التجميل

الخميس، 24 نوفمبر 2011

اليوم 303

أنهيت قبل قليل في البحرين يوما طويلا من مشاركة في مؤتمر عن الإسكان ، وهو بحق أحد أفضل المؤتمرات التي حضرتها من حيث التنظيم والمحتوى ونوعية المتحدثين . عندما دخلت إلى غرفتي في الفندق الذي أقيم فيه أشعلت التلفاز فوجدت قناة الجزيرة تعرض برنامجا عن مدينة حيفا الفلسطينية ومعاناتها من حملات التهويد والتغريب التي تمارسها السلطات الصهيونية لمحو أية ملامح للهوية العربية من عمران تلك المدينة . المتحدثون من تلك المدينة البائسة قالو أن اليهود كانو يتعمدون هدم المباني القديمة من مدارس ومساكن وأسواق ، ويعمدون إلى بناء أبراج مكانها على النمط الغربي الحديث بواجهات زجاجية ومعدنية وأشكال غريبة وناشزة عن الهوية المحلية القديمة . الصور والمشاهد التي كان رأيتها مع هذا الحديث جعلتني أظن أنني أرى صورا لأبراج في دبي أو البحرين أو قطر أو حتى الرياض التي تعيش حاليا هجمة من بناء الأبراج الزجاجية الشاهقة ، وهو ما جعلني أتحسر على هوية مدننا العربية والخليجية التي محوناها بأيدينا وليس بأيدي اليهود الغاصبين في فلسطين المحتلة . كم هي مجنونة تلك الفكرة التي اجتاحتني ، ربما يكون هذا الواقع هو شكل من أشكال الاحتلال غير المباشر لمدننا العربية والخليجية ، وربما يكون أحد وسائل التهيئة السابقة للاحتلال ، حتى عندما تجتاح مدننا تلك القوات الصهيونية الغاصبة تكون مدننا قد لبست ثوب التغريب والتهويد بشكل مسبق ، فتريح اليهود من بذل أي جهد في هذا المضمار ، ويكونون قد فعلو ما يريدون بأموال العرب والخليجيين وبإرادتهم المحضة . كم شعرت بالخجل وأنا أستمع إلى أولئك الفلسطينيين وهم يبكون على مدينتهم المسلوبة وهويتها المشوهة بأيدي اليهود ، بينما نحن نشوه مدننا بأيدينا وأموالنا وإرادتنا المحضة . أنا لا أبريء نفسي من هذه الحالة ، فأنا أيضا ساهمت كغيري في تصميم مشاريع تلبس أقنعة الغرب والعباءات الزجاجية ، ولكنني بدأت أشعر بالمرض من طغيان هذا النمط المعماري المبتذل في كل مكان أذهب إليه في دول الخليج ، حتى أنه غزانا في مدننا السعودية . تذكرت مقالا قرأته قبل عدة أيام عن مؤتمر التراث العمراني الذي انعقد في جدة في الأسبوع الماضي ، حيث سخر الكاتب من تنظيم فعاليات مثل هذا المؤتمر في فنادق ومراكز تجارية حديثة الطراز في تضارب صارخ مع موضوع الحدث ، بينما كان الأولى تنظيمها في وسط جدة التاريخي وغيره من المواقع التراثية القديمة . وعلى أية حال ، أنا لا أظن أحدا يهتم بقضية الهوية ومسألة التعبير عنها ، وكل ما نراه من مؤتمرات وفعاليات تتناولها لا يعدو أن تكون شيئا من قبيل رفع العتب والتوظيف التجاري لموضوع يمس مشاعر الناس وضمائرهم الوطنية .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق