التجميل

الثلاثاء، 20 سبتمبر 2011

اليوم 238

من الطبيعي أن يسعى المرء لتحقيق مصالحه في هذه الحياة ، بما فيها المصالح المادية التي يرومها من عمله أو وظيفته أو تجارته . هذه المصالح تدخل في حيز الحرام عندما تكون ناشئة عن اكتساب حق غير مشروع ، ومن ذلك السرقة والرشوة والاختلاس وغير ذلك من الممارسات التي تقود إلى حرام بصفتها حراما في الأساس . ومن الطبيعي أن لا أحد يملك الجرأة لإباحة هذا الحرام أو تبريره ، مع أن البعض يطلق على بعض أوجه هذه الممارسات مسميات تجملها وتجلعها أكثر قبولا . فالرشوة تصبح عمولة ، والربا يصبح فائدة ، والاختلاس يصبح استعارة ، وزواج المتعة يصبح مسيارا ، إلى غير ذلك من أمثلة الممارسات التي نلبسها أقنعة تخفي حرمتها عن الناس . وهناك شكل آخر من الممارسات التي عمت وشاعت وأصبحت أقرب ما تكون إلى العادة ، وأراها تقريبا كل يوم في حالة من حالات المشروعات التي نعمل فيها وعليها . أحد أكثر هذه الممارسات التي تزعجني هي محاولة تصيد الأخطاء لتحقيق مصالح من وراء ذلك . واليوم عشت حالة من هذه الحالات التي وجدت نفسي فيها مضطرا لمواجهة من النوع السخيف المحبط . القصة أننا دعونا عددا من المقاولين لتقديم عروضهم في مناقصة لإنشاء مشروع لأحد عملائنا . وعندما جلسنا هذا المساء في اجتماع لجنة فض مظاريف المناقصة وبحضور المالك وممثليه ، وبعد أن أنهينا تسجيل العروض وقيمها وما عليها من ملاحظات ، فوجئت بأن المالك بدأ يصب سيلا من اللوم علينا ، واتهمنا بالتقصير في إعداد وثائق المناقصة ، وأنها مليئة بالأخطاء . حاولت أن أفهم هذا العميل أننا معرضون للخطأ ولكننا نسعى للدقة في عملنا ، وأن أية أخطاء في وثائق المنافسة يمكن تداركها قبل التنفيذ إن ثبت وجودها ، وأن الغرض من هذه المنافسة هو تحديد المقاول الأفضل من ناحية السعر والكفاءة وشروط التنفيذ ، وأن مثل هذه الأخطاء التي يزعمها لا يمكن أن تفضل مقاولا على آخر لأن التعديلات ستعمم على جميع المتنافسين . رأيته فجأة يركز على أحد المقاولين ، ليعلن بعدها أن المقاول اتصل به وأبلغه بما رآه من أخطاء ، وأنها تدل على ضعف الاستشاري وقلة كفاءته . تبين لي جينها أن هذا المقاول يريد أن يصطاد في الماء العكر ، فقام بتجاوز إجراءات المنافسة واتصل بالمالك ليخلق لديه هذا الموقف ويسيء إلى صورتنا وسمعتنا لديه ليكسب تأييده وتعاطفه أملا في منحه العقد بعيدا عن المنافسة وضغط الأسعار ، وبعيدا عن إشراف استشاري سيمنعه من التلاعب في أعمال المشروع ومواده . كل ما فعلته أنني شرحت لهذا العميل حقيقة الموقف ومقدار الخطأ والخطر في مثل هذا التجاوز ، وبينت له أنه حر في اختيار المقاول الذي يريد وبالسعر الذي يريد ، ولكنه ليس من حق أحد أن يطعن في كفاءة أحد ، أو يقلل من شأن أحد ، لا لشيء سوى الفوز بمصلحة من عقد أو عمل . خرجت من الاجتماع وأنا أرثي لحال هذا العميل إن لم يثب إلى رشده ، ولحال هذا المقاول إن فاز بالعقد بهذه الطريقة ، فهو في رأيي ليس إلا حراما في حرام .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق