التجميل

الخميس، 15 ديسمبر 2011

اليوم 324

جبيل قرية من قرى لبنان الجميلة ، وهي تمتاز بأنها تضم كثيرا من الآثار والمعالم العمرانية القديمة التي جعلتها محطة سياحية رئيسية في هذا البلد . عندما توجهت إلى جبيل صباح اليوم توقعت أن أرى ذلك المشهد الذي أراه عادة في محطات مثل هذه كما هو الحال في روما ومالطا وبرشلونة وماديرا وغيرها الكثير ، ولكنني فوجئت بأننا كنا تقريبا الزائرون الوحيدون هناك إلى جانب مجموعة من السياح الهنود . المنطقة كانت جميلة بالفعل ، وكان يفوح منها عبق التراث ويلفها سحر ثقافي جميل أكمل جماله منظر البحر وميناء الصيادين وزوارق الصيد الخشبية ، وهو ما زاد من عجبي من هذا الفراغ الذي رأيته هناك . سألت زوجتي التي كانت قد جاءت إلى هذا المكان من قبل ما إذا كان المشهد هو ذاته في تلك المرة ، أم أن فصل الشتاء فرض شيئا من العزلة على هذا المكان ، فأجابت بأنه كان أكثر انشغالا ولكن ليس بالقدر الذي أتوقعه . تعجبت كيف أن هذا المكان الجميل لم ينل حظه من الاهتمام الذي يستحقه ، وهذه السطحية التي طغت عليه ، خاصة عندما رأيت في السوق القديم صورا للملك فهد والملك عبد الله معروضة للبيع ، وهي بالطبع لا تنتمي إلى هذا المكان ، في الوقت الذي لم أر أي معلومات أو كتيبات أو حتى خرائط وصورا عن هذه المنطقة . بعد العصر زرت وسط مدينة بيروت المعروف بمنطقة سوليدير ، فوجدته أكثر انشغالا بالزوار والسياح . المنطقة جميلة بالفعل ، بل هي من أجمل مناطق وسط المدن التي زرتها في حياتي ، وأنا أتعجب لماذا عجزت مدننا العربية الأخرى عن الاقتداء بهذه التجربة ، بما فيها مدينة جدة التي يزخر وسطها بمعالم تراثية وعمرانية جميلة دون أن ترى حتى الآن أيا من خطط التأهيل السياحي التي نسمع عنها منذ أن تأسست هيئة السياحة ، ومثلها في ذلك وسط الرياض والدرعية وحتى بستكية دبي والقاهرة التاريخية ، كلها عجزت أن تكزن مثل سوليدير . وإذا كان نموذج وسط بيروت يثير كثيرا من الجدل حول الاستغلال الذي مارسته الشركة المطورة ضد الملاك السابقين فإنني أقول أن هذه الحالات من الاستغلال شائعة في كل بلداننا العربية ، ولا أعتقد أن هذا النموذج يختلف عن نموذج نزع الملكيات الذي حصل في المدينة المنورة أو الرياض أو غيرها من المدن ، ومع ذلك فإن نموذج التطوير والتشغيل الذي رأيته في وسط بيروت يفوق كل تلك النماذج ، بل ويبرر ذلك الاستغلال إن كان قد وقع بالفعل ، فالمستفيد في النهاية هي المدينة ، وهذا التطوير سيبقى عنصر جذب لها على مر الزمن . ومع كل ذلك ، إلا أن بيروت تملك كثيرا من الإمكانات والفرص لتحقيق استغلال أفضل لطاقاتها ومواردها السياحية ، بما في ذلك تطوير السياحة الثقافية والآثارية التي رأيت نموذجا فاشلا لها في جبيل صباح اليوم ، حتى يمكن على الأقل أن تنحسر عنها صفة سياحة السهر والتجمعات التي زبائنها الأول هم شعبنا الخليجي الهمام .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق