التجميل

الأربعاء، 30 نوفمبر 2011

اليوم 309

شهدت وزارة الصحة اليوم تجمعا أشبه ما يكون بالمظاهرة بعد أن أصدر وزير الصحة يوم أمس توجيهاته الكريمة بوقف الصرف على مشروعات الوزارة إلى ما بعد صدور الميزانية السنوية للدولة ، وهو ما أدى إلى تجمهر عدد كبير من المقاولين والمتعهدين في مشروعات الوزارة امتعاضا من هذا القرار الذي سيحرمهم من الحصول على مستحقاتهم لمدة قد تطول حتى الشهرين . المعتاد في كل عام أن يتوقف الصرف قبل أسبوع واحد أو أسبوعين على الأكثر من نهاية السنة المالية ، ولكن الوزير آثر أن يسبق بقية أجهزة الدولة هذا العام عل هذا السبق يحسب ضمن سجل إنجازات الوزارة . التسريبات التي شاعت بين المتجمهرين اليوم حملت معلومات عن أن الوزارة استهلكت كل مخصصاتها المالية في ميزانية هذا العام ولم تتمكن من الحصول على تعزيزات من وزارة المالية لتمويل مشروعاتها الجاري تنفيذها والعمل عليها ، وهو ما ينسجم مع ما سمعته من مدير الشئون المالية بالوزارة قبل أكثر من شهر من أن الوزارة تعاني عجزا يزيد على المائة مليون ريال . وبما أن وزارة المالية تملك مفاتيح الخزانة وتتحكم في ما تصرفه أجهزة الدولة فإن وزير الصحة المسكين لم يجد أمامه سبيلا إلا انتظار مخصصات العام القادم ليتمكن من أداء التزامات وزارته لهؤلاء المقاولين . استهلاك مخصصات الوزارة لهذا العام يدل على كثافة الأعمال التي تقوم بها الوزارة ، وتسارع العمل في مشروعاتها ، وهو ما يتعارض مع واقع الحال في الكثير من مشروعاتها ، إذ أن هذه الوزارة تعد أحد أكثر الجهات الحكومية تقدما في سجل المشروعات المتعثرة ، وهو ما يثير بالتالي تساؤلا عن النضوب المبكر لميزانية الوزارة ، وأين ذهبت كل تلك الأموال . المشكلة أن أيا من أولئك المقاولين والمتعهدين لا يملك أن يوقف العمل مقابل توقف الوزارة عن الصرف ، وعليهم أن يستمرو في تمويل مشاريعهم من مصادرهم الخاصة ، خاصة وأن البنوك التجارية أغلقت خزائنها وبالغت في التحفظ في تمويل مشروعات التنمية . أنا لا أدري كيف يتصور هذا الوزير وأي وزير آخر ، بمن فيهم وزير المالية ، أن تقوم المؤسسات والشركات الخاصة بدور الممول لمشروعات الدولة ، وهو تمويل يأتي على وجه القرض الحسن الذي لا يقابله أي تعويض أو أرباح . وفي المقابل ، فإن أي تأخير في سير العمل يواجه بحزم باستقطاعات وغرامات وإجراءات أخرى صارمة ، ولا يقدر للمقاولين تحملهم لتقصير الجهات الحكومية في أداء التزاماتهم التعاقدية . وإلى أن تؤمن وزارة المالية بحتمية البدء في تبني تطبيق عقود متوازنة في تنفيذ المشاريع ، والاسترشاد بعقود فيديك الدولية ، سنظل نعاني من ظاهرة تعثر المشروعات الحكومية ، وستظل الطاسة ضائعة بين سلطات الوزراء ومعاناة المقاولين .

الثلاثاء، 29 نوفمبر 2011

اليوم 308

ليلة البارحة التقيت عددا من الأصدقاء الذين اتفقت وإياهم على تجديد اللقاء بين الفينة والفينة بعد أن فرقتنا لفترة طويلة مشاغل الحياة ومشاكلها . أصدقائي هؤلاء جمعتني وإياهم بداية حياتنا العملية منذ أكثر من عشرين عاما ، وحملت تلك الفترة لكل منا تجارب مختلفة بعد أن اختار كل منا طريقه في الحياة ، فمنا من آثر البقاء في الوظيفة الحكومية ، ومنا من اختار الانتقال للعمل في القطاع الخاص ، ومنا من قرر خوض غمار العمل الحر . وككل البشر ، فإن كلا منا يحمل أفكاره ونظرته الخاصة للأمور ، وهي تباينات لم تكن أبدا لتزرع الفرقة بيننا ، أو لتمحو ودا تأصل بيننا على مر السنين . ليلة البارحة خضت وأصدقائي هؤلاء حوارا حادا حول موضوع كثيرا ما أشغل فكري وأثار في نفسي سؤالا لم أجد له جوابا ، وهو سؤال طرحته عليهم في لقاء الأمس راجيا أن أجد لدى أحدهم الجواب الشافي . السؤال هو ، هل يوجد أحد من الناس يملك القدرة على التمسك بمبادئه مهما واجه من مغريات ، أو بمعنى آخر ، هل يوجد إنسان ليس له ثمن . تلقيت منهم إجابات وآراء متفاوتة بين التفاؤل المطلق والتشاؤم المريع ، حتى أني ازددت حيرة على حيرتي بما سمعته منهم . بعضهم ساق أمثلة لأشخاص تمكنو من مقاومة مغريات مادية وتمسكو بمواقف صلبة أمامها ، فتساءلت إن كانت المغريات أقل من الثمن الذي كان يمكن لأولئك قبوله مقابل تليين مواقفهم . أنا لا أتحدث هنا عن الحالات التي يقبل فيها المرء التنازل عن مبادئه مضطرا تحت طائلة التهديد أو الابتزاز ، فهذه الحالة تقع في حكم قول الله تعالى "إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان" . مضيفنا تحدث عن رجل ممن يوصفون بالمعارضة السياسية يقيم في القاهرة ويدير قناة فضائية يذيع عبرها برامج وأحاديث يفضفض بها عن حال البلد والفساد الإداري والسياسي وسقطات الأمراء والمسئولين . أنا لم أسمع أبدا عن هذه القناة ، ولكنني فهمت من حديثه أن هذا الرجل أطلقها بعد أن فشل في الحصول على دعم مادي من الدولة لقناة أخرى كانت يديرها من داخل البلاد . تساءلت حينها عما لو كان هذا الرجل سيعمد إلى إنشاء هذه القناة المعارضة لو حصل على ذلك الدعم الذي كان يريده ، وهل أنه كان سيتغاضى عن هذا الفساد الذي فرغ نفسه لنبشه ونشره على الملأ لو أنه حقق مراده في ذلك الحين . أنا لم أجد فارقا بين من يبيع مبادئه للحصول على مكاسب مادية مباشرة أو غير مباشرة ، وبين من يرفع راية الصلاح وكشف الفساد في مواجهة من لم يقدم له ما يريده من مكاسب مادية مباشرة أو غير مباشرة . فكلاهما في نظري فاسد ، بل إنني أجد الصنف الثاني أكثر فسادا ممن يحاول كشفهم من الفاسدين . ومن يمكن شراؤه بشيء من فتات الدنيا لا يمكن أن يكون محل ثقة ولا يحمل أية مصداقية ، حتى لو لبس ثوب الدين واستخدم تعليم وتلاوة القرآن الكريم وسيلة للوصول إلى قلوب الناس .

الاثنين، 28 نوفمبر 2011

اليوم 307

وصلت إلى منزلي قبل قليل وأشعلت جهاز التلفاز على قناة العربية لمتابعة مستجدات الأحداث في عالمنا بعد يوم مليء بالمشاغل والأحداث . القناة كانت تعرض تغطية للانتخابات التشريعية في مصر ، ورأيت على الشاشة عنوانا عريضا بدا لي كما لو أنه يقول "مصر تنتحب" . أصابتني هزة من الخوف إذ خشيت أن تكون الانتخابات شهدت أحداثا دامية خشي منها الكثيرون بعد أسبوع من المظاهرات والمليونيات التي أوقعت كثيرا من الضحايا بين قتيل وجريح ، وهو ما دفعني حينها للتساؤل عن المستفيد من هذه الأحداث الهوجاء في الوقت الذي يترقب فيه الشعب هذه الانتخابات التي تمثل خطوة مهمة في مسيرة إصلاح الأوضاع وتهدئة الأمور في هذا البلد الذي عانى الكثير منذ نجاح ثورته التي أسقطت النظام البائد . بعد لحظات تبين لي أن عيني أخطأتا ما رأيته على الشاشة ، وأن العنوان كان "مصر تنتخب" وليس كما ظننته لأول وهلة . حمدت الله وزدته حمدا بعد أن تابعت التغطية ورأيت كم الإقبال الكثيف على هذه الانتخابات بالرغم من كل دعوات المقاطعة التي كانت تبثها بعض الفئات المغرضة . والحقيقة أن نجاح هذه الانتخابات يعد إنجازا يحتسب لهذا الشعب في حد ذاته ، بغض النظر عن التركيبة التي ستنتجها ، والسيطرة المتوقعة للأحزاب الدينية استنادا إلى مشاهدات نتائج الانتخابات الأخرى في تونس والمغرب ، والتي أنتجت سيطرة بارزة للأحزاب والمجموعات الدينية . أنا لم أستطع أبدا أن أفهم سبب المخاوف من تبعات سيطرة هذه الأحزاب ، فالمفترض أن تكون الخلفية الدينية سببا للثقة في أداء مؤسسات الدولة ، انطلاقا من قناعة بسماحة الدين الإسلامي وتكامله وانسجامه وملائمته لحياة الشعوب في كل الأزمان . ولكن المشكلة أن كثيرا من الأحزاب والفئات تستخدم الدين سبيلا للوصول إلى السلطة ، إلى الحد الذي يصبح فيه الدين وسيلة قابلة للتطويع والتشكيل ليكون أكثر قبولا من شريحة أكبر من الناس . وهو في رأيي ما يفقد الناس الثقة في هذه الأحزاب ، إذ أن من يتجاوز مباديء الدين سعيا للسلطة فإنه يكون أهلا لتجاوز أية مباديء أخلاقية أو مهنية لتحقيق مصالحه الخاصة . الجميل في الممارسة الديموقراطية أن التجربة هي وسيلة لتقييم الأداء ، وأن أي خلل في الأداء لن يكون دائما إذ أن الدورات الانتخابية القادمة ستعكس مواقف الناس من هذا الأداء لتصحح قراراتهم في اختيار ممثليهم . والمهم الآن كما قلت أن تنجح التجربة الانتخابية في حد ذاتها كممارسة ديموقراطية ، لتؤسس مناخا ونظاما دائما يأخذ حقه في النضج عن طريق الممارسة الفاعلة والحكيمة ، وأرجو ألا يأتي يوم الذي ينتحب فيه أي بلد عربي بعد هذا الربيع العربي الذي خلقوه بأيديهم ودمائهم .

الأحد، 27 نوفمبر 2011

اليوم 306

لجنة المكاتب الاستشارية في غرفة الرياض التي أنتمي إلى عضويتها تعاملت مع حالة من حالات الاختراق التي تمارسها الكيانات الأجنبية المرخصة من هيئة الاستثمار ، حيث قامت إحدى الشركات الأجنبية المرخصة في مجال مقاولات المشروعات الصناعية بتسويق خدماتها في مجال إعداد الدراسات دون أن تحصل على ترخيص لهذا الغرض . اللجنة انبرت للدفاع عن أصحاب القطاع في وجه هذه المنافسة غير النظامية ، وخاطبت الشركة بالاعتراض على هذه الممارسة . الشركة ردت بالاعتذار موضحة بأنها لا تقدم الدراسات للعملاء سوى في المشاريع التي تعمل عليها الشركة ضمن نطاق اختصاصها ، وهو ما رأت فيه اللجنة تأكيدا لاختراق الشركة لحدود اختصاصها المرخص لها بالعمل فيه ، فطلبت الاجتماع بأحد المسئولين في الشركة لمناقشة هذه المخالفة . واليوم انعقد اجتماع اللجنة وحضر ممثل الشركة للدفاع عن موقف شركته ، في حين تغيب عضو اللجنة الذي كان مسئولا عن هذا الملف ، فاقترحت أن يتم ترتيب اجتماع خاص خارج جدول اجتماعات اللجنة لمناقشة هذا الموضوع . اعتذرنا من الرجل الذي بادر بالمغادرة ، فطلبت منه تبادل بطاقات العمل مع الأعضاء الحاضرين ، فقام بتوزيع بطاقاته علينا . بعد أن غادر الرجل نظرت إلى البطاقة فسجلت عليها ملاحظة لا يمكن تفسيرها إلا بأنها تعبر عن كم الصفاقة والوقاحة والاستخفاف الذي تتعامل به الشركة مع اللجنة . فالبطاقة التي كانت تتضمن الخدمات التي تقدمها الشركة أشارت بالنص إلى نشاط الدراسات الاقتصادية ، وهو البند الذي قام ممثل الشركة بتغطيته بمادة مزيلة للحبر بشكل فاشل لم يفلح في إخفاء هذا البند . نبهت الحضور إلى هذه الملاحظة ، واعتبرنا جميعا أنها تمثل اعترافا من الشركة ومندوبها الهمام بطبيعة المخالفة ، وإلا لما تعمد إخفاءها عن أعين أعضاء اللجنة بهذا الشكل المبتذل . هذه الشركة وغيرها الكثير من الشركات الأجنبية التي وجدت طريقها إلى سوق العمل في المملكة بمساندة وحماية هيئة الاستثمار لا تتورع عن مثل هذه الممارسات ، ولا عن المنافسة غير الشريفة التي تسود سوق العمل . وكنت قد عشت حالة مماثلة من شركة مقاولات أجنبية أخرى قدمت عرضا لخدمات هندسية دون أن تحمل الترخيص الذي يخولها القيام بهذا العمل . وبين الدور المهيمن والمخل الذي تمارسه هيئة الاستثمار والنوم في العسل الذي نشهده من وزارة التجارة أصبح المجال مفتوحا لهذه الشركات الأجنبية لكي ترتع في سوقنا دون حسيب أو رقيب . كل ما أرجوه الآن أن تتمكن اللجنة فعلا من الوقوف بحزم في وجه هذه الشركة ، علها تجعل منها عبرة لغيرها من الشركات التي تملأ السوق وتقوم بهذه التجاوزات ، وعلها تنبه القيادة إلى هذا الخلل الذي تتحمل مسئوليته باقتدار هيئة الاستثمار ووزارة التجارة .

السبت، 26 نوفمبر 2011

اليوم 305

اليوم هو أول أيام العام الهجري الجديد ، وأرجو أن يكتب الله لنا جميعا فيه خيرا وفيرا على كل الأصعدة . ومنذ يوم أمس تلقيت عددا كبيرا من الرسائل الهاتفية التي كان معظمها يبث التهنئة بالعام الجديد ، بينما احتوى عدد قليل منها على مواقف سلبية من هذه المناسبة ، ناقلة فتاوى بعدم جواز تبادل التهنئة بالعام الجديد كونه لا يمثل عيدا دينيا كما هو الحال في عيدي الفطر والأضحى المباركين . أتعجب كثيرا من مثل هذه المواقف التي تقف في طريق أي شعور بالفرح وأية رغبة بالتواصل مع الآخرين ، وتجرم أي مبادرات في هذا الاتجاه . أنا لا أدعو إلى حشد الاحتفالات بهذه المناسبة أو أية مناسبة أخرى بخلاف العيدين ، ولكنني لا أجد غضاضة في إشاعة التهنئة والدعوة بالخير المديد في مثل هذه المناسبات . لماذا لا تصاحب هذه المناسبات أنشطة تعليمية وتربوية تؤرخ لها وتبرز موقعها الصحيح لدى المجتمع الإسلامي ، وتضعها في موقعها الصحيح كمناسبة سنوية بعيدا عن تلبيسها ثوب الدين . التاريخ الهجري مناسبة أجدها ملائمة لتجديد المعرفة والحديث عن هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأثرها في نشأة ومسيرة الدولة الإسلامية الأولى . أعلم أن هذا التاريخ ليس هو تاريخ الهجرة النبوية ، ولكنه يمثل بداية للعام الهجري ويحمل فرصة مناسبة لتعريف النشأ والطلاب في المدارس بهذا الحدث التاريخي . نحن نبالغ كثيرا في الخشية من تقديس المناسبات ، ونحرم أنفسنا بالتالي من أن نعيش مشاعر الفرح والزهو بمثل هذا الحدث الذي سجله التاريخ بداية لتقويم الدولة الإسلامية . قبل قليل حضرت اجتماعا مع أحد العملاء ، وبادرت أول ما التقيت به بالسلام وتقديم التهنئة متنميا له عودا حميدا بمناسبة عيد الأضحى والعام الهجري الجديد . الرجل بادرني بالاعتراض على مضمون هذه التهنئة ، وقال إنه لا يجوز الخلط بين هاتين المناسبتين استنادا إلى الفارق الشاسع بينهما . استغربت منه ردة الفعل هذه ، فأنا لم أفعل فعلا مشينا ، ولم أتجاوز حدود الأدب واللياقة بأن تمنيت له عاما مليئا بالخير والنجاح . مثل هذه المواقف هي التي توقع الفرقة بين الناس ، وتبتر كل سبل التواصل والتفاعل بينهم . ولأنني لا أؤمن بالانسياق وراء مثل هذه الفتاوى التي أجدها تنافي العقل والمنطق ، فإنني سأظل مبادرا في كل مناسبة بالدعوة للناس بالخير ، ولكل قراء هذه المدونة أقول ، كل عام وأنتم جميعا بخير .

الجمعة، 25 نوفمبر 2011

اليوم 304

وصلت قبل قليل إلى الرياض قادما من البحرين ، ولازالت تلك المشاهد التي رأيتها هناك ليلة البارحة عالقة في ذهني . بعد أن عدت إلى غرفتي في الفندق يوم أمس بعد إنهاء أعمال المؤتمر الذي حضرته ، وبعد أن كتبت سطور يوم أمس في هذه المدونة ، خرجت باحثا عن أحد المطاعم لتناول طعام العشاء ، وقادتني رحلة البحث إلى شارع المعارض في مدينة المنامة . خيل لي مما رأيته هناك أنني أمام مقر السفارة السعودية في البحرين ، إذ رأيت عددا كبيرا من السعوديين في تلك المنطقة التي تعج بالفنادق والبارات والمراقص . في تلك المنطقة لم تكن هناك أية ملامح للتوتر الذي تعيشه البحرين خاصة بعد ردة الفعل تجاه تقرير لجنة تقصي الحقائق ، فكان المرح والمجون سيد الموقف ، والسعوديون هم الغالبية الساحقة بين أولئك الرجال الذين كانو يصطفون أمام الحانات ، فيما فتيات الليل من مختلف الجنسيات العربية والأجنبية يتقاطرن لاصطياد أولئك الزبائن . لا أدري هل أعيب هذا البلد الذي فتح أبوابه لهذا المجون بحثا عن موارد مالية من هذه السياحة ، أم أعيب شبابنا الذين باتو روادا في هذا المجال . المشكلة أنهم لم يكونو جميعا من الشباب ، بل إنني رأيت بينهم شيبانا كبارا في السن تعلو هاماتهم ملامح الشيب وبياض الشعر ، وهم يتأبطون أذرع فتيات في عمر بناتهن وهم يترنحون من أثر السكر . ابتعدت عن هذه المنطقة هاربا من هذا الجو الموبوء ، وتذكرت ذلك الأخ الذي رافقني في رحلتي البرية إلى البحرين قبل يومين ، والذي كان يصب جام نقده وسخريته من دول الخليج واعتمادها على هذا النمط من تسويق الدعارة وسياحة ترفيه الشباب الباحث عن المجون . شبابنا السعودي هم زبائن هذه السياحة الماجنة ، وهم من حقق الرواج لهذه التجارة . فهل نعيب على من سوق هذه البضاعة أم على من اشتراها وسعى إليها . المشكلة أن هذه الممارسة أصبحت سمة للسعوديين في كثير من البلدان ، حتى أن بعض الفنادق المحترمة تتحرج من استقبال السعوديين خوفا من الأجواء التي يشيعونها ويبحثون عنها . البحرين مثلها مثل أية دولة تتيح المجال لكل أنواع السياحة المحترم منها والماجن ، والعيب هو في من يبحث عن هذه السياحة الماجنة ، وليس فقط في من يعرضها . فهل لنا أن نقيم مواطن الخلل في ذواتنا قبل أن نطال الآخرين بالنقد والاتهام والتجريح .

الخميس، 24 نوفمبر 2011

اليوم 303

أنهيت قبل قليل في البحرين يوما طويلا من مشاركة في مؤتمر عن الإسكان ، وهو بحق أحد أفضل المؤتمرات التي حضرتها من حيث التنظيم والمحتوى ونوعية المتحدثين . عندما دخلت إلى غرفتي في الفندق الذي أقيم فيه أشعلت التلفاز فوجدت قناة الجزيرة تعرض برنامجا عن مدينة حيفا الفلسطينية ومعاناتها من حملات التهويد والتغريب التي تمارسها السلطات الصهيونية لمحو أية ملامح للهوية العربية من عمران تلك المدينة . المتحدثون من تلك المدينة البائسة قالو أن اليهود كانو يتعمدون هدم المباني القديمة من مدارس ومساكن وأسواق ، ويعمدون إلى بناء أبراج مكانها على النمط الغربي الحديث بواجهات زجاجية ومعدنية وأشكال غريبة وناشزة عن الهوية المحلية القديمة . الصور والمشاهد التي كان رأيتها مع هذا الحديث جعلتني أظن أنني أرى صورا لأبراج في دبي أو البحرين أو قطر أو حتى الرياض التي تعيش حاليا هجمة من بناء الأبراج الزجاجية الشاهقة ، وهو ما جعلني أتحسر على هوية مدننا العربية والخليجية التي محوناها بأيدينا وليس بأيدي اليهود الغاصبين في فلسطين المحتلة . كم هي مجنونة تلك الفكرة التي اجتاحتني ، ربما يكون هذا الواقع هو شكل من أشكال الاحتلال غير المباشر لمدننا العربية والخليجية ، وربما يكون أحد وسائل التهيئة السابقة للاحتلال ، حتى عندما تجتاح مدننا تلك القوات الصهيونية الغاصبة تكون مدننا قد لبست ثوب التغريب والتهويد بشكل مسبق ، فتريح اليهود من بذل أي جهد في هذا المضمار ، ويكونون قد فعلو ما يريدون بأموال العرب والخليجيين وبإرادتهم المحضة . كم شعرت بالخجل وأنا أستمع إلى أولئك الفلسطينيين وهم يبكون على مدينتهم المسلوبة وهويتها المشوهة بأيدي اليهود ، بينما نحن نشوه مدننا بأيدينا وأموالنا وإرادتنا المحضة . أنا لا أبريء نفسي من هذه الحالة ، فأنا أيضا ساهمت كغيري في تصميم مشاريع تلبس أقنعة الغرب والعباءات الزجاجية ، ولكنني بدأت أشعر بالمرض من طغيان هذا النمط المعماري المبتذل في كل مكان أذهب إليه في دول الخليج ، حتى أنه غزانا في مدننا السعودية . تذكرت مقالا قرأته قبل عدة أيام عن مؤتمر التراث العمراني الذي انعقد في جدة في الأسبوع الماضي ، حيث سخر الكاتب من تنظيم فعاليات مثل هذا المؤتمر في فنادق ومراكز تجارية حديثة الطراز في تضارب صارخ مع موضوع الحدث ، بينما كان الأولى تنظيمها في وسط جدة التاريخي وغيره من المواقع التراثية القديمة . وعلى أية حال ، أنا لا أظن أحدا يهتم بقضية الهوية ومسألة التعبير عنها ، وكل ما نراه من مؤتمرات وفعاليات تتناولها لا يعدو أن تكون شيئا من قبيل رفع العتب والتوظيف التجاري لموضوع يمس مشاعر الناس وضمائرهم الوطنية .

الأربعاء، 23 نوفمبر 2011

اليوم 302

أنا الآن في البحرين التي وصلت إليها قبل قليل قادما من الأحساء التي غادرت إليها صباح اليوم أيضا لحضور اجتماع لإحدى اللجان التي أشارك في عضويتها محاولا بذل شيء من الجهد في بعض أشكال العمل العام . على طول الطريق بين الأحساء والبحرين كنت أتلقى رسائل متتابعة على هاتفي الجوال حول نتائج أعمال اللجنة التي شكلها ملك البحرين لتقصي الحقائق حول الأحداث الهوجاء التي شهدتها البحرين ضمن أجواء الربيع العربي ، وهو ما أصابني بشيء من الخوف من أثر هذه النتائج على الأجواء في هذا البلد الذي أتوجه إليه خشية أن أنتهي حبيسا في غرفة الفندق . عبرت الجسر لأجد أن مخاوفي لم يكن لها مبرر ، فكل شيء على مايرام ، ولا ملامح لأي توتر في الأجواء ، اللهم إلا من بعض سيارات الشرطة والأمن التي كانت تراقب الطرق . ربما يكون للنتائج التي أعلنت عنها اللجنة دور في هذا الهدوء ، وهي النتائج التي صيغت بعناية بغرض التهدئة ، فأشركت الجميع في المسئولية عما حصل ، حتى أنها اتهمت الأمن بالإفراط في استخدام القوة ضد المحتجين ، وبرأت إيران من تهمة التواطؤ كما برأت قوات درع الجزيرة من تهمة التورط في أعمال العنف . وإذا كان التقرير قد صيغ بهذه النتيجة بهدف تهدئة الأوضاع فهو أمر يحمد لأعضاء هذه اللجنة ، إذ أن أهل هذا البلد لا يستحقون هذه العاصفة التي كادت أن تدمر مقدرات بنوها على مدى سنوات طوال كانو فيها السباقين في الوسط الخليجي في مسيرة التمدن والتطور . عندما وصلت إلى الفندق أشعلت جهاز التلفاز لأجد أن اليمن أيضا قد خطا خطوة في طريق التهدئة بعد توقيع الرئيس اليمني على المبادرة الخليجية في الرياض بعد أشهر من الملاوعة والمماطلة التي مارسها ببراعة منقطعة النظير . ومع أن الرئيس اليمني ، الذي يمكن أن يقال عنه الآن أنه الرئيس السابق ، كاد أن يفسد هذا الحدث بكلمته التي ألقاها بعد التوقيع ، إلا أن الأمر انتهى على خير ، ويبقى الآن تنفيذ هذه المبادرة حتى يجد هذا البلد أيضا الأمان والتنمية التي يرومها . في الطريق إلى البحرين رافقني أحد الإخوة السعوديين من أعضاء إحدى اللجان الوطنية . وطيلة الطريق لاحظت أنه يتحدث عن دبي وقطر ومجمل دول الخليج بلغة مليئة بالتحامل والتبكيت ، ويصف حكامها ، وخاصة حاكم دبي ، بصفات مهينة ، وهي ذات اللغة التي نسمعها من بعض المسئولين الذين يجنحون إلى تشويه صورة منجزات دبي وبقية دول الخليج التنموية عبر إبراز مساوئها الاجتماعية والأخلاقية واتهامها بأنها قامت على تسويق الدعارة وغسيل الأموال . ومع أني آثرت الصمت على الدخول في جدل بيزنطي حول هذا الطرح ، إلا أنني لم أتمالك نفسي في النهاية ، وقلت له أنه بالرغم من احتمال صحة هذه الاتهامات ، إلا أن دبي على الأقل نجحت في إدارة ما تحقق لها من موارد مالية ، بغض النظر عن مصادرها ، لتحقق نجاحا مشهودا في بناء مدينة حديثة تتمتع ببنية تحتية وخدمية مميزة . وفي المقابل ، فإن المملكة التي تملك موارد جمة لا زالت تعاني الأمرين من سوء إدارة هذه الموارد وقصور حاد في تأسيس البنى التحتية للمدن ، خاصة في هذا الوقت الذي بتنا نسمع فيه عن كوارث هنا وهناك ، بما فيها حرائق المدارس وحوادث الطرق والسيول وغيرها الكثير . الغاية لا تبرر الوسيلة دائما ، ولكن التاريخ لن يذكر لدبي كيف حصلت على أموالها ، بل إنه سيذكر لها ما حققته على أرض الواقع . وهذا الأسلوب من تبرير الفشل عبر تحقير منجزات الآخرين لن يحقق لنا النجاح والرقي الذي نحلم به ونتطلع إليه .

الثلاثاء، 22 نوفمبر 2011

اليوم 301

أجزم أن العمل المهني هو أصعب أنواع العمل خاصة في بلد مثل المملكة ، والسبب أن لا وسيلة لقياس الأداء بسبب غياب المرجعية المهنية من جهة ، وغياب الوعي وسطوة الجهل لدى العملاء بقيمة العمل وكم الجهد المبذول فيه . ومن منطلق التحيز أقول أيضا أن العمل الهندسي هو أصعب أنواع العمل المهني كونه يستنزف أشكالا متعددة من القدرات الذهنية والبدنية إضافة إلى الموارد المادية والتجهيزات التقنية ، علاوة على كونه المجال الأكثر استباحة من غير المتخصصين فيه ، إذ أن الكل يعتقد أنه أصبح خبيرا هندسيا لمجرد أنه بنى منزله أو خاض تجربة مع مهندس أو مقاول . هذا السبب وعدد آخر من الأسباب دفعتنا في المكتب إلى اتخاذ قرار استراتيجي بالامتناع عن العمل على مشاريع الأفراد والتركيز على العملاء ذوي الصفة المؤسسية ، وهم في هذه الفترة منحصرون في مؤسسات القطاع الحكومي في ظل تعثر وتوقف الكثير من مشاريع القطاع الخاص إبان الأزمة المالية العالمية . ومع ذلك ، فإننا نقبل أحيانا بعضا من تلك المشروعات الصغيرة إما لخصوصيتها وما تحمله من متعة ، وإما رغبة في تصحيح خطأ ما كما هو الأمر في حالة جارتنا الطيبة ، وإما خدمة لشخص ذو مكانة نحمل لها التقدير والعرفان . ومنذ فترة ونحن نعمل على مشروع لمنزل صغير لعميل من الصنف الثالث ، وتحملنا لأجله صنوفا من المعاناة نتيجة كم التغييرات والتعديلات التي كان يطلبها على المشروع أو تفرضها مفاجآت الموقع وظروف العمل . اليوم وصلت مع هذا العميل إلى حالة غريبة من المواجهة ، فهو في لحظة واحدة تجاهل أو نسي كل ما بذلناه من جهد لخدمته وإنهاء مشروعه العاجل على حساب أعمالنا الأخرى الأكثر أهمية وجدوى ، ووجدته يحملنا المسئولية عن خطأ لا نتحمل عنه أية مسئولية . فمقاول المشروع قام بتنفيذ أعمال لم نأذن له بها ، فظهر أنها مخالفة لمتطلبات التنفيذ ، ويلزم إزالتها وإعادة تنفيذها بالشكل الصحيح . المقاول قام بتقديم مطالبة عن قيمة هذه الأعمال ، ونحن بالطبع رفضنا اعتماد هذه المطالبة غير المبررة كونه يتحمل المسئولية عن تنفيذ أعمال دون اعتماد مسبق من استشاري المشروع . ومقابل ذلك قام المالك بتحميلنا المسئولية عن هذه الأعمال وطالبنا بتحمل تلك القيمة التي طالب بها المقاول . وعلى مدى ثلاث ساعات من وقت ثمين لا يتحمل المالك قيمته بالطبع خضنا جدلا حاميا حول قضية المسئولية عن هذا الخطأ ، ووجدنا إصرار غريبا من المالك على أن نعترف بالخطأ بالرغم من كل التفسيرات والتبريرات القانونية والفنية التي سقناها . في النهاية توصلنا إلى معالجة للمشكلة دون أن نتمكن من إقناعه بصحة موقفنا ، وختمت حديثي بالقول بأننا لم نقبل العمل على هذ المشروع بحثا عن ربح أو مكسب مادي ، بل رغبة في خدمة عميل نكن له كل التقدير ، وهو قول لم يعجبه بالرغم من مدلوله الإيجابي . كم هو محبط أن يحاسب المرء على خطأ غيره في الوقت الذي تسقط هباء كل النجاحات والجهود التي بذلها ، فمتى يتوب الله علينا من هكذا عمل وهكذا عملاء .

الاثنين، 21 نوفمبر 2011

اليوم 300

نحن أمة لا تتحرك لإصلاح شئونها إلا بعد الكوارث ، وبغيرها تطغى حالة عامة دائمة من التراخي والتجاهل للمشاكل حتى تقع الفأس في الرأس كما يقال . هذا الواقع يسري على كل أشكال التصرفات في حياتنا ومن كل الناس بمختلف أعمارهم وأجناسهم ومناصبهم واختصاصاتهم ، واليوم رأيت وشهدت أمثلة متعددة لهذا النمط من الحياة وفق ردود الأفعال . تلقيت أولا رسالة على هاتفي الجوال تتضمن نبأ قيام أمير المنطقة الشرقية بتشكيل لجنة لمعاينة وفحص مدارس البنات في المنطقة والتأكد من توفيرها وسائل السلامة من الحرائق ، وهو تحرك جاء تاليا لخبر حريق مدرسة جدة وليس نابعا من مبادرة ذاتية لتلمس المشاكل تمهيدا لحلها . وتلقيت ثانيا رسالة أخرى تتضمن نبأ قيام أمير منطقة حائل بتشكيل لجنة أخرى لدراسة إمكانية إسكان الطالبات اللائي يتنقلن من القرى إلى المدن بعد حادثة حافلة الطالبات التي أودت بحياة اثنتي عشرة طالبة يوم أمس ، وكأن المشكلة لم تكن قائمة قبل أن تدفع أولئك الفتيات زهرة أعمارهن ثمنا فادحا لإبراز المشكلة . الأخبار تتضمن يوميا مثل هذه القرارات واللجان التي تتشكل كردود أفعال على حوادث ومصائب وكوارث تقع هنا أو هناك ، والمشكلة أن الأمر يتوقف في الغالب عند هذه القرارات ، وتنتهي تلك الدراسات والتوصيات الصادرة من تلك اللجان إلأى رفوف البيروقراطية ليبقى الوضع على ما هو عليه . هذه ليست المرة الأولى التي يحترق فيها مبنى مدرسة أو يقع حادث مروري لحافلة تنقل معلمات أو طالبات ، وكل اللجان التي تم تشكيلها سابقا لم تفض إلى معالجة تلك المشاكل معالجة جذرية . مساء اليوم وصلت إلى منزلي لأجد الجميع قد غادرو في زيارة عائلية ، ولم يبق في المنزل إلا ابني الأصغر الذي يبلغ من العمر اثني عشر عاما . فوجئت بأن كل أنوار المنزل مضاءة وكأن به حفل زفاف . ناديت على ابني وسألته لماذا كل هذه الأنوار مضاءة هكذا ، فأجابني بأنه ليس هو من أشعلها . قلت له صحيح أنك لست مسئولا عن إشعالها ، ولكن لماذا بقيت متفرجا على هذا الهدر دون أن تبادر إلى معالجته بإطفائها . ألقيت عليه درسا مكثفا في المبادرة لمعالجة المشاكل ، وذكرته بأن أدنى درجات الإيمان هي إماطة الأذى عن الطريق . المشكلة أن المدارس لا تغرس في الأبناء مثل هذه المثل في ظل غياب الجانب التربوي في الدور الذي تقوم به . وفي النتيجة ينشأ جيل كامل دون أن يتسلح بهذه المثل والمباديء ، خاصة وهو يرى أمام أعينه هذه الأمثلة الصارخة من الممارسات التي ترسخ في قناعته ثقافة التراخي وغياب المبادرة حتى تقع الكوارث .

الأحد، 20 نوفمبر 2011

اليوم 299

مفهوم القيمة هو مفهوم غائب لدى الكثيرين وعلى كل المستويات ، وغالبا ما يحل محله مفهوم مادي بحت يمثل التكلفة أو الثمن . الفارق أن قيمة الشيء تخلق استنادا إلى ما يحمله من مواصفات ومميزات ، وليس استنادا إلى السعر أو الثمن الذي يفرض له أو عليه . الأمر يصبح جليا في بعض الحالات كما هو الأمر بالنسبة للمقتنيات الأثرية التي تحمل قيمة عالية لا يمكن أحيانا تقديرها بأي ثمن ، ومثلها في ذلك الجوانب الاجتماعية والأخلاقية والنفسية ومثلها الكثير من الجوانب التي لا تشكل في العادة عناصر فاعلة في تحديد الثمن . قضية التثمين العقاري مثلا تعاني من غياب هذا الفهم ، إذ أن ممارسات التقييم تتم في الغالب الأعم بناء على البيوع السابقة للعقار أو العقارات المحيطة به دون اعتبار القيمة الفنية أو الجمالية أو الاستثمارية لذلك العقار . الشيء نفسه ينطبق على البشر ، مع أن البشر أقدر على فهم هذه القضية والتعامل معها وتقبل تبعاتها في بناء قدراتهم وخبراتهم ومهاراتهم الوظيفية . ومنذ عدة أيام تقدم للعمل في المكتب مهندس شاب سعودي حديث التخرج لا يملك أية خبرة مهنية ، ومع ذلك فهو يحمل إمكانيات ومواهب حملت تجاهها كل تقدير ، وخلقت في نفسي رغبة خالصة في تعيينه والاستثمار فيه لأخلق منه مهندسا كفؤا مؤهلا لأداء دور فاعل في المكتب . العائق المعتاد الذي يقف في مثل هذه التجارب هو العنصر المادي ، فالشاب كان يحمل توقعات بدخل لا أدري من أين أتى بها . اليوم قابلت هذا الشاب وسعيت إلى إفهامه مبدأ خلق القيمة ، وكيف أن أي شاب يجب عليه أن يعمل في بداية حياته المهنية للانخراط في تجارب ومجالات يضيفها إلى مخزون خبراته ومهاراته المهنية ، وهو ما يتحول إلى قيمة مادية ترفع ثمنه في سوق العمل بهذه الإمكانات . وبذلك ، فإن أهم ما على الشاب أن يسعى إليه في بداية حياته المهنية أن يختار العمل في المكان الذي يحقق له الإضافة الأكبر إلى هذا المخزون ، وليس إلى المكان الذي يقدم له الراتب الأعلى على المدى القصير . الجهد الذي يبذله الشاب في التعليم العام والجامعي وفوق الجامعي ما هو إلا وسائل لخلق قيمة مضافة تؤهله للحصول على مزيد من المكاسب في الحياة ، والخبرات العملية أوقع أثرا في هذا الجانب من الخبرات الأكاديمية . ضربت لهذا الشاب مثلا في أرض فضاء تحمل ثمنا ما في سوق العقار ، وكيف أن مجرد إعداد برنامج لتطوير هذه الأرض يتضمن الدراسات والتصاميم اللازمة لذلك يرفع من قيمتها في السوق أضعافا مضاعفة . خرج الشاب من هذا اللقاء واعدا بالتفكير مليا فيما قلت ، وأرجو أن يكون بذات الذكاء الذي توسمته فيه ليخوض معنا تجربة أثق كل الثقة أنها ستعود عليه بالخير الوفير في مستقبل حياته المهنية .

السبت، 19 نوفمبر 2011

اليوم 298

على مدى الأسبوعين الماضيين كثرت الأحاديث والأخبار المترقبة لموسم الأمطار في جدة خوفا من تكرار كارثتي السيول اللتين أصابتاها في مثل هذا الوقت في العامين الماضيين ، بما في ذلك الأخبار عن حشد الاستعدادات وقرب إنهاء المشاريع العاجلة لشبكات الأمطار والسيول في المدينة . القدر عاجل هذه المدينة بكارثة أخرى بعيدا عن مركز الاهتمام والتوقعات عندما شب حريق في مدرسة أهلية للبنات وأوقع عددا من الضحايا بين قتل وجرحى من المعلمات والطالبات ، معيدا إلى الأذهان ذكرى حريق مدرسة الهنداوية في مكة المكرمة قبل عدة سنوات . كم أرثي لحال هذه المدينة وسكانها ، ولحال أهالي القتلى والمصابين الذين أصيبو بهذه المصيبة التي لم يترقبها أحد وبالتالي لم يعد أحد لها أية عدة . الصور التي عرضتها القنوات الفضائية للمدرسة المصابة عرضت مبنى قديما رثا لا تبدو عليه ملامح أية تجهيزات لمقاومة الحريق ، وهو حال كثير من المباني المدرسية في بلادي وخاصة تلك التي تحتل مبان مستأجرة في شكل وحدات وعمائر سكنية . الخبر ذكر أن عددا من الطالبات اضطررن للقفز من النوافذ هربا من ألسنة اللهب والدخان الذي حاصرهن ، وأجزم أن الدفاع المدني لم يكن قد وصل بعد إلى موقع الحادث وإلا لكان مد لهن سلالم الهرب ، اللهم إلا إن كانت آلياته لا تضم مثل هذه التجهيزات ، أو أن هناك ثمة عائقا شرعيا من قيام رجال الدفاع المدني بانقاذ النسوة المصابات . ولأن شر البلية مايضحك فقد ذكرتني هذه المفارقة بذلك الزميل في الثانوية العامة الذي رسب في مادة الرياضيات فقرر عدم دخول الدور الثاني وإعادة السنة ليحقق المجموع الذي كان يحلم به ، فإذا به في العام التالي ينجح في مادة الرياضيات ويرسب في أربعة مواد أخرى . أجهزة إدارة مدينة جدة رسبت بجدارة في اختبار آخر من اختبارات المصائب والكوارث التي تحيق بهذه المدينة المسكينة بين الفينة والفينة ، وهي مسكينة ليست لأنها أسوأ حالا من غيرها من المدن ، بل لأن حظها وحظ أهلها العاثر جعلها تتعرض لمثل هذه الاختبارات مرة تلو المرة . وبالطبع ستمر هذه الكارثة مرور الكرام ، وسيطويها النسيان الذي طوى غيرها من الكوارث ، ولن نسمع أبدا عن مسئول استقال أو أدين بأي ذنب ، وربما لن يعدو العلاج شيئا من التعويضات المادية التي لن تصرفها وزارة المالية لأهالي الضحايا إلا بعد أن يجف رمقهم كما كان الحال مع تعويضات أهالي ضحايا السيول .

الجمعة، 18 نوفمبر 2011

اليوم 297

خرجت مساء أمس مع زوجتي لشراء بعض حاجيات المنزل بالرغم من وصولي متعبا من رحلة عمان . بينما كنت أتهيأ لإيقاف سيارتي أمام أحد المتاجر إذا بسيارة أخرى تصطدم بي من الخلف صدمة عنيفا هزتنا هزا . نزلت من السيارة لأجد شابا مصريا صغير السن يبدو أنه غفل عن الانتباه لوقوفي فلم يتمكن من تدارك الاصطدام . بعد أن اطمأن كل منا على الآخر سألته إن كان يحمل تأمينا على السيارة فأجابني بالإيجاب . وبالطبع فإن نظام المرور الجديد قد كلف شركة نجم لخدمات التأمين بالقيام بدور دوريات المرور في معاينة الحوادث المرورية في الحالات التي يكون فيها طرفا الحادث خاضعين للتأمين . قمت بالاتصال على الشركة فأجابتني سيدة بادرت إلى طرح مجموعة من الأسئلة عن موقع الحادث ونوع السيارتين وأرقام لوحاتيهما وغير ذلك من الأسئلة التي أفادتني بعدها برقم البلاغ وطلبت أن ننتظر دورية الشركة للحضور لمعاينة الحادث . وفي فترة الانتظار بقيت السيارتان تعترضان الطريق بما تسبب في كثير من الإرباك المروري الذي لم نكن لنتفاداه لعدم تمكننا من تحريك أي من السيارتين قبل المعاينة ، حتى أن كثيرا من المارة عبرو عن انزعاجهم بالصياح والشتائم والتلويح بالأيدي . ولأن انتظارنا دورية الشركة دام أكثر من ساعة ونصف الساعة ونحن على أحر من الجمر فقد قمت بمعاودة الاتصال بالشركة للاستفسار عن سبب التأخير دون أية جدوى . أخيرا وردني اتصال على هاتفي الجوال من شاب قدم نفسه على أنه مندوب الشركة وسألني عن موقع الحادث . أبديت له امتعاضي من هذا التأخير وتكرار السؤال عن موقع الحادث مع أني كنت قد أبلغت به موظفة الاتصال عند تقديم البلاغ . الشاب بادرني بهجوم غير مبرر وقال بأنه لن يعاين الحادث بناء على عدم تعاون الأطراف . استغربت منه هذا الموقف إذ كيف لنا أن نبدي عدم التعاون إن لم يكن قد وصل إلى الموقع بعد بعد كل هذا التأخير . اضطررت بالطبع إلى تليين لهجة حديثي واستعطاف كرمه لإنهاء هذا الموقف حتى تلطف وتكرم بالحضور بعد طول انتظار . بعد أن أنهى إجراءات المعاينة وسلم كلا منا ما يحتاجه من وثائق بادرته بالسؤال عن سبب تلك الهجمة غير المبررة في الوقت الذي كان عليه أن يعتذر عن هذا التأخير على أقل تقدير . الشاب قال في رده أنه لا يملك أي حيلة في مثل هذا التأخير نظرا لقلة عدد الدوريات والموظفين العاملين عليها ، وأنه حضر إلى هذا الموقع من طرف آخر من مدينة الرياض بعد أن تم توجيهه للانتقال إلى موقع الحادث . المحصلة التي خرجت بها من هذه التجربة أن إدارة المرور كالعادة خلقت كيانا تجاريا لأداء شيء من اختصاصاتها الأساسية مثله في ذلك مثل الشركة التي تقوم بتشغيل نظام ساهر العتيد ، وهي بعد ذلك ألقت كل المسئولية على هذه الشركات دون أن تمارس أي شكل من أشكال الرقابة والمتابعة للتأكد من حسن الأداء والقيام بالمهام المطلوبة كما يجب . وبدلا من أن تكون هذه الشركات عونا للمرور لتطوير الأداء هاهي تزيد من معاناة الناس ومكابدتهم . وفي الخلاصة أصبح التأمين عبئا على من يحصل عليه عوضا عن أن يكون وسيلة لحمايته من مثل هذه المعاناة والمشاكل .

الخميس، 17 نوفمبر 2011

اليوم 296

وصلت قبل قليل إلى الرياض عائدا من عمان بعد رحلة خاطفة مزدحمة بالاجتماعات واللقاءات . آخر هذه اللقاءات كان صباح اليوم بزيارة وزير الأشغال العامة والإسكان الأردني بصحبة وفد من نقابة المهندسين الأردنيين ، وهي الزيارة التي استضافني فيها الوزير عندما علم بزيارتي للنقابة في اليوم السابق . الشيء الذي لفت نظري هو تلك القوة التي تتمتع بها النقابة في المجتمع المهني والسياسي الأردني ، وهو ما رأيته بأم عيني اليوم في تلك الزيارة التي واجه فيها وفد النقابة الوزير بعدد من المطالب التي تم عرضها بحزم واعتداد وجدا من الوزير تجاوبا عبر عن إيمان الحكومة بدور النقابة ومكانتها المهنية . هذه القوة مصدرها الدور الحيوي الذي تلعبه النقابة في إدارة القطاع ، والذي جعلها نموذجا يحتذى في المؤسسات النقابية والمهنية في العالم العربي ، ودفع كثيرا من مثيلاتها إلى التواصل معها والتعلم منها للاقتداء بمسيرتها ومنجزاتها التي دامت على مدى اثنين وخمسين عاما . نحن بالطبع لا نريد لهيئة المهندسين السعودية أن تقوم بالدور السياسي الذي طبع نقابة المهندسين الأردنية ، ولكننا نريدها أن تكون لها ذات المكانة التي تمكنها من المطالبة بحقوق المهندسين ورعاية شئونهم ، وأن يكون لها ذات الصوت الفاعل الذي رأيت نموذجه اليوم في مثال حي على أرض الواقع . الوزير كان جم اللطف والتواضع ، قابلني ووفد النقابة بكثير من الترحاب ، ولا أدري إن كان هذا النمط سائدا بين كل الوزراء في ذلك البلد ، أم أن الآخرين هم على شاكلة وزرائنا الذين يصيبهم في الغالب جنون العظمة ويحاطون ببروتوكولات خاصة حالما يتولون مثل هذه المهام . الشيء الآخر الذي لفت نظري هو شيوع حالة الإهمال تجاه قضية الإسكان في ذلك البلد تماما كما هو الحال في المملكة ، فالوزارة التي زرتها اليوم هي وزارة للأشغال العامة والإسكان ، ومع ذلك فإن السياسة المعلنة والموثقة على لوحة معلقة على أحد جدران مكتب الوزير لو تتضمن ولو كلمة واحدة عن الإسكان . الفارق أن هذا الموضوع لا يمثل في الأردن تحديا بخطورة ما تواجهه المملكة في هذا المجال ، ومع ذلك فإن برامج الإسكان التي تديرها الدولة نجحت في الحد من تفاقم المشكلة ، إذ لا تجد أحدا هناك يشتكي من نقص في الوحدات السكنية ، مع أننا نتحدث هنا عن أحد أفقر الدول العربية في مقوماتها الاقتصادية . الحكمة ضالة المؤمن ، وليس من العيب أن نتعلم من الآخرين حتى لو كانو أقل منا في إمكاناتهم وقدراتهم الاقتصادية . فهل لوزارة الإسكان السعودية أن تتعلم من النموذج الأردني كما تسعى هيئة المهندسين للتعلم من نقابة المهندسين الأردنيين .

الأربعاء، 16 نوفمبر 2011

اليوم 295

أنا اليوم في عمان عاصمة الأردن التي وصلت إليها مساء البارحة ، ويبدو أنني سأقع في حب هذه المدينة خاصة مع هذه الأجواء الماطرة التي وجدتها عليها . غرض الزيارة هذه المرة استكمال النقاش مع إحدى الشركات الهندسية الأردنية حول إمكانية التعاون في بعض الأعمال في سوق المملكة ، وهو بالطبع السوق الأكبر الذي ظل متماسكا في المنطقة بعد عوصاف الأزمات المالية العالمية . برنامج الزيارة تضمن أيضا زيارة نقابة المهندسين الأردنيين ، وهي بحق تعد مفخرة لنا نحن معشر المهندسين بما تمكنت من تحقيقه من منجزات على مستوى التنظيم والمأسسة وتنمية القطاع الهندسي وتطوير وخدمة المهندسين ، وهي تقف بلا شك وراء التميز الذي يطبع أداء المهندسين الأردنيين في كل مكان يعملون فيه . نقيب المهندسين لقيني بحفاوة وترحاب عبرا بصدق عن كرم هذا الشعب المضياف ، حتى أنه أصر أن أرفقه صباح الغد في زيارة لوزير الأشغال العامة الأردني . ربما تكون هذه هي المرة الأولى التي أزور فيها وزيرا في مكتبه ، فأنا لا أذكر حتى الآن أنني زرت وزيرا في بلدي في مكتبه حتى في تلك الحالات التي كنت أحتاج فيها إلى أن أشتكي أو أتظلم لأحد منهم . أجمل ما لمسته في نقابة المهندسين الأردنيين هو انفتاحهم على نقل خلاصة خبراتهم وتجاربهم لبقية الدول العربية ، فهم وقعو مذكرات تفاهم للتعاون مع هيئات وجمعيات المهندسين في السعودية وعدد آخر من الدول العربية ، مع أننا في المملكة لم نلمس بعد أثر هذا التعاون ، ولم نر كثيرا من التطوير على عمل الهيئة في الاتجاه الذي سار فيه المعلم الأردني . النقيب سألني سؤالا مباشرا عما إن كنت أعتزم ترشيح نفسي في انتخابات مجلس إدارة هيئة المهندسين المقبلة ، وهو سؤال كان له علي وقع المفاجأة إذ أنني لم أول هذه الفكرة أي تفكير جدي بعد . المشكلة في حالة هيئة المهندسين في السعودية أنها أصبحت قبلة للهجوم والتشفي من كثير ممن ينتمون لهذا القطاع ، وصرت أرى كثيرا من تصيد الأخطاء والزلات بشكل يمثل أحد أسوأ أشكال ممارسة الديموقراطية . والأسوأ أن هذه الممارسة الديموقراطية في حالة هيئة المهندسين تمثل مقياسا لإمكانية نجاحها في بقية القطاعات ، وفشل هذه التجربة سيعطي الكثيرين العذر الكافي لتعطيل أية خطط أو توجهات للتوسع في مثل هذه الممارسة . على أية حال ، سيكون هذا الموضوع محل كثير من التفكير والمشاورات في الفترة القادمة ، خاصة وأن باب الترشيحات سيفتح في الأسبوع القادم .

الثلاثاء، 15 نوفمبر 2011

اليوم 294

رئيس هيئة السياحة افتتح يوم أمس مؤتمر التراث العمراني في مدينة جدة ، وهو بما أعرفه عنه أحد أكثر المهتمين بقضايا التراث العمراني حتى قبل أن تصبح ضمن مهامه الوظيفية كرئيس لهيئة السياحة والآثار . وددت اليوم لو أنني أستطيع أن أوصل له مقترحا بضم مكاتب العمل لمنظومة المناطق التراثية التي تشرف عليها الهيئة ، وربما حتى ترشيحها لتصبح ضمن قائمة المواقع التراثية لدى منظمة اليونسكو . الواقع التراثي لمكاتب العمل يراه الرائي عندما تجبره الحاجة الملحة لزيارة أحدها ، وهو ما اضطررت للقيام به صباح اليوم لحضور جلسة في اللجنة العمالية العليا التي تحتل أحد زوايا مكتب عمل الرياض . المشهد يعيد إلى الذاكرة تلك الصورة النمطية عن الدوائر الحكومية التقليدية في الزمن الغابر ، خاصة عندما تشاهد ذلك العدد من مكاتب العرضحالجية المنتظم أمام أبواب المكتب . الفارق الوحيد أن التقنية احتلت موقعها في هذا المشهد ، فأصبحت كتابة المعاريض وتعبئة النماذج تتم على أجهزة الحاسب الآلي المحمولة بدلا من الكتابة اليدوية أو استخدام الآلة الكاتبة العتيقة . وربما يكون لتدخل هيئة السياحة دور في منع هذا التشويه في هذا المشهد التراثي فتلزم أولئك العاملين باستخدام الوسائل التقليدية ونبذ وسائل التقنية الحديثة . مقر مكتب العمل يضم أيضا مقرات اللجان العمالية الابتدائية والعليا ، والمشهد حول مقر المكتب أشبه بالحراج مع ذلك العدد الهائل من السيارات والشباب الباحثين عن عمل أو الباحثين عن حقوقهم المهضومة في قضايا عمالية . مشهد الحراج لم يختلف كثيرا داخل قاعة اللجنة ، إذ أن القاعة كانت تضم أربعة قضاة يقوم كل منهم بالنظر في قضية مختلفة في ذات الوقت وإلى جانب بعضهم البعض ، بالرغم من أن هذه الخلافات تحمل شيئا من الخصوصية والسرية . عندما كتبت فيما مضى عن تجربة سابقة مع مكتب العمل تطوع أحد القراء الكرام بإرسال ما كتبت لوزير العمل أملا في أن يتحرك لديه شيء من الاهتمام لتحري الواقع الأليم الذي تعيشه مكاتب العمل . ولكن الوزير ونائبه ووكلاءه منشغلون عن تلمس مثل هذه المشاكل والوقوف عليها . وهذا هو ما جعلني أعتقد بأن هيئة السياحة والآثار تمثل الملجأ الأفضل للإشراف على مكاتب العمل ، علها تحقق إنجازا يحسب لها بعد عشر سنوات انقضت في دراسات وخطط لم تجد لها بعد سبيلا إلى التنفيذ .

الاثنين، 14 نوفمبر 2011

اليوم 293

حضرت اليوم مؤتمرا مصغرا في أحد فنادق الرياض وشاركت في إحدى حلقات النقاش فيه حول القضية الأزلية قضية الإسكان ، وكالعادة كان الحوار بعيدا عن أذن القطاع الحكومي الذي ابتعد أي من منسوبيه عن الحضور اتقاء للوم والهجوم المتوقعان . بعد الجلسة انتبهت إلى أن هاتفي الجوال تلقى عددا من الاتصالات التي لم أرد عليها فأجريت عددا من مكالمات الرد التي أفرغت بطاريته عن بكرة أبيها . خرجت إلى سيارتي المتوقفة أمام الفندق لأعيد شحن الهاتف وأكمل اتصالاتي . وبينما كنت جالسا على مقعدي في السيارة توقفت بجانبي سيارة فارهة يسوقها رجل بزي عسكري ويجلس في مقعدها الخلفي رجل آخري يرتدي زي القوات البحرية الأبيض وأكتافه مثقلة بنجوم ونسور وتيجان وصدره بعدد كبير من النياشين بما يدل على علو رتبته . الرجل الذي كان ضخم الجثة ممليء البطن فتح باب سيارته عن آخره حتى يتسع لخروجه منها ، فإذا بباب سيارته يصطدم بسيارتي بقوة . ارتد الباب فقام بدفعه مرة تلو مرة ، وفي كل مرة كان يضرب جسم سيارتي بباب سيارته دون أن يهتز له جفن . نزل من السيارة متثاقلا وأغلق الباب وأدار ظهره لي وتوجه نحو باب الفندق مصحوبا بعدد من الحرس الذين نزلو من سيارة أخرى . نزلت من سيارتي لأتفحص ما جرى لها بعد هذا الهجوم الكاسح فوجدتها قد أصيبت إصابات بالغة . نظرت نحو الرجل منتظرا أن يلتفت إلي بكلمة اعتذار أو نظرة تطلب العفو ، ولكنه تجاهلني وكأنني لم أكن واقفا هناك ، وكأنه لم يفعل شيئا ، أو كأنه أصاب شيئا لا قيمة له . ذهبت إلى سائقه وأبلغته بما حصل ، فوجدته أكثر لطفا من سيده ، وقدم اعتذارا بالنيابة عنه . هذا الرجل الذي بلغ هذه الرتبة العليا في السلم العسكري كان نموذجا للعنجهية والصلف الذي يصيب بعض الناس عندما يحتلون موقعا من مواقع المسئولية ، ويجعلهم ينظرون إلى عامة الناس من عل وكأنهم مخلوقات لا تستحق التعامل معها بإنسانية . وعلى النقيض ، حضرت الليلة حفل عيد الاستقلال لسفارة الجمهوية الجزائرية التي نقوم بالإشراف على تنفيذ مبناها الجديد في حي السفارات . السفير الجزائري استقبلني بترحاب منقطع النظير ، ووجدته يتعامل مع كل الناس من سفراء وأمراء وضيوف بسطاء بذات الروح من البساطة والتواضع وحسن الخلق ، فصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال ، إنكم لن تسعو الناس بأموالكم فسعوهم بأخلاقكم .

الأحد، 13 نوفمبر 2011

اليوم 292

في اللحظة التي بدأت أتهيأ لكتابة هذه السطور وردت إلى هاتفي الجوال رسالة تتضمن بعض الأخبار الصحفية العاجلة ، وكان أحدها يعلن صدور الموافقة الرسمية بتوظيف السعوديات في مراقبة الأسواق . لن أستبق بخيالي كيف ستكون تلك المراقبة ، وما إذا كانت ستتم ضمن مفهوم رقابة وزارة التجارة أم هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . ولكن هذا الخبر أحيا تلك المشاعر المليئة بالإحباط والغضب التي خرجت بها صباح اليوم من زيارة لمكتب سعادة وكيل وزارة العمل المساعد بهدف تسريع اتخاذ قرار في طلب إصدار تأشيرات عمل لعدد من المهندسات للانضمام إلى فريق العمل بالمكتب . هذا الطلب الذي بلغ عمره حتى الآن أكثر من خمسة أشهر ولا يريد أحد في الوزارة تحمل مسئولية قبوله أو رفضه أصبح حديث المجالس في الوزارة ، وأصبح الكل هناك يعرفنا بالمكتب صاحب طلب استقدام المهندسات . اللقاء مع وكيل الوزارة المساعد كان لقاء صداميا مليئا بالتشكيك والاتهامات ، فلماذا استقدام مهندسات ، وما حاجتكم بهن ، ولماذا لا توظف مهندسات سعوديات ، أو لماذا لا يكتفى بالرجال لأداء هذا النوع من الأعمال . وكيل الوزارة كان يلقي هذه الأسئلة لا للاستعلام والفهم الصحيح ، بل بحثا عن أية عثرات يرفض بها قبول الطلب ، خاصة وأنه وكما قال قد سبق رفض طلب مماثل أيام الوزير الفقيد غازي القصيبي رحمه الله . قلت للوكيل أن الزمن الآن غير ذلك الزمن ، والتغيرات التي تشهدها المملكة خير دليل على ذلك ، والمرأة الآن مقبلة على احتلال مقاعدها في مجلس الشورى والمجالس البلدية ، واحتلت قبل ذلك مقاعد في مجالس إدارات الشركات والغرف التجارية وكثير من الأعمال التجارية والاجتماعية . وإلى أن تقتنع جامعاتنا بضرورة فتح المجال للمرأة للتعليم في التخصصات الهندسية فإن تعيين مهندسات أجنبيات بشكل نظامي أصبح أمرا ملحا . وما تقديمنا لطلب رسمي للاستقدام إلا رغبة في الالتزام بالأنظمة والبعد عن التستر غير النظامي ، ورغبة في الالتزام بالتقاليد الشرعية التي تؤكد عليها الدولة دائما لحماية خصوصية عملائنا من السيدات . الوكيل لم يعدنا بشيء ، وألقى بالمسئولية على رؤسائه في القبول أو الرفض ، مع أني أعلم يقينا أنه يملك الصلاحية في اتخاذ قرار بخصوص هذا الطلب ، ولكنه الخوف من المسئولية الذي يجعل المسئولين يتهربون من أداء مهامهم كما يجب . بعد الظهر أتت إلى مكتبي مهندسة مصرية الجنسية وقدمت طلبا للتوظيف في المكتب . عندما قرأت سيرتها الذاتية رأيت أنها كانت تعمل مهندسة صيانة في جامعة الملك سعود لأكثر من سنتين ، عندها اقتنعت أن المثالية لا يمكن أن تحل المشكلة ، وأن انتظار تأشيرات الاستقدام التي صرت أحلم بها لن يجدي ، وإذا كان جهاز حكومي كجامعة الملك سعود يمارس التستر والتوظيف غير النظامي فلماذا لا نقتدي به ، ولنا في حكومتنا الرشيدة أسوة حسنة .

السبت، 12 نوفمبر 2011

اليوم 291

الجامعة العربية أعلنت اليوم قرارها بتعليق عضوية سوريا في أنشطة الجامعة إضافة إلى عدد من القرارات الأخرى المصاحبة . أنا لم أستغرب هذا القرار في ظل متابعة التطورات المتسارعة في هذه القضية خلال الفترة القريبة الماضية ، وخاصة منذ إعلان الاتفاق على المبادرة العربية قبل حوالي عشرة أيام ، وأولها فشل الحكومة السورية في إثبات جديتها في الالتزام بتنفيذ بنود هذا الاتفاق . المندوب السوري شن حملة عنيفة على الجامعة وأمينها العام ووزير خارجية قطر وكل الدول التي ساندت القرار ، وهو أمر غير مستغرب في الأساس . أنا لست فرحا بالتأكيد بهذه الحالة من التفكك التي تعتري الجامعة المفككة أساسا ، ولكنني تعجبت اليوم من هذا الهجوم الكاسح من المندوب السوري المفوه ، وهو الذي لم يتخذ أي موقف يحمل ذات المستوى من المعارضة عندما صدر قرار ذات الجامعة بتعليق عضوية ليبيا . النظام السوري يتعاطى مع هذه القضية بعنجهية غريبة تصل إلى حد الغباء السياسي الذي توصف به أمريكا في العادة وتمارسه بكل اقتدار . وأنا لا أدري لماذا لا يلقي هذا النظام بأهم ورقة لديه ويعمد إلى فتح المجال لوسائل الإعلام للدخول إلى سوريا لتسجيل الوقائع بشكل مباشر . التعتيم الإعلامي الذي يمارسه النظام السوري لا يمكن تفسيره إلا بأنه وسيلة للتغطية على كوارث ومذابح تقول المعارضة إنها تحدث كل يوم في الشوارع السورية ، وفي المقابل يتهم النظام الإعلام المضاد بالتهويل والتزييف دون أن يسمح للإعلام المحايد بتحري الحقيقة بشكل مباشر . قرار تعليق العضوية لن يحقق مبتغى متخذيه في وقف القتل في الشوارع السورية ، بل إنه يمكن أن يزيد من هول ما يحصل هناك . ولكنه على أية حال تحرك قد يمثل الحد الأقصى في حدود إمكانات الجامعة ، وهو على الأقل يرفع عنها العتب أمام أعين الشعوب العربية التي لا تعلم حقيقة الأمور على أرض الواقع بفعل تعتيم النظام السوري . كل ما كنت أتمناه أن تكون دولة أخرى غير قطر على رأس هذا التحرك العربي ، فهذه الدولة أصبحت تتهم كثيرا بلبس ثوب أكبر من حجمها الحقيقي ، وتفسر كل تصرفاتها بالتبعية للمحور الأمريكي الصهيوني . ولم لا ، وهي الدولة الخليجية الأولى التي هرولت فيما مضى نحو الكيان الصهيوني ، والتي تستضيف على أراضيها أكبر مخزن للأسلحة الأمريكية في المنطقة . موقف قطر تشوبه كثير من الشكوك والتساؤلات ، وتزعمها هذه الجهود لمعالجة الأزمة السورية ومثيلاتها يضر بهذه الجهود وبالشعب السوري والشعوب الذبيحة الأخرى ، فهل لقطر أن تهدأ وتكتفي بتنظيم كأس العالم وإنهاء مشاريع الأبراج المتعثرة فيها .

الجمعة، 11 نوفمبر 2011

اليوم 290

شوارع الرياض اليوم خالية بشكل غريب حتى في هذا الوقت من المساء على غير العادة في مدينة زاد عدد سكانها على الخمسة ملايين نسمة ، ويبلغ عدد السيارات فيها ما يزيد على هذا الرقم . يمكنني أن أتنبأ بناء على ذلك أن يوم غد الذي يفترض أن يكون اليوم الأول للعودة إلى دوام المدارس والأعمال سوف يشهد كثيرا من حالات الغياب الجماعي جريا على العادة التي استشرت في نمط حياة الناس على نطاق واسع . موجة البرد التي تجتاح الرياض الآن ، والتي تنبيء ببوادر فصل شتاء قارس ، يمكن أن تكون ذريعة ومصدرا لحجج مرضية لعدد من حالات الغياب تلك . المشكلة أن هذه الفترة هي إحدى أعسر الفترات بالنسبة إلى قرب حلول نهاية السنة المالية للدولة ، وإغلاق دفاتر الموازنات والمخصصات المالية للمشاريع . وهي بالتالي فترة نسابق ويسابق مثلنا الكثيرون فيها الزمن لإنهاء صرف المستخلصات المالية عن الأعمال المنجزة في هذا العام قبل أن تغلق الخزينة ويوقف الصرف لمدة تبلغ حوالي الشهر تجف فيها الموارد وتنقطع فيها السبل . هذا السباق لا يخص بالطبع كبار المقاولين الذين يملكون منافذ خاصة إلى مخصصات وزارة المالية ، وأخرى إلى خزائن البنوك التي تمنحها تسهيلات لا تنقطع كما هي عقود التكليف المباشر للمشروعات الحكومية ذات الطبيعة الخاصة . مثل تلك المشاريع يتم التعاطي معها خارج إطار نظام المشروعات الحكومية ، وهو أمر يمكن أن يكون مفهوما للبعض بالنظر إلى خصوصية مثل تلك المشروعات . ولكنني أرى كل يوما موقعا قريبا من منزلي لأرض صغيرة المساحة وقد نصبت أمامها لوحة تعلن قرب بدء تنفيذ مشروع مقر لشرطة الحي ، وهو مشروع صغير بكل المقاييس بالنسبة إلى تلك المشروعات ذات الطبيعة الخاصة . لوحة هذا المشروع تحمل اسم مكتب دار الرياض كاستشاري للمشروع وهو أحد أكبر المكاتب الاستشارية التي تتمتع بتلك المعاملة الخاصة في ترسية العقود التي كان آخرها مشروع الخمسمائة ألف وحدة سكنية الذي تمت ترسيته دون منافسة معلنة . اللوحة تحمل أيضا اسم مجموعة بن لادن كمقاول للمشروع ، وهي بالطبع غنية عن التعريف بما تقوم به من مشروعات خاصة وبمبالغ هائلة . هاتان الشركتان مشبعتان بالأعمال والعقود ذات الطبيعة الخاصة ، وتتمتعان بكل أشكال المعاملة الخاصة في التمويل والتسهيل والتبجيل . ومع ذلك فإن تلك المشروعات لم تشبع نهمهما للمنافسة والفوز بمثل هذا المشروع التافه ، مع أن كثيرا من الشركات الأصغر هي أحوج ما تكون للفوز بشيء من  هذه المشاريع لتطوير قدراتها وخبراتها ومصادر الكسب فيها ، فماذا عليها ياترى أن تفعل لكي تجد لها مكانا في خضم هذه المنافسة المحتدمة .

الخميس، 10 نوفمبر 2011

اليوم 289

وصلت للتو إلى منزلي في الرياض عائدا وأبنائي من دوحة قطر . الخروج من قطر لم يكن بذات صعوبة الدخول إليها ، ولا أدري إن كان هذا الأمر مقصودا أم أنه جاء بمحض الصدفة ، مع أني أجزم أن التجهيزات التي رأيتها لا يمكن أن تجعل الدخول أمرا يسيرا في حالات الازدحام . بعد أن تجاوزنا المنفذ الحدودي القطري وصلنا إلى المنفذ السعودي الذي شهد بعض الازدحام . المشهد كان قاسيا في هذا الجانب من عدة نواح ، أولها تلك المنشآت المتهالكة التي عفا عليها الزمن وأصابتها التشققات والشروخ والتلف ، حتى أن كثيرا من مرافق المنفذ تشغل مبان متنقلة مؤقتة ، بما فيها مكاتب الشئون الصحية التي يفترض أنها تضم عيادات الفحص الطبي للقادمين لرحلات الحج والعمرة . وثانيها ذلك المشهد للنسوة المسافرات وهن يغادرن السيارات المصطفة في طابور الجوازات ليذهبن إلى مكتب في أحد تلك المباني المتنقلة لمطابقة الجوازات فيما سمته اللوحة المعلقة على المكتب عملية تطبيق النساء . هذا الإجراء يخص السيدات المنقبات اللائي لا يردن كشف وجوههن لموظفي الجوازات ، وهو ما يضطرهن للسير والمناورة بين السيارات في مشهد اعتبرته مهينا لهن . أنا لا أدري في الحقيقة لماذا يتم هذا الإجراء بهذه الطريقة ، ولماذا لا تخصص نوافذ مخصصة لخدمة السيدات في السيارات دون أن يحتجن إلى مغادرتها . في الجانب القطري رأيت فتيات في نوافذ الخدمة وهن يعملن بكل احترام لاستقبال المسافرين وإنهاء إجراءات سفرهم ، وهو ما كان يمكن تطبيقه في الجانب السعودي أيضا على الأقل لخدمة السيدات المسافرات . مع أني لا أرى غضاضة في كشف الوجه لغرض المطابقة من قبل الموظفين بشكل مباشر عوضا عن هذا الأسلوب العقيم ، وهو ما يتم في العادة في المطارات التي لا أذكر أني رأيت فيها مثل مكاتب التطبيق هذه . الجانب الأمني في مسألة التعاطي مع السيدات المنقبات كان دوما محل جدل ، وهو ذات الجدل الذي يمس مسألة إصدار بطاقات الهوية الوطنية للسيدات السعوديات ، وهو أيضا ما كان وسيلة لبعض الفئات الإرهابية للتخفي والتنقل دون رقيب أو حسيب . وإلى أن نتخلى عن هذه الحساسيات فإن علينا على الأقل أن نتعامل مع السيدات المنقبات بطريقة أكثر آدمية في مثل هذه المواقع وهذه الإجراءات .

الأربعاء، 9 نوفمبر 2011

اليوم 288

عرضت قناة الجزيرة اليوم خبرا عن إطلاق لعبة من ألعاب الفيديو الإلكترونية اسمها المترجم بتصرف نداء الواجب ، وقالت في الخبر أن أكثر من تسعة عشر مليون شخص من أنحاء العالم باتو ليلتهم في انتظار إطلاق هذه اللعبة . كنت كثيرا ما أسمع ابني الأصغر يذكر اسم هذه اللعبة ، وكثيرا ما أثارت شغفه وأشغلته باللعب ساعات طوالا كان يتسمر فيه أمام الشاشة ، خاصة وأن هذه اللعبة تسمح بالاتصال بلاعبين آخرين على شبكة الانترنت ، فكان هو وأصدقاؤه يمارسونها بشكل جماعي . اليوم اكتشفت حقيقة هذه اللعبة في الخبر الذي أوردته قناة الجزيرة حماها الله ، فوجدت أنها لعبة حربية ترتكز على مهارات القتل والتدمير ، وتقدم المقاتل الأمريكي على أنه بطل مغوار ينتصر على كل الأعداء في معارك تدور رحاها في كل بقاع الأرض ، بما فيها الإمارات العربية المتحدة . بعد أن شاهدت هذا الخبر عزمت على أن أطرد هذه اللعبة من منزلي ، وأن ألزم ابنائي وأنصح كل من أعرفهم بمقاطعتها مقاطعة تامة . وفي الحقيقة أنا لا أعرف ما هو مصدر هذا الشغف بتجارب القتل والتدمير ، وما هي المتعة التي يجدها اللاعبون في مثل هذه اللعبة المقيتة . الغريب أن هذه اللعبة مصنفة عمريا بحد أدنى يبلغ الثمانية عشر عاما ، ومع ذلك فهي متداولة ومعروفة بشكل واسع بين الأطفال بمختلف أعمارهم . والسبب في ذلك أن المحلات التي تبيع ألعاب الفيديو لا تعترف بهذا التصنيف العمري ، وتتغاضى عن بيع هذه الألعاب للأطفال بغض النظر عن أعمارهم سعيا وراء الربح الرخيص . وزارة التجارة ومثلها وزارة الثقافة والإعلام غائبتان بالطبع عن هذا الواقع ، وما من رقابة تفرض على مثل هذه المخالفات التي تتم كل يوم وبشكل سافر . الضحية في النهاية هو النشأ الذي يتربى على العنف والقتل والتدمير ، علاوة على تلك المفاهيم السياسية الدنيئة التي تحملها مثل هذه الألعاب . حملات المقاطعة التي نسمع عنها بين الفينة والفينة لم تصل بعد إلى مثل هذه الألعاب ، والسبب أن لا أحد يقدر الخطر المحدق من ورائها ، في ظل غياب الرقابة الرسمية من الأجهزة الحكومية ، والرقابة العائلية داخب الأسر . ابني الذي حرمته من هذه اللعبة سيشعر أنه محروم من شيء مباح للجميع ، ولكنني أثق أنه سيشكرني في يوم من الأيام عندما يرى أثر هذه اللعبة على جيل بأكمله .

الثلاثاء، 8 نوفمبر 2011

اليوم 287

اليوم اصطحبت أبنائي لزيارة أحد المراكز التجارية في دوحة قطر ، وهي على أية حال لا تضم كثيرا من المراكز كما هو الحال في دبي مثلا أو الرياض . هذا المركز الذي يعده أهل قطر قبلة لهم في مجال التسوق والترفيه لا يمثل سوى قطرة من بحر بالنسبة لتلك المراكز التي تعج بها دبي العتيدة ، وهو مع ذلك يعد حديث المدينة بكل المقاييس . تركت أبنائي في مدينة الألعاب التي يضمها هذا المركز وذهبت أبحث عن المصلى لأداء صلاة المغرب والعشاء ، ولم يكن أذان المغرب قد رفع بعد . دخلت المصلى وأديت تحية المسجد وجلست أنتظر الأذان ، وبدأ الناس يتوافدون إلى المصلى مع اقتراب وقت الصلاة . وبعد أن رفع الأذان وبدأ الناس يصطفون لأداء الصلاة دخل رجل يرتدي الزي القطري وعلى وجهه لحية طويلة يشوبها شيء من البياض . وقف الرجل يتلفت يمنة ويسرة ويستعرض وجوه المصلين ، ثم تقدم الصفوف وأقام الصلاة ووقف يؤم الناس . أيقنت حينها أن هذا الرجل كان يبحث عن شخص يحمل مؤهلات الإمامة بحسب مقاييسه ، وقرر بالتالي أن يؤم الناس عندما لم يجد من هو أطول منه لحية . بدأ الرجل بالصلاة ، ففوجيء الجميع بأنه ركيك القراءة ضعيف الحفظ أجش الصوت كثير اللحن بكلمات القرآن العظيم ، وهو ما أجزم أنه أفسد خشوع المصلين كما أفسد خشوعي . بعد الصلاة قام الرجل وغادر المصلى مسرعا وكأنه يريد الهرب من عتب الناس . تساءلت حينها عن هذه السطحية في المقاييس في الحكم على الناس وأهليتهم لمثل هذا الأمر ، خاصة وأن إمامة الناس في الصلاة تعد مسئولية جسيمة وليست شرفا يرتجى . تذكرت تلك المرة التي توقفت فيها عند أحد المساجد في إحدى استراحات الطرق لأداء الصلاة ، وبدأت بالصلاة وحيدا حتى اجتمع خلفي عدد من الناس . وبعد أن أنهيت الصلاة والتفت إلى المصلين خلفي لقيت من بعضهم نظرات مريبة ملؤها اللوم على هذه الجريمة التي اقترفتها بأن أممت الناس في الصلاة وأنا حليق اللحية . العجيب أننا اجتمعنا لأداء صلاة العشاء بعد أن غادر ذلك الإمام ، وأمنا هذه المرأة شاب حليق اللحية ، فوجدناه حسن الصوت حسن الحفظ حسن القراءة . تعجبت من هذا التباين بين المظهر والجوهر ، وكيف أن هذا الحليق تفوق على ذلك الملتحي في جودة قراءته وحسن إمامته للناس ، ولله في خلقه شئون .

الاثنين، 7 نوفمبر 2011

اليوم 286

قرار السفر في رحلة برية إلى قطر كانت أحد أكبر الأخطاء التي ارتكبتها في حياتي ، ولكني أعذر نفسي في أنني لم أكن أتوقع أن يعامل أحد ضيوفه بهذه الصفاقة . لا أظن أحدا يصدق أنني أكتب هذه السطور أثناء وقوفنا في طابور الجوازات القطرية على الحدود البرية بين المملكة وقطر ، ولكنني وجدتها فرصة أشغل بها وقت الانتظار وأفرغ شحنة من شعور بالغضب والمهانة . هذا المنفذ هو المنفذ البري الوحيد لدولة قطر ، وكنت أجزم أن هذه الدولة التي تباهي بقدراتها المالية وتحاول توظيفها هنا وهناك لتحقيق مكاسب سياسية ستقوم على أقل تقدير بتهيئة منفذها البري الوحيد بشكل ملائم ، على الأقل ليعكس حقيقة الحملات الدعائية التي تقدم قطر كوجهة سياحية رئيسية في المنطقة . ولكن واقع الحال هنا واقع مخز بحق ، ولم يشع بين كل تلك الحشود المجتمعة في انتظار إنهاء إجراءات سفرها إلا شعورا بالهوان والغضب من هذه المعاملة . بينما كنت أعبر الجزء السعودي من الحدود شعرت بشيء من الخزي من تلك الحالة المتردية التي وجدت عليها منشآت وحدات الجمارك والجوازات السعودية ، ولكن عبورنا في ذلك الجانب لم يستغرق أكثر من عشرة دقائق بينما مضت علينا حتى الآن حوالي الساعتين في الجانب القطري دون أن تلوح أية علامات للخروج من هذا المأزق ، مع أن المنشآت في هذا الجانب حديثة وأنيقة تفوق في جمالها وتنظيمها تلك التي على الجانب السعودي . المقارنة هنا هي مقارنة عادلة من ناحية أن عدد المسافرين يكون ذاته في أي وقت من الأوقات ، وإذا كان إنجاز إجراءات عدد ما من المسافرين يتم في أحد الجانبين في عشرة دقائق فيما يتم في الجانب الآخر في أكثر من ساعتين فإن هناك خللا ما في هذا الجانب الآخر . أحد جوانب الخلل الذي رأيته كان في تلك العنجهية والتعالي الذي كان موظفو الجانب القطري يتعاملون بهما مع الناس ، وأنا بالتأكيد لا أقصد التعميم بل أتحدث عما رأيته بعيني وكان سببا في حالة من الهرج والمرج في الموقع . في النتيجة ، نحن جميعا لا نملك سوى أن نبتلع مثل هذه التصرفات المهينة ، والاعتراض لا موقع له ، وإلا فإنه سينقلب وبالا على صاحبه بمزيد من التعقيد ومزيد من التعطيل المتعمد .

الأحد، 6 نوفمبر 2011

اليوم 285

مضى اليوم أول أيام عيد الأضحى المبارك ، وأتممنا بحمد الله بنجاح مهمة ذبح أضحية العيد . الجزار الذي أحضرته للقيام بهذه المهمة وضعني أمام تحد من نوع خاص أمام أبنائي الذين وقفو شهودا على هذا الحدث ، فهو وسائقي قاما بتكبيل الخروف تحت رقابتي ومتابعتي اللصيقة ، فما كان منه إلا أن مد يده بالسكين لأقوم بعملية الذبح . هذه هي المرة الأولى في حياتي التي أذبح فيها كائنا حيا ، ولم أتوقع أبدا أن أوضع في هكذا موقف . ولأنني خشيت من أن أصغر في عين أبنائي الذين كانو يتابعون ما سأقوم به ، فقد مددت يدي وتناولت السكين وسميت بالله ووضعتها على رقبة الخروف المسكين وانهلت عليها ذهابا وجيئة . انتهت عملية الذبح التي تركت في نفسي شعورا بالزهو بهذا الانتصار المبرز الذي أنجزته أمام أبنائي ، والأهم هو أنني شعرت بشيء من الفخر باتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم والاقتداء بما كان والدي رحمه الله يحرص على فعله . أتممنا بعد ذلك عملية السلخ والتقطيع والتوزيع على الأهل والجيران ، ثم وضعنا طعام الغداء الذي طهته زوجتي العزيزة من لحم الأضحية . تجربة اليوم تجربة بسيطة قد لا تهم الكثيرين ، ولكنني وجدتها تجربة جميلة كونها أحيت في نفسي ذكريات الماضي وأسهمت في مد جسور شيء من التواصل مع جيران لا أعلم عنهم شيئا ، والأهم أنها جلبت شيئا من البهجة للعيد الذي بات يخلو من مشاهد الفرح التي كنا نعيشها في زمن الطفولة الغابر . غدا سنشد الرحال إلى دوحة قطر بحثا عن شيء من الترفيه في ما بقي من أيام العيد ، خاصة وأن الرياض خلت في هذا العيد من كثير من الأقارب والأصدقاء الذين بادرو بالسفر هم أيضا في هذه الأجواء الجميلة .

السبت، 5 نوفمبر 2011

اليوم 284

مشهد الحجاج في صعيد عرفة يبهج القلب ، ولكنه اليوم فطر قلبي إذ رجوت أن أكون بين تلك الجموع ، ولكن الله لم يكتبها لي هذه السنة بعد أن تعسرت أمامي سبل ترتيبات حملات الحج وأسعارها المتصاعدة . كل ما أرجوه أن يمد الله في عمري لألحق حج العام القابل ، عاقدا العزم على أن أبدأ جهود الترتيبات في وقت مبكر . المهم أنني نجحت اليوم في الحصول على موعد من أحد الجزارين ليقوم بمهمة ذبح الأضحية في المنزل ، وهو ما كان أكثر صعوبة من الحصول على موعد مع طبيب في مستشفى الملك فيصل التخصصي . أبنائي فرحو بالضيف الذي استوطن حديقة المنزل اليوم ، خاصة ابنتي ذات الأربع سنوات التي قضت معظم يومها تلاعبه دون خوف . المدرسة التي تذهب إليها ابنتي هذه هي مدرسة أجنبية اخترتها لأنها تقع بجوار منزلي . ما لاحظته أن هذه المدرسة الأجنبية تعاطت مع مناسبة الحج بطريقة جميلة ، إذ أن ابنتي ظلت على مدى الأسبوع الماضي تردد التلبية والتكبير ، وتتفاعل مع مشاهد الحرم الشريف والكعبة المشرفة التي تراها على شاشة التلفاز ، إضافة إلى أنها أصبحت تردد بعضا من قصار سور القرآن الكريم . في المقابل ، لم أسمع من بقية أطفال الأسرة عن أية برامج تعليمية صاحبت هذه المناسبة العظيمة في كثير من المدارس الحكومية والخاصة التي يرتادونها ، وكل ما كانو يسعون إليه هو الخروج المبكر واستعجال الإجازة . هذا التناقض أزعجني كثيرا ، وأكد لي استمرار ذات النمط التلقيني المتخلف في مناهج التعليم في المدارس . وبذلك تصبح مثل هذه المدارس الأجنبية بديلا أفضل لأبنائنا ، خاصة وأنها لم تترفع أو تمتنع عن تعليم مباديء الدين وترسيخ المناسبات الدينية في أذهان الأطفال . رحلة زيارة مكة المكرمة أصبحت هاجسا لدى ابنتي الصغرى ، وهي تسألني كل يوم أو تسأل والدتها متى سنذهب إلى مكة لنرى بيت الله . هذا الأثر الجميل لمثل هذه البرامج التعليمية التي تتفاعل مع مثل هذه المناسبات الدينية يثلج الصدر ويبهج الخاطر . فهل ستقتنع وزارة التربية والتعليم يوما بأن التربية أهم من التعليم ، وأن التلقين لن يخرج إلا جيلا من الببغاوات الذين يصابون بالصدمة الكبرى عندما يضطرون أو تسنح لهم الفرصة لارتياد جامعات خارج المملكة ليعلمو حينها كم الفارق بين التعليم هنا وهناك .

الجمعة، 4 نوفمبر 2011

اليوم 283

يبدو أن فكرة ذبح أضحية العيد في المنزل وإعادة إحياء ذكريات الماضي لن تجد سبيلا للتنفيذ ، إذ أن البحث عن جزار يقوم بهذه العملية هو في الحقيقة أصعب مما تخيلت . ويبدو أن هذه المهنة قد اندثرت مع طغيان مظاهر المدنية الحديثة ، فالناس الآن إما أنهم يرسلون أضاحيهم للذبح في المسالخ البلدية ، أو لدى محلات اللحوم الخاصة ، وكثير منهم يريحون رؤوسهم بشراء كوبونات الأضاحي من الجمعيات الخيرية .تذكرت كيف كان الجزارون يتجولون في شوارع الحارات في المدينة المنورة يعرضون خدماتهم عندما كان كل الناس يذبحون أضاحيهم في منازلهم في حدث احتفالي جميل . وتذكرت أيضا كيف أن والدي رحمه الله كان يقوم بذبح الأضحية وسلخها بنفسه تأسيا بالسنة النبوية الشريفة ، وحتى عندما أنهكته السنون بقي يقوم بجزء الذبح ويترك السلخ للجزار ليكمل المهمة . ربما يكون أحد أسباب انحسار هذا المشهد هذا الغلاء الفاحش في أسعار الأضاحي ، إذ وجدت اليوم أنها تخطت سعر الألفي ريال للأضحية الواحدة ، أي أنها تستقطع جزء كبيرا من دخل الأسرة لدى شريحة كبيرة من الناس . ويكون بذلك اللجوء إلى الكوبونات بديلا مناسبا كون أسعارها لا زالت في متناول أيدي تلك الشريحة . المشكلة أن لا رقابة ولا متابعة من أية جهة لهذه الجمعيات الخيرية التي تبيع هذه الكوبونات ، ولا يعلم مشتري الكوبون ما إذا كانت أضحيته تذبح وتوزع بالفعل أم أن تلك الأموال تصرف في مصارف أخرى . على أية حال ، سأظل أسعى فيما بقي من اليوم ويوم غد لإيجاد من يقوم بهذه المهمة العسيرة ، وإلا فإنني سأضطر أنا أيضا للجوء إلى هذه الجمعيات الخيرية لأداء واجب الأضحية ، حتى ولو كان ذلك لا يعدو أن يكون وسيلة لأداء الواجب وإلقاء المسئولية على الغير ، وحتى لو لم أتمكن من إحياء ذكريات المظاهر الاحتفالية لهذا الحدث .

الخميس، 3 نوفمبر 2011

اليوم 282

أجمل مافي مثل هذه الإجازة فرحة اجتماعنا بابنتي التي وصلت منذ قليل من الشارقة ، فلحظات لم الشمل من أجمل لحظات الحياة . ومع أن الحياة مليئة بالمشاكل والمصاعب والعثرات ، إلا أنها أيضا تحلو بمثل هذه اللحظات الجميلة . أحد الأمور التي أحاول غرسها في أذهان أبنائي هي محاولة رؤية الجانب الإيجابي في كل شيء ، فكل شيء في الحياة يحمل جوانب إيجابية وسلبية ، ورؤية الجوانب الإيجابية تحمل على التفاؤل ، كما أن رؤية الجوانب السلبية يجب أن تكون قائمة بهدف الوعي بها ومحاولة البحث عن حلول ومعالجات لها . ابنتي عاشت اليوم إحدى تلك التجارب البسيطة في الحياة التي يمكن أن ينظر لها المرء بمنظارين مختلفين . قالت لي أنها شعرت اليوم بأن حظها كان عاثرا ، فهي ذهبت في دبي لإصدار تصريح إقامة يخولها الحصول على رخصة القيادة ، وبعد أن ذهبت لإدارة الجوازات وحصلت على الوثائق المطلوبة ذهبت لإدارة الهوية وحصلت على رقم في طابور الانتظار . وبعد انتظار دام أكثر من الساعة ونصف الساعة جاء دورها في الخدمة فطلبت منها الموظفة رسوم إصدار الهوية ففتحت محفظتها لتفاجأ بأنها لا تملك المال الكافي . نزلت إلى مكتب الاستقبال وسألت عن وجود جهاز صراف آلي في موقع قريب فأفادتها الموظفة بأن المبنى بعيد عن المدينة ولا يوجد جهاز قريب منه ، ولكنها عرضت أن تقرضها المبلغ المطلوب حتى لا تفقد دورها فقبلت شاكرة . بعد أن حصلت على الهوية أوقفت سيارة أجرة وطلبت منه إيصالها إلى جهاز صراف آلي قريب لإحضار المبلغ المطلوب فعرض عليها سائق الإجرة بدوره إقراضها المبلغ لتدفعه إلى الموظفة ثم يستعيده بعد أن يوصلها إلى حيث تريد . بعد أن حلت هذه المشكلة قام بإيصالها إلى إدارة المرور لتجد أن ساعات الدوام قد انتهت فشعرت بالإحباط من عدم حصولها على الرخصة ، ورأت بذلك أنها من ذوات الحظ العاثر . قلت لها أن حظها كان يمكن أن يكون أسوأ من ذلك ، وأن الله قيض لها كل أولئك الناس الطيبين ليتبرعو بحل مشاكلها حتى حصلت على الهوية ، ولم يتبق سوى الحصول على الرخصة التي يمكن أن يتم في وقت لاحق . هذا الموقف يمثل نموذجا بسيطا من نماذج الحياة التي يمكن أن يراها المرء بمنظارين مختلفين ، وابنتي رأته سلبيا بينما هو في الحقيقة يحمل الكثير من النواحي الإيجابية . الحياة أقصر من أن نضيعها في الإحباط والغضب ، ولو وعى الناس هذه الحقيقة لعاشو حياة أفضل وأكثر بهجة .

الأربعاء، 2 نوفمبر 2011

اليوم 281

اليوم هو آخر يوم عمل لنا قبل إجازة عيد الأضحى المبارك ، وستبدأ اعتبارا من يوم غد فترة الراحة الإجبارية التي لا تزخر بكثير من الخيارات لأنشطة الترفيه والاستجمام في هذه المدينة الجادة . عندما تصل ابنتي بإذن الله يوم غد سنتشاور في أمر الخروج في رحلة سياحية لتغيير الجو ، مع أن البحث المبدئي يشير إلى انغلاق الفرص وامتلاء الفنادق في المنطقة الشرقية ، كما أن فنادق جدة ممتلئة هي أيضا في موسم الحج . ربما يكون البديل الوحيد المتاح في المحيط القريب هو دوحة قطر ، خاصة وأن البحرين لا تمثل بديلا مريحا في ظل ما تعيشه من أجواء مكهربة ، وخاصة وأن دبي ممتلئة عن بكرة أبيها بالسعوديين . الفكرة التي باتت تراودني هي أن نقضي العيد في الرياض ، وأن نعيش أجواء عيد الأضحى كما كنا نعيشها أيام زمان ، فنقوم بذبح الأضحية في المنزل ، ونعمل جميعا على تقطيعها وتوزيعها على الجيران ، إذ ربما تكون هذه التجربة وسيلة لكسر الحواجز النفسية المنصوبة بيني وجيران الشارع ، فمنذ أن انتقلت إلى هذا المنزل لم تنشأ بيني وبين أي منهم أية علاقة من أي نوع ، اللهم إلا تلك الجارة الطيبة التي كادت أن تقع فريسة عملية نصب واحتيال لبناء منزلها الجديد . أتعجب أحيانا من هذا الحال الذي وصلنا إليه في علاقات الناس الاجتماعية ، وخاصة علاقات الجيران الذين لا يكاد أحدهم يرى الآخر حتى يرمقه بتلك النظرة المليئة بالريبة والشك . تذكرت أيام الطفولة عندما كانت والدتي رحمها الله ترسلني لأذرع ممرات الحارة في عيد الأضحى لأقوم بتوزيع قطع اللحم من خروف العيد ، فأعود بنصيبنا من لحوم خرفانهم علاوة على شيء من الحلوى التي كنت أدسها في جيبي كي لا أضطر إلى اقتسامها مع  أحد من إخوتي . أول تواصل من نوعه مع أحد من جيران شارعي قمت به اليوم عندما أرسلت لجارتنا الطيبة لوحة فنية تضم أبياتا شعرية طبعناها في المكتب لنوزعها على الأصدقاء والعملاء . بعد قليل أرسلت لنا الجارة طبقا من البقلاوة ردا على تلك الهدية ، فانفرجت أساريري من هذا التفاعل السريع الذي أشعرني بالقبول والتواصل ، مع أني ضحكت من فارق مضمون الهدية بين لوحة الأبيات الشعرية وطبق البقلاوة ، فشتان بين غذاء الروح وغذاء الجسد . لكني شعرت وقتها أن فكرة قضاء العيد بين الأهل والجيران يمكن أن تبدو فكرة جيدة تستحق التجربة ولو لمرة واحدة على الأقل .

الثلاثاء، 1 نوفمبر 2011

اليوم 280

مضت حتى اليوم قرابة الثمانية أشهر منذ أن أصبحت مستحقا لقرض صندوق التنمية العقاري بعد انتظار دام لسنوات طويلة ، ومع ذلك فإنني لم أستطع حتى الآن الاستفادة من القرض ، إذ ما من أرض أملكها للبناء ، وما من رصيد يكفي لتمويل شراء منزل وفق الأسعار الباهظة التي بلغتها . وكان قد استقر قراري على البحث عن شقة سكنية أشتريها بقيمة القرض لأستثمرها بالتأجير كمصدر إضافي للدخل يعين على أعباء الحياة ، ولكنني لم أجد منذ ذلك الحين شقة واحدة في كل أنحاء الرياض تحقق معايير الصندوق حتى تلك التي بلغت أسعارها مبلغ 700 ألف ريال بالرغم من كل جهود البحث المضني والحثيث . مساء اليوم اتصل بي مندوب أحد المكاتب العقارية يطلب مني الذهاب إليه لمعاينة إحدى الشقق ، فذهبت مترددا من كثرة المقالب التي شربتها سابقا من مثل هذه المعاينات . نتيجة الرحلة لم تكن أفضل من سابقاتها ، وعدت لا ألوي على شيء مترقبا الفرج من الله . الأمر الذي ألحظه دوما في كل تجاربي السابقي مع المكاتب العقارية دون أن أفهمه هو ذلك الغياب الدائم للوجود السعودي ، والسيطرة المطلقة للوجود الأجنبي مع غلبة ساحقة للوجود المصري . ومع أنني أعلم يقينا أن وزارة العمل كانت قد أصدرت تعليمات صارمة بسعودة قطاع المكاتب العقارية إلا أن هذه التعليمات لقيت ذات المصير الذي لقيته أكوام أخرى من القرارات والتعليمات . التطبيق الوحيد للسعودة في المكاتب العقارية كان على مستوى المظهر والزي الرسمي ، إذ أن معظم العاملين المصريين في تلك المكاتب أصبحو يرتدون ثيابا وغترا في بعض الأحيان لإعطاء مظهر مزيف من السعودة الشكلية على أمل إرضاء الوزارة ولو من ناحية المظهر . وأنا لا أدري إن كان القائمون على برنامج نطاقات سينخدعون بهذه السعودة المظهرية ، أم أن هذه الخدعة لن تنطلي عليهم كما انطلت على عملاء تلك المكاتب ، أو على الأقل على مشاعرهم ورؤيتهم الظاهرية . السؤال الأهم ، إذا كانت وزارة العمل تقول أن عدد المسجلين في برنامج حافز لإعانة العاطلين بلغ أكثر من مليون ونص المليون مواطن ، فأين هؤلاء من هذه الوظائف التي تحقق لأصحابها دخولا مجزية من عمولات الصفقات والخدمات العقارية ، أم أن هذه المهنة هي إحدى المهن المخزية التي يترفع عنها الشباب السعوديون ليفضلو النوم في العسل ، مع أن هذه المهنة على وجه الخصوص تلائم أولئك الكسالى ، فهذه المكاتب لا تعمل في الغالب إلا في فترات المساء .