التجميل

الخميس، 30 يونيو 2011

اليوم 156

بالرغم من زحام السياح في المراكز التجارية في دبي ، إلا أن المظهر العام لا يوحي بأي تغير في المشهد الاقتصادي العام لهذه المدينة منذ كبوتها في الأزمة المالية العالمية منذ العام 2008 . عندما أتيت هذه المرة إلى دبي كنت أتوقع أن أشهد شيئا من التحركات على صعيد المشروعات المتوقفة طيلة الفترة الماضية ، إلا أن المشهد ظل كما هو دون تغيير ، ورافعات البناء لا زالت متوقفة كخيال المآتة ، وإعلانات التخفيضات المغرية على الوحدات السكنية لا زالت في مكانها الذي تعودت أن أراها فيه في كل زياراتي السابقة . التوقع الذي جئت به هذه المرة كان مبنيا على الأخبار التي كنت أسمعها على مدى الأشهر القليلة الماضية عن إصدار سندات وصكوك لحكومة دبي وشركاتها الكبرى لجمع مليارات الدولارات من سوق الدين العالمي . ولا زالت تلك الأخبار تتقاطر حتى يوم أمس عندما أعلنت الحكومة عن عزمها إصدار سندات جديدة لتمويل عدد من مشروعاتها . توقعت أن أجد أثرا لهذه المليارات على حركة البناء في المدينة ، ولكن الحال لا زال كما هو ، فإما أن هذه المليارات وجهت لسداد مديونيات سابقة ، وإما أن تلك الشركات لم تنجح في بيع تلك السندات كسابق عهدها في الماضي قبل الأزمة . المعروف أن هذه المدينة بنت نمط الاستثمار فيها على الدين ، وكانت دوما تلجأ إلى أسواق المال العالمية والبنوك الدولية لتمويل مشاريعها الخيالية . هذا النموذج كان السبب الرئيس في ذلك الانهيار الرهيب الذي أحاق باقتصاد المدينة ، ويبدو لي أنها لم تتعلم الدرس بعد ، فهاهي تعيد الكرة ببناء مديونيات جديدة بمليارات الدولارات . وكما قلت سابقا ، فإن الحسنة الأهم في هذا النموذج هو أن الحكومة نجحت في بناء بنية تحتية قوية تدعم استدامة المدينة على المدى الطويل . ولكن تلك المشاريع الحالمة التي أعلنت عنها في سالف الأيام ، كمشروع دبي لاند والبوادي والقرية العالمية وغيرها الكير لا زالت حبرا على ورق ، أو هياكل إنشائية غير مكتملة . وعلى سبيل المقارنة ، فإن المملكة التي تملك كما هائلا من الموارد المالية لا زالت تتخبط في تنفيذ مشاريع البنية التحتية ، ولا زالت تعاني من تعثر كثير من مشاريعها الحيوية ، في الوقت الذي تعاني دبي من قلة الموارد بما يدفعها إلى اللجوء إلى الاقتراض لتمويل خططها التنموية . فمتى سنتمكن من تطوير قدراتنا الإدارية لنتمكن من توظيف تلك الموارد الضخمة توظيفا فاعلا يحقق الرخاء الذي نتطلع إليه .

الأربعاء، 29 يونيو 2011

اليوم 155

التأم شمل الأسرة في دبي حيث وصلنا إليها هذه الليلة . هذه المدينة التي عانت خلال السنوات الثلاث الماضية الأمرين بعد الأزمة المالية العالمية أصبحت المستفيد الأكبر من الأحداث العاصفة التي يعيشها العالم العربي ، إذ باتت قبلة السياح الوحيدة في المنطقة التي لا زالت تتمتع بالاستقرار والأمن . الطائرة كانت ممتلئة عن بكرة أبيها ، وكالعادة عشنا فترة من التأخير الذي يقوم فيه طاقم الطائرة بحل مشكلة جلوس الركاب في مقاعدهم ، وخاصة العوائل الذين يتركون حجز مقاعدهم للحظة الأخيرة ليجدو أن مقاعدهم متفرقة في الطائرة ، ويصرون على أن يغير الركاب الآخرون مقاعدهم ليجلسو بجوار بعضهم البعض . لا أدري لماذا لا يقوم هؤلاء بحجز مقاعدهم في وقت مبكر إن كانو بهذا الحرص على أن تكون مقاعدهم متجاورة . مرت الرحلة على العموم بشكل سلس ، ووصلنا إلى مطار دبي الذي عشت فيه لحظات من غضب جارف . إذ عندما وقفت في طابور الجوازات ، فوجئت بذلك الشخص ، وهو سعودي بالمناسبة ، يدفعني من الخلف بعنف ليتجاوزني في الدور ويقف أمام موظف الجوازات دون اعتبار لهذا الكائن الذي يسبقه في الدور . لم أملك نفسي من الانفعال ، وذهبت إليه لألومه على هذا المسلك الذي يسيء إلى صورتنا كسعوديين . رده كان أسوأ من فعله ، إذ قال لي أنها المرة الأولى التي يأتي فيها إلى دبي . قلت له ، وهل الالتزام بالطابور واحترام الآخرين يختلف في الرياض عنه في دبي . ارتفعت أصواتنا عاليا ، فبادرت زوجتي إلى تهدئتي ، وشاركها في ذلك موظف الجوازات الإماراتي الذي لم يخل من لطف وظرف . غضبي لم يكن سببه أنني تأخرت في إتمام إجراءات المرور ، ولكنني غضبت لأن هذا الشخص قدم صورة قاتمة لذلك النمط الاستعلائي الذي يطبع كثيرا من السعوديين . وأنا واثق من أنه لم يكن ليفعل فعلته لو أنني كنت مرتديا الزي السعودي ، ولكنه عندما رآني بتلك الهيئة افترض تلقائيا بأنني غير سعودي ولا خليجي ، ورأى أن من حقه أن يتخطاني بتلك الهمجية . بالطبع ليس كل السعوديين كهذا الشخص ، ولكن أمثاله هم من يقدمون صورة سلبيه للسعوديين في الخارج ، وهم من يدفع كثيرا من السعوديين المحترمين لينفو انتماءهم لهذا البلد عندما يتواجدون في الخارج .

الثلاثاء، 28 يونيو 2011

اليوم 154

يبدو أن الأسبوع القادم سيكون حافلا بالأحداث عطفا على عدد من المؤشرات التي تقاطرت على مدى اليومين الماضيين . وبعد أن اعتذرت يوم أمس عن رحلة بيروت والبرنامج الذي دعيت للمشاركة فيه ، وردني اليوم اتصال من مكتب وزير العمل يتضمن دعوتي لحضور لقاء خاص مع الوزير للحديث عن توجهات الوزارة وبرامجها المستقبيلة ، وهو ما يبدو أنه أصبح نمطا من شراء الكتاب يتبعه المسئولون لتسويق برامجهم وخططهم للعامة . اعتذرت أيضا عن عدم تمكني من حضور هذا اللقاء ، مع أني شعرت بالحسرة أكثر من حسرتي على فوات فرصة رحلة بيروت الترفيهية عطفا على أهمية هذه الفرصة لحديث مباشر مع هذا الوزير الذي أثار كثيرا من الجدل بأفكاره المبدعة . وحيث أنني أرتب نفسي للرحيل إلى دبي يوم غد لقضاء أسبوع من الراحة مع الأسرة فقد عقدت العزم على أن أتوقف مؤقتا عن كتابة هذه اليوميات لأتحاشى صداما متوقعا مع زوجتي العزيزة ، ولها في ذلك كل الحق . ولكن يبدو أن حدسي الذي ينبئني بأحداث الأسبوع القادم سيتفوق على ما عقدته من عزم ، وسأجدني أمد يدي خلسة إلى جهاز حاسوبي المحمول لأسطر مشاعري حول ما يصلني من أخبار أثناء هذه الرحلة . وعلى أي حال ، فإن الأحداث التي أعيشها مع شركة سمة والسائق الجديد وتقلبات المكتب اليومية بين ألوان النطاقات وغيرها وغيرها ستجعلني قبلة للاتصالات اليومية من فريق العمل بالمكتب للتعاطي مع تلك الأحداث . كثيرا ما يملؤني شعور بالحسد تجاه أولئك الموظفين في القطاع الحكومي أو الخاص الذين يملكون إمكانية أن يقطعو علاقتهم بأماكن عملهم ليتمتعو بإجازة حقيقية خالصة ، فأنا قد فقدت هذه المتعة منذ أكثر من سبعة عشر عاما . وأنا لا أستطيع ، ولو أردت ، أن أقطع صلتي بمحل عملي ، ليس فقط لأن رب العمل في ثقافة العمل في بلادنا هو الكل في الكل ، وهو الذي يجب الرجوع إليه في كل صغيرة وكبيرة ، ولكن أيضا لأن أصحاب العمل يريدون دوما أن يتعاملو ويتعاطو مع صاحب المكتب ، ويريدونه حاضرا للإجابة على كل تساؤلاتهم وتلبية كل طلباتهم في كل وقت وفي أي مكان . كل ما أرجوه أن تمر هذه الإجازة القصيرة على خير دون أن يمسني شيء من اللوم على ما قد يعترضني من مشاغل ، وكل عام وأنتم جميعا بخير .

الاثنين، 27 يونيو 2011

اليوم 153

بدأت يومي المزدحم بمصارعة زحام الطرق محاولا الوصول في الموعد لحضور لقاء نظمته غرفة الرياض التجارية مع وكيل وزارة العمل حول برنامج نطاقات الوزارة الجديد ، إذ توقعت أن يشهد هذا اللقاء حضورا غير مسبوق ينسجم مع كم التساؤلات والمخاوف التي يحملها الكثيرون من أصحاب الأعمال حول هذا البرنامج . وقد كان بالفعل ما توقعت ، فالحضور كان كبيرا فاضت به جنبات ثلاث قاعات خصصتها الغرفة للحضور ، وجهزتها بالشاشات والمايكروفونات والمقاعد التي لم تكف هذا الكم الهائل من الحضور فبقي منهم الكثيرون واقفين . الوكيل قدم عرضا مفصلا عن البرنامج ، وحاول بيعه على الحضور عبر إقناعهم بأهدافه وغاياته وأسس تنظيمه . ومع ذلك ، إلا أن عددا هائلا من الأيدي ارتفع بعد إنهاء العرض ، وتقاطرت الأسئلة والملاحظات والاقتراحات وحتى الصياح والنقاش الحاد . وفي المجمل ، جاءت إجابات الوكيل لتؤكد تلك النظرة الأحادية من جانب الوزارة ، وفقدان الفهم والتواصل مع هذه الشريحة من أصحاب الأعمال الذي سيدفعون ثمن تطبيق هذا البرنامج . السؤال الذي لم أتمكن من طرحه في ظل هذا الازدحام كان عما إذا كان البرنامج يحقق فعلا العدالة التي تتحدث عنها الوزارة ، وما إذا كان سيعالج ظاهرة العمالة السائبة الذين أتو إلى المملكة على كفالة أفراد متنفذين من أصحاب السطوة ، وليس على كفالة مؤسسات تجارية وبعقود مبرمة واضحة المعالم والمسئوليات . وأنا في الحقيقة لا أعتقد أن الوزارة تملك أية سلطة في معالجة هذا الجانب من المشكلة ، خاصة وأن تلك التأشيرات تصدر من جهات أخرى بعيدا عن سلطة وسطوة وزارة العمل . وللإنصاف ، فإنني أؤمن أن البرنامج ينطلق من فكرة رائدة ورؤية جادة ، ولكن المشكلة أن المناخ العام لا يساعد على نجاح تطبيقه بالشكل المأمول ، وهو ما سيؤدي حتما إلى إحباطه وفشله . وقديما قالو ، ظلم بالمعية عدل في الرعية ، ولو طبق مضمون البرنامج على الجميع بسواسية فلربما كتب له شيء من النجاح ، ولكن التفرقة في التطبيق بين أمير ووزير وغفير وتاجر ومواطن بسيط لن تؤسس لمثل هذا النجاح . وبعد أن خرجت من هذا اللقاء وردني اتصال على هاتفي الجوال من إحدى القنوات الفضائية الخليجية وجه فيها المتصل لي الدعوة للمشاركة في برنامج حواري حول موضوع البطالة في العالم العربي ، حيث سيتم تسجيل هذه الحلقة في بيروت في الأسبوع القادم مع عدد من المتحدثين والمذيعين العرب . وللأسف فقد اضطررت للاعتذار عن عدم تمكني من المشاركة في هذا البرنامج نظرا لسفري مع أسرتي إلى دبي في الأسبوع القادم ، مع أن الداعي حاول إغرائي باستضافتي في رحلة مدفوعة النفقات لثلاثة أيام كاملة على حساب القناة . الداعي طلب مني أن أرشح له شخصا آخر ليشارك في هذا البرنامج ، وها أنذا أطرح الدعوة لقراء هذه السطور ، وعلى من يجد في نفسه الكفاءة والرغبة في التمتع بإجازة قصيرة في رحاب بيروت العامرة أن يبلغني بذلك عبر البريد الإلكتروني لأقوم بترشيحه بديلا عني في هذا البرنامج .

الأحد، 26 يونيو 2011

اليوم 152

البنوك التجارية وبمساندة من مؤسسة النقد خلقت بعبعا جديدا ترعب به المواطنين ، وكأنها لم تكتف بتلك السطوة التي تمارسها عبر إمساكها بمفاتيح التمويل ، وتحكمها في من يحصل عليها وفق معايير كثيرا ما تبعد عن المهنية واحترافية العمل البنكي . هذا البعبع إسمه شركة سمة للمعلومات الائتمانية ، وبدأ يفرض وجوده في حياة الناس بشكل خانق . وجود شركات للمعلومات الائتمانية أمر مهم جدا في عالم التمويل ، وبدونها يرتفع سقف المخاطر في منح القروض والتسهيلات البنكية ، وترتفع معه تكاليف مثل ذلك التمويل . ولكن النمط الذي تعمل به هذه الشركة يحمل كثيرا من أوجه القصور . والمشكلة أن المعلومات عن تعثر الفرد أو الشركة يتم إدخالها من قبل جهات التمويل دون أن تقوم شركة سمة بأي جهد لتدقيق تلك المعلومات ، والتأكد من أنها لا تعكس موقفا متحاملا من البنك أو أحد موظفيه ، أو حتى خطأ بشريا يمكن أن يتسبب في إيقاع الضرر بالشخص الذي سجلت عليه الملاحظة . كما أن تلك الجهات تهتم بتسجيل حالات التعثر بحرص مطلق ، ولا تهتم بالاستعجال في رفع تلك الملاحظات بعد أن يقوم العميل بسداد ما عليه من استحقاقات . والأدهى من ذلك ، أن شركة سمة لا تملك أية صلاحية لتصحيح مثل ذلك الخطأ حتى لو أثبت المتضرر خطأ تسجيل الملاحظة ، وذلك لأن مؤسسة النقد منعت الشركة من أداء هذا الدور ، وفرضت أن تحصر تلك الصلاحية في ذات الجهة التي سجلت تلك الملاحظة ، لتكون بذلك الخصم والحكم في ذات الوقت . ومنذ الأسبوع الماضي وأنا أسعى بجهد جهيد لمعالجة ملاحظة سجلها أحد البنوك زعم فيها أنني أصدرت شيكا بدون رصيد ، وطلبت مني شركة سمة أن أعالج المشكلة مع البنك كونه هو الوحيد الذي يملك صلاحية رفع الملاحظة من سجلي الائتماني . وعندما قمت بمراجعة البنك عجزت عن الحصول على صورة عن ذلك الشيك المزعوم ، إذ أفاد البنك أنه لم يتمكن من الحصول على ذلك المستند برغم تقديم طلب رسمي بذلك لثلاث مرات متتالية . قلت لمسئول البنك ، إذا كان البنك لا يملك مستندا يثبت صحة ادعائه ، فكيف قام بتسجيل تلك الملاحظة في سجلي الائتماني ، ولماذا صمت البنك أكثر من سنة كاملة بعد إصدار الشيك المزعوم في شهر إبريل من العام 2010 ليسجل الملاحظة في مايو من العام 2011 . الأنكأ ، أن الشيك موضوع الخلاف صادر من المؤسسة التي أملكها وأديرها كما يقول البنك ، فلماذا قام البنك بتسجيل الملاحظة في سجلي الائتماني الشخصي عوضا عن سجل المؤسسة الائتماني . وبين مكابرة البنك الذي لا يريد أن يعترف بخطئه ، وعجز شركة سمة عن التدخل في نظام لا تملك عليه أي سلطة ، ووقوف مؤسسة النقد موقف المتفرج ، أصبحت كالغريق الذي يبحث عن طوق نجاة ، إذ حتى تتم معالجة هذه المشكلة ويتم تنظيف سجلي الائتماني فإنني سأبقى عاجزا عن الحصول على أي نوع من أنواع التمويل ، بما في ذلك إيقاف التعامل بالطباقات الائتمانية التي أصبحت أحملها وزنا إضافيا في محفظتي .

السبت، 25 يونيو 2011

اليوم 151

بدأ صندوق التنمية العقاري اليوم برنامجه الجديد الذي يمكن المواطنين من تقديم طلباتهم للحصول على قروض الصندوق عبر بوابته الإلكترونية وفق التنظيم الجديد الذي لا يشترط ملكية أرض للتقدم للحصول على قرض . قبل هذا اليوم كان عدد المنتظمين في قائمة انتظار قروض الصندوق قد بلغ حوالي 500 ألف مواطن . واليوم شهد الصندوق تقديم أكثر من 900 ألف طلب في يوم واحد فقط ، أي أن عدد طلبات اليوم يعادل تقريبا ضعف قائمة الانتظار السابقة المتراكمة منذ تأسيس الصندوق منذ حوالي أربعين عاما . وبعد هذا الرقم القياسي الذي سجله الصندوق اليوم في عدد الطلبات ، أصبح إجمالي عدد طلبات القروض المطلوبة من الصندوق حوالي 1.4 مليون طلب تبلغ قيمتها الإجمالية 700 مليار ريال . هذه القائمة ستطول بكل تأكيد ، فاليوم هو اليوم الأول فقط ، والكثيرون سيتقاطرون في الأيام التالية للانضمام إلى هذه القائمة من الناس الذين يريدون أن يمسكو سرابا يلوح في الأفق . وحتى لو أوقف الصندوق تسجيل الطلبات واكتفى بقائمة اليوم المهولة ، فإن آخر شخص سجل اليوم سينتظر 70 عاما للحصول على القرض ، هذا بافتراض أن الصندوق سيستمر دون انقطاع في منح معدل يبلغ 20000 قرض في السنة . ومن قبيل الصدفة البحتة ، كنت أتحدث اليوم مع أحد أعضاء مجلس الشورى الموقر في نقاش معمق حول قضية الإسكان وإمكانات الحل ، وتطرقت في حديثي إلى الصندوق وآلياته البالية في معالجة هذه المشكلة ، وكيف أنها كانت سببا مباشرا في خلق المشكلة من الأساس . الأنكأ ، أن كثيرا ممن حان دورهم في قائمة انتظار القرض لم يستطيعو استلامه والاستفادة منه ، حيث أنهم جميعا لا يملكون الأرض التي يمكن لهم أن يقيمو عليها مساكنهم ، كما أن قيمة القرض لا تكفي لبناء مسكن ملائم بالأسعار الحالية . وحتى من أراد منهم شراء شقة سكنية بهذا القرض ، بمن فيهم العبد الفقير إلى الله ، صدمو بأسعار الشقق السكنية القليلة المتوفرة في سوق العقار ، والتي بلغت أسعارها عنان السماء في تضخيم مفتعل من أهل العقار لاقتناص ثمرة هذا الطلب الرهيب على الوحدات السكنية . وفي ظل قصور العرض في سوق الوحدات السكنية من جهة ، وارتفاع أسعار الأراضي ومواد البناء من جهة أخرى ، فإن تحقيق حلم المسكن سيظل بعيد المنال ، حتى لو وزع الصندوق قسائم تسجيل طلبات القروض على الناس . الشيء الوحيد المفرح في هذا الخبر ، أن البوابة الإلكترونية لهذا البرنامج تمكنت من استقبال هذا الطوفان الهائل من الطلبات دون أن يصيبه أي عطل أو بطء . ومن هنا أدعو وزارة العمل أن تستفيد من خبرة الصندوق في مجال تقنية المعلومات لمعالجة المشكلات التقنية التي يواجهها موقع الوزارة وبرنامج نطاقاتها المزعوم .

الجمعة، 24 يونيو 2011

اليوم 150

في كل يوم جمعة أثناء تواجدي في الرياض أستمع إلى خطبتين اثنتين ، الأولى في المسجد الذي أصلي فيه صلاة الجمعة ، والثانية هي خطبة الحرم المكي الشريف التي أستمع إلى بعض منها في السيارة أثناء عودتي من الأولى . وعلى مدى الأشهرالقليلة الماضية ، لاحظت تغيرا كبيرا في لغة الخطاب في الخطبة الثانية على وجه الخصوص ، فقد بدأ يطغى عليها نمط متزايد من التشدد ، وأصبحت تطرح رؤى مغايرة لتلك التي كنت أستمع إليها في السنوات الأخيرة . أذكر أن أحد الخطباء قال في خطبة استمعت إليها قبل عدة أسابيع ما معناه أن الوسطية ليست هي التوسط بين طرفين ، وإنما الوسطية هي تبني ما هو حق . تساءلت حينها عمن يملك حق تحديد ما هو الحق الذي يجب تبنيه تعبيرا عن الوسطية ، خاصة وأن أوجه الخلاف والاختلاف في شئون الدين والحياة كثيرة ومتعددة ، وبخلاف الأصول الثابتة في الحلال والحرام فإن كل شيء آخر هو محل اختلاف في الرأي . هذا الرأي الذي عبر عنه خطيب الجمعة في ذلك اليوم أثار شيئا من المخاوف في نفسي ، وتعزز هذا الشعور بعد ظهر اليوم وأنا استمع إلى خطبة اليوم التي كانت تحمل كثيرا من الهجوم والتجريم والنقد والتسفيه في موقف رأيته متحاملا بشكل تعميمي . والمشكلة ، أن خطبة الجمعة في هذا المكان بالذات لا يتم توجيهها لحضور الصلاة الحاضرين في الحرم فقط ، كما هو الحال في المساجد المحلية الأخرى ، وإنما يتم بثها إلى المسلمين في كل أصقاع العالم ، ويستمع إليها القاصي والداني من المسلمين وربما من غيرهم أيضا . وبالتالي ، فإن دائرة تأثير هذه الخطبة أوسع بكثير ، وما تتتناوله وما تعرضه من آراء يعكس اتجاها عاما يتم تلبيسه وتعميمه على كل المجتمع والدولة . هذا الواقع يتطلب حرصا كبيرا على تقنين ما يقال في هذه الخطب ، ليأتي معبرا عن مفهوم الوسطية الحقيقي الذي ترفع الدولة رايته ، ليس فقط لتفادي النقد من الدول والمجتمعات الأخرى ، ولكن لأننا نحمل مسئولية توعية وتعليم وتثقيف المسلمين في كل مكان ، وعلينا بالتالي أن ننقل لهم رؤية صحيحة للدين الحنيف ، دين اليسر والسماحة . الشيء الآخر الذي أزعجني اليوم هو تلك اللغة المتقعرة التي استخدمها الخطيب في خطبته ، فجاءت مليئة بسجع مصطنع ، ومفردات لغوية صعبة على الفهم على المثقفين ناهيك عن العامة البسطاء ، خاصة وأن كثيرا من المصلين في المسجد ، وغيرهم ممن يستمعون إلى الخطبة منقولة عبر القنوات الفضائية ، لا يتحدثون من العربية إلا أيسرها ، ولا تصلهم بالتالي تلك المعاني التي تتضمنها الخطبة .

الخميس، 23 يونيو 2011

اليوم 149

عطفا على حديث الأمس عن التحقيق في كارثتي جدة ، وما يشهده من تباطؤ وتجاهل بلغ ذروته بالإفراج عن كافة المتهمين وإعادتهم إلى مواقع عملهم ، فقد تلقيت عددا من التعليقات والاتصالات من بعض الإخوة القراء حول هذا الموضوع الذي يبدو أنه نكأ جرحا غائرا لدى الكثيرين . بعض هؤلاء الإخوة أشار إلى اجتماع مجلس منطقة مكة المكرمة الذي عقد قبل عدة أيام ، والذي تم فيه استعراض واقع المشروعات الجارية في المنطقة . تذكرت ما قاله وكيل إمارة المنطقة من أن نسبة المشروعات المتعثرة في المنطقة لا تزيد على 13% من مجمل المشروعات الجاري تنفيذها ، ويقع معظمها في قطاعي الصحة والتعليم . هذا الحديث أثار استغرابي كما أجزم أنه أثار استغراب الكثيرين ممن استمعو إليه . فما تعيشه منطقة مكة المكرمة بمختلف مدنها الكبرى والصغرى من ترد في الخدمات والبنية التحتية والعمرانية يثير الكثير من التساؤلات حول صحة هذه المعلومة . في آخر مرة زرت مدينة جدة قبل حوالي الأسبوعين رأيت عددا من مشروعات الجسور والطرق التي لا زالت تعاني التعثر منذ أكثر من ثلاث سنوات . ومشروع مدينة الملك عبد الله الاقتصادية بمفرده يمثل حالة مزعجة من التعثر التي لن يفك عقدتها هذا النمط من إدارة التطوير حتى مع قرض المليارات الخمسة التي قدمتها وزارة المالية . ومثله أيضا الكثير من المشروعات العقارية التي لا زالت حبرا على ورق ، أو بقيت حفرا امتلأت بمياه أمطار الكارثة . وحتى لو صدقت الأرقام التي أوردها الخبر ، فإن قطاعي التعليم والصحة يقعان في مقدمة قطاعات التنمية ، والتعثر في مشروعاتهما يوقع ضررا يفوق بكثير الضرر الذي يحدثه تعثر تنفيذ المشروعات العقارية والتجارية التي تدور حول جدواها الكثير من علامات الاستفهام . واليوم عرضت المحطات الإخبارية حديثا لأمير المنطقة حول تعثر بعض الشركات التي تم منحها امتيازات تطوير بعض المناطق العشوائية ، حيث لوح بالتهديد والوعيد لتلك الشركات ، وخص منها شركة خزام . ولا أدري إن كان هذا المشروع وبقية مشاريع تطوير العشوائيات قد تم وضعها ضمن النسبة المعلنة للمشاريع المتعثرة . وعلى أي حال ، فإن هذا التهديد والوعيد يظل فاقدا للفعالية في ظل الآليات والإجراءات العقيمة التي تتبعها وزارة المالية وبقية أجهزة الدولة في إدارة مشاريع التنمية . وأنا في الخلاصة لا أجد فرقا بين حالة تطوير المشاريع في القطاعين العام والخاص ، فكلاهما يعيش حالات من التعثر التي يندى لها الجبين ، وكلاهما يشتكي من أسباب وظروف مختلفة يتذرعون بها لتبرير هذا التعثر .

الأربعاء، 22 يونيو 2011

اليوم 148

اتصل بي اليوم أحد الأصدقاء من أهل مدينة جدة عروس البحر الأحمر ، ونقل لي في معرض حديثه أن أحد المسئولين من قيادات أمانة محافظة جدة الذين كانو رهن التحقيق قد أخلي سبيله وعاد إلى مباشرة عمله في ذات الموقع الذي كان يحتله قبل الكارثة وقبل التحقيق وكأن شيئا لم يكن . علمت منه أيضا أنه لم يبق أحد رهن الاعتقال ، وكأن القضية قد انتهت أو وضعت على الرف . ولأن وزارة الداخلية كانت قد أعلنت إحالة 302 شخص و30 شخصية اعتبارية إلى التحقيق في هذه الكارثة منذ حوالي الشهرين ، فإنني لا أعتقد أن هذين الشهرين كانا كافيين لإتمام التحقيقات وتبرئة كل المتهمين وإخلاء سبيلهم وطي قيد القضية . هذا الأمر أثار في نفسي كثيرا من التساؤلات حول قيمة الإنسان في هذا الموقف ، فالذين قضو نحبهم في الكارثتين المتواليتين لا يمكن أن تذهب حياتهم سدى دون محاسبة من تسبب في ذلك . والذين فقدو مساكنهم وممتلكاتهم وذكرياتهم لا يمكن أن يسكتو عن إسقاط العقوبة عمن يستحقونها باقتدار . ولكن المشكلة أن إعادة هذا المسئول إلى عمله بهذا الشكل لا يعبر فقط عن الاستخفاف بمشاعر الناس ، ولكنه يضعه أيضا في موقع الخطر ، إذ أن بعضا من أولئك الذين تضررو من تلك الكارثة ، وفقدو بعضا من أهليهم أو ممتلكاتهم فيها ، وعلمو أنه كان أحد المتهمين الذي كانو قيد التحقيق ، قد تأخذه الحمية وفورة الغضب ، ويقدم على الاعتداء عليه في موقع عمله . وأنا بذلك أقترح على وزارة الشئون لبلدية والقروية أن تنقله من موقعه في محافظة جدة إلى محافظة الخرخير ، ليس من قبيل العقوبة والنقل التأديبي ، ولكن رأفة به وحماية له من تربص المتربصين . وعلى أي حال ، فإن الموعد المرتقب لهطول الأمطار وتجدد الكارثة قد اقترب ، ولا يفصلنا عنه سوى بضعة أشهر ، وقد يكتب الله تجدد ذات الهجمة المناخية على تلك المدينة المسكينة ، حتى يتجدد الاهتمام بهذه القضية ، ويصحو الضمير الإنساني الذي خدرته مشاغل الحياة . الشيء الأكيد ، أن الاستشاري العالمي الذي كلف خزينة الدولة 650 مليون ريال لن يتمكن من درء هذا الخطر بهذه السرعة ، خاصة وأنه آت من عالم آخر ، وعليه أن يسبر أغوار تعقيدات بنية هذه المدينة وشبكات الفساد الإداري المستشري فيها قبل أن يتمكن من وضع الحلول السحرية المرتقبة لمعالجة هذه المشكلة .

الثلاثاء، 21 يونيو 2011

اليوم 147

تصلني من وقت لآخر دعوات متفرقة لحضور كثير من الندوات والمحاضرات والمؤتمرات والديوانيات الاجتماعية والثقافية ، إذ يبدو أن هذه المحافل أصبحت وسيلة لتحقيق أغراض متعددة ، بين دفع الحراك الثقافي ، إلى توثيق العلاقات الاجتماعية ، علاوة على كثير من الظهور والبحث عن البروز الإعلامي . وغرفة الرياض التجارية الصناعية تلعب هذا الدور عبر ما تنظمه وتدعو إليه من محاضرات وندوات وملتقيات يدور معظمها حول مواضيع اقتصادية الطابع بحكم اختصاص الغرفة . وصلت للتو إلى منزلي قادما من الغرفة حيث حضرت محاضرة للدكتور ناصر التويم حول المنشآت الصغيرة والمتوسطة ورؤيته حول ما أسماه نظرية الإدارة الرشيقة . المحاضر قدم في محاضرته قراءة لواقع هذه الشريحة من المنشآت ، وهو الواقع الذي وصفه بالحزين حيال ما يشوبه من إهمال وما يواجهه من عوائق وعقبات . والحقيقة أن هذه المحاضرة كانت بحق ممتعة في شمولية الرؤية التي قدمتها ، ولكنها كانت ككثير من هذه المحاضرات موجهة للمستمع الخطأ ، إذ لم يكن من بين الحضور أي من مسئولي الشركات الكبرى أو البنوك التجارية أو المؤسسات الحكومية ذات العلاقة أو حتى أعضاء مجلس إدارة الغرفة التي نظمت الحدث . ومع أن المحاضرة شهدت في ختامها كما هائلا من المداخلات والتعليقات من الحضور ، إلا أنني تمكنت من اختطاف المايكروفون لأعلن ما اعتمل في نفسي من انطباعات حول هذا الموضوع . قلت للمحاضر الكريم أن هذا الموضوع ، مثله مثل كثير من القضايا التي يعاني منها المجتمع ، يدور حولها الكثير من الحديث والنقاش والجدل في كثير من المحافل ، بما فيها ذلك الجدل الدائر في مجلس الشورى ، وما صدر عنه من قرارات هي في حقيقتها توصيات لا ترى النور . وكالعادة ، فإن الموضوع يظل دوما بمنأى عن وضع حلول جذرية شمولية مبنية على فهم عميق لجذور المشكلة . قلت له أيضا أن المبادرة لا يمكن أن تأتي من القطاع الحكومي المثقل بالبيروقراطية والفكر الفردي في العمل ، وإنما يجب أن تأتي من تلك الكيانات التجارية الكبرى والبنوك التي تكدس أرباحها الفلكية عاما بعد عام . وبما أننا كنا في رحاب الغرفة التجارية الصناعية ، فقد ألقيت أيضا باللائمة على الغرفة ومثيلاتها في مدن المملكة الأخرى ، فهي لم تقم حتى الآن بأكثر من جهد يقع في درجة رفع العتب ، ودعوت الغرفة لأن تؤسس صندوقا للاستثمار المغامر في الكيانات الناشئة ، خاصة وهي تجبي مختلف أشكال الرسوم من كل الكيانات التجارية العاملة في المدينة . وإلى أن يرفع أحد راية المبادرة بالفعل بدلا من القول ، فستظل هذه المشكلة تراوح مكانها ، مثلها في ذلك مثل مشاكل الإسكان والبطالة وغيرها من المشاكل التي يعاني منها المجتمع .

الاثنين، 20 يونيو 2011

اليوم 146

الشكوى السائدة في قطاع الأعمال على مدى السنوات الثلاث الماضية هي من قصور التمويل بمختلف أشكاله ومصادره ، خاصة بعد أن ارتفع سقف التحفظ في البنوك التجارية ، وانكفأ المستثمرون على خزائنهم من منطلق أن النقد هو الملك . ومع أن الدولة هي الممول الأكبر في هذه الفترة لمشاريع التنمية ، إلا أن تنفيذ هذه المشاريع من قبل شركات المقاولات والاستشارات ومزودي الخدمات يتطلب حصولها على تسهيلات ائتمانية تمكنها من أداء التزاماتها التعاقدية التي يتطلبها نظام المشتريات الحكومية الجائر . والعجيب أن هذه الشركات تقوم في الحقيقة بمهمة تمويل تنفيذ مشاريع الدولة حتى مراحل معينة يمكن لهم فيها أن يقدمو فواتيرهم ومطالباتهم ليبدأ الصرف عندها من قبل الدولة ، وفي العادة يقوم المقاول بتمويل حوالي 30% من قيمة المشروع قبل أن يبدأ بالحصول على أية موارد مالية نظير ما أنجزه من أعمال . ومن الممكن أيضا أن يتم المقاول إنجاز مشروعه ليبدأ بعدها رحلة مملة للمطالبة يمستحقاته المالية الختامية . آخر هذه الحالات التي سمعت عنها ، ناهيك عن تلك التي عشتها ولا زلت أعاني تبعاتها ، هي تلك الحالة التي سمعت عنها اليوم في مشروع جامعة الأميرة نورة . فقيمة المشروع الفعلية بحسب مجمل مستخلصات المقاولين الثلاثة الكبار هي 43 مليار ريال ، في الوقت الذي لم تصرف وزارة المالية لهم حتى الآن سوى مبلغ 20 مليار ريال ، أي ما يعادل أقل من نصف قيمة المشروع . وأنا في الحقيقة لا أدري ما هو ثمن هذا التمويل الذي يقدمه أولئك المقاولون نظير تأخير صرف هذه المبالغ ، ولكنني متأكد من أن هذا الثمن قد تم تضمينه مسبقا في أسعار التنفيذ منذ البداية . وهؤلاء المقاولون الكبار يملكون خطوطا ائتمانية هائلة لدى البنوك تمكنهم من تحمل مثل هذا التأخير في الصرف ، ولكن صغار المقاولين والاستشاريين يعانون الأمرين وهم لا تعتد بهم البنوك ولا تعيرهم أي انتباه . وفي المقابل ، أسمع من وقت لآخر عن عقود تقوم بها بعض شركات الوساطة لتمويل مشاريع خيالية هي في أغلب الأحيان مشاريع عقارية الطابع . ومثل هذه الوساطات تتم بالتنسيق مع أشخاص متنفذين في البنوك تتم وفق ترتيبات منها ما هو فوق الطاولة ومنها ما هو تحتها . أجد نفسي في كثر من الأحيان في حيرة من أمري ، فهل سلوك هذا السبيل يقع في حكم الضرورات التي تبيح المحظورات ، أم أن الرشوة هي الرشوة مهما حاولنا تجميلها وتهذيبها وتبريرها لتكون أكثر قبولا ؟ .

الأحد، 19 يونيو 2011

اليوم 145

في مثل هذا اليوم قبل سبع سنوات انتقلت والدتي إلى رحمة الله تعالى . ومنذ ذلك اليوم وأنا أعيش فراغا رهيبا بعد أن فقدت أعز إنسان في الوجود . وفي كل عام منذ ذلك اليوم وأنا أتعجب من حال الإنسان الذي يقلب الله قلبه بين مشاعر الفرح والحزن من ساعة إلى ساعة . يوم أمس كنت أعيش مشاعر غامرة في ذكرى زواجي ، واليوم ها أنا غارق في مشاعر الحزن التي تتجدد كل عام في مثل هذا اليوم ، مع أن ذكراها لم تغب أبدا عن خافقي . منذ ذلك اليوم وأنا أعيش مع أختي الكبرى التي تقيم في المدينة المنورة موقفا متضاربا من فقد والدتنا العزيزة . أقول لها أنني لم أشبع من صحبتها بعد أن أشغلتني الدنيا وأبعدتني الغربة وطلب العلم والرزق في بلد آخر ، ولم أكن أراها إلا عندما تجمعنا الأعياد والمناسبات المتباعدة من وقت لآخر . في الوقت الذي كانت أختي تراها كل يوم ، تسعد بصحبتها وتقوم على شئونها وكسب رضاها . وهي في المقابل تقول لي أنني أكثر حظا منها ، فأنا معتاد على فراقها ، بينما هي تعيش بعد فقدها كما لو أن روحها نزعت منها بعد أن غابت من كانت تشغل وقتها وتملأ حياتها . وفي كل الأحوال ، فإن الدنيا كلها لقاء وفراق ، وكلنا سائرون على هذا الدرب . وكل ما أرجوه أن يجمعنا الله بأحبتنا في جنانه يوم البعث ، وأن يحسن خاتمتنا بخير العمل . وعودا على الحديث عن مشاعر الفرح ، فقد أسعدني عدد كبير من الصدقاء باتصالاتهم ورسائلهم الإلكترونية هذا اليوم ليهنئونني بهذه المناسبة السعيدة . هذه الاتصالات والرسائل أسعدتني وخففت عني وطأة الحزن الذي غمرني منذ الصباح ، فلهم مني كل الشكر والعرفان . الجميل أن أيا من تلك الاتصالات والرسائل لم يتضمن ما كنت أخشاه من سخرية أو اعتراض على فكرة الاحتفال بذكرى الزواج ، بل على العكس ، فقد وجدت الكثير من المساندة والدعم ، حتى أن بعضهم أشاد بما قمت به من الكتابة في هذه المدونة ، ورجو أن يكون في ذلك شيئا من تشجيع الآخرين على إشاعة المعروف وحسن العرفان . والحقيقة ، أن الدنيا كلها كأنها مسيرة يوم ، ولا يجوز أن نضيعها بالتشاؤم والصراعات والأنانية ، ولا يبقى لأي منا بعد أن يحين أجله سوى الذكرى الحسنة والسيرة العطرة .

السبت، 18 يونيو 2011

اليوم 144

يصادف اليوم ذكرى زواجي الحادية والعشرين ، ففي مثل هذه الليلة قبل واحد وعشرين عاما دخلت قفص الزوجية الذهبي لأعيش حياة كانت كحياة كل الناس خليطا من المسرات والمنغصات . وأنا في العادة أحرص على الاحتفاء والاحتفال بمثل هذه المناسبات ليس فقط لأنها تضيف شيئا من الفرح في خضم مشاكل الحياة وعثراتها ، ولكن لأنني اقدم من خلالها بادرة عرفان للجوانب المضيئة في هذه التجربة . حياتي الزوجية مرت مثل غيري بالكثير من العواصف والمشاكل التي كانت لتعصف بأية علاقة زوجية لولا عمق العلاقة والمشاعر التي شكلت دوما درعا واقيا من تلك العواصف . وبعد مرور واحد وعشرين عاما بالتمام والكمال من عمر هذا الزواج ، فإن هذه العلاقة تصبح أوثق وأمتن وأكثر مناعة بعد أن جابهنا سوية كل تلك المشاكل والمنغصات . أحمد الله أن كان العقل والمنطق السبيل الدائم والسلاح الأمضى في مواجهة تلك المشاكل ، علاوة على ما ذكرته من مشاعر خالصة وحب عميق . ولأنني سأكون منشغلا هذه الليلة بالاحتفاء بزوجتي وشريكة حياتي في هذه المناسبة السعيدة ، لأقدم لها آيات الشكر والعرفان على ما حباني الله بقربها من سعادة ، فإنني لن أطيل كتابة هذه السطور ، إذ علي أن أخصص هذا اليوم على الأقل لمن شاركتني كل هموم حياتي وصبرت على تقصيري وكثرة انشغالي عن شئون الأسرة ، وكانت دوما خير سند لي في مواجهة أعباء الحياة ، وعونا على تربية أبنائي الأربعة ليكونو فخرا لنا جميعا . قد يعترض البعض على مبدأ الاحتفال بمثل هذه المناسبة ، وقد يسخر البعض الآخر من اهتمامي بهذا الأمر ، ولكنني أؤثر أن أرمي مثل هذه الاعتراضات وراء ظهري . كل ما أرجوه من كل المعترضين والمساندين أن يخلصو الدعاء لي بدوام السعادة والهناء ، وأنا أدعو الله لهم في المقابل بأن يجعل حياتهم خيرا من حياتي ، وأن يرزقهم السعادة والرضا والقناعة ، وأن يعيشو دوما مثل هذه المشاعر الحميمة التي أعيشها بحمد الله وتوفيقه .

الجمعة، 17 يونيو 2011

اليوم 143

في طريق العودة من غداء الجمعة المعتاد توقفنا عند إحدى إشارات المرور في شارع التحلية ، وتوقفت بجواري سيارة من النوع الفاخر تضم مجموعة من الشباب السعوديين الذين يبدو أنهم كانو يتسكعون في الشوارع لملء فراغ يومهم الصيفي الحار . وعند الإشارة بادر سائق السيارة وفتح نافذة سيارته وألقى علبة سجائر فارغة في عرض الطريق . أزعجني هذا المنظر ، فتقدمت بسيارتي لأكون بمحاذة سيارته لأشير إليه بخطأ فعلته التي اقترفها . تقدم هو الآخر وكأنه آثر الابتعاد عن هذا الناصح المزعج ، ووجدته يكرر فعلته مرة أخرى ممعنا في الخطأ . نبهتني زوجتي إلى أن أولئك الشباب ربما يزعجهم امتعاضي مما يفعلون فأصبح وهم معي هدفا لشيء من الإزعاج الذي يمكن أن يأخذ مسارا تصعيديا غير محمود العواقب . ابتعدت عنهم بعد أن أضاءت إشارة المرور ، وتذكرت تلك الإعلانات التي أطلقتها أمانة الرياض حول تطبيق الجزاءات والغرامات لإلقاء المخلفات في الطرق . تساءلت عن هذه الأنظمة والقوانين والمخالفات والغرامات التي تسن وتفرض من وقت لآخر دون أن تجد لها سبيلا إلى الاحترام والتطبيق في ظل غياب الرقابة والتفعيل على أرض الواقع . تذكرت منظر ذلك الشرطي في صالة الوصول في مطار الملك خالد وهو يدخن سيجارته تحت تلك اللوحة الكبيرة التي تعلن بدء تطبيق منع التدخين في مطارات المملكة ، وتذكرت كذلك منظر سائق سيارة الأجرة الذي يفتح باب سيارته ليبصق على الطريق بينما علبة المتاديل قابعة بجواره . أفضل دليل على أن الناس لا يطبقون القوانين في غياب الرقابة هو ما نراه عند إشارات المرور من تصرفات متباينة . فالإشارات التي تم تركيب كاميرات ساهر حولها تشهد كما رائعا من الالتزام ، حتى أن الناس أصبحو يبادرون إلى التوقف في اللون الأصفر قبل الأحمر . بينما في الإشارات التي لا ساهر فيها يختلط الحابل والنابل ، وترى الناس يعبرون الإشارة في كل الألوان وكأنهم مصابون بعمى الألوان . ولأن نظام ساهر لا يستطيع أن يراقب كل إشارة وكل شارع وكل حارة وكل زنقة ، فإنه سيظل نظاما فاقدا للفعالية إن لم يسبقه جهد تربوي وتوعوي . وعندما يصبح تطبيق الأنظمة نابعا من حسن الخلق والوازع الديني والاجتماعي واحترام الآخرين عندها تصبح هذه الأنظمة ذات فعالية ، حتى ولو لم تحقق عائدا ماليا من ذلك الكم الذي سال له لعاب شركة ساهر والشركات الشقيقة .

الخميس، 16 يونيو 2011

اليوم 142

وصل ليلة البارحة بحمد الله ورعايته السيد بيتر سائق العائلة الجديد قادما من دولة كينيا الشقيقة . وبوصوله بدأت جولة من التدريب والتأهيل لتعريفه بنمط الحياة في الرياض ، والمواقع والمحطات التي يرتادها أفراد الأسرة من مدارس وأسواق وبيوت الأقارب والأصدقاء وغير ذلك ، علاوة على إصدار الوثائق الرسمية من رخصة عمل تصريح إقامة ورخصة قيادة وفحص طبي وتأمين طبي وغير ذلك . وبوصوله يكون عدد أفراد الوافدين العاملين في المملكة قد زاد فردا واحدا ، في الوقت الذي يظل موضوع قيادة المرأة للسيارة مستعصيا ليس فقط على الحل بل حتى على الدراسة والنقاش الجاد . ومنذ دقائق أسعدني الأستاذ مقبل الذكير باتصال انتظرته طويلا ، تحدثنا فيه عن برنامج نطاقات الذي كتبت عنه في جريدة الاقتصادية على مدى السبوعين الماضيين ، وبدأ تطبيقه على أرض الواقع منذ بداية هذا الأسبوع . قلت له فيما قلت ، أن المشكلة في رأيي ليست في البرنامج ومحتواه وآليات تطبيقه ، بل في آليات التشريع التي تقوم من خلالها كل وزارة وهيئة ودائرة حكومية بوضع أنظمتها وتشريعاتها بشكل ذاتي . ومن ذلك قيام وزارة العمل بوضع برنامج نطاقاتها المزعوم ، ووضع وزارة الداخلية لائحة الأحوال المدنية ، ووضع وزارة الإعلام نظام النشر الإلكتروني ، وغير ذلك الكثير . هذه التشريعات والأنظمة تضعها كل جهة انطلاقا من أهدافها وأجنداتها الذاتية ، في غياب واضح لأي تنسيق مع أجندات وأهداف الجهات الأخرى ، ودون دراسة أثرها على مجمل منظومة التنمية . وإلى أن يتم تفعيل دور مجلس الشورى في منظومة التشريع ، وإلى أن يتم تفعيل دور وزارة التخطيط الذي يجب أن يكون أولى خطواته تحويلها إلى هيئة مركزية للتخطيط ، سنظل نسمع بين الفينة والفينة عن تشريعات تصدر من هنا وأنظمة تصدر من هناك ، وستظل القضايا الشائكة التي لا تقع ضمن اختصاص جهة محددة بعيدة عن التناول الجاد بالدراسة والتنظيم واتخاذ القرارات الملائمة بشأنها ، بما في ذلك قضية قيادة المرأة للسيارة ، وتحويل إجازة نهاية الأسبوع إلى الجمعة والسبت ، وغير ذلك الكثير . أحد المشكلات التي سأعيشها مع السائق الجديد هي تدريبه على قيادة سيارة ذات مقود أيسر ، فيما هو آت من دولة كل سيارتها من ذوات المقود الأيمن . وإلى أن يجتاز هذه المرحلة التدريبية سأضع يدي على قلبي في كل مرة يقود فيها السيارة بأبنائي خوفا من أي ارتباك أو سهو يمكن أن يوقعه ويوقعهم في مأزق أو ضرر .

الأربعاء، 15 يونيو 2011

اليوم 141

جلست كالعادة لمشاهدة نشرة أخبار الساعة الثامنة في قناة العربية لأتابع مستجدات الأخبار بعد أن غبت عنها لأربعة أيام متواصلة . الخبر الرئيس في النشرة كان عن الخسوف الكلي للقمر الذي ستشهده المملكة والمنطقة هذه الليلة ، حيث أفاد الخبر أنه سيكون الخسوف الكلي الأول الذي يشاهد في المملكة منذ أربعين عاما . عدت بذاكرتي إلى سنوات الطفولة محاولا أن أسترجع أية ذكريات قد أكون اختزنتها في عقلي الباطن عن مثل هذا الحدث عندما كنت في الرابعة أو الخامسة من العمر ، ولكن كل الصور التي استرجعتها في ذهني لم تكن بالوضوح الذي رجوته لأثبت لنفسي على الأقل مقدار قوة ذاكرتي . كل ما أذكره ولاح لي في تلك الصور هو كيف أن مثل هذا الحدث كان يتم التعامل معه بشكل تسيطر عليه المظاهر الدينية والروحانية ، فيشيع الخوف والهلع ، ويبادر الناس إلى الذهاب إلى الحرم النبوي الشريف لأداء صلاة الكسوف أو الخسوف ، وتلهج الألسن بذكر الله والدعاء برفع الغمة . وعلى مدى السنوات القليلة الماضية ، سيطر الحس المادي على مثل هذه الأحداث ، ولم يعد الناس يولونها مثل ذلك الاهتمام والتفاعل ، وأصبحو ينظرون إليها على أنها ظاهرة من الظواهر الطبيعية التي تقع وتمر دون أن ينتبه لها أحد ، اللهم إلا من يحملون شيئا من الاهتمام العلمي بالظواهر الفلكية ، أو يتابعونها من قبيل الفضول وحب الاستطلاع . ولأن الليلة هي ليلة خميس تقع في خضم ازدحام الامتحانات ، فإن كثيرا من الناس قد انخرطو بالفعل في برامج ومخططات ترفيهية دون أن ينتبه أحد إلى هذا الحدث أو يتفاعل معه . والحقيقة ، أن هذا الخبر قد أشاع في نفسي شيئا من الإحساس بالخوف الذي أعاد لي شيئا من مشاعر تلك الفترة من سنوات الطفولة ، خاصة وأن هذه السنة كانت منذ بدايتها مليئة بالكثير من أخبار الكوارث والمصائب والثورات والحروب ، علاوة على كثير من مشكلات الحياة الرتيبة والمصاعب المالية والأسرية التي جعلت هذه السنة بحق سنة كبيسة بأحداثها . عندها ، قمت إلى أداء صلاة العشاء ، ودعوت الله أن يجعل هذا الحدث الذي يخوف به عباده خاتمة للكوارث والمصائب ، وأن يجعل قابل أيامنا خيرا مما فات . عدت إلى المنزل وقد احمر قرص القمر ، ودخل في المرحلة الأولى من مراحل الخسوف المنتظر ، فجلست لكتابة هذه السطور وقد هدأت نفسي من ذلك الشعور بالخوف ، فيما ينتظرني أبنائي لأشاركهم برنامجهم الترفيهي لهذه الليلة ، وهو لحسن الحظ برنامج منزلي صرف ، إذ أن الرياض لا تضم كثيرا من البدائل لقضاء وقت ترفه فيها الأسرة مجتمعة عن نفسها .

الثلاثاء، 14 يونيو 2011

اليوم 140


خرجت بعد ظهر اليوم من رحاب شركة أرامكو وأنا ممتليء بمشاعر مختلطة وأفكار متضاربة . الأكيد أن هذه الزيارة ستمدني بمواد دسمة أملأ بها صفحات مقالي الأسبوعي في جريدة الاقتصادية لأسابيع عديدة ، وعليه فأنا أتطلع إلى صبر قراء هذه المدونة الكرام حتى أسرد خلاصة تلك التجربة في مقالات الجريدة . والحقيقة أن أرامكو هي فعلا كما قيل لي دولة شبه مستقلة . وأبرز أوجه هذا الاستقلال أنها تبدو من داخل أسوارها كما لو كنت قد غادرت البلد إلى مكان آخر ذو صفات مختلفة ويعيش فيه أناس ذوو طباع مختلفة ، مع أن أكثر السكان والعاملين في هذه الدولة هم من السعوديين مثلهم مثل أولئك الذين يعيشون خارج تلك الأسوار . أرامكو بحق مفخرة وأي مفخرة ، ولكنها أيضا لا تخلو من منغصات ، فلا شيء في هذه الدنيا يدنو من الكمال . ولكنها منغصات تختلف عن ذلك النمط الذي واجهني به ذلك الجندي المرابط عند جهاز فحص الحقائب في مطار الدمام والذي اصطدمت به عند عودتي الليلة من هناك إلى الرياض . هذا الرجل أصر على أن أعود أدراجي لأقوم بإدخال حقيبتي الصغيرة إلى الشحن بدلا من حملها داخل الطائرة ، وذلك لأنها تحتوي على زجاجة الشيشة التي أحملها معي كي لا أضطر إلى البحث عن مقاهي الشباب . قلت له أنني أتيت بذات الحقيبة يوم أمس من الرياض ولم يمنعني أحد في مطار الرياض من حملها إلى داخل الطائرة . فما كان منه إلا أن رد بالعبارة الشهيرة ، هذا هو النظام إن أعجبك وإلا فلا تسافر . أبديت استغرابي من هذا النظام المكتوب في رؤوس من ينفذونه فقط ، إذ أنه لو كان نظاما جادا لنفذه موظفو مطار الرياض أيضا ، وهم في العادة أكثر صرامة ودقة في تنفيذ الأنظمة . وقبل أن أتمادي في الجدل مع هذا الجندي جذبني رفيق الرحلة بعيدا عنه رأفة بي من تصعيد للموقف أنا الخاسر الوحيد فيه . شكرته على تنبيهه لي ، وقلت له بحسرة ، الأنظمة في أرامكو مكتوبة في كل ركن وعلى كل حائط ، رأيتها اليوم بأم عيني ، فكل شيء واضح للجميع ، ولا يمكن لأحد أن يفرض أمرا أو عقوبة على أحد إلا بناء على نظام منشور ومعلن ومعروف للجميع . أيقظني صديقي من سباتي إذ قال ، انتبه يا هذا ، فقد غادرنا دولة أرامكو المستقلة .

الاثنين، 13 يونيو 2011

اليوم 139

وصلت إلى الدمام وأنا لم أنل بعد حظا كافيا من الراحة بعد عودتي البارحة من جدة إلى الرياض ، خاصة وأنني التحقت باجتماع في هيئة المهندسين بعد وصولي مباشرة . هذه الرحلة إلى الدمام تتم باستضافة من شركة أرامكو السعودية ، فيما بدا أنه مسعى تبذله الشركة للتواصل مع كتاب الراي في الصحف ، حيث يصاحبني في هذه الرحلة عدد من الكتاب في عدد من الصحف السعودية . وبعد هذه الإنهاك ، ولأن برنامج أرامكو يبدأ كعادتها في الصباح الباكر جدا ، فإنه سيكون لزاما علي أن أخلد إلى النوم مبكرا هذه الليلة ، إذ أن برنامجنا سيبدأ في الساعة السادسة والنصف من صباح يوم غد ، فيما تم تحديد موعد الغداء في الساعة الحادية عشرة والنصف ، وهو للكثيرين موعد تناول وجبة الإفطار كما نراهم في الغرف المغلقة في الدوائر الحكومية . هذه المواعيد لا أسمع عنها إلا في شركة أرامكو والشركات الأخرى العاملة في المنطقة الشرقية ، وخاصة مدينة الجبيل . وأتساءل دائما عن السبب وراء اختصاص هذه المنطقة بهذا النمط النشط من ممارسة الأعمال ، في الوقت الذي يعرف به سكان مدينة جدة مثلا بنمط مغاير تماما ، يبدأون فيه يومهم في وقت متأخر ، ويأوون إلى فرشهم عند بوادر الصباح . وهل هذا الاختلاف في أنماط التوقيت يعكس ثقافة ما أم أنه نتاج نمط اجتماعي يطبع سكان كل منطقة . الأكيد أن هذا النمط يعكس مؤشرات الإنتاجية والنجاح والرقي الذي يطبع سكان المنطقة الشرقية عن سكان بقية المناطق ، ولا ريب أن أرامكو كانت المرجع الأهم والأول وراء هذا النمط وهذه الثقافة . يوم غد سيكون لي أن أعبر أسوار هذه المنظمة التي لا أعرف عنها الكثير بالرغم مما اسمعه وأقرأه عنها بين الفينة والفينة . كثيرون هم من يقولون أن وراء اسوار أرامكو دولة شبه مستقلة ، ليس من الناحية السياسية ، بل من ناحية القوانين والأعراف التي تنظم حياة الناس وتطبع سلوكهم الاجتماعي . والغريب أن أولئك السعوديون الذين يعملون في أرامكو هم من نفس المنبع الذي يأتي منه السعوديون الذين نراهم في أماكن العمل الأخرى ، وخاصة الحكومية منها ، وحتى تلك التي تقع في ذات المنطقة الشرقية التي تضم شركة أرامكو ومثيلاتها من الشركات . فما الذي يجعل هؤلاء يختلفون عن هؤلاء ، وما الذي ينقص موظفي القطاعات الحكومية حتى يكونو مثل نظرائهم السعوديين في تلك الشركات . ربما سأتمكن من الحصول على إجابة لهذه التساؤلات يوم غد .

الأحد، 12 يونيو 2011

اليوم 138

رحلة جدة كانت بحق مضيعة للوقت والجهد لولا أن حظيت بمقابلة بعض الإخوة الذين لم أرهم منذ فترة ، والتعرف على عدد آخر من الجمع القليل الذي يعد على أصابع اليد الواحدة الذين استقطبهم حدث سيتي سكيب جدة لهذا العام . وقد عقدت العزم على أن أسقط هذا الحدث من جدولي ، بعد أن كنت قد أسقطت نموذجيه الآخرين في دبي وأبو ظبي من قائمة الأحداث التي أوليها اهتمامي ومتابعتي . واليوم كان المؤتمر في يومه الثاني أضعف وأقل حضورا من يوم أمس ، مع أن موضوعات اليوم كانت أكثر أهمية مما احتواه جدول الأمس . أحد الموضوعات التي تضمنها جدول اليوم كان عرضا شيقا قدمه رئيس شركة مدينة المعرفة الاقتصادية عن هذا المشروع . ومع أن عنوان الجلسة كان يوحي بالحديث عن كل منظومة المدن الاقتصادية ، إلا أنه وبمهارة خصص العرض للحديث عن مدينة المعرفة ، وابتعد عن الحديث عن بقية المدن الاقتصادية . ولكن المتحدث قال فيما قال ، أن المدن الاقتصادية صممت ليختص كل منها بعدد من محفزات التنمية التي تتلاءم مع المميزات النسبية لكل منها بحسب موقعها الجغرافي وإمكانات الإقليم الذي يضمها . وقال أيضا أن تطوير تلك العناصر التنموية التي تضمها المدن يتم عادة على المدى الطويل ، فيما يكون العنصر العقاري هو العنصر الذي يتم تطويره على المدى القصير ، ليكون العنصر الذي يحقق تدفق الموارد المالية لشركة المشروع . عندما انتهى العرض وجدتني أرفع راية الحديث بذات النمط المشاغب الذي يتهمني به الكثيرون ، إذ أنني لم أتقبل هذا الطرح الذي قدمه المتحدث . فبناء المدن لا يتم وفق منظور عقاري ، بل إن محفزات التنمية يجب أن تكون هي الأولى بأولوية التطوير ، لتعمل على خلق فرص عمل تستقطب الناس للإقامة في هذه المدن ، ليخلق وجودهم طلبا طبيعيا على المنتجات العقارية من مساكن وفنادق ومراكز تجارية وغير ذلك . أما أن يتم بناء مساكن فارهة تعرض بأسعار فلكية في تلك المواقع النائية فإنها بكل تأكيد لن تجد الإقبال المأمول ، وحتى لو تم بيعها لمستثمرين مضاربين فإنها لن تخلق وجودا بشريا يقيم في هذه المساكن ، ويخلق حياة طبيعية في هذه المدن . مدينة المعرفة التي تقع في وسط المدينة المنورة تعد استثناء من هذا الطرح ، إذ أن عناصر التحفيز التنموي قائمة فيها بالفعل ، فالمدينة فيها المطار والمصانع والمدارس والجامعات ، والدولة تعمل على بناء محطة قطار الحرمين ، وفوق كل ذلك هي تضم الحرم النبوي الشريف الذي يعد عنصر الجذب الأهم . وبذلك يكون تطوير منتجات عقارية أمرا مفهوما بل ومحبذا حتى لو سبق تطوير بقية العناصر التنموية التي يضمها برنامج المدينة . وعلى أي حال ، فموضوع المدن الاقتصادية كان ولا يزال وسيظل يحمل كثيرا من علامات الاستفهام ، خاصة وأن هيئة الاستثمار رفعت يدها عن واقع المعاناة التي تعيشها ، مما دفع وزارة المالية للتدخل لتمارس دور المنقذ في حالة مدينة الملك عبد الله الاقتصادية ، وعلى المساهمين المتضررين الاستسلام لواقع مرير لا أحد يدري ماذا ومتى سيكون منتهاه .

السبت، 11 يونيو 2011

اليوم 137

سيتي سكيب جدة أثبت اليوم أنه يعيش حالة من الفشل المتواصل منذ أن عصفت الأزمة المالية العالمية بسوق المعارض العقارية التي كانت تعتمد على تسويق المشروعات الوهمية الحالمة . ومنذ أن وصلتني رسالة الشركة المنظمة منذ يومين حول نقل موقع المؤتمر من فندق هيلتون إلى قاعة المحاضرات التابعة إلى مركز جدة للمعارض أيقنت أن عدد حضور جلسات المؤتمر سيكون محدودا . ولأن مركز جدة للمعارض هو في الأساس حالة مزعجة من الفشل الذي يثير كثيرا من التساؤلات حول عجز غرفة جدة ورجال أعمالها عن بناء مركز لائق للمعارض في مدينة تعد العاصمة الاقتصادية الأولى للملكة ، فقد جاء المعرض والمؤتمر بذات المستوى المتدني من الأداء والحضور . وكالعادة ، غابت كل الأسماء العريقة في عالم العقار ، ولم يأت المعرض بأفضل مما أتى به معرض الرياض للعقارات الذي عقد الشهر الماضي . أولى جلسات المؤتمر اليوم شهدت صداما غريبا بين اثنين من رؤساء اثنتين من الشركات العقارية الكبرى في المملكة ، مما أشاع شعورا بكم الإحباط المسيطر على السوق العقاري من حالة الركود التي يشهدها على مدة السنوات الثلاث الأخيرة ، وصب الحضور جام غضبهم على التعقيدات البيروقراطية للإجراءات الحكومية التي عدوها العقبة الأكبر في سبيل حل مشاكل السوق العقاري . الغريب أن عددا من الشركات العقارية المحدودة التي شاركت في المعرض والمؤتمر لا زالت تعمد إلى عرض مشروعات من تلك التي لا يمكن وصفها إلا بمشروعات الأحلام ، ومنها مشروع تطوير حي الرويس في مدينة جدة ، والذي قدمه رئيس الشركة على أنه أحد مشاريع معالجة العشوائيات التي رفع رايتها أمير المنطقة . العرض الاحترافي الذي قدمه رئيس الشركة عن المشروع عرض رؤية تقارن بين هذا الحي في العامين 2009 و 2030 . ومع كل التساؤلات التي أثارها العرض عن نوعية السكان الذين سيستقطبهم هذا المستوى من التطوير الموجه لشريحة الأثرياء بدلا من المواطنين البسطاء الذين يبحثون عن مساكن ميسرة ، إلا أن السؤال الأهم كان عن المعالجة التي ستمكن سكان هذا الحي من عبور تلك الفترة الزمنية الطويلة لتطوير المشروع التي تصل إلى 21 عاما ، هذا إن لم يواجه المشروع عثرات تطيل أمد تطويره كما هو الحال في كل المدن الاقتصادية . وفي النتيجة ، فإن ما سيحصل هو ما أجزم به دوما في مثل هذه المشروعات ، وهو أنها ستؤدي إلى ترحيل العشوائيات ونقلها إلى مواقع أخرى على أطراف المدن ، وليس إلى معالجتها معالجة جذرية تعمد إلى تطويرها وتوطين سكانها دون أن يدفعهم هؤلاء المطورون إلى مغادرة أحيائهم بعد أن ينفحوهم بتعويضات مالية لا تغني ولا تسمن من جوع . والسؤال هو ، كم سيمر من الوقت قبل أن يرفع أمير المنطقة راية التهديد بسحب المشروع من هذه الشركة ، كما فعل منذ أسابيع قليلة مع مشروع تطوير حي خزام الذي شهد الكثير من الطنطة والتطبيل عند إطلاقه منذ أربع سنوات خلت ؟ .

الجمعة، 10 يونيو 2011

اليوم 136

أحد الإخوة الذين يكرمونني بقراءة هذه المدونة عاتبني على ما كتبته يوم أمس الأول عن لقائي مع ذلك المسئول في وزارة الإسكان وما صرح به حول عجزه عن تنفيذ مرئياته في العمل في ظل سيطرة الوزير على سير العمل وفرضه رؤيته الأحادية على الجميع . وقال لي أن حديثي سيؤدي إلى حرق هذا المسئول والإطاحة به بعد أن فضحته فيما قال . والحقيقة أن هذا العتب أصابني بشيء من الندم ولوم الذات ، مع أني لم أتعمد ولم أقصد الإساءة إلى هذا الرجل ، ولا الإضرار بأي شخص كان . وما أكتبه في هذه المدونة يعبر عن وجهة نظر شخصية بحتة أسعى فيها دوما إلى البعد عن الشخصنة والحديث عن أحد بعينه . كما أنني لم أعتقد أن ما أكتبه في هذه المدونة يمكن أن يصل إلى علم الوزير ، إذ أنني لا أعتقد أن الوزير أو ذلك المسئول أو أيا من المسئولين في أجهزة الدولة يطلع على مثل هذه المدونة ، أو يلقي بالا لما يكتب فيها . ولكن من جهة أخرى ، طالما أن الحديث لم يخرج عن إطار الموضوعية ، وطالما كان الهدف منه وضع اليد على مواطن الخلل لتجد ما تستحقه وتحتاج إليه من علاج وإصلاح ، فلماذا الخوف من مثل هذا الحديث ، ولماذا التحرج من قول كلمة الحق ؟ . إن ما قاله هذا المسئول عن وزيره ليس بالأمر الخافي على أحد ، ولا يختلف عما يعلمه ويراه الكثيرون في تصريحات وقرارات وتصرفات الوزير ، وكنت قد ذكرت شيئا من هذا القبيل في مقالات سابقة نشرتها جريدة الاقتصادية . فما الذي اختلف الآن ؟ . على أي حال ، سأجدد التزامي بأن أبتعد عن الشخصنة ، وأرجو ألا يقع ما خشي منه من عاتبني ، وألا يصيب ذلك المسئول أي ضرر على ما جناه من قول كلمة الحق ، وأرجو ألا يصيبني شيء من ذلك الضرر ، فالمسئول أبدى استغرابه عندما علم أنني أكتب في هذه المدونة ، وتساءل عما إن كنت قد تعرضت لشيء من المساءلة ، فاستغربت منه كلمة المساءلة واستكثرتها ، فهل ما أكتب هنا يستحق المساءلة ، وهل يخرج ما أكتب عن هدف الإصلاح والتطوير ونقد الذات ؟ . أم أن نظام النشر الإلكتروني الجديد قد نشر هذا الشعور بالخوف من الحديث حتى ولو كان هذا الحديث نابعا من حرص على مصلحة الوطن ورقيه وراحة مواطنيه ؟ .

الخميس، 9 يونيو 2011

اليوم 135

وصلت إلى المنزل عائدا من المطار حيث استقبلت ابنتي العائدة من شارقة الإمارات بعد أن أنهت فصلها الدراسي الثاني في جامعتها الأمريكية . ها قد مضى عام من أعوام الفراق الأربعة ، مضى طويلا بطيئا كأن كل يوم من أيامه سنة كاملة . عدت وأبنائي الأربعة بعد أن التم شملنا ونحن نعيش فرحة غامرة سوف تمتد بمشيئة الله طوال عشرة أيام كاملة قبل أن تغادرنا مرة أخرى للدراسة في فصل صيفي اختارت أن تسجل فيه لتخفف العبء عن كاهلها في السنوات القادمة . وللأسف ، لن يكون لي أن أحظى بهذا الاجتماع العائلي لكل هذه الفترة ، حيث سأذهب مضطرا يوم غد في رحلتين لأربعة أيام أحضر فيهما مؤتمر سيتي سكيب في جدة وزيارة أتطلع إليها بشغف إلى شركة أرامكو في المنطقة الشرقية . طريق العودة من المطار إلى المنزل يصطدم في العادة في نهايته بتحويلات طريق الملك عبد الله الذي تأخر افتتاحه الفعلي عن افتتاحه الصوري منذ حوالي الثلاثة أسابيع . ولكن المفاجأة كانت أن هذه التحويلات قد أزيلت اليوم ، ووجدت الطريق مفتوحا أمام حركة السيارات ، فسلكته لأول مرة عائادا إلى المنزل . هذه المفاجأة أضافت فرحة أخرى إلى فرحتي بعودة ابنتي ، وبدا الأمر كما لو أن الرياض احتفلت هي الأخرى بعودة ابنتي إليها ففتحت لها ذراعيها وأخلت طريقها الموعود من عوائق الحركة فيه . فرحة افتتاح الطريق كانت ظاهرة بشكل واضح ، إذ شهد الطريق ازدحاما منقطع النظير من عدد كبير من السيارات التي تسابق سائقوها ليكونو أول من يسلك هذا الطريق بعد افتتاحه الذي طال انتظاره . سألني أبنائي ، كم استغرق تنفيذ الطريق ، فأجبتهم بأنه استغرق ثلاث سنوات بالتمام والكمال . وجدت منهم نظرة استغراب واستنكار ، ولهم في ذلك كل الحق ، فتنفيذ طريق بهذا الطول والتصميم وبأنفاقه الأربعة ، وبواسطة مقاول بمكانة شركة سعودي أوجيه التي ذاع صيتها بقدرتها على الإنجاز السريع للمشروعات التي تضطلع بتنفيذها ، وتحت إشراف جهة مثل الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض ، لا يتطلب كل هذه المدة الطويلة ، خاصة في هذا الموقع الحيوي الذي تأثر كثيرا جراء التبعات التي أوقعها تنفيذ هذا المشروع . ومع الأمل بأن يتم إنجاز المراحل المتبقية من تنفيذ هذا المشروع بشكل أفضل وأسرع ، أترك كتابة هذه السطور لأعود لمشاركة أسرتي فرحة اللقاء ولم الشمل .

الأربعاء، 8 يونيو 2011

اليوم 134

حضرت اليوم اجتماعا مع أحد المدراء العامين بوزارة الإسكان في لقاء كنا كلانا قد اتفقنا على عقده منذ فترة . الرجل أسبغ علي كريم عطفه حين عبر عن إعجابه بما أطرحه في الصحافة من رؤى تتعلق بقضية الإسكان ، حتى ما كان منها يتناول بالنقد والتحليل دور هيئة الإسكان ، ومن ثم وزارة الإسكان ، في معالجة هذه القضية المستعصية على الحل . الاجتماع كان مخصصا لمناقشة هذه الرؤى التي كنت أسعى إلى أن تجد شيئا من التلقي الجاد علها تسهم في تصحيح مسار التعاطي مع هذه القضية . وفي الحقيقة ، فإن ما خرجت به من الاجتماع كان خليطا من اليأس والأمل في آن واحد . فمن جهة ، مارس هذا المسئول الدور المعتاد من المسئولين الحكوميين في الدفاع عن ما تقوم به وزارته ، وتبرير ما تتهم به من قصور وتقصير عبر إلقاء اللوم على جهات أخرى من أجهزة الدولة ، وعلى قلة الإمكانات البشرية مقابل حجم المسئولية الملقاة على عاتقها ، علاوة على إبراز وتضخيم ما قامت به من إنجازات في عمرها القصير ، والتأكيد على أنها تملك الآن برامج جادة وفاعلة لمعالجة المشكلة . قلت له فيما قلت ، أن مشكلة الوزارة هي في أنها سلكت الطريق الخطأ للوصول إلى حل المشكلة ، وهي بذلك وقعت في فخ التعرض للعقبات والمشكلات التي ذكرها في معرض حديثه . من ذلك ما اشتكى منه من قصور في الموارد البشرية يتطلبها برنامج تنفيذ مشروعات الإسكان التي كلفتها بها الدولة ، في حين أن الوزارة لن تحتاج إلى تلك الموارد البشرية الضخمة فيما لو تبنت مبدأ إيكال مهمة التنفيذ إلى القطاع الخاص ، وإسناد أعمال الدراسات والتخطيط والتطوير والبناء والتسويق إلى جهات متخصصة ، والاكتفاء بأداء الدور التشريعي والرقابي والتنظيمي الذي يفترض بها القيام به في الأساس . وبعد كثير من النقاش الذي انتابته شيء من الحدة في بعض الأحيان ، قال هذا المسئول ما يعجز عن قوله كثير من المسئولين أمثاله في كثير من المواقف . قال أنه يعلم صحة ما أطرحه ويطرحه غيري الكثيرون من رؤى حول هذا الموضوع ، ويقر بخطأ التوجه الذي اتخذته الوزارة ، فيما سماه موقفا شخصيا ينفصل عن موقفه الرسمي كمسئول في هذه الوزارة . ولكن مع هذا الاعتراف ، إلا أنه قال أنه لا يملك أن يقدم وجهة النظر هذه من موقع مسئوليته ، خاصة وأنه يعمل في وزارة يقودها شخص يتصف بالمركزية والتفرد في الرأي ، ويعمل وفق رؤية فوقية تنطلق من قناعة بعدم مصداقية كل المتحدثين حول هذا الموضوع ، سواء منهم الكتاب الذين لا يريدون إلا تصيد أخطاء المسئولين ، أو شركات القطاع الخاص التي لا تريد إلا أن تقطف ثمرة هذه المشاريع لتحقق مزيدا من الأرباح والعوائد . وإذا كان الوزير يدير هذه الوزارة الحيوية بهذا المفهوم وهذه القناعة وهذه السيطرة ، وهو في ذات الوقت يحمل كل هذا التجريم المسبق لكل أطراف اللعبة في شكل من أشكال ترسيخ أزمة الثقة بين القطاعين الحكومي والخاص ، فإن هذه المشكلة لن تجد طريقها للحل ، حتى ولو كان في الوزارة مثل هذا المسئول الذي اجتمعت به اليوم ، فهو لن يستطيع أن يقوم بالدور المأمول تحت مظلة هذا الوزير أحادي النزعة .

الثلاثاء، 7 يونيو 2011

اليوم 133

موضوع تسويق المنتجات والخدمات عبر الهاتف وبأصوات نسائية جذابة أصبح ظاهرة يتزايد استشراؤها منذ سنوات عديدة ، وأصبحت في الفترة الأخيرة نمطا يكاد يحتل مساحة من يوميات كل مواطن . كنت دوما أرى في هذه الظاهرة جوانب إيجابية ، كونها تمثل أحد مجالات التوظيف للفتيات ، وتوفر لهن موردا للرزق يعينهن على قضاء شئون الحياة ، وتخيلت كيف أن بعض الشركات تجنح إلى تشغيل الفتيات من منازلهن لأداء هذه المهام بما يحقق لهن عنصر الأمان والراحة . ولكنني اكتشفت اليوم فقط أن هذه الظاهرة ليست إلا واحدة من أسوأ وأبشع حالات الاستغلال لحاجات الناس لتحقيق أغراض تسويقية بطريقة مذلة ، بعد أن تعرضت لواحدة من حالات البيع القسري لبطاقات عضوية إحدى شركات الفنادق . ما اكتشفته هو أن هذه الشركات تحدد لكل موظفة من موظفات التسويق الهاتفي حدا أدنى في الأسبوع من عدد العملاء الذي يجب على كل منهن أن تقنعه بشراء تلك السلعة أو البطاقة أو الاشتراك . وإن لم تتمكن الموظفة من تحقيق هذه الكوتة فإنها تحرم من الحصول على مرتبها عن ذلك الأسبوع ، بل ويتم إنذارها كتابيا ، ويتم فصلها إن حصلت على عدد محدد من هذه الإنذارات . وتحصل الموظفة على حوافز إضافية عن عدد الزبائن الذين تصطادهم فوق ذلك الحد الأدنى الأسبوعي . وفوق ذلك ، فإن الموظفات لا يعملن من بيوتهن كما تخيلت ، بل إن عليهن الحضور إلى موقع مكتب التسويق ومركز الاتصال على نفقتهن وبوسائل النقل الخاصة بكل منهن . معظم الشركات تمارس ذات النمط ، ومنها شركات الفنادق التي تسوق بطاقات العضوية ، والبنوك التي تسوق القروض وبطاقات الائتمان ، وشركات السفر والسياحة التي تسوق بطاقات الاشتراك ، وغيرها الكثير والكثير . ما يحصل في النتيجة أن أولئك الفتيات ، اللاتي قبلن أصلا بهذا العمل تحت ضغط الحاجة والعوز ، يجدن أنفسهن مضطرات للتعامل مع كل أنواع الزبائن وتقبل كل أنواع التعدي والاستملاح وحتى سوء الأدب . بل إن بعضهن يضطر إلى استجداء الزبون حتى يقبل العرض لتكمل به نصيبها من الكوتة لذلك الأسبوع . بل إن منهن أيضا من تتمادى في الاستجداء لتمارس شيئا من الغنج والدلال والإغراء لتستميل هذا الزبون وتزيد به عدد النقاط المسجلة بما تزيد به مقدار الحافز المادي الذي ستحصل عليه . لم أر في حياتي مثل هذا المستوى الدنيء من المتاجرة بالبشر والدعارة المقننة واستغلال حاجات الناس لتحقيق مكاسب مادية . والمشكلة ، أن هذه الشركات توظف هؤلاء الفتيات في أقسام نسائية مرخصة من مكتب العمل وتحت مباركة هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وذلك لأنها تكون قد خصصت لهن مكاتب مستقلة بمداخل مستقلة مفصولة عن مكاتب الذكور في الشركة ، وهي بذلك تكون قد حققت معايير النزاهة والحماية والالتزام بالأصول الشرعية بحسب معايير هاتين الجهتين .

الاثنين، 6 يونيو 2011

اليوم 132

يرى المرء في حياته صنوفا شتى من البشر الذين تتنوع طباعهم وأهواؤهم ومناطقهم ، وهم في ذلك يتراوحون ويتفاوتون بين طرفي النقيض ويميلون ميلا من طرف إلى طرف . والغريب ، أن هذا التفاوت يقع بين الإخوة الأشقاء وهم قد عاشو وتربو في بيت واحد ووفق ذات الظروف . ولكن أشنع صنوف البشر هو ذلك الصنف الذي يتعامل مع الناس ، كل الناس ، من منطلق الأنانية وحب الذات ، ويفعل في سبيل تحقيق رغباته كل شيء وأي شيء ، ولا يترفع أو يهتز له جفن أن يجر أي نوع من الضرر حتى على أقرب الناس إليه . ومنذ فترة عايشت قصة ينفطر لها القلب بطلها أحد شباب هذا الجيل المترف الذي يبدو أنه تربى على الأنانية وحب الذات . هذا الشاب تزوج من فتاة من أسرة كريمة ، تعلقت به وأحبته ومنحته كل شيء من أجل بناء أسرة سعيدة . وطيلة عمر هذا الزواج مارس هذا الشاب كل صنوف التهرب من المسئولية في الإنفاق على أهل بيته ومتطلبات حياتهم . في حين أن زوجته التي سخر الله لها وظيفة جيدة تحملت أكثر من طاقتها في مساعدته على تحمل أعباء الحياة وتغطية نفقات العيش ، حتى أنها حصلت على قرض بنكي قدمته له طائعة حتى يتمكن من شراء منزل سجله باسمه منفردا ، وأسهمت بما تبقى من مرتبها الشهري في دفع رواتب الخادمة والسائق والصرف على أبنائهما الذين أنجبتهم له بكل الحب ، واشتغلت بتربيتهما أحسن تربية ، في الوقت الذي انشغل هو بنمط مستقل من الحياة عاش فيه متعه الخاصة بعيدا عن زوجته وأبنائه . وبعد أن وصل هذا الشاب إلى مرحلة من الاستقرار والاستقلال المالي ، وبعد أن واجهته زوجته بما لاحظت عليه من انغماس في علاقات نسائية مشبوهة ، بادر هذا الكافر بالنعمة إلى تطليق زوجته هكذا بكل دم بارد . الأنكأ من ذلك ، وهو ما سمعت به اليوم وأفسد مزاجي فيه ، أنه أبلغها بأنه لن يتحمل من نفقاتها وأبنائها أي شيء سوى ما تجود به نفسه دون أي التزام ، وتخلى عن مسئولية تربيتهم ، حتى أنه أبلغها بأنه لن يستطيع أن يراهم طيلة الصيف لسفره خارج المملكة في رحلة ربما ستكون بصحبة إحدى خليلاته المشبوهات . وعندما ألحت عليه في أن يتحمل مسئولياته المادية على الأقل فيما يتعلق بتربية أبنائه ما كان منه إلا أن رد عليها بكل استهتار طالبا منها أن تذهب إلى المحكمة إن لم يعجبها منه هذا الموقف . وبالطبع ، فإن هذا الشاب لم يفعل فعلته هذه إلا وهو يعلم علم اليقين كم هو عسير أن تحصل المرأة المطلقة على حقها في أروقة القضاء في بلادنا ، وكم هي ضعيفة في مواجهة هذه السطوة الرجولية لدى القضاة ، وكم هو يسير عليه أن يتهرب من مسئولياته لسنوات طوال قبل أن يتسنى لها أن تحصل ولو جزء من حقها وحق أبنائها . وفي ظل هذا الخلل في حالة القضاء يصبح هذا الصنف من الناس في منجى من العقوبة طالما فقدو الضمير الحي وحس الإنسانية ، وأصبحت الأنانية ديدنهم حتى لو كانت على حساب أبنائهم وفلذات أكبادهم ، فحسبنا الله ونعم الوكيل .

الأحد، 5 يونيو 2011

اليوم 131

خلال فترة عملي المهني تنوعت علاقات العمل بين القطاعين الحكومي والخاص ، وتنوعت معها التجارب في طريقة التعاطي مع كلا القطاعين . وأذكر منذ أكثر من 10 سنوات أننا اتخذنا في المكتب قرارا استراتيجيا بوقف تعاقدات العمل مع القطاع الحكومي ، وذلك نتيجة لتجارب مضنية عشناها مع هذا القطاع في تلك الفترة التي كانت ظاهرة تأخر صف مستحقات المقاولين والمتعهدين أمرا شائعا . ولأن طبيعة عملنا تعتمد على تقديم الفكر والمعرفة والاستشارات في مجالات الهندسة والعمران ، وهو نشاط لا يتطلب أصولا رأس مالية من أجهزة ومعدات وعقارات وغير ذلك ، فإنه يعد بالتالي في وجهة نظر البنوك قطاعا غير مضمون وغير مؤهل للحصول على التسهيلات البنكية . هذا الواقع أضعف قدرتنا على تحمل تأخر مصروفات العقود من الدولة في تلك الفترة ، وتوجهنا حينها للعمل مع القطاع الخاص أملا في أن يكون أكثر سلاسة في معالجة مشاكل التدفق النقدي . ولكن ، كانت نتيجة هذا التوجه مدمرة بشكل قاس ، إذ أننا وجدنا أن العمل مع القطاع الخاص أكثر خطورة في هذا البلد . ففي حين أن الحقوق في الدولة يتأخر صرفها ، إلا أنها تصرف في نهاية المطاف . إلا أننا وجدنا أن القطاع الخاص لا يعترف بالحقوق ، ويمكن بكل سهولة أن يتخذ صاحب العمل قرارا بوقف المشروع ، أو عدم صرف مستحقات العمل ، علاوة على الممارسات العشوائية والارتجالية في مصادرة الضمانات التي لا يحكمها شرع ولا قانون ولا منطق . كما أن اللجوء إلى القضاء لا يسعف في معالجة هذا النوع من المشاكل ، فنحن لا زلنا نعيش عددا من قضايا المطالبات المالية في أروقة المحاكم منذ أكثر من خمس سنوات . بعد هذه التجربة المريرة قررنا العودة للعمل مع القطاع الحكومي ، وأصبحنا أكثر تحفظا في العمل مع القطاع الخاص ، خاصة وأن الدولة أصبحت هي المشغل الأكبر للقطاع الخاص في ظل ارتفاع أسعار النفط ونمو الموارد . وبعد 3 سنوات من هذا التغير الاستراتيجي الذي تزامن مع بداية الأزمة المالية العالمية ، إلا أننا وجدنا أن مشكلة تأخر صرف الحقوق لا زالت على ماهي عليه . والسبب هذه المرة ليس قلة الموارد ، فخزينة الدولة ممتلئة لحد الفيضان على مشاريع هلامية مبهرجة لا جدوى منها ولا هدف . ولكن السبب هو الآليات المنهكة والإجراءات المعقدة التي تمر بها رحلة صرف المستحقات . وعلى سبيل المثال ، نكون اليوم قد أتممنا أكثر من 4 اشهر على تسليم أحد المشاريع لأحد أجهزة الدولة ، دون أن نتسلم حتى ريالا واحدا من قيمة العقد . وطيلة هذه الفترة كانت معاملة الصرف تتجول بين إدارة المشاريع وإدارة المشتريات والإدارة المالية والممثل المالي . وآخر الحجج الواهية لهذا التأخير التي قدمها الممثل المالي اليوم هي أنه طلب تقديم ضمان بنكي لحسن التنفيذ حسب النظام ، مع أن المشروع كان قد تم توقيع عقده قبل صدور النظام الجديد للمشتريات والذي يفرض هذا الشرط الجائر ، علاوة على أن المشروع قد تم إنجازه وتسليمه تسليما نهائيا ، فعن أي حسن تنفيذ يتحدث هذا الممثل الهمام ؟ .

السبت، 4 يونيو 2011

اليوم 130

يبدو أن كثرة السفر وتغيير الأجواء وغبار الرياض والتعرض للحرارة اللاهبة في صيف الرياض المبكر كل ذلك أضعف قدرتي على مقاومة المرض ، أو أن هذا الضعف هو أحد علامات التقدم في السن . إذ استيقظت اليوم أعاني من وعكة صحية ألزمتني الفراش ومنعتني من الذهاب للمكتب بالرغم من تراكم متطلبات العمل بعد غيابي لعدد من الأيام لدواعي السفر . ومع ذلك ، فقد تحاملت على نفسي وحضرت اجتماعا لم أندم على حضوره بالرغم من أنني عدت منه منهكا أيما إنهاك . الاجتماع كان لجمعية أواصر التي أنتمي إليها مع هيئة حقوق الإنسان ، غرضه بحث سبل التعاون بين الهيئة والجمعية . وفي هذا الاجتماع دار حديث شفاف حول ممارسات السعوديين في الخارج ، وتلك السمعة السيئة التي طبعت السعوديين حول اندفاعهم المحموم لتكوين علاقات مع النساء في الدول الأخرى ، سواء منها الشرعية الرسمية ، أو الشرعية المزيفة التي تتم عبر اتفاقات زواج عرفية مؤقتة ، أو حتى غير الشرعية منها . وكل هذه العلاقات تنتج كثيرا من المشكلات المعقدة ، بما فيها مشكلات الأبناء الذين يخلفهم آباؤهم في تلك الدول بعد أن يقضو وطرهم من أمهاتهم ، ويعودون إلى المملكة ليعيشو حياتهم الرتيبة دون أن يهتز لهم جفن جراء ما اقترفته أيديهم . الاجتماع دعا إلى تقنين الإسراف في فتاوى مظاهر الزواج التي أصبحت سائدة في مجتمعنا في الفترة الأخيرة ، بما فيها زواج المسيار والمسفار والصداقة وغير ذلك من صور الزواج التي تتعارض مع مفهوم الزواج ومبادئه الأساسية في تأسيس أسر صالحة . مشاركتي الوحيدة في الاجتماع كانت عبر الدعوة للنظر بجدية للمشكلات التي تعاني منها النساء السعوديات اللائي تزوجن من أجانب ، سواء منهن من هن يقمن في المملكة ، أو من يقمن في بلدان أزواجهن . أحد الحضور ضرب مثلا على هذه المشكلة في رجل يمني سرق بطاقة هوية وطنية لأحد المواطنين السعوديين ، وقام بتزييفها ووضع صورته عليها ، وقام بموجبها بالزواج من سيدتين سعودييتين في مكان ما من جنوب المملكة ، وأنجب منهما عددا من الأبناء . وبعد أن افتضح أمره ، بادرت إدارة الجوازات بالقبض عليه وترحيله إلى بلده ، تاركا وراءه زوجتيه وأبناءهما دون معيل ، ودون أن يحصلو على أية مستندات أو وثائق رسمية من تلك التي يحتاجون إليها لقضاء شئون حياتهم ، حتى أن الأبناء بلغ بعضهم سن الحادية عشرة دون أن يتمكنو من الالتحاق بمقاعد الدراسة . هذه الحالة وغيرها الكثير تشكل ظاهرة خطيرة ، ليس فقط كونها تخلو من الإنسانية ، ولكن لأنها أيضا تنشيء أجيالا يمكن أن يكونو عرضة للانحراف والإنجراف في مسالك الفساد والإرهاب . فهل يخرج مجلس الشورى الذي يدرس هذه الظاهرة في هذه الأيام بقرارات حاسمة وشافية تعالج هذه الظاهرة ؟ .

الجمعة، 3 يونيو 2011

اليوم 129

مع أن أخبار اليوم على شاشات الفضائيات سيطرت عليها مستجدات أحداث العنف المتصاعد في اليمن وسوريا على وجه الخصوص ، إلا أن ما لفت نظري اليوم هو الخبر الذي تناقلته وكالات الأنباء عن تصريحات وزير البترول والثروة المعدنية . وتصريحات هذا الوزير على وجه الخصوص لها وزن كبير في اهتمامات وكالات الأنباء ، كونها تنعكس بشكل مباشر وفوري على أسعار النفط العالمية ، وهو بذلك مطالب بأن يحسب حساب كل كلمة قبل أن ينطق بها . وبعيدا عن ما تضمنه تصريح الوزير حول أسعار النفط واحتياطيات المملكة ، فإن ما لفت نظري في التصريح هو حديثه عن توجه المملكة للتوسع في إنتاج واستخدام الطاقة الشمسية ، متوقعا أن يكون إنتاج المملكة من الطاقة الشمسية مساويا لإنتاجها من الطاقة النفطية . هذا الكلام يحمل بالطبع كثيرا من الملامح الإيجابية ، ويأتي انسجاما مع ما كنت أطالب به في مقالي عن هذا الموضوع الذي نشرته الاقتصادية قبل عدد من الأسابيع ، مع أني لا أظن أن الوزير قال ما قال استجابة لمطالبي في ذلك المقال . بعد أن استمعت إلى التصريح تذكرت ذلك المنظر الذي أثار في نفسي حرقة ما بعدها حرقة عندما كنت في طريقي إلى المسجد الذي أرتاده كل أسبوع لأداء صلاة الجمعة ، وهو الطريق الذي يمر بطريق الملك عبد الله الذي دشنه أمير منطقة الرياض الأسبوع الماضي . المنظر الذي أغاظني كان منظر أعمدة إنارة طريق الملك عبد الله وهي مضاءة في وضح النهار ، وهو منظر بالطبلع لا يختلف عما نشاهده من هدر في الطاقة في كثير من الطرق والمباني الحكومية ، ولكنني اغتظت لأن طريقا مثل هذه الطريق ، تم إنشاؤه بمئات الملايين من الريالات ، وقام على تصميمه وتنفيذه كبريات الشركات العالمية ، ومع ذلك فات عليهم جميعا وعلى رأسهم الإخوة في هيئة تطوير الرياض أن تكون أعمدة الإنارة فيه تعمل بالطاقة الشمسية ، أو أن تكون مزودة بمؤقت زمني على أقل تقدير . تذكرت أيضا مشهد جامعة الأميرة نورة بنت عبد الرحمن عندما مررت بها ليلة الأربعاء الماضي عند وصولي عائدا من القاهرة ، وكيف كانت الجامعة مشتعلة بكل وحدات الإضاءة فيها بينما هي لم تدخل بعد حيز التشغيل الفعلي . بعد هذين المشهدين رأيت أن أقول لمعالي الوزير ، ليتك تعالج مشاكل الهدر في الطاقة بدل أن تتحدث عن مصادر طاقة جديدة ، فمشكلتنا ليست في توفر الطاقة ، بل هي في كيفية استخدامها وإهدارها دون وعي ودون ضمير .

الخميس، 2 يونيو 2011

اليوم 128

منذ أن أعلن عن قيام أمير منطقة الرياض بتدشين الحركة المرورية في طريق الملك عبد الله قبل عدة أيام وأنا أتحرق شوقا لتجربة السير في هذا الطريق بعد ثلاث سنوات من المعاناة من تحويلاته واختناقاته . ولكن لم يتسن لي إشباع هذه الرغبة الجامحة في ذلك الحين نظرا لغيابي في رحلة القاهرة المفاجئة . وإذ عدت من هذه الرحلة ليلة البارحة ، فقد آليت على نفسي أن أذرع الطريق هذا اليوم ذهابا وجيئة لأطفيء شوق ومعاناة الانتظار ، وأشبع فضولي من تفاصيل تصميمه التي اختفت عن الأنظار وراء المتاريس الاسمنتية ، ولو أن ملامحها بدت على الأجزاء المفتوحة من طريق الخدمة ، عارضة نموذجا آخر من تطبيقات التصميم المبتذل الذي لا يخدم متطلبات الوظيفة وطبائع المستخدمين . المفاجأة كانت أن الطريق ليس جاهزا بعد للاستخدام الآدمي ، ولا زال مغلقا أمام حركة السير ، فالعمل فيه لم ينته بعد ، ولا زالت فرق العمالة تضع لمساتها هنا وهناك . إذن ، فتدشين الطريق وذلك الاحتفال والتغطية الإعلامية لم تكن سوى نموذجا آخر من الاحتفاء الصوري بمنجز لم يتم بعد ، مثله في ذلك مثل مشروع جامعة الأميرة نورة التي افتتحت ولما تنتهي أعمال إنشائها وتجهيزها بعد . علمت فيما بعد أن حفل التدشين تم على عجل ليتزامن مع الذكرى السادسة لبيعة الملك ، في شكل من أشكال الاحتفال والاحتفاء بهذه الذكرى . وأنا لا أدري إن كان هذا الترتيب تم بشكل مسبق ، أم أنه كان وليد اللحظة . فتاريخ هذه الذكرى معلوم للجميع ، وكان من الممكن تحديد هذا التاريخ لمقاول المشروع ليشحذ همته وينجز أعمال المشروع بشكل تام على أرض الواقع حتى يكون الاحتفاء حقيقيا وليس صوريا فقط . وعلى أي حال ، فصبر ثلاث سنوات طوال لن يضيره أن يمتد شهرا أو شهرين آخرين ، خاصة وأن امتحانات المدارس على الأبواب ، وسيحل عن قريب الموعد السنوي لتفريغ الرياض من ساكنيها الذين سيتسابقون هذه السنة على السفر مبكرا لاستغلال الفترة القصيرة المتاحة من إجازة الصيف قبل حلول شهر رمضان المبارك . وفيما أعلم من مصادري في هيئة تطوير الرياض ، فإن تصميم المشروع تم لكامل الطريق الذي سيتم تنفيذه على مراحل متعددة ، وليس الجزء الذي تم تدشينه الحركة فيه إلا واحدا من أجزائه ، إذ بدأت حالة المعاناة تمس السكان والمرتادين للطريق في أجزاء أخرى منه . السؤال الذي يراودني دوما ، هل سيتم إنجاز الطريق بذات ملامح التصميم الذي تم تنفيذه في الجزء الأول ، أم أن اختلاف المقاولين سيؤدي بالتبعية إلى اختلاف ملامح أجزائه ، ليكون لكل مقاول لمسته الخاصة على الجزء الذي قام بتنفيذه .

الأربعاء، 1 يونيو 2011

اليوم 127

وصلت عائدا إلى الرياض من القاهرة . هذا اليومان اللذان قضيتهما في القاهرة عزلاني عن متابعة الأخبار بمختلف أشكالها ، وخاصة المحلية منها . أحد الأخبار التي فاجأتني وأنا أتصفح جرائد المملكة على متن الطائرة كان خبر حصول شركة إعمار المدينة الاقتصادية على قرض من وزارة المالية قيمته خمسة مليارات ريال . وموطن الاستغراب من هذا الخبر هو في هذا الدور الجديد الذي أصبحت تقوم به وزارة المالية في منح القروض لشركات القطاع الخاص . هذه هي المرة الأولى التي أسمع فيها عن وزارة مالية في أي دولة من دول العالم المتقدم والمتأخر تقوم بهذا الدور الذي يفترض عادة أن تقوم به مؤسسات التمويل الحكومية أو الخاصة . ولأن هذه الشركة لم تستطع فيما يبدو أن تتمكن من إقناع أي من مؤسسات التمويل في المملكة بقدرتها على إنجاز المشروع ومصداقيتها المهنية للحصول على التمويل اللازم لإنجاز المشروع ، ولأن هذا المشروع يحمل اسما لا يمكن أن يرتبط بأي شكل من أشكال الفشل ، فقد بادرت وزارة المالية بلعب هذا الدور التمويلي لإنقاذ المشروع وشركته التي مارست كل صور الفساد المالي منذ نشأتها وتأسيسها بأموال المساهمين من المواطنين الغلابة . ولكن الحقيقة أن مجرد منح الشركة هذا القرض بهذه الكيفية هو دليل فشل ذريع ، خاصة وأن المشروع يعاني من تأخير فاضح في برنامجه الزمني ، وخلل كبير في تركيبته التي سيطر عليها الفكر العقاري الخالي من أي قيمة تنموية حقيقية . الخبر تضمن تقديم الشركة مساحة من أرض المشروع بلغت مساحتها حوالي 25 مليون متر مربع كضمان لهذا القرض ، وهو ما يعني بحسبة بسيطة احتساب المتر المربع من هذه الأرض بقيمة 200 ريال ، في الوقت الذي تم احتساب أرض المشروع في مذكرة الاكتتاب حسب ما أذكر بقيمة 500 ريال للمتر المربع الواحد ، وفي الوقت الذي تسوق الشركة أراضي المشروع المطورة بأسعار تفوق هذا الرقم بكثير . وبذلك ، فإن هذا القرض الذي منحته وزارة المالية للشركة يعد شكلا من أشكال إهدار المال العام الذي ترفع وزارة المالية راية حمايته ، خاصة في ظل غياب أي إعلان شفاف لمصروفات الشركة في الفترة الماضية منذ تأسيسها ، وأين ذهبت تلك المليارات التي جمعتها في ذلك الاكتتاب المشئوم ، وأيضا في ظل غياب أي آليات لمراقبة الكيفية التي سيتم بها صرف قيمة القرض الذي جعل مساهمي الشركة من المواطنين مدينين للدولة . السؤال هنا ، هل ستقوم الوزارة بتقديم قروض أخرى لبقية الشركات التي تقوم على تطوير المدن الاقتصادية الأخرى ، وهي تعاني ذات الوضع المزري الذي تعاني منه شركة إعمار المدينة الاقتصادية ، أم أن هذه الشركة بالذات ستكون الشركة الوحيدة التي تحظى بهذه الرعاية الكريمة من وزارة الخزينة ووزيرها الهمام .