي رمضان . ومع أني كنت أحمل بعض الأفكار التي كنت أود الكتابة عنها ، إلا أنني فوجئت بالأخبار التي كانت تعرضها قناة الجزيرة حول بدء ملامح سقوط طرابلس . الأخبار في هذه اللحظة تتحدث عن دخول الثوار معظم أحياء طرابلس ، واعتقال اثنين من أبناء القذافي ، وإلقاء معظم الكتائب أسلحتهم مستسلمين للثوار، بما فيها الكتيبة المسئولة عن حماية القذافي . هذه الحرب بين أبناء الشعب الواحد كانت على مدى الأشهر الخمسة الماضية مدعاة للحزن والأسى على دماء بريئة سالت هباء بسبب الطغيان والتمسك بالسلطة . وفي ذات الوقت كانت محطات أخرى تعرض مقتطفات من حديث متلفز للرئيس السوري يتحدث فيه عن مبادرات إصلاحية هامة ستتم على مدى الأسابيع القلية القادمة . لا أدري إن كان الحدثان مرتبطان ، وإن كان الرئيس السوري قد رأى بأم عينيه مآل الطاغية الآخر في ليبيا فخشي على نفسه ذات المصير وقرر تقديم مبادرات أكثر جدية وأكثر قربا من مطالبات شعبه . ولا أدري أيضا إن كانت هذه المبادرات ستجد القبول من شعبه الجريح بعد كل تلك الدماء التي سالت على شوارع وطرقات المدن السورية . و لا أدري كيف يمكن أن يستمر هو ونظامه في الحكم حتى في ظل التشريعات والأنظمة الجديدة التي أعلن عنها . على أية حال ، اليوم هو يوم نقلة جديدة في تاريخ إحدى الدول العربية ، وهي دولة عانت الأمرين من القمع والكبت الذي جرها إلى موقع سحيق من التخلف ، وباتت تقبع في موقع خلفي وراء بقية الدول العربية المتخلفة أساسا عن ركب العالم المتقدم . لو أن الثوار انتظرو عشرة أيام فقط حتى بداية شهر سبتمبر لكانو قد حققو نجاح ثورتهم في ذات التاريخ الذي نجح فيه ذلك الانقلاب الذي قاده هذا الطاغية قبل اثنين وأربعين عاما . المهم الآن أن يكون هذا التاريخ بداية لعصر جديد من نهضة هذا البلد ، وأرجو الله أن يكتب لهم حالا أفضل من الحال التي أراها في مصر ، والتي أخشى عليها من هذا الصراع السياسي الذي يجتاح أبناءها ولا أدري إلى أين سيؤول بها وبهم . نجاح الثورة التونسية والمصرية والآن الليبية ليس مقياسه إسقاط الأنظمة وحسب ، ولكن الأهم من ذلك هو بناء مستقبل زاهر يعيد تاريخ العروبة الذي بات ذكرى في كتب التاريخ .

السبت، 20 أغسطس 2011

اليوم 207

اجتمعنا اليوم في حفل الإفطار السنوي الذي نجتمع فيه مع الإخوة والزملاء في عادة سنوية استمرت على مدى سنوات عديدة من عمر المكتب . هذا الحفل يمثل فرصة لتجديد الود وتوطيد العلاقات مع الزملاء وكسر الحواجز الإدارية بينهم . ومع كل سعادتي بمن حضرو هذه المناسبة ، إلا أن أكثر ما ينغص عيشي فيها هو غياب بعضهم عنها في ما أعتبره سوء تقدير وفهم لغرض هذه المناسبة . الأسوأ هم تلك الفئة التي تترفع حتى عن الاعتذار عن الحضور ، وهم بذلك في نظري يستكبرون عن الاختلاط بزملائهم ، ويضربون بعرض الحائط مبادرة الدعوة التي لا تحمل أي منة أو فضل ، فهم زملاء وإخوة تجمعنا هموم العمل ومسراته طيلة العام ، وليس أقل من هذا الاجتماع تعبيرا عن تقديري لهم وشكري لجهودهم . أحد الإخوة الذين حضرو اليوم أسعدني بحضوره ، وهو من أهل لبنان ومسيحي الديانة . ومع ذلك فقد حضر في هذه المناسبة في مبادرة عددتها وسيلة للتواصل والتآخي مع الجميع . تحدثت معه عن بعض مظاهر حياة المسلمين ، ومنها هذه الاجتماعات المباركة حول موائد إفطار طلبا للأجر والمثوبة والتآخي . تطرق حديثنا إلى رحلات العمرة وازدحام مكة المكرمة ، وحانت منه ملاحظة وجدت فيها انسجاما مع رؤية كنت قد عبرت عنها هنا في تلك الليلة التي أديت فيها مناسك العمرة قبل حوالي أسبوعين . ضيفي هذا أبدى تحفظه على الأثر النفسي الذي توقعه أبراج وقف الملك عبد العزيز الشاهقة التي تطل على ساحة الحرم ، ورأى أنها تكسر إحساس الروحانية لدى المصلين والطائفين في الحرم . هذا الشعور كان نفس الشعور الذي أحسست به عندما كنت في ساحة الحرم ورأيت هذه الأبراج وهي تطل شاهقة على ساحة الحرم ، وتجرح بوجهها المادي البغيض تلك المشاعر الروحانية التي تملأ نفوس المصلين . ضيفي هذا ضرب مثلا لم يخطر في بالي عندما قال أن الحالة نفسها تنطبق على مبنى الفاتيكان الذي يسمو ببنيانه وقبته الشاهقة فوق كل المباني المحيطة به ، ولا يوجد مبنى واحد يسموه ارتفاعا . ولأن الكعبة المشرفة أسمى مكانة من الفاتيكان لدينا نحن المسلمون ، فهي في نظرنا أحق بهذا التقدير والتمييز ، ومع ذلك فقد وجدت من جرأة هوامير المال ما يجرح هذه المكانة . غريب كيف أننا نحن المسلمون نجرح مثل هذه المكانة لأقدس بقاع الأرض ، فيما أهل الديانات الأخرى يقدسون مكانة معابدهم وكنائسهم . فهل هم أكثر احتراما لأديانهم منا نحن المسلمون ؟ .

الجمعة، 19 أغسطس 2011

اليوم 206

أزمة خادمات المنازل تتفاقم كل عام في شهر رمضان المبارك ، وذلك انسجاما مع تزايد مهام الطبخ والنفخ وعمليات التدسيم والتسمين التي يختص بها هذا الشهر . لم نكن في العادة نعاني من تبعات هذه الأزمة ، ليس فقط لأننا لسنا من هواة الأكل في هذا الشهر دون سواه ، وليس لأن فطوري المعتاد لا يتجاوز بعض التمر وشيئا من السمبوسة والفول وحسب ، ولكن لأن هذه المرة ربما تكون الأولى التي نقع فيها ضحية احتيال خادمتنا التي غادرت على وعد بالعودة ولم تفعل . ولأنها غادرت بتأشيرة خروج وعودة فإن النظام لا يسمح بإصدار تأشيرة بديلة إلا بعد انتهاء مدة تأشيرتها الأصلية ، وانتظار شهر كامل قبل التقدم بطلب إصدار تأشيرة العمل . وإلى أن يتم ذلك لم يكن أمامنا سبيل إلا اللجوء للخادمات غير النظاميات لتقديم العون لزوجتي لحين التمكن من استقدام خادمة نظامية . مرت الأيام العشرة الأولى من الشهر ونحن في رحلتنا بين مكة المكرمة والمدينة المنورة فلم تحتج زوجتي إلى عون في المطبخ إلا بعد عودتنا إلى الرياض ، فتكثفت الاتصالات وجولات البحث التي كشفت لي كثيرا من المعلومات عن هذا العالم التحتي . لم أصدق أذني عندما علمت أن رواتب هؤلاء الخادمات تخطت 4000 ريال ، أي أكثر من الحد الأدنى لأجور الموظفين السعوديين في كادر الخدمة المدنية . وليلة البارحة بلغنا خبر كان كطوق النجاة ، فقد اتصلت إحدى المخبرات بزوجتي لتبلغها بوجود خادمة جاهزة للعمل وبراتب 2400 ريال . اتصلنا بمدير أعمال الخادمة ، وأتممنا الاتفاق معه على كل التفاصيل بما فيها عمولته وأجر سائق الأجرة الذي سيوصل الخادمة إلى منزلنا . احتفينا وأبنائي بوصولها مساء أمس ، وخاضت زوجتي معها جولة من التحقيق والتحري للتعرف على إمكاناتها . أغرب ما قالته هذه الخادمة الحبشية أنها لا تحمل أي تصريح للإقامة ، وأنها أتت من الحبشة إلى المملكة في قارب مع مجموعة من المتسللين غير الشرعيين كأولئك الذين نسمع عنهم وهم يتسللون من سواحل شمال أفريقيا إلى سواحل أوروبا . لم أتوقع أن يصل الحال بتجارة البشر لدينا إلى هذا الحد ، ولست أدري لماذا تضمحل قدرات أجهزة وزارة الداخلية في تصيد مثل هؤلاء المتخلفين والمستللين غير الشرعيين ، والذين يديرون تجارة يمكن أن تتخطى حدود خدمة المنازل إلى منزلقات أكثر خطورة ، وتبرع في الوقت ذاته عندما يتعلق الأمر بأحد المشتبهين في إحدى قضايا الإرهاب أو الأمن الوطني ، وكأن هذه الظاهرة لا علاقة لها بالأمن الوطني . المهم الآن أن يدوم علينا وجود هذه الخادمة كيفما كان ، على الأقل إلى أن نتمكن من استقدام خادمة نظامية تكفينا شر تلك الشبكات المنظمة .

الخميس، 18 أغسطس 2011

اليوم 205

الفزعة خلق من أخلاق الإسلام ، وشيمة من شيم الرجال . لا أستطيع أن أتخيل أحدا يرى شخصا في موقف كرب وهو يعلم أنه يستطيع أن يعينه عليه ثم يدير ظهره له دونما اكتراث . هناك كثير من الناس الذين حباهم الله بهذه الصفة ، وهم يحسون من السعادة مبلغها عندما يقيضهم الله للوقوف بجانب شخص يحتاج إلى العون والمساعدة . أنا لا أتحدث هنا عن المساعدة المالية ، فهي لا تمثل إلا وجها واحدا من أوجه تقديم العون للمحتاج . والشخص الذي يدير ظهره لمن يعلم يقينا أنه يحتاج إلى مساعدته ، ويعلم يقينا أنه يستطيع مساعدته ، هو في رأيي شخص قد نزع الله منه مباديء الخير والإنسانية والشهامة . ربما يكون هذا الزمن قد طغت عليه المادية ، وأصبح كل شيء يقدم بمقابل . ولكن حتى لو كان هذا الواقع صحيحا ، فإن تقديم الفزعة والعون في هذه الحالة يمكن أن يكون على سبيل التربح ليس إلا ، وهو في رأيي أهون من السكوت عن عرض المساعدة وتقديم العون . هذه الخاطرة سيطرت علي عندما علمت أن أحد من كنت أعدهم من الأصدقاء يعمل منذ فترة ليست بالقصيرة في أحد الأجهزة الحكومية التي أعيش معها حالة من الظلم وهضم الحقوق . هذه الجهة أنهينا معها مشروعا منذ أكثر من سنتين ، ومنذ ذلك الحين ونحن نطالب بصرف بقية حقوقنا التي ضاعت وسط فلسفة وتعنت المسئولين في الإدارة المالية والإدارة القانونية . هذا الصديق المزعوم يعلم تماما هذه المشكلة مع هذه الجهة التي يعمل فيها ، وفي موقع يمكنه من تدخل فعال لحل هذه المشكلة ، على الأقل بترتيب لقاء مع مدير الإدارة التي يعمل فيها ، والذي لم نتمكن من مقابلته طيلة تلك الفترة لعرض وجهة نظرنا أمامه بحثا عن حل منصف . كلنا يعلم أن العلاقات تلعب دورا مؤثرا في كل شئون العمل مع الجهات الحكومية ، ومثل هذا الموقع الذي يعمل فيه هذا الصديق كان يمكن أن يكون سببا في حلحلة هذه المشكلة إن لم يكن حلها حلا جذريا منصفا . حدثتني نفسي بالاتصال به وطلب مساعدته ، ولكنني رغبت عن إذلال نفسي أمام مثل هذا الصديق ، إذ لو كان في نفسه شيء من النخوة لبادر هو إلى تقديم العون عوضا عن انتظار استجدائه منه . تأسفت على تلك الصداقة ، وعلى هذا الواقع المرير الذي تدنت إليه العلاقات الإنسانية . ورجوت الله أن يبعد عني هذا الصديق ، وهو من لم تعنه نفسه حتى على رد الجميل في كثير من المواقف التي وقفت فيها إلى جانبه ، فكيف بتقديم يد العون إلى صديق محتاج وهو يعلم يقينا أنه في موقع الحاجة الملحة لمثل هذه الفزعة .

الأربعاء، 17 أغسطس 2011

اليوم 204

في هذا الوقت من كل عام ترد إلى مكتبي عشرات الرسائل عبر البريد من جمعيات خيرية من المدن والقرى من شتى أنحاء المملكة ، وكثير من هذه القرى لم أسمع عنها من قبل وربما لا تظهر حتى على الخريطة . ولأن شهر رمضان المبارك شهر تضاعف فيه الحسنات ، فإن هذا النمط من الاستجداء وطلب التبرعات يصبح ظاهرة على كل المستويات ، بدءا من تلك الرسائل إلى تكاثر أعداد المتسولين في الأسواق وعند إشارات المرور ، بمن فيهم أولئك المتسولون الجوالون الذين يرتادون المكاتب في المباني الحكومية والشركات الخاصة . أتعجب بشكل خاص من سيدات وفتيات يحضرن إلى المكتب بحثا عن الشيخ خالد ، ولا أدري هل صفة الشيخ هذه هي من قبيل مشيخة الدين أم مشيخة المال ، وأجزم أنني لا أنتمي إالى أي منهما . قبل أسبوع تقريبا قرأت مقالا للكاتب علي الموسى في جريدة الوطن يتعجب فيها من تلك الرسائل النصية التي كانت تدعو إلى التبرع لضحايا مجاعة الصومال ، والتي تفيد بأن ثمن الوجبة في الصومال لا يزيد على 16 هللة . الكاتب تعجب من إرسال هذه الرسائل التي تفوق تكلفة الواحدة منها تكلفة الوجبة المزعومة . الأمر ذاته وجدته ينطبق على ظاهرة الرسائل التي ترسلها تلك الجمعيات الخيرية ، وهي التي تتكبد مبالغ مقدرة لإرسال رسائل إلى كل من هب ودب ، وأجزم أن كثيرا منها ينتهي إلى أجهزة تمزيق الورق هذا إن لم يكن مصيرها سلة المهملات . وأنا لا أدري في الحقيقة كيف تدار حملات جمع التبرعات في الجمعيات الخيرية هذه ، ولماذا هي أصلا بهذا العدد الذي أصبحت فيه تملأ كل زاوية في كل مدينة وقرية . وهل تأسيس هذه الجمعيات كان أساسا يستهدف الحصول على مخصصات وزارة الشئون الاجتماعية ، ولماذا لا تجمعها جميعا مظلة واحدة تنظم جمع التبرعات وتوزيعها على المستحقين وفق منهج مؤسسي منظم . الحقيقة أن هذه الفوضى في إدارة الأموال تحت مظلة العمل الخيري هي السبب وراء الحملة الشعواء ضدها بدعوى تجفيف منابع الإرهاب من جهة ، وأيضا وراء امتناع رجال الأعمال عن مد يد العون والتبرع لها جراء فقدان المصداقية في كثير منها ، وهي التي لا نسمع عنها إلا عند جمع التبرعات ، وتمتنع تماما عن إصدار أية تقارير أو معلومات عن كيفية توزيع تلك الموارد ، والإنجازات التي حققتها في مساعدة الأسر المحتاجة ، والأهم من ذلك في تأمين فرص العمل والعيش الكريم لهذه الأسر . المشكلة أن الصندوق الخيري الوطني ، أو ما كان يسمى بصندوق معالجة الفقر ، والذي كان يفترض فيه أن يقوم بدور حيوي في هذا المجال ، لا زال يراوح مكانه دون أن نسمع شيئا عن إنجازاته . وبذلك ، يظل المجال مفتوحا لهذه الجمعيات الخيرية لتقوم بهذا الدور الغائب ، حتى ولو شابته بعض الشوائب وأحاطت به كثير من الشكوك .

الثلاثاء، 16 أغسطس 2011

اليوم 203

اتصل بي مساء اليوم أحد الإخوة ممن يعملون في الوسط الهندسي المليء بالعثرات والإشكالات التي تمثل مسألة حفظ الحقوق فيها مسألة عويصة . ويبدو أن هذا الصديق على علم بكم التجارب المأساوية التي مررت بها في حياتي العملية ، والتي جمعت منها حصيلة خبرة معتبرة في التعاطي مع شئون القضاء وحل الخلافات المهنية . هذا الأخ كان قد اتفق مع أحد رجال الأعمال على بدء نشاط في مجال إدارة المشاريع يجمع بين القدرات المالية لرجل الأعمال والقدرات الفنية والهندسية لهذا المهندس . صديقي هذا عمل بكد وجد وسخر إمكاناته وعلاقاته وقدراته للحصول على تأهيل لدى إحدى الجهات الحكومية والمنافسة على أحد مشروعاتها إلى أن تمكن من الفوز به في عقد تزيد قيمته على 50 مليون ريال . وبعد أن تمت ترسية العقد ، وقبل أن يتم توثيق إطار الشراكة بين الشريكين المفترضين ، انقلب رجل الأعمال على شريكه وأنكر شراكته وجهده في الفوز بالعقد ، وعرض عليه أن يدفع له مبلغا زهيدا لا يزيد على نصف مليون ريال فيما سماه عمولة الفوز بالعقد . الخطأ الذي وقع فيه صديقي أنه تعامل مع هذا الرجل على أساس الثقة ، خاصة وأنه رجل أعمال مبرز افترض أن تكون كلمته سيفا على رقبته حرصا على سمعته على أقل تقدير . عندما استمعت إلى هذه القصة تذكرت تلك التجارب المريرة التي خضتها مع رجال أعمال من فصيلة هذا الرجل الذي أخلف وعده مع صديقي ، والتي لا زلت أعاني من تأخر القضاء في حسمها على مدى أكثر من أربع سنوات ، وتذكرت أيضا ذلك اللقاء الذي جمعني ليلة البارحة مع عدد من المسئولين في الهيئة العامة للاستثمار ، والذي خضنا فيه نقاشا مطولا مع الدور المفترض للهيئة في معالجة مشكلات المناخ الاستثماري في المملكة ، والذي يمثل القضاء أحد أكبر مشكلاته . ولأن هذه الهيئة كانت ولا زالت تعمل وفق رؤية تعتمد البحث عن الإنجازات حتى ولو كانت إنجازات صورية تسعى من خلالها إلى تلميع صورتها في الإعلام ، فإن تلك المشكلات والعقبات التي تقف في طريق المستثمرين ورجال الأعمال ستظل مستعصية على الحل بما فيها تطوير قطاع القضاء الذي لا زال مشروعا يراوح مكانه منذ إطلاقه منذ حوالي الخمس سنوات . قلت لصديقي أن يسعى بكل ما يملك للوصول إلى حل ودي للمشكلة التي يعيشها ، فالقضاء ليس إلا آخر الدواء ، ولا أحد يضمن حتى أن يكون دواء ناجعا . والقليل الذي قد يحصل عليه الآن ربما يكون خيرا من نتيجة لا يعلمها أحد لمسار قضائي لا أحد يعلم مداه .

الاثنين، 15 أغسطس 2011

اليوم 202

مع عودتي لمتابعة نشرات الأخبار بعد طول غياب وجدت أن مسار الأحداث في العالم العربي لم يتغير مع حلول الشهر الكريم ، اللهم إلا في توقيت المظاهرات التي أصبحت تخرج تحت جنح الليل بدلا من وضح النهار . الأكيد أن أحداث سوريا على وجه الخصوص أصبحت هي موضع الاهتمام الأكبر تبعا لضراوة المواجهة وسقوط جدار الصمت العربي ، خاصة وأن أحداث ليبيا ومصر واليمن وصلت إلى حد الرتابة والملل في ظل غياب رؤية واضحة لحسم واقع الأحداث في هذه الدول . وبين الفينة والفينة أتلقى شهادات متناقضة من إخوة سوريين عما يحدث في بلدهم ، فمنهم من يقول أن الواقع أبشع بكثير مما يعرضه الإعلام الفضائي ، وآخرون يؤكدون أن ما تتناقله وسائل الإعلام لا يعدو أن يكون تحريضا يضخم الحالة على أرض الواقع بشكل متعمد . واليوم زارني أحد الإخوة من أهل هذا البلد وأدلى بشهادة يندى لها الجبين عن ضحايا وقتلى وقمع يشيب له الولدان ، مؤكدا أن من ينقلون شهادات مغايرة إما أنهم موالون للنظام منتفعون ببقائه ، أو أنهم يخافون من سطوته إن طالتهم يده وأجهزته الاستخباراتية . ويوم أمس تلقيت اتصالا من أحد الأصدقاء من أهل البحرين الشقيقة ، وهو ممن أعتز بصداقتهم وأخوتهم على مدى سنين طويلة من علاقة لا تزداد إلا ثباتا وتوطدا على مر الأيام . أخي البحريني نقل لي صورة مرعبة عن سوء الأوضاع في البحرين بعد أن كانت قد ركنت إلى الهدوء بعد فورتها الأولى ، وذلك لأن تلك الفئات من شيعة البحرين خرقت جو الهدوء ومناخ الحوار الذي ساد على الساحة ، وأصبحو يرفعون سقف مطالبهم من وقت لآخر . الغريب فيما قاله أخي البحريني هو ذلك التجييش الذي يرونه من أشقاء لهم في دولة قطر ، بدء بما تبثه قناة الجزيرة من برامج وأخبار ملفقة ، إلى موقف مستغرب من سفراء بعض الدول الغربية يساند تلك الفئات الثائرة . وبعد انتهاء المكالمة عقدت مقارنة بين حالتي البحرين وسوريا ، والتباين الذي نسمعه من شهادات الناس في البلدين حول حقيقة ما يجري على أرض الواقع . المهم في حالة البحرين على وجه الخصوص أن الوضع فيها يحمل مخاطر خاصة على بقية دول الخليج ، إذ أن سقوط النظام فيها يمكن أن يكون بداية لانفراط عقد الأنظمة المشابهة في دول الخليج الأخرى ، حتى ولو بدا أنها تتمتع بكم أكبر من الاستقرار والأمن . من هنا يأتي استنكار الموقف القطري مما يحصل في البحرين ، إذ أن ما يمكن أن يحصل في البحرين يمكن أن ينجر على قطر بحكم التشابه الكبير في تركيبتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية . وأنا في الحقيقة لم أستغرب هذا الموقف من قطر بناء على ما لمسته أثناء زياراتي الأخيرة لها . كل ما أرجوه أن يكتب الله لنا جميعا خيرا قد لا نعلم أين يكون ، حتى ننعم براحة البال والأمن الحقيقي الذي نرومه .

الأحد، 14 أغسطس 2011

اليوم 201

موضوع لجنة تسوية المنازعات المصرفية الذي تحدثت عنه الأسبوع الماضي أثار كثيرا من ردود الأفعال والاستغراب من طبيعة الإجراء الذي كان قد أفادنا به سعادة سكرتير اللجنة من ضرورة رفع الأمر إلى المقام السامي لتلقي الإذن بالنظر في الشكوى ، حتى أن بعض من أبدو استغرابهم هم من المنتسبين للقطاع البنكي وحتى مؤسسة النقد . وبعد مزيد من التمحيص والاعتراض والنقاش مع المسئولين في اللجنة ، وتدخل بعض الإخوة على سبيل الفزعة ، تبين أن ذلك الإجراء المستغرب هو إجراء صحيح ومنصوص عليه ضمن إجراءات اللجنة وفق آليات عملها التي نص عليها قرار المقام السامي من الأساس . أحد الإخوة الذي يكرمونني بقراءة هذه المدونة كان قد أشار علي بإثارة الموضوع على صفحات الجرائد من منطلق أن هذا الإجراء يمثل إشغالا للمقام السامي عن أمور أكثر أهمية ينوء بها كاهله . وكنت حينها قد أبديت بعض التخوف من ردود الفعل على مثل هذا التصرف ، وخشيت أن تطال مشكلتي يد التعقيد انتقاما من نقد لا يروم إلا التصحيح والتطوير . ما تبين لي اليوم أوضح لي أن الخلل ليس في طريقة عمل اللجنة ، ولا في موظفيها الذين ما كانو يعملون إلا وفق توجيهات عليا تحد من صلاحياتهم . ولكن الخلل هو في طريقة صياغة الأنظمة والإجراءات والتشريعات ، وهي التي غالبا ما تتم وفق مفهوم درء الشبهات ، وتفترض سوء النية في الجميع ، حتى في الموظفين الذين يقومون على تنفيذ هذه الإجراءات كما هي الحالة التي أعيشها مع هذه اللجنة . المشكلة أن الدور الذي تقوم به وزارة المالية تشوبه في كثير من الأحيان حالات من تعارض المصالح وفرض رؤية غير محايدة . وفي هذه الحالة ، فإن هذا النظام يمثل نمطا من أنماط الحماية للنظام البنكي ومؤسساته التي ترتع في ظل حماية الوزارة ومؤسسة النقد . وبذلك ، فإن أي مواطن يريد حفظ حقوقه ، والتشكي من أية ممارسات ظالمة من أية مؤسسة بنكية ، فإنه لا يجد أمامه سوى هذه اللجنة المكبلة بإجراءات بالغة التعقيد ، في الوقت الذي تترفع الجهات القضائية التقليدية عن التعاطي مع هذا النوع من القضايا والخلافات ، بحكم تباين النظرة الشرعية لهذه المؤسسات البنكية ، والحماية التي وفرها النظام لهذه المؤسسات من تلك المسارات القضائية الشرعية . وإلى أن يرى مشروع تطوير القضاء النور ستظل هذه اللجان القضائية المستقلة تعمل بهذا النمط الحمائي للمؤسسات التي تختص بالنظر في قضاياها ، وما للمواطن المسكين إلا طلب الصبر والسلوان .

السبت، 13 أغسطس 2011

اليوم 200

اليوم هو يوم تمام المائة الثانية من أيام هذه المدونة ، وأحمد الله أن صادف يوما من أيام شهر رمضان المبارك ، علها تنال شيئا من بركة هذا الشهر الكريم . في المائة الثانية كنت أحاول أحيانا أن أخرج من النمط النقدي لما أسجله من تجارب سلبية في حياتي ، وأن أسجل شيئا من مشاعر الفرح والسعادة واللقطات الإيجابية . المشكلة أنني لم أستطع أن أجد كثيرا من هذه اللحظات في هذه المائة على وجه الخصوص ، فقد كانت بحق فترة عصيبة في حياتي ، مليئة بالمشاكل والعثرات والمشاهدات السلبية . من هنا جاء تفاؤلي ببداية المائة الثالثة في هذا الشهر الكريم ، علها تكون أفضل حالا من المائة الماضية ، وأرى فيها شيئا من حل المشكلات التي ملأت جنبات حياتي . ولأنني كنت منقطعا عن متابعة الأخبار والصحف خلال رحلتي الأسبوع الماضي في مكة المكرمة والمدينة المنورة ، فقد أحسست شيئا من الراحة من هذا الغياب عن أخبار الحروب والثورات والكوارث . ومع ذلك ، فقد جلست اليوم بعد يوم عمل مزدحم لأستعرض بعض تلك الأخبار التي وردت إلى بريدي الإلكتروني . أكثر الأخبار التي لفتت انتباهي كان خبر القرار الصادر عن مجلس الوزراء بزيادة مدة الإجازة السنوية لموظفي الدولة من ثلاثين يوما إلى ستة وثلاثين يوما . لم أتمالك نفسي من الضحك على هذا الخبر من منطلق أن شر البلية ما يضحك . وأنا لا أدري في الحقيقة من الذي قدم هذا الاقتراح للمجلس الموقر ، وتمكن من إقناعه بحاجة موظفي الدولة إلى زيادة مدد إجازاتهم السنوية مقابل ما يبذلونه من جهود لإنجاز مهام عملهم وخدمة المواطنين . وإذا كانت إحدى الدراسات السابقة قد سجلت أن إنتاجية موظفي الدولة لا تزيد على 8% من قدرتهم الإنتاجية ، فإن هذه النسبة ستلاقي مزيدا من الانحسار بعد هذه الزيادة في الإجازات السنوية . وفي الوقت الذي يطالب فيه الموظفون بتحسين دخولهم لمواجهة أعباء الحياة ، ويطالب المهندسون المساكين بالنظر في كادرهم الوظيفي ، فإن هذه الزيادة تمثل طعنة في الظهر لا أدري إن كانت وزارة المالية قد حسبت تكلفتها المباشرة وغير المباشرة على خزينة الدولة . وفي المحصلة ، يأتي هذا القرار ليضاف إلى قرارات أخرى كثيرة ما أنزل الله بها من سلطان ، ولا تعبر إلا عن كم هائل من العشوائية في إدارة موارد الدولة وشئونها .

الجمعة، 12 أغسطس 2011

اليوم 199

وصلت إلى الرياض عائدا من المدينة المنورة بعد أيام ثلاثة قضيتها محاولا إغراق نفسي في الأجواء الروحانية لمدينة المصطفى عليه الصلاة والسلام كي لا يصيبني من الإحباط ما يمكن أن يخرب هدف هذه الرحلة . هذه الاستراتيجية ضربت في مقتل عندما وصلت إلى مطار المدينة المنورة مساء اليوم ، وهو المطار الذي لا زال في حالة التطوير والإنشاء منذ حوالي الثلاث سنوات ولما تجد هذه المهمة العسيرة بعد طريقا إلى الإنجاز . الصالة الوحيدة التي افتتحت للتشغيل هي صالة المغادرة الداخلية ، فحمدت الله أن أتاح لنا فرصة للتعرف على الوجه الجديد للمطار بعد طول انتظار . المثل الذي ينطبق على حالة المطار بعد تجربة المغادرة هذه الليلة هو قول القدماء " تمخض الجمل فولد فأرا " . أقول هذا لأنني ببساطة لم أجد فرقا يستحق الذكر بين المطارين القديم والجديد ، بل إن حالة المطار الجديد قد أشاعت شعورا عاما بالإحباط ليس فقط لدى المسافرين بل أيضا لدى الموظفين العاملين في المطار استنادا إلى شيء من حوار تبادلته معهم مهنئا بهذا الإنجاز الجديد . صالة المغادرة في المطار الجديد ليس بها قاعة مخصصة لأعضاء نادي الفرسان العتيد ، وليس بها ممرات أنبوبية توصل المسافرين إلى الطائرة ، بل إن الباصات القديمة ذاتها لا زالت تقوم بهذا العمل . شاشات معلومات الرحلات كانت تعلن عن رحلات أقلعت منذ صباح اليوم فيما يبدو أن الموظف المختص بتحديثها قد تغيب عن العمل هذا اليوم لظروف الصيام . الأظرف ، أن إجراءات إدخال الحقائب تتم عبر وزنها لدى موظف الخطوط السعودية أولا ، ومن ثم يقوم العامل المسكين بحمل الحقائب مرة أخرى ونقلها إلى جهاز التفتيش في أقصى الصالة لتدخل منه إلى مخزن الحقائب مرورا إلى الطائرة . والأنكأ ، أن دورات المياه تطل بأبوابها المشرعة على صالة المغادرة لتفوح منها تلك الروائح الزكية التي تنبيء عن مستوى النظافة فيها . أنا لا أتحدث هنا عن مطار محلي في مدينة صغيرة ، بل هو المطار الذي يقع في المرتبة الرابعة في معدلات حركة الطيران في المملكة ، ويدير حركة للطيران الدولي بما فيها رحلات عدد من شركات الطيران الأجنبية . وهو علاوة على ذلك أحد بوابتي الحرمين الشريفين ، والوحيد الذي يستقبل حركة كثيفة من المعتمرين على مدار العام . ومع أن هيئة الطيران المدني تصنفه على أنه المطار الدولي الرابع في المملكة ، إلا أن ما رأيته اليوم لا يعبر عن قناعة الهيئة بهذا التصنيف ، أو ربما قناعة وزارة المالية بأهمية هذه المدينة . غادرت المطار في رحلتي إلى الرياض وقد أصابني الأسى على هذه المدينة وأهلها المساكين . فإلى متى ستظل ضحية لمثل هذا الإهمال والتجاهل ، أم أن هذه اللأواء ستظل أبدا صفة ملازمة لها لتبرير أجر زيارتها والإقامة فيها .

الخميس، 11 أغسطس 2011

اليوم 198

اصطحبت زوجتي وأبنائي بعد صلاة عصر اليوم في جولة على بعض المعالم والمواقع التاريخية في المدينة المنورة زرنا فيها مسجد قباء ومسجد القبلتين وموقع غزوة أحد ومقابر شهدائها . مثل هذه الرحلة تمثل تحديا أمام أبنائي لاختبار كم المعلومات التي تختزنها ذاكرتي المزدحمة عن تاريخ هذه المواقع والأحداث في سيرة النبي المصطفى عليه الصلاة والسلام . وأحمد الله أني أحمل كما لا بأس به من المعلومات التي تلقفتها من والدتي رحمها الله وكتب السيرة النبوية ، وهو ما لا تضمه مناهج التعليم في مدارسنا . مشهد هذه المواقع بالعموم كان يفتقر إلى الحد الأدنى من التهيئة والتجهيز لمرتاديه ، فبخلاف المساجد المعروفة التي يرتادها الناس للصلاة فيها طلبا للأجر ، فإن المواقع التاريخية مهملة أيما إهمال ، ولا يستطيع زوارها أن يحصلو على أية معلومات عن تاريخ تلك المواقع سوى من بعض الأفراد غير الؤهلين أو المدربين على الإرشاد السياحي . موقع غزوة أحد على سبيل المثال كان مزدحما بالباعة الجائلين الذين يعرضون بضائعهم الرخيصة على زوار الموقع الذي يفتقر إلى أبسط متطلبات التهيئة السياحية . فلا ممرات مناسبة للمشاة ، ولا دورات مياه عامة ، والمرافق الوحيدة في الموقع كانت عددا من المكاتب لمقرات هيئة الأمر بالمغعروف والنهي عن المنكر وهيئات الإرشاد والتوعية الدينية . بحثت عن أية لوحات أو كتيبات إرشادية تشرح للزورا تاريخ المنطقة ، أو أسماء الصحابة الأجلاء الذين تضمهم تلك المقابر ، فلم أجد شيئا من هذا القبيل . بعض المجموعات من الزوار كان يرافقهم مرشدوهم الخاصين الذين أتو معهم ليروو لهم قصص تلك الأحداث الهامة في تاريخ الدولة الإسلامية . تساءلت حينها عن الدور الذي يفترض بهيئة السياحة أن تقوم به في هذا المجال ، وهي التي غابت تماما عن الموقع ، حتى من مكتب بسيط للإرشاد السياحي . أعلم أن هناك شيئا من الحرج من مصطلح السياحة الدينية نتيجة مقاومة بعض المؤسسات الدينية لهذا المصطلح ، ولكن ما كنت أبحث عنه هو شيء من أنشطة السياحة التاريخية ، خاصة في هذه المواقع التي تحمل مخزونا هائلا من الإرث التاريخي الذي يسجل نشاة الدولة الإسلامية في بداية عهدها . تذكرت حينها تلك الجولة التي زرت فيها مبنى الكولوسيوم في روما ، وتلك التجهيزات الرائعة التي كانت تتيح للزوار كثيرا من المعلومات عن هذا الموقع ، بما فيها أجهزة التسجيل التي تشرح تلك المعلومات بعدد كبير من اللغات . تساءلت حينها ، إلى متى ستبقى مواقعنا التاريخية تعاني هذا الإهمال ، في الوقت الذي لا زالت هيئة السياحة تغوص في دراساتها وأبحاثها طيلة عشر سنوات من عمرها دون أي أثر ملموس على أرض الواقع . وإلى أن تصحو هذه الهيئة من سباتها العميق ستظل هذه المواقع على حالها المزري ، وسيبقى زوارها محرومين من تجربة كان يمكن أن تحقق كثيرا من العوائد المجزية على كل المستويات .

الأربعاء، 10 أغسطس 2011

اليوم 197

صلاة الفجر في الحرم النبوي الشريف تجربة فريدة مفعمة بالروحانية مليئة بالخشوع والطمأنينة يخرج المرء منها وكأن نفسه قد غسلت بماء بارد طاهر . صوت المؤذن في المسجد النبوي له وقع خاص في الآذان أحببته وعشقته منذ الصغر وقت أن كانت أصوات المؤذنين الأربعة تصدح متزامنة في رحاب المدينة قبل أن يصدر أمر بمنع هذا الأسلوب الذي كان يتفرد به الحرم النبوي الشريف . الحرم كان مليئا بصنوف شتى من البشر أتو إلى هذه المدينة الطاهرة من كل أصقاع الأرض . كنت أتلفت حولي وأنظر في وجوه المصلين فأجد فيهم الأبيض والأسود والأصفر والصغير والكبير ، وكلهم يجمعهم ذلك الشعور الروحاني ، وتعلو وجوههم السكينة والاطمئنان في جوار المصطفى عليه الصلاة والسلام . الشيء الوحيد الذي كان يشوه هذه الصورة الجميلة هو ذلك الأسلوب الذي يتسم بالجلافة الذي كان يتعامل به موظفو الحرم مع المصلين ، خاصة عندما تعلو أصواتهم في مخالفة صريحة للنهي القرآني الكريم عن رفع الصوت في حضرة النبي الكريم وجواره . وأنا لا أدري في الحقيقة لماذا يغلب هذا الأسلوب في التعامل مع معظم المنتسبين إلى المؤسسات الدينية بما فيها هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والرئاسة العامة للمسجد الحرام والمسجد النوبي الشريف وغيرهما من المؤسسات الدينية . لا أدري لماذا لا تسمو سماحة الدين الحنيف لتطبع تصرفات هؤلاء بما يدعو له من سماحة ولطف في التعامل خاصة مع ضيوف أتو لا لشيء سوى زيارة المصطفى عليه الصلاة والسلام والصلاة في مسجده . وبالرغم من ذلك إلا أن الصلاة في المسجد النبوي الشريف تظل حالة من حالات الروحانية الفريدة . أحد أجمل المشاهد التي رأيتها اليوم كانت عقب صلاة العصر عندما رأيت أهل الخير وقد شمرو عن سواعدهم وبدأو بمد مفارش الطعام استعدادا لتهيئة طعام الإفطار لضيوف المسجد . حركة هؤلاء كانت منظمة وسريعة بشكل غريب ، وكانت تتم بكل همة وحماس يعبر عن رغبة عميقة في الفوز بالأجر الجزيل . جميلة هي المدينة ، وجميل كل ما فيها ، حتى لو شابته شوائب تثير الغضب أحيانا ، إلا أنها تظل كما أعلم سببا لمزيد من الأجر والمثوبة في بلد كل ما فيه خير وبركة .

الثلاثاء، 9 أغسطس 2011

اليوم 196

غادرت جدة مساء اليوم متوجها إلى المدينة المنورة التي وصلت إليها مساء هذا اليوم . هذه الرحلة الرمضانية أسعى لأن تكون عادة سنوية أجدد بها علاقتي مع مدينتي التي ولدت ونشأت فيها ، وأوطد علاقة أبنائي بها واتنماءهم إليها . ومنذ وفاة والدتي الغالية منذ سبع سنوات وأنا أعيش مشاعر مختلطة في كل مرة آتي فيها إلى المدينة ، بين حنين يصحو وذكريات تطفو على هموم العمل والحياة اليومية وأحزان على فقد أحبة واراهم الثرى عن النظر ولم يوراهم عن حنين الذكريات . لقائي مع إخوتي الذين آثرهم الله بالبقاء في هذه المدينة والسكن في جوار المصطفى عليه الصلاة والسلام لقاء يتجدد به الود وتتوطد به العلاقة مع أبناء الجيل الثاني من الطرفين . ومع أن وجه المدينة قد تغير كثيرا عن تلك الصورة التي لا زالت عالقة في ذهني أيام الطفولة والشباب المبكر ، إلا أن كل ركن من أركانها يحكي حدثا أو قصة من أحداث تلك الفترة ، ويجدد الأمل في العودة يوما ما للإقامة في هذا الجوار الكريم . وعلى الصعيد المهني ، كنت أسعى دوما إلى وضع قدم لنا في المدينة المنورة ليكون العمل سببا في تكثيف التواجد فيها ، ورغبة في الحصول على بركة المكان في الرزق . ولكن كل تلك الجهود لم تؤت أكلها ولم تفلح في تحقيق تلك الرغبة ، في ظل ما تعاني منه من تدن في مستوى أداء أجهزتها الحكومية ، ومستوى الاسترخاص المزعج الذي تمارس به الأعمال فيها ، شأنها في ذلك شأن كثير من مدن الدرجة الثانية والثالثة . كنت دوما أسمع عن أن المدينة ليست محظوظة بمسئوليها ، وربما يكون هذا من اللأواء التي وعد الرسول عليه الصلاة والسلام الصابرين عليها بالجنة . وكنت دوما أحس بشيء من الأسى لترك المدينة سعيا وراء الرزق ، وأخشى من أن أكون ممن ورد فيهم الحديث القائل أن المدينة تنفي خبثها . ويوم أمس كنت أستمع إلى برنامج يحكي قصة من قصص الصحابة رضوان الله عليهم ، وقال فيها الراوي أن ذلك الصحابي آثر في آخر حياته أن ينتقل من المدينة إلى الشام ليعيش فيها إلى أن انتقل إلى جوار ربه . تساءلت حينها عن صحة ذلك الحديث مقابل ما أشهده من تناقض على أرض الواقع . فالصحابة الأجلاء الذين تركو المدينة إلى أماكن أخرى لا يمكن أن يكونو من الخبث الذي ينفى عن المدينة ، وفي المقابل ، فإن المدينة يعيش بها كثير ممن ينطبق عليهم هذا الوصف ، وخاصة في وقتنا الحاضر ، بمن فيهم المسئولون المقصرون ، والفاسدون الذين أصبحت القصص تتواتر عنهم وعن فسادهم في المحاكم وكتابات العدل وكثير من الأجهزة الحكومية . هدأت نفسي قليلا من ذلك التوجس ، وعلمت أن الخبث موجود في كل مكان ، وان الصلاح والاستقامة محلها القلب وليس المكان الذي يعيش فيه المرء . وبالرغم من ذلك ، فإنني أرجو أن يأتي ذلك اليوم الذي تصبح في المدينة مكانا جاذبا يحمل من فرص العمل مثل ما تحظى به مدينة مثل الرياض ، حتى يمكن أن يجد فيها المرء فرصة لحياة كريمة تحيطها بركة الجوار الكريم لخير البشر .

الاثنين، 8 أغسطس 2011

اليوم 195

مر اليوم حوالي الشهرين منذ أن بدأتي معاناتي مع مجموعة سامبا المالية التي سجلت ملاحظة في سجلي الائتماني لدى شركة سمة لأمن المعلومات . والملاحظة التي تتعلق بشيك مرتجع ، والتي سجلها البنك بعد مرور أكثر من سنة ونصف السنة على حدوثها ، ملاحظة جائرة بالنظر إلى أن ذلك الشيك قد سددت قيمته بالكامل منذ ذلك الحين . ومع أني قدمت للشركة وللبنك كافة الاثباتات على ذلك إلا أن كليهما رفض رفع الملاحظة ، من منطلق عدم قناعة البنك بما قدمته من أدلة ، وعجز الشركة عن تصحيح الملاحظات حتى ولو اقتنعت بالأدلة بناء على تعليمات مؤسسة النقد . آخر الحلول التي وجدتها أمامي كان التقدم بشكوى ضد البنك لدى لجنة الفصل في المنازعات المصرفية ، وهو ما فعلته من أكثر من ثلاثة أسابيع . ويوم أمس أفاد سعادة سكرتير اللجنة بأن النظام يتطلب الرفع إلى المقام السامي بموضوع الشكوى ، وانتظار توجيه المقام السامي بالنظر في هذه الشكوى أو ردها بالرفض . لم أستطع أن أفهم كيف أن مبدأ النظر في القضايا والخلافات يتطلب موافقة المقام السامي ، ولماذا تختلف هذه اللجنة عن كل الدوائر القضائية في هذا الشأن ، وهي التي تقرر اختصاصها من عدمه دون أي تدخل من المقام السامي أو أية جهة أخرى . ثم أليس المقام السامي أكثر انشغالا بقضايا وموضوعات تفوق في أهميتها هذا الموضوع المتخصص ، خاصة وأن تشكيل مثل هذه اللجنة يتضمن تفويضها بما يتطلبه أداء مهامها من صلاحيات ، بما فيها صلاحية تحديد الاختصاص في النظر في الشكاوى والقضايا . المشكلة أن القضايا التي تتعلق بالمؤسسات البنكية تقع بالضرورة خارج اختصاص الجهات القضائية التقليدية بما فيها ديوان المظالم أو المحكمة العامة ، وذلك يعود ببساطة إلى ذلك التباين الجذري في النظر إلى شرعية عمل المؤسسات البنكية التي تعتبرها الجهات الشرعية مؤسات ربوية . وهو ما حدى بالدولة إلى تشكيل هذه اللجنة المختصة لتكون بديلا عن تلك الجهات القضائية متخصصا في النظر في القضايا التي تتعلق بالمؤسسات البنكية . وإذا كان ما تقوله اللجنة صحيحا ، فإن الرفع إلى المقام السامي وانتظار الرد قد يستغرق فترة تزيد على ثلاثة أشهر حسب إفادة سعادة سكرتير اللجنة . وسأظل طيلة هذه الفترة مواطنا متعثرا في نظر الجهات التمويلية ، بما يعني أنني لن أستطيع شراء سيارة بالتقسيط ، أو حتى الحصول على بطاقة ائتمانية هزيلة ، ناهيك عن الإيفاء بمتطلبات وزارة المالية ونظام مشترياتها العتيد الذي يفرض إصدار ضمانات بنكية تحمي حق الدولة في كل مراحل العمل ، مع أن ذات النظام لا يحمي حق المتعاقدين مع الدولة من أي تقصير أو فساد يرتكبه أي من منسوبيها المحصنين .

الأحد، 7 أغسطس 2011

اليوم 194

أكتب هذه السطور وقد عدت للتو من أداء مناسك العمرة . وبحمد الله فقد كانت ميسرة أيما تيسيير ، إذ لم تستغرق أكثر من ساعتين اثنتين بالرغم من كل الزحام الذي يملأ جنبات الحرم المكي الشريف . التعب الذي أحس به الآن ليس من تبعات العمرة ، بل من الفترة التي قضيناها في السيارة في طريق العودة من مكة المكرمة وفي شوارع جدة التي لا يمكن وصف وضع شوارعها في هذا الازدحام إلا بالمقرف . وربما كان الوضع أكثر سوءا بالنسبة لأسرة أنهت للتو أداء مناسك العمرة وعانت زحام طريق الذهاب والعودة ولم تتناول بعد أي طعام سوى تلك التميرات التي يوزعها أهل الخير في الحرم المكي الشريف ليقعو فريسة ازدحام طرق جدة البالية . العجيب أن الفترة التي قضيناها في السيارة في جدة فقط كانت أطول وأصعب من كل رحلة العمرة . مكة المكرمة من جهة أخرى ليست أحسن حالا ، إذ فوجئت بداءة بأن الطريق كان مفتوحا لدخول سيارات المعتمرين إلى داخل مكة ، فعبرنا الطريق إلى منطقة الحرم ، وعانينا الأمرين في البحث عن موقف للسيارة . أوقفت السيارة في أحد المواقف العامة التي يديرها أفراد وافدون خصصو أرضا فضاء لهذا الغرض دون أي تجهيز أو تهيئة أو حتى تزفيت على أقل تقدير . المسافة التي قطعناها سيرا على الأقدام من الموقف إلى الحرم كانت رحلة أخرى مزعجة بالسير على أرصفة متهدمة ومليئة بالحفر وبين الهياكل الخرسانية المتناثرة التي تسد الطرقات . كم تحملنا من المخاطر في السير بين السيارات والباصات التي تملأ الطرقات في غياب أماكن مخصصة للمشاة في هذه الطرق . وصلنا إلى الحرم ، وغسلنا تلك المعاناة بمشهد الكعبة المشرفة وتلك الأحاسيس الروحانية التي ملأت صدورنا بالسكينة والوقار . المشهد الوحيد المزعج في الحرم المكي الشريف هو منظر أبراج الحرم العملاقة التي شوهت تلك الصورة الروحانية بتلك المادية المفرطة . كم أمقت هذه المتاجرة بالدين والحرم والكعبة ، خاصة عندما أتذكر أن أسعار الغرف تتفاوت بحسب زاوية الإطلالة على الحرم والكعبة . السؤال الذي أثقل صدري ولم أجد له إجابة ، ألم يكن من الأجدى أن يستقطع جزء يسير من تلك المليارات التي أنفقت على هذه المنشأة العملاقة ليصرف على تحسين الطرق والمسارات والساحات المحيطة بالحرم الشريف ، أم أن أولئك المشاة من المعتمرين البسطاء الذين لا يملكون ثمن السكن في هذه الشقق والغرف الفارهة لا يملكون الحق في السير والتنقل في بيئة منظمة وآمنة تمنحهم حقهم في الحد الأدنى من التعامل الإنساني .

السبت، 6 أغسطس 2011

اليوم 193

استلقيت على سريري في الفندق بعد أن أديت صلاة الفجر ، وراح فكري يعمل في المنافسة التي ستفتح مظاريفها هذا اليوم في الهيئة الملكية للجبيل وينبع . ومع أنها ليست المنافسة الأولى التي نشارك فيها مع هذه الهيئة ، إلا أنني كنت أحمل الكثير من الآمال فيها ربما لأنها المنافسة الأولى التي لم تشترط مشاركة مكتب عالمي فيها . وبعد نوم متقطع استيقظت بعد الظهر وأجريت اتصالاتي لمعرفة النتيجة التي لم تأت على ما كنت أشتهي . أحد المهندسين في المكتب ممن شاركو في إعداد هذا العرض ، وبذل فيه جهدا كبيرا أشكره عليه انخرط في بكاء مر عندما أبلغني بالنتيجة . وفي الحقيقة ، أكبرت فيه هذا الشعور ، وشكرته على الجهد الذي بذله ، وقلت له فيما قلت أن المهم أننا بذلنا قصارى جهدنا ، وقمنا بما يتوجب علينا القيام به لتقديم عرض يحقق معايير الكفاءة والمنافسة . وبعد ذلك فإن النتيجة لا تعدو أن تكون وفقا لما قدره الله ، خاصة وأنه ليس من ذنبنا أن هناك بعض المكاتب التي تتعمد حرق الأسعار للفوز بمثل هذه المنافسات ، وخاصة وأنا نظام المشتريات الحكومية لا زال يبحث عن أقل الأسعار بغض النظر عن جودة العروض وكفاءة المتنافسين . خرجت بعد العصر بصحبة زوجتي لأسري عن نفسي ذلك الشعور بالإحباط بنتيجة المنافسة ، وأخذتنا جولتنا إلى سوق البوادي في جدة ، وهو سوق شعبي يشابه سوق العويس في الرياض على سبيل المثال . المشهد الذي لفت نظري ، وهو مشهد مألوف بالطبع ، هو غياب أي وجود لأي سعودي في أي من محلات المركز التجارية ، وتلك السيطرة المطلقة للوافدين الذين كان معظمهم من الجنسية الهندية واليمنية . ولأن كثيرا من محلات هذا السوق كانت تبيع المستلزمات النسائية ، فقد تذكرت الأمر الملكي بإنفاذ تحويل محلات المستلزمات النسائية إلى القطاع النسائي ، وتلك المهلة المحدودة التي أتاحتها وزارة العمل لتحقيق هذا التحويل . تساءلت حينها ، كيف يمكن تحويل هذه المحلات ليتم تشغيلها من قبل فتيات سعوديات في هذه البيئة الرديئة التي يسيطر عليها الأجانب . وهل سيسمح هؤلاء الأجانب بتحقيق هذا التوجه في هذا الوكر الذي يسيطرون عليه سيطرة مطلقة . هذا المركز الذي يعد أحد أوكار التستر لا يمكن أن تنجح فيه مساعي التأنيث التي تريد الوزارة فرضها ، والنتيجة لن تكون سوى استمرار الوضع على ماهو عليه ، أو إغلاق المركز بقوة قانون وزارة العمل . وفي الحالتين فإن مساعي الوزارة في توظيف وتشغيل الفتيات السعوديات لن تجد سبيلا للنجاح بهذه الآلية التعسفية ، خاصة وأن الوزارة لم تحدد إلى الآن ماهية المستلزمات النسائية التي سيسري عليها هذا التوجه . وبالعموم ، فإن هذا التوجه يمثل أحد تخبطات الوزارة التي تضع قرارات وبرامج من برج عاجي بعيدا عن تلمس وفهم الواقع المرير ، وفي النتيجة تأتي هذه القرارات جوفاء وغير قابلة للتطبيق ، ويبقى الوضع على ماهو عليه ، وعلى المتضررات اللجوء للفيس بوك لبث شكواهم التي لا تجد لها آذانا صاغية .

الجمعة، 5 أغسطس 2011

اليوم 192

لا أعلم مطارا في الدنيا يفرض رسوما على دخول السيارات لمنطقة تحميل الركاب عند صالة الوصول مثل مطار جدة . حتى مطارات الدول الأقل ثراء مقارنة بالمملكة يسمح فيها بدخول السيارات لتحميل الركاب القادمين دون فرض مثل هذه الرسوم ، بما فيها مطارات جاكرتا وبالي والقاهرة وعمان والخرطوم وغيرها الكثير ، وأقول هذا من واقع تجربة رحلاتي العديدة لكثير من دول العالم المتحضر والأقل تحضرا . ومنذ الإعلان عن توقيع عقد تنفيذ مطار جدة الجديد ذي الميليارات السبع وعشرين والكل يتطلع إلى سرعة إنهاء هذا المشروع الحلم الذي طال الحديث حوله ، حتى ولو كان بهذه التكلفة الفلكية ، وحتى لو كان تمويله يتم برسوم الجباية التي يجري فرضها يمنة ويسرة . فالمطار الحالي هو بحق وصمة عار في جبين المملكة التي تعد ضمن أكبر عشرين اقتصادا في العالم ، فيما يمثل هذا المطار البوابة الأولى للحرمين الشريفين التي ينفذ منها الوافدون من مختلف أصقاع العالم الإسلامي ، علاوة على الوافدين في رحلات الأعمال والاقتصاد التي تقصد هذه المدينة التي كانت تعد يوما العاصمة الاقتصادية للمملكة . كل يوم أقضيه في هذه المدينة يزيدني حسرة عليها ، بدء من مطارها إلى طرقها وأحيائها ومراكزها التجارية ومبانيها العامة والخاصة . واليوم دار ذلك الحوار المتكرر مع زوجتي حول مدينة الرياض ، وكيف أن المعيشة فيها أصبحت مملة كونها مدينة للعمل فقط ، ولا محل فيها لحياة اجتماعية منفتحة ، ولا لترفيه عائلي بريء . حوارنا عقد المقارنة بين الرياض وجدة ، وما إذا كانت جدة يمكن أن تمثل بديلا للسكن عن الرياض . قلت لزوجتي العزيزة أن الرياض مع كل ما تعانيه من مشاكل ، إلا أنها تظل مكانا أفضل للسكن مقارنة بجدة . فالمقيم في جدة يعيش أشكالا من المعاناة في كل خطوة يخطوها في هذه المدينة ، وكل مكان يقصده . هذا بالإضافة إلى ما تعانيه أجهزتها الحكومية من بيروقراطية وفساد طغى على كل مكان آخر في المملكة ، وأصبح سمة من سمات هذه المدينة . هذا الوصف يبو مبالغا فيه بعض الشيء ، ومع ذلك فقد عشته من خلال تجاربي الشخصية فيها ، والمشاهد التي يعلمها ويراها الكثيرون في تجاربهم بما فيها تجارب الكوارث البيئية التي عاشتها المدينة في عامين متتاليين . انتهى الحوار إلى خلاصة مفادها أن كل جدة لا تمثل بديلا أفضل للسكن . وعلى أية حال ، فإن الخروج من مدينة مثل الرياض التي تعد أفضل المدن السعودية للسكن لا يبرره إلا الانتقال لمكان آخر في دولة أخرى . وهو ما يعد أمرا صعب التحقيق في ظل الارتباطات العائلية والاجتماعية والعملية . وإلى أن تتغير الظروف فإن علينا أن نتكيف مع نمط الحياة في مدينة الرياض ، متسلحين بالأمل في أن ترى هذه المدينة شيئا من التطوير الذي يمكن أن يجعلها مدينة قابلة للسكن الآدمي .

الخميس، 4 أغسطس 2011

اليوم 191

وصلت إلى جدة صباح اليوم بعد رحلة مضنية كان بطلها كالعادة الخطوط السعودية . الرحلة تأخرت كالعادة بسبب الهرج والمرج الذي يحصل في جلوس الركاب في مقاعدهم ، ورفض بعض السيدات الجلوس بجانب الرجال من الركاب . وأنا لا أدري لماذا لا يتم ترتيب هذا الأمر عند اختيار المقاعد وقت إصدار بطاقات صعود الطائرة ، ويترك الأمر للمضيفين ليخوضو هذه المعارك مع الركاب في محاولة لإرضاء الجميع . اكتملت القصة عند وصولنا عندما وجدنا أن إحدى الحقائب قد فقدت . ولأننا وصلنا وقت السحور فإننا لم نجد أحدا يتولى مهمة البحث عن الحقيبة . اطضطررنا لمغادرة المطار والعودة بعد صلاة الفجر لتقديم بلاغ عن الحقيبة المفقودة ، ولحسن الحظ وصلتني رسالة إل هاتفي الجوال بعد الظهر تفيد بأن الحقيبة قد وجدت ، فذهبت لاستلامها ليبلغني الموظف بأنها وصلت سالمة إلى جدة على نفس الرحلة ، وفقدت لسبب غير معلوم عند تسليم الحقائب . بعد العصر تجولت وأسرتي في شوارع جدة ، والمشهد العام للمدينة كان مزعجا بحق بين الشوراع التي تملؤها الحفر والمطبات ، والمباني العشوائية والمتهالكة ، حتى في الطرق الرئيسية التي تعد أهم طرق المدينة . تذكرت حينها الخبر الذي قرأته في الجريدة أثناء رحلة البارحة عن إعلان الوليد بن طلال عن توقيع عقد إنشاء أطول برج في العالم في هذه المدينة . السؤال الذي تبادر إلى ذهني ، ما جدوى إنشاء مثل هذا البرج في بيئة متهالكة مثل هذه التي نراها في هذه المدينة . عندما نرى مشاريع الأبراج في مدن العالم الأخرى نجد أن البيئات المحيطة بها تتناسب مع تلك المشاريع المتميزة . أما في حالة جدة ، فإن هذا المشروع سيكون غريبا ونشازا على هذه البيئة . أليس من الأجدى توجيه تلك المليارات لتحسين بيئة المدينة ليعم الرخاء كافة سكانها بدلا من أن أن تتمتع فئة محدودة بنمط حياتي مختلف عن البيئة المحيطة به . ثم أن أولئك السكان الذين سيقطنون في هذا البرج لن يكونو معزولين عن هذه البيئة . فهم بالتأكيد سيجوبون أرجاء المدينة وأسواقها وشوارعها وأحيائها ، ليجدو كم الفارق في المستوى بين هاتين البيئتين . مثل هذا المشروع لن يجد البنية التحتية المناسبة التي تخدمه ، فلا شبكة طرق جيدة ، ولا شبكة مرافق صالحة ، ولا حل بعد لمشاكل السيول والمياه والمطار وغير ذلك من متطلبات الحياة المدنية . أجزم أن هذا النمط من التطوير المعزل عن البيئة المحيطة لن يجد النجاح المأمول . ولن يعدو هذا المشروع أن يكون وسيلة لابتزاز أموال المستثمرين والمشترين ، دون أن يسهم إسهاما حقيقيا في الارتقاء ببنية المينة ، ولا في جلب الرخاء لسكانها .

الأربعاء، 3 أغسطس 2011

اليوم 190

اليوم كان مزدحما كعادة كل يوم يسبق رحلة من رحلاتي المكوكية . ورحلتي التي أستعد للإنطلاق فيها بعد قليل إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة أحاول جاهدا أن تكون خالية من ارتباطات العمل ، مع أني لا أملك عادة الانقطاع عن مثل هذه الارتباطات التي تلاحقني حيثما حللت . أكثر ما أشغلني اليوم كان إتمام دراسة عرضنا في منافسة سنتقدم إليها يوم السبت لدى الهيئة الملكية للجبيل وينبع . هذه المنافسة هي الأولى التي لا تشترط إشراك مكتب عالمي ، وأرجو أن تكون هذه بداية لمنحى جديد لدى الهيئة يتبنى قناعة بالاستشاريين المحليين . انشغلت اليوم أيضا بعرض قدمناه لإحدى الشركات العقارية لتصميم مشروع سكني في مدينة الرياض . والتعامل مع الشركات العقارية في المملكة يشوبه كثير من المصاعب والمتاعب في محاولات تطوير فكر القائمين عليها ومحاولة إخراجهم من أنماط التطوير التقليدية التي شاعت وانتشرت في المملكة ، والتي لم يقدم فيها المطورون أي جديد بعيدا عن الأشكال التقليدية المكررة من مشاريعهم السكنية والتجارية . أعتقد أننا حققنا اليوم إنجازا بارزا في كسب اهتمام القائمين على هذه الشركة بالطرح الذي قدمناه . وإن كان توقعي صحيحا ، فسوف يكون هذا المشروع اختراقة حقيقية على مستوى التطوير العقاري السكني في المملكة . المشكلة التي أثيرت اليوم في النقاش هي مشكلة المقاولين ، فمدير الشركة تساءل إن كان هناك مقاولون يملكون القدرة والكفاءة لتنفيذ مثل هذا المشروع بما يحمله من فكر جديد وأسلوب مبتكر في آليات التنفيذ التي تتبنى المعيرة والنمذجة لعناصر البناء لتحقيق خفض في التكاليف وارتقاء بجودة التنفيذ . وموطن المشكلة أن المقاولين العاملين في المملكة تجمد فكرهم وأداءهم عند أساليب البناء التقليدية ، خاصة في ظل غياب جهود استثمارية جادة لتبني أنظمة البناء الحديثة التي تشهدها أصقاع مختلفة في العالم . كل ما أرجوه أن يؤمن القائمون على هذه الشركة بهذا التوجه ، وبأنه يمكن أن يحقق أسبقية فاعلة في سوق التطوير السكني ، وبأنه سيكون مجالا لتطوير قدرات المقاولين وتعريفهم بهذه التوجهات الحديثة في البناء . وقديما قالو ، فاز باللذة الجسور .

الثلاثاء، 2 أغسطس 2011

اليوم 189

قضية إدارة مخصصات الجهات الحكومية من ميزانية الدولة قضية لا يدور حولها كثير من الحديث على مستوى التقييم والأثر الذي تحدثه على مشروعات التنمية . وأخص بالحديث على سبيل المثال لا الحصر وزارة الصحة التي عقدنا اليوم اجتماعا في المكتب لمناقشة المشكلات التي نعانيها في مشروعاتنا التي نعمل على إنجازها لهذه الوزارة . وعلى سبيل التحديد ، كنا قد وقعنا عقدا مع هذه الوزارة للإشراف على تنفيذ أحد مشروعاتها في منطقة الجوف ، وتأخر استلام الموقع لأكثر من سنة بسبب قيام الوزارة بتغيير موقع المشروع واعتراض المقاول على هذا التغيير والدخول في مفاوضات مضنية لحسم هذا الخلاف . وبعد أن حلت هذه المشكلة بدأ العمل وقمنا بتوفير فريق العمل المطلوب منذ حوالي أربعة أشهر . وطيلة فترة الانتظار كنا قد تحملنا كثيرا من الأعباء المالية بما فيها ذلك الضمان البنكي المحجوز دون جدوى ، والارتباطات التي عقدناها مع فريق العمل والجهود التي بذلناها والمصاريف التي تكبدناها للإبقاء عليهم في انتظار بدء العمل . ومنذ بدء العمل وتقديم مستخلصاتنا الشهرية ، فوجئنا بأن المخصص المالي للمشروع قد تم استخدامه للإنفاق على مشروع آخر من مشروعات الوزارة ، وعلى مدى الأربعة أشهر الماضية لم نتمكن من صرف ريال واحد من مستحقاتنا المالية في انتظار اعتماد مناقلة مالية لدعم البند المالي المخصص للمشروع . واليوم علمنا أن الوزارة تواجه عجزا ماليا يزيد على 100 مليون ريال ، وتنتظر دعم وزارة المالية لتغطية هذا العجز . وإلى أن تحل الوزارة مشاكلها مع وزارة المالية ، فإن علينا وعلى أمثالنا من المقاولين والاستشاريين أن ينفقو من جيوبهم لتغطية مصروفات المشروعات التي يعملون عليها ، دون أن يكون لهذا التمويل أي عائد تعويضي ، أو حتى شيء من التقدير المعنوي من قبل الوزارة . السؤال هنا ، هل تمارس الوزارة ذات الأسلوب مع الشركات العالمية التي تتعاقد معها ، أم أن هذا النمط في التعامل يجري مع الكيانات المحلية التي لا تملك حولا ولا قوة أمام جهاز من أجهزة الدولة ، ولا تجرء حتى على الاعتذار عن الاستمرار في أداء التزاماته التعاقدية الجائرة . وفي الحقيقة ، أنا لا أدري كيف يكتب على الشركات المحلية أن تكون ممولا للدولة التي تتمتع بفوائض مالية هائلة ، في الوقت الذي تقف البنوك التجارية موقف المتفرج من هذا الموقف دون أن تبادر حتى إلى الاستفادة من هذه الفرصة . وعلى أي حال ، فنحن وأمثالنا لا نملك سوى الصبر والتضرع إلى الله في هذا الشهر الكريم بالفرج وحلحلة مشاكل الوزارة المسكينة ، علها تتعطف علينا وعلى أمثالنا بصرف حقوقهم ، دون أن ننتظر منها جزاء ولا شكورا .

الاثنين، 1 أغسطس 2011

اليوم 188

يبدو أن شهر رمضان لهذا العام سيكون عسيرا بحق ، خاصة على أولئك الذين كتب الله عليهم العمل تحت الشمس الحارقة . ومع أن وزارة العمل أصدرت كعادتها الكريمة كل عام تحذيراتها من تشغيل العمالة بين الساعة الثانية عشرة والثالثة ظهرا ، إلا أن غياب الرقابة يمنع تفعيل مثل هذا القرار ، مثله في ذلك مثل كثير من القرارات التي تظل حبرا على ورق . وبعد ظهر اليوم احتملت حرارة الشمس وذهبت إلى البنك لإصدار بطاقة للصراف بدل تلك التي أضعتها في مطار الدوحة الأسبوع الماضي . موظفو البنك يبدو أنهم قررو التناوب على ساعات العمل ، إذ لم أجد في البنك سوى ثلاثة موظفين ليس بينهم مدير الفرع ، فيما العملاء قد ملأو صالة الفرع في انتظار خدمتهم من قبل هذا العدد المحدود من الموظفين . قررت المغادرة والعودة في وقت لاحق أو يوم آخر . وما أن غادرت الفرع حتى استوقفني رجل الأمن الذي يحرس مدخل الفرع . أصبت بالجزع متوقعا أن يوجه لي تهمة من قبيل التسلية ، ولكني فوجئت عندما قدم لي شكواه من أنه لم يتسلم مرتبه الشهري من شركة الأمن التي يعمل تحت إمرتها ، والتي تعاقد معها البنك لتوفير خدمات الأمن والحراسة لفروعه . الرجل كان يتحدث بحرقة وحسرة عن عدم تمكنه من شراء متطلبات الشهر الكريم لأسرته ، وأنه أصبح يؤثر البقاء في مقر عمله هربا من الديانة . ومع أن كل مرتبه لا يتجاوز مبلغ 1600 ريال كما قال ، إلا أنه يمثل بالنسبة له الرمق الذي يعتاش هو وأسرته به . لم أدر ما إذا كان الرجل يحاول التسول بطريقة استدرار العطف ، أم أنه توقع أنني أملك سلطة على مسئولي البنك لدفعهم إلى الضغط على الشركة لصرف مرتبه المتأخر ، أو أنه كان يبث شكواه من قبيل الفضفضة وحسب . الأكيد أنه نجح في كسب تعاطفي ولكن دون أن يكون لي حيلة في مد يد العون إليه لحل مشكلته . والأكيد أن مشكلته يعاني منها الكثيرون من أمثاله دون أن تجد مثل هذه الشركات رادعا من وزارة العمل أو أي جهة أخرى . والغريب أن هؤلاء الموظفون ، وهم سعوديون ، لا يرتادون أروقة مكاتب العمل لتقديم الشكاوى ضد جهات عملهم كما يفعل كثير من الوافدين . والأخطر أن مثل هذا الرجل وهو في مثل هذه الحال المتردية لا يمكن له أن يقوم بعمله كما يجب في حراسة مثل هذا المرفق . وأنا لا أدري في الحقيقة ما هو سبب تأخير مرتبات هؤلاء المساكين ، ولكن الخلل لا يكن أن يتجاوز أحد الطرفين ، إما الشركة التي توظفهم ، أو البنك الذي ربما لم يصرف مستحقات الشركة . وفي كلتا الحالتين فإن هؤلاء المساكين هم ضحية هذا الجشع الذي ماله من رادع ، وهم بالتأكيد من مستحقي الصدقة خاصة في هذا الشهر الكريم .