التجميل

الاثنين، 20 يونيو 2011

اليوم 146

الشكوى السائدة في قطاع الأعمال على مدى السنوات الثلاث الماضية هي من قصور التمويل بمختلف أشكاله ومصادره ، خاصة بعد أن ارتفع سقف التحفظ في البنوك التجارية ، وانكفأ المستثمرون على خزائنهم من منطلق أن النقد هو الملك . ومع أن الدولة هي الممول الأكبر في هذه الفترة لمشاريع التنمية ، إلا أن تنفيذ هذه المشاريع من قبل شركات المقاولات والاستشارات ومزودي الخدمات يتطلب حصولها على تسهيلات ائتمانية تمكنها من أداء التزاماتها التعاقدية التي يتطلبها نظام المشتريات الحكومية الجائر . والعجيب أن هذه الشركات تقوم في الحقيقة بمهمة تمويل تنفيذ مشاريع الدولة حتى مراحل معينة يمكن لهم فيها أن يقدمو فواتيرهم ومطالباتهم ليبدأ الصرف عندها من قبل الدولة ، وفي العادة يقوم المقاول بتمويل حوالي 30% من قيمة المشروع قبل أن يبدأ بالحصول على أية موارد مالية نظير ما أنجزه من أعمال . ومن الممكن أيضا أن يتم المقاول إنجاز مشروعه ليبدأ بعدها رحلة مملة للمطالبة يمستحقاته المالية الختامية . آخر هذه الحالات التي سمعت عنها ، ناهيك عن تلك التي عشتها ولا زلت أعاني تبعاتها ، هي تلك الحالة التي سمعت عنها اليوم في مشروع جامعة الأميرة نورة . فقيمة المشروع الفعلية بحسب مجمل مستخلصات المقاولين الثلاثة الكبار هي 43 مليار ريال ، في الوقت الذي لم تصرف وزارة المالية لهم حتى الآن سوى مبلغ 20 مليار ريال ، أي ما يعادل أقل من نصف قيمة المشروع . وأنا في الحقيقة لا أدري ما هو ثمن هذا التمويل الذي يقدمه أولئك المقاولون نظير تأخير صرف هذه المبالغ ، ولكنني متأكد من أن هذا الثمن قد تم تضمينه مسبقا في أسعار التنفيذ منذ البداية . وهؤلاء المقاولون الكبار يملكون خطوطا ائتمانية هائلة لدى البنوك تمكنهم من تحمل مثل هذا التأخير في الصرف ، ولكن صغار المقاولين والاستشاريين يعانون الأمرين وهم لا تعتد بهم البنوك ولا تعيرهم أي انتباه . وفي المقابل ، أسمع من وقت لآخر عن عقود تقوم بها بعض شركات الوساطة لتمويل مشاريع خيالية هي في أغلب الأحيان مشاريع عقارية الطابع . ومثل هذه الوساطات تتم بالتنسيق مع أشخاص متنفذين في البنوك تتم وفق ترتيبات منها ما هو فوق الطاولة ومنها ما هو تحتها . أجد نفسي في كثر من الأحيان في حيرة من أمري ، فهل سلوك هذا السبيل يقع في حكم الضرورات التي تبيح المحظورات ، أم أن الرشوة هي الرشوة مهما حاولنا تجميلها وتهذيبها وتبريرها لتكون أكثر قبولا ؟ .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق