التجميل

الأحد، 22 يناير 2012

اليوم 362

منذ أن وصلت إلى بلدة بنتوتا الساحلية الصغيرة في سريلانكا وأنا منقطع تقريبا عن العالم ، ويبدو أن إدارة الفندق الذي أقيم فيه تتعمد إضعاف إرسال شبكات الهاتف الجوال حتى توفر لنزلائه انقطاعا قسريا عن منغصات العمل وأخبار الدنيا . واليوم تسربت إلى هاتفي الجوال إشارة ضعيفة أعادت إليه الحياة فانسابت إليه مجموعة من الرسائل التي تضمنت أخبارا متنوعة وبعض الاتصالات المفقودة . تصفحت هذه الرسائل في عجالة ، واستوقفني من بينها رسالة واردة من أحد منسوبي المكتب يبلغني فيها بأن فريقا من مفتشي مكتب العمل قد قام بزيارة مفاجئة اليوم إلى مقر المكتب ، وهو ما أحدث ربكة كبيرة بين الموظفين ، واضطر بعضا منهم إلى التخفي والهرب ، وهم أولئك الذين لم نتم بعد إجراءات نقل كفالتهم . مثل هؤلاء نتعاقد معهم بشرط إنهاء فترة تجربة يتيحها نظام العمل مدتها ثلاثة أشهر ، ومن الطبيعي عدم إنهاء إجراءات نقل الكفالة إلا بعد نجاح التجربة . ولكن مفتشي مكتب العمل لا يفهمون هذا التسلسل ، وهم يوقعون سياط العقوبة والغرامات على أية حالة من مثل هذه الحالات لموظفين ينتظر إنهاء نقل كفالتهم بعد إنهاء فترات التجربة النظامية . شعرت للحظة أنني أقرأ خبرا عن وفد مفتشي الجامعة العربية في دمشق ، فهو تماما كمفتشي مكتب العمل ، يراقب دون أن يفهم ، ويعاقب دون أن يعدل . هذا النمط من التفتيش من قبل مكتب العمل هو إجراء مطلوب لمتابعة تطبيق الأنظمة والالتزام بها ، ولكن المشكلة هي في كيفية تطبيقه ، وتلك الحرفية الانتقائية في التطبيق ، تماما كتلك الانتقائية في اختيار المؤسسات التي تشن عليها غارات التفتيش هذه . ومكاتب العمل في هذه الحالات هي الخصم والحكم ، والقاضي والجلاد في آن معا . فهي تسن الأنظمة ، وهي تراقب تطبيقها ، وهي تحدد الغرامات والعقوبات ، وهي أيضا من يحكم بإيقاعها وتطبيقها ، وهي من يملك إيقاف الحاسب الآلي ، وهي من يهدد ويتوعد . شعرت أن دمي بدأ يفور ، وأنني افتقدت لحظات الراحة التي عشتها منذ أن وصلت إلى هنا ، فكتبت رسالة رد إلى المكتب تتضمن بعض التوجيهات للتعامل مع الأمر ، ولكنني لم أتمكن من إرسالها إذ عاود الإرسال الانقطاع ، وعاد هاتفي الجوال إلى الصمت المطبق ، فأغلقته ووضعته في خزينة الغرفة ، وخرجت لأتمشى على شاطيء البحر ، علني أنسى هم مكتب العمل وغيره ممن يخنقوننا بهذه الممارسات .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق