التجميل

السبت، 27 أغسطس 2011

اليوم 214

جاءتني ابنتي ليلة البارحة بعدد من النشرات التي كان يتم توزيعها في أحد المراكز التجارية . تلك النشرات تضمنت مجموعة من الفتاوى التي تناولت بعضا من الموضوعات التي يدور حولها كثير من الجدل ، بما في ذلك موضوع قيادة المرأة للسيارة ، وموضوع الاختلاط في أماكن العمل والتعليم . ملامح ابنتي علتها تعبيرات الصدمة من تلك اللغة التي تضمنتها تلك النشرات ، والتي سردت عددا مما سمته المفاسد التي يمكن أن تنشأ عن تلك القضايا ، والتي يمكن أن تشكل أساسا يبرر الفتوى بتحريمها استنادا إلى مبدأ درء المفاسد . قلت لابنتي أن كل ما جاء في تلك النشرات معلوم سابقا من مضمون الحوار والجدل الذي شهدته صفحات الجرائد بين الداعين والمعارضين لهذه القضايا . وموقف المعارضين معلوم تفصيلا ، ومبرراتهم معلومة حتى ولو لم يتفق معها الكثيرون ، فلماذا هذا الاستغراب . أجابتني أن صدمتها ليست من مضمون تلك النشرات ، وإنما من اللغة التي كتبت بها ، وما حملته من تجريم واتهام بالتغريب والتسفيه لكل من وقف موقفا معارضا منهم في هذه القضايا . لم أملك إلا أن أتفق معها فيما قالته ، والمشكلة أننا مجتمع يفتقر في الغالب إلى مباديء أدب الحوار وثقافة احترام الآخر ، وكثيرا ما نلجأ إلى اتهام الآخر وتخوينه في دينه ووطنيته وأخلاقه إن لم يتفق معنا فيما نقول . هذه الحالة لا يمكن أن تؤسس لمجتمع متكاتف يضع أفراده أيديهم سوية لبنائه والرقي به ، بل إنه سينتج بالضرورة مجتمعا مفككا تتنازعه الأهواء والرؤى والقناعات الدينية والوطنية والأخلاقية وغيرها الكثير . وفي النتيجة ، يصبح المجتمع على ما نراه في حال مجتمعنا ، يعيش أفراده متلبسين بأقنعة شتى ، حتى أنك ترى الفرد في مجلس يقول ويفعل ما لا يقول ولا يفعل في مجلس آخر . هذا النمط من النفاق الاجتماعي ماهو في نظري إلا وسيلة من وسائل الدفاع عن الذات من تلك الهجمات التخوينية والعدائية التي يمكن أن يبادرك بها الطرف الآخر إن لم يتفق معك في الرأي . ووسط هذه المعمعة تصبح محاولة تنشئة جيل جديد من الأبناء بعيدا عن هذا المفهوم أمرا عسيرا ، خاصة وأن مثل تلك النشرات تطالهم قسرا حتى وإن كانو بعيدين عن خضم النقاش في تلك القضايا . وتأتي مثل تلك النشرات لا فقط لتخلق حالة من البلبة الفكرية في عقول هذا الجيل ، بل لتزيد من عمق المشكلة عبر تخريب وتشويه وسائل الحوار البناء الذي أسعى لتربيتهم عليه .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق