التجميل

الجمعة، 26 أغسطس 2011

اليوم 213

غريب حال الناس في هذا الشهر الكريم ، فعندما أرى ازدحام الناس في المراكز التجارية وهم يدفعون أمامهم عربات محملة بأصناف الطعام والشراب أجزم أن لا أحد منهم يخرج من بيته وقت الإفطار ، وعندما أرى ازدحامهم في المطاعم أجزم أن لا أحد يفطر في بيته . وحال المطاعم في رمضان يخلق كثيرا من الاستغراب ، ففي الوقت الذي يشتكي فيه الناس من ضيق ذات اليد وتأثيرات الأزمات المالية والتضخم ، أجد المطاعم وقد امتلأت بمرتاديها فيما أسعار وجبات الإفطار فيها تزداد غلاء عاما بعد عام . لا أتصور عائلة بحجمها التقليدي تنفق على وجبة إفطار رمضاني مبلغا يزيد على 2000 ريال في الوقت الذي يمثل هذا الرقم مجمل الدخل الشهري لعائلة أخرى في ذات المدينة . صحيح أن قدرات الناس تتفاوت تبعا لمداخيلها ، وصحيح أن الله تعالى قال في كتابه العزيز " وأما بنعمة ربك فحدث " ، ولكن هذا التفاوت الكبير والإسراف المخل أمر يثير الاستغراب والامتعاض . والغريب أن هناك أسرا ترتاد مثل هذه المطاعم مرات عديدة في الأسبوع ، فيما هم تركو الأطعمة التي اشتروها في بداية الشهر لتتعفن في مخازن وثلاجات منازلهم . عندما أنظر إلى السمات التي أصبح يحملها هذا الشهر أجدها اختصرت في أنماط اجتماعية دخيلة ما أنزل الله بها من سلطان . وأنا أتذكر تلك الأوقات الجميلة التي كنا نقضيها أيام الطفولة ، وحتى زمن قريب ، عندما كانت أسرتنا تجتمع حول مائدة الإفطار ، في مظهر اجتماعي جميل ، تتأصل فيه مشاهد صلة الرحم ، وتتوطد فيه الصلات الاجتماعية بين الأسر بأجيالها المختلفة . المشهد الذي نراه الآن في المطاعم هو أحد ضرائب المدنية الحديثة التي طغت مظاهرها على حياة الناس ، فأصبحو يعيشون حياة مليئة بالاتكالية والكسل والإنفاق المبتذل ، حتى ولو كان هذا الإنفاق سببا في تضخيم ما يشتكون منه من ضغوط مالية . زوجتي العزيزة سألتني اليوم عن أفضل استثمار يمكن أن نؤسسه كوسيلة لتحسين أحوالنا المالية فأجبتها دون تردد بأن أي نشاط في مجال الأغذية والمطاعم والمقاهي يعد استثمارا ناجحا في مثل هذا المجتمع الاتكالي المتكاسل . وربما نبدأ بداية جادة في دراسة هذه الفكرة في قابل الأيام ، إلا أن يبلغ سوء الحظ مبلغه لتتغير أهواء الناس ويعدلون عن ارتياد المطاعم .

هناك تعليق واحد:

  1. معروف الدواليبي27 أغسطس 2011 في 1:54 ص

    فكرة المدونة اليوم جميلة , ولكن ؟
    من هم مرتادوا هذه المطاعم وما دخلهم وهل يحققون نوع من البزنس معه!.
    أنت أفضل مني في الاجابة على هذا التساؤل لكونك مسافر معظم الوقت وتقضي أوقات في المطاعم في سفرك, الموضوع ليس سطحياً بل يحتاج الى تفسير لنفسيات الناس , ألم تشاهد المطعم الذي يرتفع 150 م عن سطح الأرض في جدة وقت الافطار , ألم تشاهد كيف يرتفع ! الاجابة المفاجأة : بواسطة كرين استطاعة 100 طن, وحقق الموضوع ضجة اعلامية وهو تافه ولا يستحق .
    ثانيا : أنت بالمواضيع الحياتية والمعاشية والتنموية حققت حضوراً لافتاً و ولكن ألا يستحق الموضوع السياسي ومايجري فيه في يلدان أخرى مجاورة اهتمام وتسليط ضوء ومناقشة لما يجري فيها منك لأنها تعنى بمسار البلاد نحو التطور أو التدهور .
    تحياتي

    ردحذف