التجميل

الأربعاء، 14 سبتمبر 2011

اليوم 232

منذ أن بدأت أعمال الهدم والحفر في الأرض الملاصقة لمنزلي ونحن نعاني الأمرين من إزعاج أطار النوم من عيوننا ، مع أن هذه الأعمال كانت قد توقفت أثناء شهر رمضان المبارك فاستبشرنا خيرا ، ولكننا عدنا إلى الدق والتكسير الذي يبدأ منذ الصباح الباكر حتى قبل أن يغادر الطلاب إلى مدارسهم . عدت إلى منزلي بعد ظهر اليوم لتناول طعام الغداء فوجدت أن الدق كان أكثر إزعاجا من قبل . لم أتمكن من احتمال هذا الصوت المزعج الذي كان أشبه بمطرقة تدق داخل رأسي فخرجت لأرى ما الذي يفعله هذا المقاول . نزلت إلى موقع الحفر فرأيت عاملا يدق دقا متواصلا في طبقة صخرية ، ولم أفهم لماذا يريد هذا المقاول تحطيم هذه الطبقة بدل أن يضع أساسات مشروعه عليها . سألت العامل عما يفعل فقال أن هذه تعليمات معلمه التي ينفذها مع أنه غير مقتنع بها . رأيت هنا أن هذا المقاول إنما يستغل جهل مالك المنزل ، والذي اكتشفت أنه سيدة من الجيران كبيرة في السن لا حول لها ولا قوة ، ليحصل على مزيد من المال مقابل عمل لا داعي له . ولكي أعطل هذا الاستغلال سألته إن كان يعمل بموجب تصريح للحفر فأجابني بالنفي ، فهددته بأن أشتكيه هو ومعلمه إلى البلدية إن هو استمر في الحفر دون ترخيص ، وقفلت عائدا إلى منزلي . بعد قليل رن جرس المنزل وأبلغني ابني بأن جارتنا تريدني عند الباب ، فخرجت إليها لأجدها تلومني على التدخل وتعطيل العمل . قلت لها أن ما يجري خطأ هندسي ، وأن المقاول يريد استغلالها بعمل لا حاجة له . استفاقت هذه السيدة المسكينة ، وطلبت مني المساعدة ، فطلبت منها أن تطلعني على مخططات مشروعها لأرى لماذا كل هذا الحفر وفي مثل مثل هذا الصخر . بعد العصر أرسلت إلي نسخة من المخططات مع ابنها الشاب . صدمتي كانت أكبر عندما رأيت هذه المخططات التي أعدها مكتب استشاري هندسي مرخص ، وهي مع ذلك تعج بالأخطاء والمصائب المعمارية والهندسية . نقلت رأيي للشاب الذي نقل ما قلت لوالدته التي اتصلت ترجوني أن أسعفها وابنها في هذه الورطة ، وعرضت أن أتولى كامل المشروع . اعتذرت بلطف متحرجا من أن تعتقد أنني قلت ما قلت طمعا في هذا المشروع أو بحثا عن مصلحة ، ولكنني لم أجد منها إلا مزيدا من الإصرار والاستعطاف ، فاتفقت معها أن أقوم بدور المستشار من قبيل المساعدة لجار يواجه استغلال مقاول وضعف مهندس في سوق تعصف به هذه الممارسات الهوجاء المليئة بالجرائم المهنية . عدت إلى المنزل وقد تملكني شعور بالخجل والحرج والقهر من هذا المكتب الذي خان أمانة المستشار بهذا العمل الركيك الذي باعه إلى هذه السيدة المسكينة بثمن بخس ، ومن غياب مخل لدور البلديات في مراقبة هذه الممارسات ، وهي الجهة التي راجعت هذه المخططات الرديئة وأصدرت بموجبها رخصة بناء نظامية . عالمنا مليء بمثل هذه السيدة من مواطنين يقعون ضحايا لهذه العصابات من استشاريين ضعاف ومقاولين لصوص يهدرون أموال الناس في مبان ومشاريع رديئة ، والبلدية تقف موقف المتفرج الذي يتحمل ذات المسئولية في هذه الجرائم . وإلى أن تصحو البلدية من هذا السبات ، وترفع هيئة المهندسين من معايير تأهيل المكاتب الهندسية ، سيظل الحال على ماهو عليه ، وسيبقى الناس من شاكلة هذه السيدة المسكينة ضحايا هذا الواقع المرير .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق