التجميل

الثلاثاء، 22 نوفمبر 2011

اليوم 301

أجزم أن العمل المهني هو أصعب أنواع العمل خاصة في بلد مثل المملكة ، والسبب أن لا وسيلة لقياس الأداء بسبب غياب المرجعية المهنية من جهة ، وغياب الوعي وسطوة الجهل لدى العملاء بقيمة العمل وكم الجهد المبذول فيه . ومن منطلق التحيز أقول أيضا أن العمل الهندسي هو أصعب أنواع العمل المهني كونه يستنزف أشكالا متعددة من القدرات الذهنية والبدنية إضافة إلى الموارد المادية والتجهيزات التقنية ، علاوة على كونه المجال الأكثر استباحة من غير المتخصصين فيه ، إذ أن الكل يعتقد أنه أصبح خبيرا هندسيا لمجرد أنه بنى منزله أو خاض تجربة مع مهندس أو مقاول . هذا السبب وعدد آخر من الأسباب دفعتنا في المكتب إلى اتخاذ قرار استراتيجي بالامتناع عن العمل على مشاريع الأفراد والتركيز على العملاء ذوي الصفة المؤسسية ، وهم في هذه الفترة منحصرون في مؤسسات القطاع الحكومي في ظل تعثر وتوقف الكثير من مشاريع القطاع الخاص إبان الأزمة المالية العالمية . ومع ذلك ، فإننا نقبل أحيانا بعضا من تلك المشروعات الصغيرة إما لخصوصيتها وما تحمله من متعة ، وإما رغبة في تصحيح خطأ ما كما هو الأمر في حالة جارتنا الطيبة ، وإما خدمة لشخص ذو مكانة نحمل لها التقدير والعرفان . ومنذ فترة ونحن نعمل على مشروع لمنزل صغير لعميل من الصنف الثالث ، وتحملنا لأجله صنوفا من المعاناة نتيجة كم التغييرات والتعديلات التي كان يطلبها على المشروع أو تفرضها مفاجآت الموقع وظروف العمل . اليوم وصلت مع هذا العميل إلى حالة غريبة من المواجهة ، فهو في لحظة واحدة تجاهل أو نسي كل ما بذلناه من جهد لخدمته وإنهاء مشروعه العاجل على حساب أعمالنا الأخرى الأكثر أهمية وجدوى ، ووجدته يحملنا المسئولية عن خطأ لا نتحمل عنه أية مسئولية . فمقاول المشروع قام بتنفيذ أعمال لم نأذن له بها ، فظهر أنها مخالفة لمتطلبات التنفيذ ، ويلزم إزالتها وإعادة تنفيذها بالشكل الصحيح . المقاول قام بتقديم مطالبة عن قيمة هذه الأعمال ، ونحن بالطبع رفضنا اعتماد هذه المطالبة غير المبررة كونه يتحمل المسئولية عن تنفيذ أعمال دون اعتماد مسبق من استشاري المشروع . ومقابل ذلك قام المالك بتحميلنا المسئولية عن هذه الأعمال وطالبنا بتحمل تلك القيمة التي طالب بها المقاول . وعلى مدى ثلاث ساعات من وقت ثمين لا يتحمل المالك قيمته بالطبع خضنا جدلا حاميا حول قضية المسئولية عن هذا الخطأ ، ووجدنا إصرار غريبا من المالك على أن نعترف بالخطأ بالرغم من كل التفسيرات والتبريرات القانونية والفنية التي سقناها . في النهاية توصلنا إلى معالجة للمشكلة دون أن نتمكن من إقناعه بصحة موقفنا ، وختمت حديثي بالقول بأننا لم نقبل العمل على هذ المشروع بحثا عن ربح أو مكسب مادي ، بل رغبة في خدمة عميل نكن له كل التقدير ، وهو قول لم يعجبه بالرغم من مدلوله الإيجابي . كم هو محبط أن يحاسب المرء على خطأ غيره في الوقت الذي تسقط هباء كل النجاحات والجهود التي بذلها ، فمتى يتوب الله علينا من هكذا عمل وهكذا عملاء .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق