التجميل

الثلاثاء، 9 أغسطس 2011

اليوم 196

غادرت جدة مساء اليوم متوجها إلى المدينة المنورة التي وصلت إليها مساء هذا اليوم . هذه الرحلة الرمضانية أسعى لأن تكون عادة سنوية أجدد بها علاقتي مع مدينتي التي ولدت ونشأت فيها ، وأوطد علاقة أبنائي بها واتنماءهم إليها . ومنذ وفاة والدتي الغالية منذ سبع سنوات وأنا أعيش مشاعر مختلطة في كل مرة آتي فيها إلى المدينة ، بين حنين يصحو وذكريات تطفو على هموم العمل والحياة اليومية وأحزان على فقد أحبة واراهم الثرى عن النظر ولم يوراهم عن حنين الذكريات . لقائي مع إخوتي الذين آثرهم الله بالبقاء في هذه المدينة والسكن في جوار المصطفى عليه الصلاة والسلام لقاء يتجدد به الود وتتوطد به العلاقة مع أبناء الجيل الثاني من الطرفين . ومع أن وجه المدينة قد تغير كثيرا عن تلك الصورة التي لا زالت عالقة في ذهني أيام الطفولة والشباب المبكر ، إلا أن كل ركن من أركانها يحكي حدثا أو قصة من أحداث تلك الفترة ، ويجدد الأمل في العودة يوما ما للإقامة في هذا الجوار الكريم . وعلى الصعيد المهني ، كنت أسعى دوما إلى وضع قدم لنا في المدينة المنورة ليكون العمل سببا في تكثيف التواجد فيها ، ورغبة في الحصول على بركة المكان في الرزق . ولكن كل تلك الجهود لم تؤت أكلها ولم تفلح في تحقيق تلك الرغبة ، في ظل ما تعاني منه من تدن في مستوى أداء أجهزتها الحكومية ، ومستوى الاسترخاص المزعج الذي تمارس به الأعمال فيها ، شأنها في ذلك شأن كثير من مدن الدرجة الثانية والثالثة . كنت دوما أسمع عن أن المدينة ليست محظوظة بمسئوليها ، وربما يكون هذا من اللأواء التي وعد الرسول عليه الصلاة والسلام الصابرين عليها بالجنة . وكنت دوما أحس بشيء من الأسى لترك المدينة سعيا وراء الرزق ، وأخشى من أن أكون ممن ورد فيهم الحديث القائل أن المدينة تنفي خبثها . ويوم أمس كنت أستمع إلى برنامج يحكي قصة من قصص الصحابة رضوان الله عليهم ، وقال فيها الراوي أن ذلك الصحابي آثر في آخر حياته أن ينتقل من المدينة إلى الشام ليعيش فيها إلى أن انتقل إلى جوار ربه . تساءلت حينها عن صحة ذلك الحديث مقابل ما أشهده من تناقض على أرض الواقع . فالصحابة الأجلاء الذين تركو المدينة إلى أماكن أخرى لا يمكن أن يكونو من الخبث الذي ينفى عن المدينة ، وفي المقابل ، فإن المدينة يعيش بها كثير ممن ينطبق عليهم هذا الوصف ، وخاصة في وقتنا الحاضر ، بمن فيهم المسئولون المقصرون ، والفاسدون الذين أصبحت القصص تتواتر عنهم وعن فسادهم في المحاكم وكتابات العدل وكثير من الأجهزة الحكومية . هدأت نفسي قليلا من ذلك التوجس ، وعلمت أن الخبث موجود في كل مكان ، وان الصلاح والاستقامة محلها القلب وليس المكان الذي يعيش فيه المرء . وبالرغم من ذلك ، فإنني أرجو أن يأتي ذلك اليوم الذي تصبح في المدينة مكانا جاذبا يحمل من فرص العمل مثل ما تحظى به مدينة مثل الرياض ، حتى يمكن أن يجد فيها المرء فرصة لحياة كريمة تحيطها بركة الجوار الكريم لخير البشر .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق