التجميل

الاثنين، 19 سبتمبر 2011

اليوم 237

نستعد منذ عدة أيام لتقديم عرض مالي لإحدى الوزارات يخص أحد مشروعاتها . أكثر ما يشغلنا في كل مرة نعمل فيها على مثل هذه العروض هو إصدار الضمان البنكي المصاحب للعرض ، في ظل إصرار الأجهزة الحكومية على الإذعان الحرفي لنظام المشتريات في هذا الجانب . الأمر الذي يغيظني أن هذا التطبيق الحرفي للتعليمات والأنظمة يكون ظاهرا وبارزا عندما يتعلق الأمر بحمالية الدولة وأجهزتها في عقودها وأعمالها ، ولكن هذه الأنظمة تكسر وتخدش وتتحطم عندما يكون الأمر متعلقا بتقصير موظف أو مسئول في الدولة ، أو عندما تكون الدولة أو أحد أجهزتها هي الطرف المستفيد من مثل هذه التجاوزات . وعندما يتعلق الأمر مثلا بإصدار الضمانات البنكية التي تثقل كاهل المتعاقدين مع الدولة يكون الأمر حتميا وغير قابل للنقاش ، ولكن عندما يطلب المتعاقد أن يحصل على حقوقه يصبح الأمر أكثر مرونة وتساهلا في تطبيق الأنظمة ، ويكون عليه أن ينتظر عودة الموظف من إجازته ، أو توقيع المدير العام ، أو اعتماد الممثل المالي . وعندما يعبر المتعاقد عن امتعاضه يأتي الرد ببساطة .. "لماذا أنت مستعجل" ، أو "ما عند الدولة لا يضيع" . اتصلت بعد ظهر اليوم بأحد المسئولين في الوزارة التي نعد عرضها الذي سيقدم الأسبوع القادم لأتأكد من موعد تقديم العرض بعد إعلان يوم السبت إجازة رسمية في مناسبة العيد الوطني . قلت له أنني أريد التأكد من الموعد لنتمكن من تقديم طلب إصدار الضمان البنكي في الموعد المناسب ، فأجابني إجابة مفاجئة عندما قال أنه لا يلزم تقديم ضمان بنكي لهذا العرض . لم أرد أن أثير كثيرا من الأسئلة فأكون كمن قال الله تعالى فيهم " لا تسألو عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم " . ولكنني شكرته على هذا الإيضاح الذي أزال هما ثقيلا عن كاهلي . وكالعادة يتكرر السؤال الذي يراودني دوما في مثل هذه الحالات ، إذا كان هذا التطبيق مسموحا ومقبولا من قبل أحد أجهزة الدولة فلماذا التعنت في تطبيقه في بقية الأجهزة . أليست كلها تدين وترجع إلى مرجعية واحدة ، أم أن كلها منها يعمل برؤيته الخاصة لتطبيق مثل هذه الأنظمة . عرفت هذا المسئول الذي أبلغني بهذه الإفادة على مدى ثلاث سنوات مضت لم أر منه على مداها إلا حرصا على الأمانة والاحترافية المهنية ، ولم أسمع يوما أنه بحث عن مصالح أو مرابح خاصة ، مع أنه يمسك برقاب كثير من المقاولين والاستشاريين المتعاقدين مع وزارته . إعجابي وتقديري لهذا الرجل زاد كثيرا بموقفه معي هذا اليوم ، إذ أنه كان يمكن أن يكون كمثله من المسئولين في تعنتهم في تطبيق الأنظمة دون مرونة أو وعي ، ولكنه أضاف بما فعل معنى آخر للمهنية التي لا تتوقف عند قوانين متحجرة بل تتجاوزها لما فيه المصلحة الأكبر في تنفيذ المشروعات وإنجازها وفق ما وضع لها من برامج وخطط .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق