الشعب اللبناني شعب مضياف بحق ، وكل من التقيت بهم هنا في بيروت أحاطوني
بلطفهم وكرمهم الحاتمي ، وأسعدني فيهم تلك البساطة والانفتاح في العلاقات الاجتماعية
بعيدا عن التحرز والتعقيد . واللبنانيون هم أكثر شعوب العرب تحضرا بما يملكونه من تنوع
في الثقافات والحضارات . وهم أيضا إلى جانب الحضارم أكثر من نشرو ثقافتهم في أصقاع
العالم الذي انتشرو فيه بحثا عن الرزق والعلم ، حتى بتنا نسمع عن منجزاتهم في المكسيك
وأفريقيا والشرق وكثير من بلدان العالم . هذا الظاهرة أثارت في نفسي تساؤلا عن قضية
الانتماء ، وهل هذه الهجرة تعد دليلا على نقص الانتماء للوطن ، أم أنها نتيجة لمعاناة
عاشها أولئك المهاجرون في وطنهم فدفعتهم إلى الهجرة . ولبنان كما قلت بلد يحمل كل مواصفات
الجمال والحضارة التي تجعله محل جذب للكثيرين من مختلف الشعوب ، فلماذا نجده في المقابل
طاردا لأبنائه الذين آثرو الانتقال إلى بلدان أخرى طلبا للعيش الكريم . الأكيد أن كثيرا من الدول تدين في
نهضتها لأبناء لبنان الذين أسهمو بعلمهم وعملهم في البناء والتعمير فيها ، والذين دعمو
اقتصاد بلدهم بالتحويلات المالية التي أسهمت في إنعاش خزينة الدولة . وهم بذلك يستحقون
أن يكون بلدهم أكثر
عطفا عليهم ، وأن يتيح لهم فرصة العيش الكريم الذي يرومونه . هذه الرسالة
يجب أن تصل إلى أسماع وعقول ساسة هذا البلد الذين أشغلتهم صراعاتهم وخلافاتهم الطائفية
عن العمل الدؤوب لتحقيق ما يستحقه لبنان من نهضة ، ولا أدري إن كانت مظاهر الربيع العربي
التي عمت أرجاء الوطن العربي غائبة عن فهم هؤلاء الساسة . أحد الإخوة الذين التقيت
بهم اليوم أثنى على الاستقرار الذي تعيشه المملكة في ظل هذه الأوضاع المحيطة ، ورأى
أن هذا الاستقرار ناتج عن اهتمام الساسة بنهضة البلد وتنميته . ومع أنني أتفق معه فيما
ذهب إليه ، إلا أن المال والاقتصاد ليسا كل شيء ، والتنمية يجب أن تكون شاملة لكل مناحي
الحياة ، بما في ذلك تنمية العقول والبشر والخدمات وكثير مما نتطلع إليه في بلادي ،
كي لا يأتي يوم نرى فيه السعوديين وقد وجدو في الهجرة بعيدا عن وطنهم ملجأ لحياة كريمة
كما هو الحال مع الإخوة اللبنانيين
.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق