التجميل

الأحد، 8 يناير 2012

اليوم 348

وصلت قبل قليل إلى منزلي في الرياض متعبا منهك القوى بعد أن أنهيت رحلة برية طويلة حضرت فيها اجتماعا في مدينة الدمام صباح اليوم وآخر في الأحساء بعد الظهر . ومع أن مثل هذه الرحلات تبدو طويلة متعبة إلا أنني أعدها أكثر كفاءة وفعالية من تلك التي أستخدم فيها الطيران وسيلة للتنقل ، خاصة وأن الخطوط السعودية لم تستطع بعد أن تجد حلا لهذا الازدحام المتواصل على رحلاتها بين الرياض والدمام ، والتي يعجز المرء فيها أن يجد مقعدا قبل أسبوعين في المعدل العام . الجانب الذي يعجبني أيضا في هذه الرحلات البرية أنها تسمح لي أن أتجول في المدن التي أرتادها إن وجدت فسحة من الوقت ، وهو ما فعلته اليوم في الأحساء التي وصلت إليها قبل موعد الاجتماع المقرر ، فتجولت قليلا في مدينة الهفوف قبل أن أذهب إلى الاجتماع . ومنطقة الأحساء هي إحدى مناطق المملكة التي تملك رصيدا عريقا من التاريخ والحضارة ، وتضم كثيرا من الآثار لحضارات قديمة سكنت هذه المنطقة ، إضافة إلى كونها أحد أهم مواقع الزراعة في المملكة منذ القدم ، وتعد واحة نخيل وأشجار كبيرة كانت في الماضي مصدر الغذاء الرئيسي للدولة السعودية في بداية عهدها . ومع ذلك ، فإن معالم هذه المدينة لم تكن تدل على هذه المكانة المهمة ، وملامحها تعاني من إهمال وقصور كبيرين في جهود التنمية والتطوير ، وشوراعها ضيقة ومبانيها تعاني من القدم والتهالك وسوء الحال . الشيء الذي أتعجب له كثيرا في كل مرة أزور فيها إحدى مدن المملكة هو هذا التشابه الكبير في ملامح هذه المدن ، فلا أكاد أجد طابعا خاصا لأي منها مهما كان موقعها في سهل أو على جبل أو ذات واجهة بحرية . السبب الذي أجده مفسرا لهذا المشهد هو ذلك التعميم المطلق لأنظمة لبناء التي تبنتها وزارة الشئون البلدية والقروية ، والتي أغفلت خصوصية البيئة الطبيعية والمناخية المتباينة لمدن المملكة . فهذه الأنظمة تفرض ذات المعايير والشروط والارتفاعات والارتدادات والأنماط العمرانية بشكل موحد ، وهي لا تقدم أية مساحة أو محفزات للبناء وفق ملامح الهوية المحلية لكل منطقة ، ولا للبيئة الخاصة بها . وفي النتيجة ، فإن الزائر لهذه المدن يجد ذات الطابع المعماري وذات أشكال المباني في الرياض الصحراوية وجدة والدمام البحريتين وأبها الجبلية والأحساء الزراعية . وربما تكون مكة المكرمة والمدينة المنورة هما المدينتان الوحيدتان اللتان تحملان شيئا من الاختلاف في هذا النمط المعماري نتيجة لارتفاع قيمة الأراضي في المناطق المحيطة بالحرمين الشريفين ، مع أن هذا الاختلاف لا يعبر عن الهوية المحلية الخاصة في هاتين المدينتين مثلها في ذلك مثل بقية المدن . أنهيت جولتي في الأحساء وحضرت اجتماعي فيها ثم عدت إلى الرياض وأنا أفكر في الطريقة التي يمكن أن نقنع بها وزارة البلديات لتطوير أنظمة البناء المعمول بها حاليا ، والتي تكاد تحتل مكانة الكتب المقدسة ، حتى نحقق لمدننا ما تستحقه من تميز عمراني وهوية محلية خاصة لكل منها .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق