التجميل

الأربعاء، 21 ديسمبر 2011

اليوم 330

ليلة البارحة وردت رسالة إلى هاتفي الجوال من أحد المواقع الإخبارية تتضمن تصريحا لوزير التربية والتعليم بصدور توجيه خادم الحرمين الشريفين بمنح المعلمتين اللتين قضيتا في حريق مدرسة جدة قبل حوالي الشهر وسام الملك عبد العزيز من الدرجة الأولى ومنح عائلتيهما مبلغ مليون ريال لكل منهما . الخبر خلق في نفسي شعورين متناقضين إلى درجة الحدة ، فمن جهة شعرت بكثير من التقدير لهذه البادرة الكريمة لتطييب خواطر عائلتي المرحومتين اللتين فقدتاهما هكذا دون سابق إنذار ، والتعبير عن مقدار الأسى على هذه الفاجعة ، والتعاطف مع أهليهما . ومن جهة أخرى وجدت فيه شيئا من الاعتذار غير المعلن عن مسئولية الدولة حيال هذه الفاجعة ، وهو ما رأيت فيه هروبا من مواجهة الحقيقة باعتذار صريح ومعلن من وزارة التربية والتعليم عن تقصيرها في أداء واجبها بما أدى إلى وقوع هذه الكارثة . المشكلة أن أجهزتنا الحكومية تترفع عن تحمل مسئوليتها تجاه أي خطأ ، ووزارة التربية والتعليم ليست بمنأى عن هذا الأسلوب المتعالي في التعامل مع الناس ومشاكلهم الناجمة عن أخطائها وتقصيرها في أداء واجباتها . واليوم خضت نقاشا حول هذا الموضوع مع أحد الإخوة الذي رأى أن هذه البادرة غسلت أحزان أهالي الضحايا ، فوجدتني أنبري مدافعا عنهم في محاولة لتحقيق شيء من التوازن في هذا الموقف . سألته عن بقية الضحايا من الطالبات ، ولماذا لم ينل أهلوهن أيضا شيئا من التعويض ، أم أن أرواحهن أرخص من أرواح المعلمتين .ثم لماذا لم تخرج الوزارة باعتذار واضح صريح عن تقصيرها في توفير وسائل السلامة في هذه المدرسة ، ولماذا تحركت وشكلت لجنة لمعاينة بقية المدارس بعد وقوع الكارثة بدل أن يكون هذا الإجراء تقليدا نمطيا يتم اتباعه بشكل دوري . ثم ماذا عن بقية الأجهزة ، ولماذا سكت الحديث عن مسئولية الدفاع المدني وهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والثقافة العامة التي تحجر على النساء حقهن حتى في الهرب من ألسنة النيران وتكتب عليهن أن يلاقين حتفهن حتى لا ينفضح سترهن أمام الرجال النهمين للنظر إلى أجساد الفتيات حتى في مثل هذا الحادث الأليم . مبادرة الملك خرجت تعبيرا عن شعور الوالد بفداحة الكارثة التي ألمت ببعض أبنائه ، ولكنها لن تغسل أحزان أهليهم ولا شعورهم بالغبن من تقصير أجهزة حكومية أودى بحياة أبنائهم . كل ما أرجوه أن تكون هذه الكارثة جرس الإنذار الأخير للوزارة لتقوم بما يجب عليها القيام به حفاظا على أرواح أبنائنا الذين هم أمانة في أعناق مسئوليها ، وألا نضطر إلى أن نعيش كارثة أخرى حتى تفتح خزائن الدولة لتطييب الخواطر والاعتذار المبطن .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق